مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1957) - صـ 1318

جلسة 29 من يونيه سنة 1957
(136)

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم والإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1769 لسنة 2 القضائية

( أ ) حكم - وجوب تنفيذ منطوقه مرتبطاً بأسبابه - قضاء محكمة القضاء الإداري بإلغاء الأمرين الملكيين رقمي 40 و41 الصادرين في 14 من نوفمبر سنة 1949 والأمرين الملكيين رقمي 53 و54 الصادرين في 9 من نوفمبر سنة 1950 فيما تضمنته من ترك المدعين في الترقية إلى وظيفة سكرتير ثالث أو وظيفة قنصل المماثلة - تأسيس قضائها على أن الأخذ بمبدأ أقدمية الوظيفة لا يكون إلا بالنسبة لمن هم في السلك السياسي أو القنصلي، أما المعينون من خارج هذين السلكين فتجرى في شأنهم القواعد العامة فيما تقضي به من ترتيب الأقدمية على أساس أسبقية الحصول على الدرجة المالية - وجوب التزام القواعد التي رسمتها هذه الأحكام وإعادة ترتيب الأقدميات على مقتضاها - من الخطأ في التنفيذ أن تلغى أقدمية أحدث المرقين بالأوامر الملكية المقضى بإلغائها وذلك على أساس وضعهم القائم وقتذاك في ترتيب الأقدمية وهو الوضع الذي عيبته الأحكام التي جرى تنفيذها بل المتعين بادئ ذي بدء تصحيح الأوضاع ثم إلغاء ترقية أحدث المرقين بموجب تلك الأوامر.
(ب) ميعاد الستين يوماً - إلغاء ترقية المدعي إلى وظيفة سكرتير ثالث نتيجة تنفيذ خاطئ لبعض الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري - التنفيذ الصحيح لتلك الأحكام كان يقتضي إعادة ترتيب الأقدميات وفقاً للأسس التي رسمتها مع الإبقاء على ترقية المدعي - لا وجه لأن يحاج المدعي بأنه قد فوت على نفسه الميعاد القانوني للطعن في القرارات الصادرة بتحديد أقدميته تحديداً خاطئاً في وظيفتي ملحق ثان وملحق أول - أساس ذلك.
(جـ) حكم بالإلغاء - تنفيذه - الحكم بإلغاء الأمر الملكي الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 بإلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث - من المتعين تصحيح ترتيب الأقدميات في الوظائف التالية وضعاً لها في نصابها القانوني الصحيح ما دام أن المدعي قد بات يشغل وظيفة سكرتير أول منذ 30 من نوفمبر سنة 1955.
1 - يبين من مطالعة الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري في الدعاوى أرقام 108 و506 لسنة 4 القضائية و386 و387 و628 و688 لسنة 5 القضائية، وهي التي اتفقت جميعها على القضاء بإلغاء الأمرين الملكيين رقمي 40 و41 الصادرين في 14 من نوفمبر سنة 1949، والأمرين الملكيين رقمي 53 و54 الصادرين في 9 من نوفمبر سنة 1950 فيما تضمنته من ترك المدعين في الترقية إلى وظيفة سكرتير ثالث أو وظيفة قنصل المماثلة، أنها أقامت قضاءها على أن الأخذ بمبدأ أقدمية الوظيفة لا يكون إلا بالنسبة إلى من هم في السلك السياسي أو القنصلي؛ لما نص عليه في لائحة شروط الخدمة في وظائف التمثيل الخارجي المصدق عليها من مجلس الوزراء في 25 من مايو سنة 1933 من تسلسل الترقية من أدنى درجات هذين السلكين إلى الدرجات الأعلى؛ فهو لا يشمل بطبيعة الحال من يعين من خارج هذين السلكين، سواء من غير موظفي وزارة الخارجية أو من موظفي السلك الكتابي في هذه الوزارة؛ لأن نصوص اللائحة لا تشمل هذه الحالات؛ ومن ثم فإنه عند التعيين أو الترقية في السلك السياسي أو القنصلي من خارج الوزارة أو من السلك الكتابي فيها يتعين الرجوع إلى القواعد العامة وضبط الأقدميات على أساسها، تلك القواعد التي تقضي بجعل الأقدمية على أساس نيل الدرجات المالية. وتأسيساً على هذا تكون قرارات لجنة شئون الموظفين بوزارة الخارجية في سنتي 1948 و1949 قد جانبت القانون في الاعتداد في تحديد الأقدمية بنتيجة الامتحان، مع أنه ليس في القوانين واللوائح ما يجيز ذلك، الأمر الذي انبنى عليه أن بعض من كانوا قد رقوا إلى الدرجة الخامسة قبل صدور هذا القرار وعينوا في وظيفة ملحق ثان من الدرجة الخامسة، جاء ترتيبهم تالياً لمن كانوا في الدرجة السادسة لغاية تاريخ صدور قرار التعيين في هذه الوظيفة لمجرد أن ترتيب هؤلاء كان سابقاً على أولئك في الامتحان. كما أخطأت اللجنة في جعل العبرة بأقدمية الوظيفة في وظيفة ملحق أول؛ إذ ترتب على ذلك أن المرقين إلى هذه الوظيفة من الملحقين الثواني سبقوا زملاءهم الذين كانوا في الدرجة الخامسة قبل تعيينهم في وظيفة ملحق أول، وسبقوا أيضاً زملاءهم الأقدم منهم في الدرجة السادسة ممن عينوا في سنة 1938. وأن الوضع الصحيح بالنسبة إلى المدعين وزملائهم ممن كانوا في وظائف كتابية أو خارج الوزارة وعينوا في وظائف ملحق ثان في سنة 1946 يجب أن يكون على أساس وضع من كان منهم في الدرجة الخامسة في رأس القائمة، ثم يتبعهم من كانوا في الدرجة السادسة وفقاً لأقدمية كل منهم في هذه الدرجة، كما يجب بالتالي أن ترتب أقدميتهم على هذا الأساس ذاته عند الترقية إلى وظيفة ملحق أول بالنسبة إلى من رقوا إلى هذه الوظيفة الأخيرة في قرار واحد. ومؤدى ذلك أن من عين في وظيفة ملحق أول مباشرة من موظفي الدرجة الخامسة الكتابية تسري في شأنه القاعدة العامة وهي أقدمية الدرجة المالية.
