أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 59

جلسة 16 من يناير سنة 1978

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وأحمد رفعت خفاجي، وإسماعيل محمود حفيظ.

(11)
الطعن رقم 646 لسنة 47 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "اعتراف". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل من الأسباب". حكم. "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم. طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(2) إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استناد الحكم صحيحاً إلى دليل ثابت في الأوراق. كفايته.
(3) حكم. "بيانات التسبيب". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام".
البيان المعول عليه في الحكم. هو الجزء الذي يبدر فيه اقتناع القاضي. دون غيره.
(4) حكم. "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام ".
تزيد الحكم فيما لا يؤثر في منطقه أو النتيجة التي خلص إليها. لا يعيبه.
(5) قتل عمد. قصد جنائي. إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
قصد القتل. أمر خفي يستخلصه القاضي من الظروف المحيطة بالدعوى والأمارات الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير العقوبة". عقوبة. "العقوبة المبررة". نقض. "المصلحة في الطعن".
انعدام مصلحة الطاعن في المجادلة في توافر سبق الإصرار. ما دامت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة للقتل العمد مجرده من أي ظرف مشدد.
1 - لما كان البين من الرجوع إلى المفردات أن الطاعن طلب بتاريخ....... مقابلة رئيس المباحث بالقسم حيث أدلى له باعترافه فأثبت ذلك بمحضره وأحاله إلى النيابة في ذات اليوم حيث ردد اعترافه على نحو ما سلف بيانه، فإنه مع التسليم بأن الأمور جرت بداية ومآلا على هذا النحو فإنها ليست بذات أثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة وهى أن الطاعن قد اعتراف بناء على طلبه طواعية واختياراً بما أسنده الحكم إليه، ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة، لما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
2 - لما كانت مدونات الحكم واضحة الدلالة على أن ما حصله الحكم من أقوال الشاهد له أصوله الثابتة فيما قرره......... ولم يجد الحكم فيما عول عليه منها عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فقد انحسرت عنه بذلك قالة خطأ التحصيل وفساد التدليل.
3 - من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجية عن سياق هذا الاقتناع.
4 - إن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه خطؤه في بيان مكان العاهة التي أحدثها ذوو الطاعن بالمجني عليه - من قبل والتي كانت محلاً لدعوى مطروحة على القضاء ورفض المجني عليه الصلح بشأنها وهو ما أثار حفيظة الطاعن وإصراره على قتله، ذلك بأن الخطأ في تحديد موضع في مكان هذه العاهة الرأس بدلاً من الذراع - بفرض حصوله لم يكن بذي أثر في معتقد المحكمة وقضائها في شأن سبب الحادث والإصرار عليه، بل أن حذف لفظ مكان العاهة - الرأس - من المساق الذي ورد فيه من مدونات الحكم لا ينال من صواب استدلاله له على ما هو بصدده.
5 - قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
6 - لما كانت العقوبة المقضى بها على الطاعن وهى الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجردة عن أي ظروف مشددة، فإنه لا يكون له مصلحة فيما أثاره من فساد استدلال الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وما أن ظفر به حتى انهال عليه ضرباً على رأسه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. وادعت زوجة المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات طنطا قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة مع إلزامه أن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، قد انطوى على خطأ في الإسناد وشابه الفساد في الاستدلال، ذلك بأنه ناقض الثابت بتقرير رئيس المباحث المؤرخ 15/ 7/ 1972 من أن الطاعن طلب مقابلته في يوم 3/ 7/ 1972 وأدلى له باعترافه، حين أسند الحكم الرغبة في إبداء هذا الاعتراف إلى طلب قدمه الطاعن لوكيل النيابة المحقق، كما عول الحكم على أقوال الشاهد....... رغم ما انطوت عليه من فساد التحصيل الذي صرفها عن مبناها ومعناها إذ أثبت المحقق عند سؤاله أنه مضطرب ويهزي في أقواله، بما لا يسوغ معه أن يدعم بها الحكم قضاءه، وقد رد الحكم سبب الحادث إلى إصابة المجني عليه بعاهة مستديمة برأسه ما زالت دعواها مطروحة على القضاء وأنه رفض الصلح مع عائلة الطاعن مما أثار حفيظة هذا الأخير، في حين أن تلك العاهة كانت بذراع المجني عليه ولم يتهم الطاعن بإحداثها حتى يدبر أمر قتله، هذا إلى أن السعي للصلح، وما رواه الشهود من أن الطاعن لم يكن يحمل أداه للاعتداء بها، وجذب المجني عليه من فوق الدابة وضربه بالأيدي والأرجل، إنما ينتفي معه قصد القتل فضلاً عن سبق الإصرار، ولا يستدل عليهما بكيفية إخفاء الجثة بعد الوفاة، خاصة وأن القتل ما كان يمنع من