أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 83

جلسة 23 من يناير سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صفوت القاضي، ومحمد عبد الحميد صادق، ومحمد يونس ثابت.

(15)
الطعن رقم 954 لسنة 47 القضائية

(1) نيابة عامة. إجراءات. "إجراءات التحقيق". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز النعي على الحكم بسبب عيب شاب التحقيق السابق على المحاكمة.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات. "إجراءات المحاكمة". إثبات. "شهود".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
(3) محكمة الموضوع. "نظرها الدعوى والحكم فيها". تفتيش. "التفتيش بإذن". إذن التفتيش. "إصداره". إجراءات. "إجراءات المحاكمة". إثبات. "شهود".
قرار المحكمة الذي يصدر في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. قرار تحضيري لا تتولد عنه أية حقوق للخصوم.
حق المحكمة في العدول عن قرار ضم دفاتر لإثبات أن التفتيش تم قبل صدور الإذن به. جائز متى اطمأنت لأسباب سائغة حصول التفتيش بعد الإذن.
(4) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". دفوع. "الدفع ببطلان التفتيش".
الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط. موضوعي.
(5) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة في التعويل على أقوال شهود الإثبات والأعراض عن قالة شهود النفي. دون بيان العلة.
6 - محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "بوجه عام". "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة. حق لمحكمة الموضوع.
7 - محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
8 - إثبات. "شهود". أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". دفاع شرعي.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد مفاده إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
9 - مأمورو الضبط القضائي. "اختصاص مأمور الضبط القضائي". جناية. جنحة. نقض. تفتيش "التفتيش بغير إذن". تلبس.
سلطة مأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه. جواز إصدار أمر بضبطه وإحضاره عند عدم تواجده. حقهم كذلك في تفتيش المتهم كلما جاز القبض عليه قانوناً. المادتان 34، 35 إجراءات.
10 - تلبس. مأمور الضبط القضائي. تفتيش. "التفتيش بغير إذن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق مأمور الضبط القضائي ضبط كل من يقوم دليل على مساهمته في جريمة إحراز المخدر المتلبس بها بغير إذن. أساس ذلك؟
11 - مأمورو الضبط القضائي. تفتيش. "التفتيش بإذن". "تنفيذه".
طريقة تنفيذ إذن التفتيش موكولة إلى رجل الضبط المأذون له. حقه أن يستعين في تنفيذ الإذن بأعوانه أو بغيرهم من رجال السلطة العامة. بحيث يكونون على مرأى منه وتحت بصره.
12 - تفتيش. "إذن تفتيش". إصداره. "تنفيذه". مأمورو الضبط القضائي. نيابة عامة. إجراءات "إجراءات التحقيق".
عدم اشتراط ثبوت أمر الندب الصادر من المندوب الأصيل إلى غيره من مأموري الضبط القضائي كتابة. التفتيش يكون في هذه الحالة باسم النيابة العامة الآمرة وليس باسم المندوب له.
13 - مواد مخدرة. قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
توافر قصد الاتجار. موضوعي.
1 - لما كان يبين من مطالعة محضر جلسة 6/ 2/ 1975، أن من بين ما أبداه الدفاع عن الطاعنين أن جيوبهم قد لا تتسع لكمية المخدر الكبيرة المضبوطة مع كل منهم، ونعى على النيابة قعودها عن تحقيق ذلك وخلص منه إلى أنه نقص يفيد منه المتهمون، دون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
2 - ليس للطاعنين النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشهود.
3 - من المقرر أن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق - لما كان ذلك - وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى أن التفتيش كان لاحقاً على الإذن الصادر به، استناد إلى وقت صدور الإذن والمواقيت المبينة بدفتر الأحوال عند الانتقال لضبط الواقعة وعند العودة ملتفتاً بذلك عن قالة شهود النفي ولا ينال من اطمئنان المحكمة قرارها بتأجيل نظر الدعوى وضم الإحراز دون أن ينفذ هذا القرار حتى فصلت فيها.
4 - الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي، - لما كان ذلك - فإنه يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها، ولا يعيب الحكم بعد ذلك خلوه من مواقيت تحرير محضر التحريات أو صدور الإذن أو واقعة الضبط أو التفتيش.
5 - للمحكمة أن تعول على شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً، وقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد دلالة أنها أطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها.
6 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق.
7 - أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب.
8 - متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، لما كان ذلك وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضباط الثلاثة وصحة تصويرهم للواقعة - بما تتوافر به حالة تلبس بالجريمة - فإن ما يثيره الطاعنون في ذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
9 - إن المادتين 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلين بالقانون رقم 73 لسنة 1972 المتعلق بضمان حريات المواطنين - قد أجازتاً لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، فإذا لم يكن حاضراً جاز للمأمور إصدار أمر بضبطه وإحضاره، كما خولته المادة 46 من القانون ذاته، تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً.