ومقتضى التنفيذ الصحيح للأحكام المتقدم ذكرها في ضوء الأسباب التي قامت عليها، وجوب التزام القواعد التي رسمتها هذه الأحكام للوزارة في تحديد أقدميات رجال السلكين السياسي والقنصلي الذين تناولتهم القرارات المطعون فيها والمحكوم بإلغائها، وذلك بإعادة ترتيب أقدميات هؤلاء جميعاً وضبطها منذ بدء تعيينهم في درجات هذين السلكين وفقاً للقواعد المشار إليها، أي على أساس الاعتداد بالأقدمية التي يكون قد اكتسبها كل منهم في الدرجة المماثلة للدرجة التي عين فيها في السلك السياسي أو القنصلي تبعاً لتاريخ حصوله على الدرجة المالية في الجهة أو السلك الذي كان به قبل نقله إلى السلك السياسي أو القنصلي، دون التحدي بأن الأقدمية في وظائف هذا السلك بالنسبة لمن يعين من خارجه هي أقدمية وظائف لا درجات، على أن يراعى الأخذ بمبدأ أقدمية الوظيفة بالنسبة لمن هم فعلاً في السلك السياسي أو القنصلي، أو من انتظمتهم فيه وظيفة واحدة بعد ذلك، أي يجعل الأقدمية في هذه الوظيفة هي مناط الترقية إلى الوظائف والدرجات الأعلى في هذين السلكين فيما بعد إذا كانت أجريت الترقية على أساس الأقدمية.
فإذا كان الثابت من الأوراق أن وزارة الخارجية بدلاً من أن تقوم بتنفيذ منطوق الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري للسبعة المحكوم لصالحهم مرتبطاً هذا المنطوق بأسبابها على الوجه المبين بها، وطبقاً للأسس التي قررتها على النحو السابق تفصيله، وذلك بإعادة ترتيب أقدميات من شملتهم الأوامر الملكية المحكوم بإلغائها وفقاً لتلك الأسس لتحديد أحدث المرقين من وظيفة ملحق أول إلى وظيفة سكرتير ثالث، وهم الذين ما كانوا يرقون لو رقي المحكوم لهم في دورهم الصحيح، وإلغاء ترقية آخر سبعة منهم في ترتيب الأقدمية بحسب ما يسفر عنه تطبيق القواعد التي قضت بها الأحكام المشار إليها - بدلاً من أن تفعل ذلك عمدت إلغاء ترقية آخر سبعة في كشف أقدمية السكرتيرين الثوالث الذين تضمنتهم الحركة المحكوم بإلغائها - ومنهم المدعي - وذلك على أساس وضعهم القائم وقتذاك في ترتيب الأقدمية، وهو الوضع الذي عيبته الأحكام المتقدم ذكرها، والذي كان يتعين إعادة النظر فيه بناء على تلك الأحكام وتعديله على مقتضاها إن كان لذلك وجه حق، وإلا ترتب على إغفال مراعاته قبل تنفيذها وقوع خطأ في التنفيذ - متى كان الثابت ذلك، فإن الوزارة تكون قد جانبت حكم القانون، ويكون الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 بإلغاء تعيين سبعة - منهم المدعي - في وظائف سكرتيرين ثوالث وإعادتهم إلى وظائف ملحقين قد جانب الصواب في تطبيق القانون فيما تضمنه من إلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث بالوزارة تنفيذاً للأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري لصالح سبعة من زملائه، مع أن ثمة من هو أحدث منه أقدمية، ممن لم يلغ تعيينهم بالأمر الملكي المشار إليه.
2 - لا وجه للتحدي بعدم طعن المدعي في الميعاد القانوني في القرارات الصادرة بتحديد أقدميته تحديداً خاطئاً في وظيفتي ملحق ثان وملحق أول مما أكسب زملاءه مراكز قانونية مستقرة لا يجوز المساس بها - لا وجه لذلك؛ لأنه فضلاً عن أن أقدميات رجال السلكين السياسي والقنصلي ظلت أمداً طويلاً سراً مغلقاً على أربابها كما نوهت بذلك منشورات الوزارة، وفضلاً عن عدم قيام قرينة علم المدعي بهذه الأقدميات علماً يقينياً شاملاً يمكن أن يكون من أثره جريان ميعاد الطعن في حقه، وفضلاً عن أن تظلمه إلى اللجنة القضائية لوزارة الخارجية المودع سكرتيريتها في 13 من نوفمبر سنة 1952 قد تضمن في عمومه الطعن في جميع القرارات السابقة التي أغفلت تحديد وضعه في الأقدمية بين زملائه على الوجه الصحيح بما أفضى به إلى وضع خاطئ في وظيفة سكرتير ثالث - فضلاً عن ذلك كله، فإن الأمر الملكي المطعون فيه الذي ألغى تعيينه في وظيفة سكرتير ثالث تنفيذاً لأحكام محكمة القضاء الإداري قد قلقل الأوضاع السابقة بالنسبة إليه، وأدى هذا التنفيذ الخاطئ إلى وضع أسوأ من وضعه الذي كان عليه قبل هذا التنفيذ، فأثار بذلك المنازعة من حيث وجوب إعادة ترتيب أقدميات جميع من عينوا في وظائف سكرتيرين ثوالث بالأمرين الملكيين رقمي 53 و54 لسنة 1950 وفقاً للأسس التي رسمتها هذه الأحكام، تلك الأسس التي لو طبقت تطبيقاً صحيحاً عند إصدار الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 لما انتهى الأمر إلى إلغاء ترقية المدعي إلى وظيفة سكرتير ثالث.