نظر دعوى العاهة، كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من اعترافه، وأقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية، ومن المعاينة وتحريات الشرطة وهى أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه حصل اعتراف الطاعن - مما له معينه الصحيح من المفردات المضمومة فيما نصه: "فقد اعتراف المتهم بتحقيقات النيابة عند استجوابه بتاريخ 3/ 7/ 1972 بناء على طلبه بأنه جذب المجني عليه من فوق الدابة التي كان يمتطيها صباح يوم الحادث عند رؤيته له ماراً بالطريق الزراعي أثناء وجوده بحقله فسقط على الأرض حيث فارق الحياة ثم قام بعد ذلك بإخفاء جثته بمكان القمامة العمومي". وإذ كان من بين ما أورده الحكم في مساق تدليله على انتفاء إكراه الطاعن على هذا الاعتراف قوله: "إن المتهم عندما سئل بادئ ذي بدء بتحقيقات النيابة بتاريخ 2/ 7/ 1972 أنكر ارتكاب الحادث وعلل الإصابة التي كانت بجبهته أنها حدثت نتيجة دفع أحد رجال المباحث له وارتطامه بالحائط، وأن اعترافه إنما صدر في اليوم التالي وبناء على طلب تقدم به للسيد وكيل النيابة المحقق دون وجود أي إصابات أخرى......"، وكان يبين من الرجوع إلى المفردات أن الطاعن طلب بتاريخ 3/ 7/ 1972 مقابلة رئيس المباحث القسم حيث أدلى له باعترافه فأثبت ذلك بمحضره وأحاله إلى النيابة في ذات اليوم حيث ردد اعترافه على نحو ما سلف بيانه، فإنه مع التسليم بأن الأمور جرت بداية ومآلا على هذا النحو فإنها ليست بذات أثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة وهى أن الطاعن قد اعتراف بناء على طلبه طواعية واختياراً بما أسنده الحكم إليه، ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة، لما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على تحقيقات النيابة أنه عند سؤال الشاهد......... - شقيق الطاعن - بتاريخ 2/ 7/ 1972 تبين أنه مضطرب الأعصاب ويهذى في أقواله فأثبت المحقق ذلك وكف عن الاسترسال في مناقشته، ولما عاود سؤاله في اليوم التالي، وقد زال اضطرابه وهدأت نفسه، أدلى بمعلوماته وفسر ما اعتراه - في اليوم السابق - من هول الحادث، وإذ كانت مدونات الحكم واضحة الدلالة على أن ما حصله الحكم من أقوال الشاهد له أصوله الثابتة فيما قرره - بتاريخ 3/ 7/ 1972، ولم يجد الحكم فيما عول عليه منها عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فقد انحسرت عنه بذلك قالة خطأ التحصيل وفساد التدليل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجية عن سياق هذا الاقتناع وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر في منطقة أو في النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه خطؤه في بيان مكان العاهة التي أحدثها ذوو الطاعن بالمجني عليه - من قبل والتي كانت محلاً لدعوى مطروحة على القضاء ورفض المجني عليه الصلح بشأنها وهو ما أثار حفيظة الطاعن وإصراره على قتله، ذلك بأن الخطأ في تحديد موضع في مكان هذه العاهة - الرأس بدلاً من الذراع - بفرض حصوله لم يكن بذي أثر في معتقد المحكمة وقضائها في شأن سبب الحادث والإصرار عليه، بل أن حذف لفظ مكان العاهة - الرأس - من المساق الذي ورد فيه من مدونات الحكم لا ينال من صواب استدلاله له على ما هو بصدده. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله: "إن الدليل قائم عليها في الدعوى الماثلة من وجود الضغينة بين عائلة المتهم والمجني عليه والذي سبق أن اتهم بعض أفراد عائلة المتهم بإحداث عاهة برأسه منذ حوالي سنتين سابقتين على تاريخ الحادث وإزاء عرض المتهم الصلح على المجني عليه ورفض الأخير ذلك فقد بيت المتهم النية على قتله وما أن ظفر به حتى انهال عليه ضرباً على رأسه بالأيدي والأرجل عدة مرات متتالية فأصابه بالإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والسالف بيانها والتي من شأنها أن تؤدي إلى الوفاة الأمر الذي يفيد حتماً أن المتهم قد انتوى إزهاق روح. المجني عليه"، وإذ كان الحكم قد حصل من تقرير الصفة التشريحية المشار إليه" وجود كسور منخسفة بالعظم الصدفي الأيمن والأنف وحجاج العين اليمنى مصحوباً بأثر انسكاب دموي بيسار الفروة وأن الوفاة جنائية نشأت نتيجة هذه الكسور - وقد أجهز المتهم على المجني عليه وبتر أطرافه ثم وضعت الجثة داخل جوال من الخيش وأشعلت النار بها إلى درجة التفحم بقصد إخفاء معالم الجريمة". فإن هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها، ومن أن الطاعن وهو في معية رهط من ذويه قد ألفى المجني عليه وهو مسن مريض، أعزل فريد في طريق جافاه المارة وافتقد أعين الرقباء، فريسة طيعة للقتل وما تلاه من تجزئة الجثة ونقل أشلائها لمواراتها بالقمامة وحرقها، إنما هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعن، كما هي معرفة به في القانون، وإذ ما كانت العقوبة الموقعة على الطاعن وهى الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجردة عن أي ظروف مشددة، فإنه لا يكون له مصلحة فيما أثاره من فساد استدلال الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.