3 - متى كان قد وضح أن تنفيذ أحكام محكمة القضاء الإداري الصادرة لصالح زملاء المدعي السبعة بإلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث بالأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 كان تنفيذاً خاطئاً لهذه الأحكام على مقتضى الأسباب التي كشفت عنها، وهي أسباب مرتبطة بمنطوقها ارتباط العلة بالمعلول، ما دامت أقدمية المدعي الصحيحة بالمقارنة إلى زملائه ما كانت لتسوغ المساس بوضعه الذي استقر عليه، وإنما كان تنفيذ هذه الأحكام يقتضي إلغاء ترقية من هو أحدث منه، فيجب على هذا الأساس إلغاء الأمر الملكي المشار إليه في هذا الخصوص بالنسبة إلى المدعي، كما أنه مما تجب مراعاته، كأثر مترتب على ذلك، أن المذكور صعد بعد ذلك في سلم وظائف السلك السياسي حتى أصبح حالياً يشغل وظيفة سكرتير أول اعتباراً من 30 من نوفمبر سنة 1955، وقد انتظمته هذه الوظيفة الأخيرة هو وزملاءه فأصبحت المنازعة بحكم الاقتضاء تشتمل تصحيح ترتيب الأقدميات في الوظائف التالية وضعاً لها في نصابها القانوني الصحيح؛ ومن ثم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء الأمر الملكي آنف الذكر فيما تضمنه من إلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث، وفيما ترتب على ذلك من آثار في خصوص ترتيب أقدميته الصحيح بين أقرانه الذين هم أحدث منه في وظيفة سكرتير أول وما يسبقها.


إجراءات الطعن

في 19 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1769 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 21 من يونيه سنة 1956 في الدعويين المضمومتين رقمي 266 و1193 لسنة 7 القضائية المقامتين من السيد/ يحيى سامي ضد وزارة الخارجية، القاضي "برفض الدعويين رقمي 266 و1193 لسنة 7 ق، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء قرار اللجنة القضائية، وإلغاء الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 فيما تضمنه من إلغاء ترقية المدعي إلى وظيفة سكرتير ثالث بوزارة الخارجية، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الخارجية في 28 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 30 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 2 من مارس سنة 1957. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 9 من فبراير سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارتي العدل والخارجية التظلم رقم 20 لسنة 1 القضائية بعريضة أودعها سكرتارية اللجنة في 13 من نوفمبر سنة 1952، طلب فيها إلغاء الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الذي قضى بإنزاله إلى وظيفة ملحق أول بعد أن كان يشغل وظيفة سكرتير ثالث، وتعديل أقدميته بين السكرتيرين الثوالث بإرجاعها إلى تاريخ حصوله على الدرجة المالية، على أن يكون ترتيبه سابقاً لكل من حصل على الدرجة المالية بعده؛ وبذلك لا يشمله قرار الإنزال؛ إذ يسبق سبعة من زملائه. واستند في ذلك إلى أن أحكام محكمة القضاء الإداري لم تنص على إلغاء قرار تعيينه في وظيفة سكرتير ثالث، وإلى أن إلغاء تعيينه في وظيفة سكرتير ثالث لا يجوز أن يتم إلا بناء على حكم قضائي أو قرار تأديبي. وقد ردت وزارة الخارجية على هذا التظلم بأن المتظلم أعيد إلى وظيفة ملحق؛ نتيجة لتسوية حالة من صدرت لصالحهم أحكام من محكمة القضاء الإداري وعددهم سبعة، وتنفيذاً لهذه الأحكام التي قضت بإلغاء تعيين سبعة سكرتيرين ثوالث وتعيين سبعة ملحقين بدلاً منهم؛ إذ عمدت الوزارة إلى إلغاء ترقية السبعة سكرتيرين الثوالث الأخيرين في الكشف وهو منهم، وعينت مكانهم الملحقين السبعة المحكوم لصالحهم، ولو أن الأحكام المشار إليها لم تنص صراحة على إلغاء تعيينه؛ ذلك أنه لو كان من صدرت لصالحهم الأحكام قد رقوا إلى وظيفة سكرتير ثالث في الميعاد الذي عينته هذه الأحكام، لظل السبعة الذين أعيدوا إلى وظائف ملحقين أول في وظائفهم هذه إلى أن يرقوا في حركة مقبلة. أما فيما يتعلق بطلب المتظلم تعديل ترتيبه في الأقدمية بين الملحقين تبعاً لتاريخ حصوله على الدرجة الخامسة، فإنه يسبق فعلاً سبعة سكرتيرين ثوالث في أقدمية الدرجة المالية، ولكنهم جميعاً يسبقونه في أقدمية الوظيفة التي اكتسبوا فيها مركزاً قانونياً ثابتاً. وبجلسة أول مارس سنة 1953 أصدرت اللجنة القضائية قرارها في هذا التظلم "برفض طلب المتظلم". واستندت في ذلك إلى أنه اتضح لها من الاطلاع على كشوف الأقدمية أن السبعة الذين أعيدوا إلى وظيفة ملحق أول - ومن بينهم المتظلم - هم أحدث المعينين في وظيفة ملحق أول بين السكرتيرين الثوالث. ولما كان هؤلاء السبعة هم آخر من رقوا من وظيفة ملحق أول إلى وظيفة سكرتير ثالث، فإنه كان يتعين إعادتهم إلى وظيفة ملحق أول تنفيذاً للأحكام الصادرة لصالح سبعة آخرين كانوا ملحقين أول وقضت هذه الأحكام بتعيينهم سكرتيرين ثوالث، ولو أنهم رقوا في دورهم لما تناولت الترقية السبعة الذين منهم المتظلم. وقد أقام المتظلم الدعوى رقم 266 لسنة 7 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية) بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 4 من ديسمبر سنة 1952، طلب فيها الحكم بإلغاء الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 بإلغاء بعض تعيينات لموظفي السلك السياسي وتعيين آخرين في وظيفة سكرتير ثالث، وهو الأمر الملكي الذي قرر في المادة الأولى منه إلغاء الأوامر الملكية رقم 53 ورقم 54 لسنة 1950 ورقم 9 ورقم 50 ورقم 51 لسنة 1951، فيما تضمنه من تعيين المدعي وبعض زملائه سكرتيرين ثوالث بوزارة الخارجية، مع الحكم بإلغاء كل ما ترتب أو ما يترتب مستقبلاً على صدور الأمر الملكي المطلوب إلغاؤه نتيجة إلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث بالوزارة، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وردد في هذه الدعوى دفاعه أمام اللجنة القضائية، وأضاف إليه أن الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري لصالح بعض موظفي الوزارة لم تلغ الأوامر الملكية إلغاء تاماً، بل اعتبرتها صحيحة، كما أنها لم تتعرض إطلاقاً لما تضمنته الأوامر الملكية من تعيينه في وظيفة سكرتير ثالث بالوزارة، هذا إلى أنه لم يكن طرفاً في الدعاوى التي صدرت فيها هذه الأحكام. وقد كان في الإمكان تنفيذ الأحكام المذكورة بترقية المحكوم لهم، دون إلغاء ترقيته ودون المساس بحقوقه المكتسبة التي نالها على الوجه القانوني، والتي لا يسوغ حرمانه منها إلا بحكم تأديبي أو بقرار سحب صادر في الميعاد القانوني. وقد كان من المتعين مراعاة ترتيب الأقدمية على أساس تاريخ الحصول على الدرجة المالية؛ بمعنى أن يكون الترتيب في وظيفة سكرتير ثالث تبعاً لتاريخ الترقية إلى الدرجة الخامسة، الأمر الذي لو أخذت به الوزارة لما مست مركزه؛ لتقدمه في ترتيب الأقدمية بحسب هذه القاعدة على سبعة من زملائه على الأقل. وأوضح في مذكرة له أنه تقدم بتظلم عن الموضوع ذاته إلى اللجنة القضائية في الميعاد القانوني أخذاً بالأحوط. وبعريضة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 5 من مايو سنة 1953 أقام المدعي الدعوى رقم 1193 لسنة 7 القضائية طالباً "الحكم بقبول تظلمه شكلاً، وفي الموضوع - وبعد ضمه إلى الطعن رقم 266 لسنة 7 قضائية، وهو الطعن الذي رفع إلى محكمة القضاء الإداري بطلب إلغاء الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 - الحكم: أولاً - بإلغاء الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر بتاريخ 7 من أكتوبر سنة 1952 والقاضي بإلغاء تعيين الطاعن في وظيفة سكرتير ثالث بوزارة الخارجية وإحلال موظف آخر بدله، وإلغاء كل ما ترتب على الأمر رقم 22 المذكور من آثار بالنسبة للطاعن، وتمكينه من الحصول على ترقياته وعلاوته، كما لو لم يلغ هذا الأمر ترقيته. ثانياً - بإلزام وزارة الخارجية بكافة المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وحفظ كافة الحقوق الأخرى". وذكر في صحيفة دعواه أنه لما كانت اللجنة القضائية لوزارتي العدل والخارجية قد أصدرت بجلسة أول من مارس سنة 1953 قرارها في التظلم المرفوع منه إليها تحت رقم 20 لسنة 1 القضائية برفض هذا التظلم، فإنه يحق له أن يطعن في هذا القرار؛ لأنه لم يتعرض لبطلان الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الخاص بإلغاء ترقيته إلى وظيفة سكرتير ثالث، مع أنه اكتسب حقاً ذاتياً على وجه مشروع في هذه الوظيفة، وهو حق لا يجوز سحبه إلا بالإجراءات القانونية المقررة لذلك وفي الميعاد القانوني، وهو ما لم يحصل. كما أن قرار اللجنة المشار إليه قد أغفل ترتيب أقدميته بين زملائه على أساس أسبقية الحصول على الدرجة المالية وفقاً للمبدأ الذي قررته محكمة القضاء الإداري، ولو أن اللجنة طبقت هذا المبدأ لتبينت أنه يسبق في أقدميته السبعة المحكوم لصالحهم بمراعاة هذه الأقدمية في الدرجة المالية وهي الدرجة الخامسة دون الوظيفة، وبملاحظة أن هؤلاء السبعة كانوا في السلك الإداري والكتابي وقت أن رقي هو من وظيفة ملحق أول إلى وظيفة سكرتير ثالث، وأنه لم يكن لهم أي حق في الانضمام إلى السلك السياسي والقنصلي. وقد ردت وزارة الخارجية على هذه الدعوى بأن محكمة القضاء الإداري أصدرت أحكاماً بإلغاء الأوامر الملكية فيما تضمنته من تخطي سبعة من الملحقين الأول في الترقية إلى وظيفة سكرتير ثالث أو قنصل، وقد اقتضى تنفيذ هذه الأحكام رفع أسماء سبعة سكرتيرين ثوالث وإحلال المحكوم لهم محلهم في وظيفة سكرتير ثالث؛ ولذا صدر الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 بهذا المعنى. ولا اعتداد بقول المدعي أنه لم يكن ممثلاً في الدعاوى التي صدرت فيها هذه الأحكام، أو أنه اكتسب حقاً ما كان يجوز المساس به؛ ذلك أن أحكام محكمة القضاء الإداري عينية تزيل القرار ذاته من الوجود، وأن المخاصمة تكون للقرار الإداري ذاته لا للشخص، وأن الحكم كاشف دائماً لحق المحكوم له بحيث ينسحب أثره إلى الوقت الذي صدر فيه القرار المشوب بالعيب الموجب لإلغائه. أما فيما يتعلق بتعديل ترتيب الأقدمية على أساس تاريخ الحصول على الدرجة المالية، فإن هذا مردود بأن الأقدمية بين رجال السلكين السياسي والقنصلي ترجع إلى تاريخ شغل الوظيفة لا إلى تاريخ نيل الدرجة المالية. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب "الحكم برفض الدعوى، وإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل الأتعاب".
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) قضت بجلسة 21 من يونيه سنة 1956 "أولاً - قررت المحكمة ضم الدعوى 266 سنة 7 إلى الدعوى رقم 1193 سنة 7 للارتباط، على أن يصدر فيهما حكم واحد. ثانياً - حكمت المحكمة برفض الدعويين رقمي 266 سنة 7 و1193 سنة 7، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن مناط الاعتداد في ترتيب الأقدمية بالدرجة المالية دون الوظيفة هو عند تعيين أعضاء هيئة السلك السياسي من الخارج، أما بعد أن ينتظم الموظف في هذه الهيئة، وفقاً لهذا الأساس، فإن الأقدمية في الوظيفة تصبح هي مناط الترقية، كما تؤيد ذلك المواد 7 و8 و9 و10 من لائحة شروط الخدمة في وظائف التمثيل الخارجي الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 25 من مايو سنة 1933؛ إذ يبين من هذه المواد أن الترقية من وظيفة إلى أخرى تكون حسب الأقدمية في الوظيفة السابقة من وظائف السلك السياسي. ولما كانت أقدمية المدعي في درجة ملحق أول قد تحددت من تاريخ ترقيته إليها من وظيفة ملحق ثان، فقد أصبحت تلك الأقدمية في وظيفة ملحق أول هي مناط ترقيته إلى سكرتير ثالث، بغض النظر عن درجته المالية، وعما يذهب إليه من أن أقدميته في وظيفة ملحق ثان قد حددت تحديداً خاطئاً عند تعيينه من الخارج نقلاً من وزارة الداخلية، ما دام لم يطعن في هذا الوضع في الميعاد القانوني، فاكتسب غيره مراكز قانونية بذلك أصبح لا يجوز المساس بها. ومن ثم يكون ما قامت به الوزارة من إلغاء ترقيته إلى وظيفة سكرتير ثالث بالأمر الملكي رقم 22 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 باعتباره من السبعة الأحدث ترقية إلى هذه الوظيفة، قد وقع صحيحاً مطابقاً للقانون. ولا حجة في القول بأنه لم يكن طرفاً في الدعاوى التي صدرت فيها الأحكام التي انبنى عليها الأمر الملكي المشار إليه؛ ذلك أن أحكام الإلغاء تكون حجة على الكافة، وبذا تؤثر في المراكز التي اكتسبت بمقتضى القرارات التي انصب عليها الإلغاء، وليست الوزارة بملزمة بأن تنشئ في ميزانيتها سبع درجات جديدة لكي ترقى عليها المحكوم لصالحهم، بل إن التنفيذ الصحيح للأحكام الصادرة لهؤلاء يقتضي إلغاء ترقية أحدث السبعة المرقين بالأوامر المطعون فيها.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 19 من أغسطس سنة 1956، واستند في أسباب طعنه إلى أن المدعي قد طعن في تظلمه المقدم إلى اللجنة القضائية في قرارات الترقية إلى وظيفة ملحق أول؛ إذ أسسه على أنه كان ينبغي ترتيب أقدميته بالنسبة إلى من رقوا إلى وظيفة سكرتير ثالث أو ما يقابلها تبعاً لتاريخ الحصول على الدرجة الخامسة المالية؛ إذ لو تم هذا الترتيب لكان على رأس القائمة، ولسبق في الأقدمية سبعة من زملائه على الأقل. ومفاد هذا أنه يطعن ضمناً في قرارات الترقية التي حجبت عنه وضعه الصحيح في الأقدمية. وليس ثمة دليل قاطع في الأوراق على أنه رفع هذا التظلم بعد فوات الميعاد القانوني المقرر للطعن في القرارات المذكورة منذ علمه بجميع عناصرها علماً يقينياً شاملاً؛ ومن ثم فإن قرارات الترقية إلى وظيفة ملحق أول لا تكتسب بالنسبة إليه حصانة تحول دون تصحيح أقدميته بحسب الدرجة المالية، ولما كان الثابت من مذكرة إدارة المستخدمين بوزارة الخارجية المؤرخة أول ديسمبر سنة 1952 أنه يسبق فعلاً سبعة سكرتيرين في أقدمية الدرجة المالية فإن صحة وضعه تعصمه من إلغاء ترقيته إلى وظيفة سكرتير ثالث، تنفيذاً للأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري، ويكون الأمر الملكي المطعون فيه - إذ ألغى ترقيته هذه - قد وقع مخالفاً للقانون، حقيقاً بالإلغاء في هذا الخصوص، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء قرار اللجنة القضائية، وإلغاء الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 فيما تضمنه من إلغاء ترقية المدعي إلى وظيفة سكرتير ثالث بوزارة الخارجية، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات".
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري - في الدعاوى رقم 108 لسنة 4 القضائية لصالح كل من سعيد لطفي الغمراوي وعبد العظيم السعيد المرسي، ورقم 506 لسنة 4 القضائية لصالح سعيد أحمد عبد السلام، ورقم 386 لسنة 5 القضائية لصالح عثمان علي عسل، ورقم 387 لسنة 5 القضائية لصالح زهير الشبيني، ورقم 628 لسنة 5 القضائية لصالح أمين محمد أحمد سوكة، ورقم 688 لسنة 5 القضائية لصالح أنور محمد السكري، وهي التي اتفقت جميعها على القضاء بإلغاء الأمرين الملكيين رقمي 40 و41 الصادرين في 14 من نوفمبر سنة 1949، والأمرين الملكيين رقمي 53 و54 الصادرين في 9 من نوفمبر سنة 1950، فيما تضمنته من ترك المدعين في الترقية إلى وظيفة سكرتير ثالث أو وظيفة قنصل المماثلة - أنها أقامت قضاءها على أن الأخذ بمبدأ أقدمية الوظيفة لا يكون إلا بالنسبة لمن هم في السلك السياسي أو القنصلي، لما نص عليه في لائحة شروط الخدمة في وظائف التمثيل الخارجي المصدق عليها من مجلس الوزراء في 25 من مايو سنة 1933 من تسلسل الترقية من أدنى درجات هذين السلكين إلى الدرجات الأعلى، فهو لا يشمل بطبيعة الحال من يعين من خارج هذين السلكين سواء من غير موظفي وزارة الخارجية أو من موظفي السلك الكتابي في هذه الوزارة؛ لأن نصوص اللائحة لا تشمل هذه الحالات؛ ومن ثم فإنه عند التعيين أو الترقية في السلك السياسي أو القنصلي من خارج الوزارة أو من السلك الكتابي فيها يتعين الرجوع إلى القواعد العامة وضبط الأقدميات على أساسها، تلك القواعد التي تقضي بجعل الأقدمية على أساس نيل الدرجات المالية. وتأسيساً على هذا تكون قرارات لجنة شئون الموظفين بوزارة الخارجية في سنتي 1948 و1949 قد جانبت القانون في الاعتداد في تحديد الأقدمية بنتيجة الامتحان، مع أنه ليس في القوانين واللوائح ما يجيز ذلك، الأمر الذي انبنى عليه أن بعض من كانوا قد رقوا إلى الدرجة الخامسة قبل صدور هذا القرار وعينوا في وظيفة ملحق ثان من الدرجة الخامسة، جاء ترتيبهم تالياً لمن كانوا في الدرجة السادسة لغاية تاريخ صدور قرار التعيين في هذه الوظيفة، لمجرد أن ترتيب هؤلاء كان سابقاً على أولئك في الامتحان. كما أخطأت اللجنة في جعل العبرة بأقدمية الوظيفة في وظيفة ملحق أول؛ إذ ترتب على ذلك أن المرقين إلى هذه الوظيفة من الملحقين الثواني سبقوا زملاءهم الذين كانوا في الدرجة الخامسة قبل تعيينهم في وظيفة ملحق أول، وسبقوا أيضاً زملاءهم الأقدم منهم في الدرجة السادسة ممن عينوا في سنة 1938. وأن الوضع الصحيح بالنسبة إلى المدعين وزملائهم ممن كانوا في وظائف كتابية أو خارج الوزارة وعينوا في وظائف ملحق ثان في سنة 1946 يجب أن يكون على أساس وضع من كان منهم في الدرجة الخامسة في رأس القائمة، ثم يتبعهم من كانوا في الدرجة السادسة وفقاً لأقدمية كل منهم في هذه الدرجة، كما يجب بالتالي أن ترتب أقدميتهم على هذا الأساس ذاته عند الترقية إلى وظيفة ملحق أول بالنسبة إلى من رقوا إلى هذه الوظيفة الأخيرة في قرار واحد. ومؤدى ذلك أن من عين في وظيفة ملحق أول مباشرة من موظفي الدرجة الخامسة الكتابية تسري في شأنه القاعدة العامة وهي أقدمية الدرجة المالية.
ومن حيث إن التنفيذ الصحيح للأحكام المتقدم ذكرها - في ضوء الأسباب التي قامت عليها - كان يقتضي التزام القواعد التي رسمتها هذه الأحكام للوزارة في تحديد أقدميات رجال السلكين السياسي والقنصلي الذين تناولتهم القرارات المطعون فيها والمحكوم بإلغائها، وذلك بإعادة ترتيب أقدميات هؤلاء جميعاً وضبطها منذ بدء تعيينهم في درجات هذين السلكين وفقاً للقواعد المشار إليها، أي على أساس الاعتداد بالأقدمية التي يكون قد اكتسبها كل منهم في الدرجة المماثلة للدرجة التي عين فيها في السلك السياسي أو القنصلي تبعاً لتاريخ حصوله على الدرجة المالية في الجهة أو السلك الذي كان به قبل نقله إلى السلك السياسي أو القنصلي، دون التحدي بأن الأقدمية في وظائف هذا السلك بالنسبة إلى من يعين من خارجه هي أقدمية وظائف لا درجات، على أن يراعى الأخذ بمبدأ أقدمية الوظيفة بالنسبة إلى من هم فعلاً في السلك السياسي أو القنصلي أو من انتظمتهم فيه وظيفة واحدة بعد ذلك، أي بجعل الأقدمية في هذه الوظيفة هي مناط الترقية إلى الوظائف والدرجات الأعلى في هذين السلكين فيما بعد إذا كانت أجريت الترقية على أساس الأقدمية.
ومن حيث إنه ظاهر من الأوراق أن وزارة الخارجية بدلاً من أن تقوم بتنفيذ منطوق الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري للسبعة المحكوم لصالحهم، مرتبطاً هذا المنطوق بأسبابها على الوجه المبين بها، وطبقاً للأسس التي قررتها على النحو السابق تفصيله، وذلك بإعادة ترتيب أقدميات من شملتهم الأوامر الملكية المحكوم بإلغائها وفقاً لتلك الأسس؛ لتحديد أحدث المرقين من وظيفة ملحق أول إلى وظيفة سكرتير ثالث، وهم الذين ما كانوا يرقون لو رقي المحكوم لهم في دورهم الصحيح، وإلغاء ترقية آخر سبعة منهم في ترتيب الأقدمية بحسب ما يسفر عنه تطبيق القواعد التي قضت بها الأحكام المشار إليها - بدلاً من أن تفعل ذلك عمدت إلغاء ترقية آخر سبعة في كشف أقدمية السكرتيرين الثوالث الذين تضمنتهم الحركة المحكوم بإلغائها، ومنهم المدعي، وذلك على أساس وضعهم القائم وقتذاك في ترتيب الأقدمية، وهو الوضع الذي عيبته الأحكام المتقدم ذكرها، والذي كان يتعين إعادة النظر فيه بناء على تلك الأحكام، وتعديله على مقتضاها إن كان لذلك وجه، وإلا ترتب على إغفال مراعاته قبل تنفيذها وقوع خطأ في هذا التنفيذ.
ومن حيث إنه يتضح من كشوف الأقدميات المختلفة المقدمة من الوزارة ومن ملف خدمة المدعي، أن المذكور - وهو حاصل على ليسانس الحقوق في سنة 1941 وعلى دبلوم القانون العام في سنة 1942 ودبلوم الاقتصاد السياسي في سنة 1943 - عين في وزارة الداخلية في وظيفة من الدرجة السادسة بالديوان العام اعتباراً من 13 من ديسمبر سنة 1944، ثم نقل إلى رياسة مجلس الوزراء اعتباراً من 21 من ديسمبر سنة 1944 في نفس درجته، ونقل إلى وزارة الخارجية في أول أغسطس سنة 1946 في وظيفة ملحق من الدرجة الثانية، ثم عين في وظيفة ملحق أول من 10 من أغسطس سنة 1947، ورقي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من أول يناير سنة 1949، وعين سكرتيراً ثالثاً بالأمر الملكي رقم 53 لسنة 1950 الصادر في 9 من نوفمبر سنة 1950، ثم ألغي تعيينه في هذه الوظيفة بالأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952، وأعيد إلى وظيفة ملحق، وأنه يسبق في أقدمية الدرجة السادسة من زملائه - الذين عينوا معه في وظيفة سكرتير ثالث بالأمر الملكي رقم 53 لسنة 1950 ولم يلغ تعينهم في هذه الوظيفة بالأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 - كلاً من محمود صلاح الدين حسن الذي حصل على هذه الدرجة في 3 من إبريل سنة 1945، وأحمد ناجي كمال علما الذي نالها في أول يوليه سنة 1946، كما يسبق فعلاً - في أقدمية الدرجة الخامسة بإقرار الوزارة في مذكرة إدارة مستخدميها المؤرخة أول ديسمبر سنة 1952 - سبعة سكرتيرين، وإن كانوا يسبقونه في أقدمية الوظيفة على أساس عدم الاعتداد بأقدمية الدرجة المالية، وهم: محمود صلاح الدين حسن، وصلاح الدين أبو جبل، وأشرف عبد اللطيف غربال، وجمال الدين بركات، وأحمد ناجي كمال علما، وحسن سري عصمت، ومحمد رياض، الذين حصلوا على الدرجة المذكورة في 3 من إبريل سنة 1949، و3 من يناير سنة 1950، و12 من يناير سنة 1950، وأول مارس سنة 1950، وأول يوليه سنة 1950 على التوالي. كذلك يسبق في أقدمية وظيفة ملحق أول كلاً من: صلاح الدين أبو جبل، وأحمد عصمت عبد المجيد، وأشرف عبد اللطيف غربال، الذين عينوا مباشرة في هذه الوظيفة بعد رجوعهم من البعثة الدراسية في 14 من نوفمبر سنة 1947، و10 من يوليه سنة 1948، و12 من يوليه سنة 1949، وهم ممن عينوا معه في وظائف سكرتيرين ثوالث بالأمر الملكي رقم 53 لسنة 1950 ولم يلغ تعيينهم في هذه الوظيفة بالأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952، الذي ألغى تعيينه هو في الوظيفة المذكورة دونهم، على الرغم من تقدمه عليهم في الوظيفة التي تسبقها.
ومن حيث إنه واضح مما تقدم أن ترتيب أقدمية المدعي بين زملائه - في الدرجتين السادسة والخامسة، وكذا في كل من وظيفتي ملحق ثان وملحق أول بمراعاة سبق نيل الدرجة المالية السادسة - كاف لتغيير وضعه في الأقدمية بين أقرانه الذين عينوا معه في وظيفة سكرتير ثالث، بما يخرجه من نطاق السبعة الذين كان يتعين إلغاء ترقيتهم تنفيذاً لأحكام محكمة القضاء الإداري، لو أن الوزارة طبقت في ذلك القاعدة التي قررتها هذه الأحكام على وجهها الصحيح؛ ومن ثم فإن الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 بإلغاء تعيين سبعة - منهم المدعي - في وظائف سكرتيرين ثوالث وإعادتهم إلى وظائف ملحقين، يكون قد جانب الصواب في تطبيق القانون، فيما تضمنه من إلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث بالوزارة تنفيذاً للأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري لصالح سبعة من زملائه، مع أن ثمة من هو أحدث منه أقدمية ممن لم يلغ تعيينهم بالأمر الملكي المشار إليه. ولا وجه للتحدي بعدم طعن المدعي في الميعاد القانوني في القرارات الصادرة بتحديد أقدميته تحديداً خاطئاً في وظيفتي ملحق ثان وملحق أول، مما أكسب زملاءه مراكز قانونية مستقرة لا يجوز المساس بها - لا وجه لذلك؛ لأنه فضلاً عن أن أقدميات رجال السلكين السياسي والقنصلي ظلت أمداً طويلاً سراً مغلقاً على أربابها، كما نوهت بذلك منشورات الوزارة، وفضلاً عن عدم قيام قرينة علم المدعي بهذه الأقدميات علماً يقينياً شاملاً يمكن أن يكون من أثره جريان ميعاد الطعن في حقه، وفضلاً عن أن تظلمه إلى اللجنة القضائية لوزارة الخارجية - المودع سكرتيريتها في 13 من نوفمبر سنة 1952 - قد تضمن في عمومه الطعن في جميع القرارات السابقة التي أغفلت تحديد وضعه في الأقدمية بين زملائه على الوجه الصحيح، بما أفضى به إلى وضع خاطئ في وظيفة سكرتير ثالث - فضلاً عن ذلك كله، فإن الأمر الملكي المطعون فيه الذي ألغى تعيينه في وظيفة سكرتير ثالث تنفيذاً لأحكام محكمة القضاء الإداري قد قلقل الأوضاع السابقة بالنسبة إليه، وأدى هذا التنفيذ الخاطئ إلى وضع أسوأ من وضعه الذي كان عليه قبل هذا التنفيذ، فأثار بذلك المنازعة من حيث وجوب إعادة ترتيب أقدميات جميع من عينوا في وظائف سكرتيرين ثوالث بالأمرين الملكيين رقمي 53 و54 لسنة 1950 وفقاً للأسس التي رسمتها هذه الأحكام، تلك الأسس التي لو طبقت تطبيقاً صحيحاً عند إصدار الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 لما انتهى الأمر إلى إلغاء ترقية المدعي إلى وظيفة سكرتير ثالث.
ومن حيث إنه يتضح من كتاب وزارة الخارجية المؤرخ 15 من يونيه سنة 1957 ومن كشف الأقدميات المرافق له، أن زملاء المدعي الذين شملهم الأمران الملكيان رقما 53 و54 لسنة 1950 بالتعيين في وظائف سكرتيرين ثوالث وعددهم 14، منهم 13 عينوا بالأمر الأول وواحد بالأمر الثاني، قد رقوا جميعاً إلى وظائف سكرتيرين أول في تاريخين هما 20 من إبريل سنة 1955 و30 من نوفمبر سنة 1955.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن تنفيذ أحكام محكمة القضاء الإداري الصادرة لصالح زملاء المدعي السبعة بإلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث بالأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952 كان تنفيذاً خاطئاً لهذه الأحكام، على مقتضى الأسباب التي كشفت عنها، وهي أسباب مرتبطة بمنطوقها ارتباط العلة بالمعلول، ما دامت أقدمية المدعي الصحيحة بالمقارنة إلى زملائه ما كانت لتسوغ المساس بوضعه الذي استقر عليه، وإنما كان تنفيذ هذه الأحكام يقتضي إلغاء ترقية من هو أحدث منه، فيجب على هذا الأساس إلغاء الأمر الملكي المشار إليه في هذا الخصوص بالنسبة إلى المدعي، كما أنه مما يجب مراعاته - كأثر مترتب على ذلك - أن المذكور صعد بعد ذلك في سلم وظائف السلك السياسي حتى أصبح حالياً يشغل وظيفة سكرتير أول اعتباراً من 30 من نوفمبر سنة 1955، وقد انتظمته هذه الوظيفة الأخيرة هو وزملاءه فأصبحت المنازعة - بحكم الاقتضاء - تشتمل تصحيح ترتيب الأقدميات في الوظائف التالية وضعاً لها في نصابها القانوني الصحيح. ومن ثم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء الأمر الملكي آنف الذكر فيما تضمنه من إلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث، وفيما ترتب على ذلك من آثار في خصوص ترتيب أقدميته الصحيح بين أقرانه الذين هم أحدث منه في وظيفة سكرتير أول وما يسبقها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء الأمر الملكي رقم 22 لسنة 1952 الصادر في 7 من أكتوبر سنة 1952، فيما تضمنه من إلغاء تعيين المدعي في وظيفة سكرتير ثالث بوزارة الخارجية، وفيما ترتب على ذلك من آثار في خصوص ترتيب أقدمية المدعي الصحيحة بين أقرانه الذين هم أحدث منه في تلك الوظيفة وفي الوظائف التالية حتى وظيفة سكرتير أول، وذلك كله على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم، وألزمت الحكومة بالمصروفات".