10 - إن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، مما يبيح للمأمور الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة. لما كان ذلك. وكان الحال في الدعوى المطروحة أنه لما دخل الضابط الثلاثة منزل الطاعن الأول - المأذون بتفتيش شخصه ومسكنه - وجدوه بفنائه يجالس الطاعنين الآخرين، بينما كان الطاعن الثاني يحمل ميزاناً بإحدى كفتيه كمية مخدر من الحشيش، ومن ثم فقد قامت الدلائل الكافية على مساهمة الطاعنين الثلاثة في ذات الجريمة وهو ما يجوز معه لمأموري الضبط القضائي القبض عليهم وتفتيشهم ويكون الطعن بأن المحكمة قد تغاضت عن تفتيش غير المساهمين فيها وارداً على غير محل.
11 - إن طريقة تنفيذ إذن التفتيش موكولة إلى رجل الضبط المأذون له يجريها تحت إشراف سلطة التحقيق ورقابة محكمة الموضوع فله أن يتخذ من وسائل التحوط ما يمكنه من تحقيق الغرض من التفتيش المأذون له به وأن يستعين في ذلك بأعوانه من رجال الضبط القضائي أو بغيرهم من رجال السلطة العامة بحيث يكونون على مرأى منه وتحت بصره.
12 - لما كان إذن النيابة العامة بالتفتيش قد صدر كتابة، وقد أجاز لمأمور الضبط القضائي الذي ندب للتفتيش أن يندب غيره من مأموري الضبط لإجرائه، فإنه لا يشترط في أمر الندب الصادر من المندوب الأصيل لغيره من مأموري الضبط القضائي أن يكون ثابتاً بالكتاب، لأن من يجري التفتيش في هذا الحالة لا يجريه باسم من ندبه له وإنما يجريه باسم النيابة العامة الآمرة.
13 - من المقرر أن توافر قصد الاتجار هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها بغير معقب، ما دام تقديرها سائغاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المحكوم عليهم (الطاعنين) وآخر يدعى........ بأنهم (المتهم الأول) أحرز وحاز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (المتهمين الثاني والثالث) أحرزاً بقصد الاتجار مخدراً (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (لمتهم الرابع) أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدراً (أفيوناً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (المتهم الثاني أيضاً) أحرز جوهراً مخدراً (أفيوناً) وكان ذلك بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً لمواد الإحالة. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/ 1/ و2 و37 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 الملحق بمعاقبة كل من المتهمين الثلاثة الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه ومعاقبة المتهم الرابع بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعن المحكوم عليهم الثلاثة الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

(أولاً) عن الطعن المقدم من المحكوم عليهم:
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة إحراز جواهر مخدرة بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب وشابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الدفاع عن الطاعنين قد أثار بجلسة 6/ 2/ 1975 أن جيوبهم لا تتسع لكمية المخدر المضبوطة ولم يعثر بها على آثار منها، فقررت المحكمة ضم الإحراز لهذا السبب غير أنها فصلت في الدعوى بجلسة 8/ 1/ 1976 دون تنفيذ قرارها المشار إليه رغم تعلق حق الطاعنين به أو تشير بأسباب حكمها إلى سبب عدولها عنه، وقد أطرحت المحكمة الدفع بصدور إذن التفتيش بعد إجرائه رغم الاستدلال عليه بتلاحق الإجراءات وأقوال شهود النفي، ودون أن تضمن أسبابها بياناً لتاريخ وساعة محضر التحريات الذي افتتحت به تلك الإجراءات، كما أضفى الحكم على الواقعة ثوب التلبس بالجريمة وتغاضي عن أن ذلك لا يجيز تفتيش غير مقترفها ما دامت لا توجد أدلة على مساهمته فيها، وعن بطلان تنفيذ إذن التفتيش لأن الضابط المأذون له به قد ندب لذلك شفوياً اثنين من زملائه، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فيما يجمل أن تحريات كل من النقيب......... والملازمين.......، .......... قد دلت على أن الطاعن الأول يحرز جواهر مخدرة، وفي الساعة الثالثة وعشرين دقيقة عن مساء يوم 6/ 11/ 1973 أذنت له النيابة ولمن يندبه من مأموري الضبط القضائي بتفتيش شخصه ومسكنه، فانتقل يرافقه الشاهدان الضابطان عند الساعة الخامسة من مساء ذات اليوم إلى مسكنه فوجد باب المنزل "مردوداً" فدلفوا منه حيث شاهدوا الطاعنين الثلاثة ومعهم المتهم الرابع يجلسون بفنائه، وكان الطاعن الثاني يحمل ميزاناً بإحدى كفتيه قطعتان مغلفتان من الحشيش كما عثر يجيب صديريه العلوي الأيسر على قطعة ثالثة من ذات المادة، وكان قد كلف الملازم........ بالقبض على الطاعن الأول وتفتيشه، فعثر كلاهما تحت إشرافه على قطعة الحشيش المضبوطة مع كل منهما، وقد قام هو بتفتيش المتهم الرابع....... وأقر له الطاعنان الأول والثاني بإحرازهما لما ضبط معهما، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة سائغة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير تحليل المخدر المضبوط، ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محضر جلسة 6/ 2/ 1975، أن من بين ما أبداه الدفاع عن الطاعنين أن جيوبهم قد لا تتسع لكمية المخدر الكبيرة المضبوطة مع كل منهم، ونعى على النيابة قعودها عن تحقيق ذلك وخلص منه إلى أنه نقص يفيد منه المتهمون، دون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن ما أثاره الدفاع فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، وليس للطاعنين من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشهود، ولا ينال من ذلك أن تكون المحكمة قد قررت بتلك الجلسة تأجيل نظر الدعوى وضم الإحراز دون أن ينفذ هذا القرار حتى فصلت فيها، لما هو مقرر من أن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. لما كان ذلك, وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى أن التفتيش كان لا حقاً على الإذن الصادر به، إسناداً إلى وقت صدور الإذن والمواقيت المبينة بدفتر الأحوال عند الانتقال لضبط الواقعة وعند العودة، ملتفتاً في ذلك عن قالة شهود النفي، وكان من المقرر الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي، فإنه يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها، ولا يعيب الحكم بعد ذلك خلوه من مواقيت تحرير محضر التحريات أو صدور الإذن أو واقعة الضبط أو التفتيش، كما أن للمحكمة أن تعول على شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً، فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينتها يفيد دلالة أنها أطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان النعي بأن المحكمة أضفت على الواقعة ثوب التلبس بالجريمة وتغاضت عن أن ذلك لا يجيز تفتيش غير المساهمين فيها مردوداً، بأن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وإذ ما كان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضباط الثلاثة وصحة تصويرهم للواقعة - بما تتوافر به حالة التلبس بالجريمة - فإن ما يثيره الطاعنون في ذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 73 لسنة 1972 - المتعلق بضمان حريات المواطنين - قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، فإذا لم يكن حاضراً جاز للمأمور إصدار أمر بضبطه وإحضاره، كما خولته المادة 46 من القانون ذاته، تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً، وكان من المقرر قانوناً أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، مما يبيح للمأمور الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها وأن يجرى تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة. لما كان ذلك، وكان الحال في الدعوى المطروحة أنه لما دخل الضابط - الثلاثة منزل الطاعن الأول - المأذون بتفتيش شخصه ومسكنه - وجدوه بفنائه يجالس - الطاعنين الآخرين، بينما كان الطاعن الثاني يحمل ميزاناً بإحدى كفتيه كمية من مخدر الحشيش، ومن ثم فقد قامت الدلائل الكافية على مساهمة الطاعنين الثلاثة في ذات الجريمة، وهو ما يجوز معه لمأموري الضبط القضائي القبض عليهم وتفتيشهم ويكون الطعن بأن المحكمة قد تغاضت عن تفتيش غير المساهمين فيها وارداً على غير محل له، ولا وجه من بعد للتصدي بأن المأذون له بالتفتيش قد ندب زميلاه شفوياًً لتفتيش الطاعنين الأول والثالث، لذلك ولما هو مقرر من أن طريقة تنفيذ الإذن التفتيش موكولة إلى رجل الضبط المأذون له يجريها تحت إشراف سلطة التحقيق ورقابة محكمة الموضوع فله أن يتخذ من وسائل التحوط ما يمكنه من تحقيق الغرض من التفتيش المأذون له به وأن يستعين في ذلك بأعوانه من رجال الضبط القضائي أو بغيرهم من رجال السلطة العامة بحيث يكونون على مرأى منه وتحت بصره، وهو الحال في الدعوى المطروحة، هذا فضلاً عما هو ثابت من مدونات الحكم المطعون فيه من أن إذن النيابة العامة بالتفتيش قد صدر كتابة، وأنه أجاز لمأمور الضبط القضائي الذي ندب للتفتيش أن يندب غيره من مأموري الضبط لإجرائه، ومن ثم فإنه لا يشترط في أمر الندب الصادر من المندوب الأصيل لغيره من مأموري الضبط القضائي أن يكون ثابتاً بالكتابة، لأن من يجري التفتيش في هذا الحالة لا يجريه باسم من ندبه له، وإنما يجريه باسم النيابة العامة الآمرة. ولما كان ذلك فإن الطاعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن الطعن المقدم من النيابة العامة:
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضدهم بجريمة إحراز جواهر مخدرة بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه انتهي إلى أن إحراز المطعون ضدهم للمخدر لم يكن بقصد الاتجار دون أن يكتشف عن سنده في ذلك، ورغم ما تنطق به الأوراق من وجود ميزان به آثار أفيون ومن جسامة كمية المخدر المضبوطة وما جاء بتحريات الشرطة ومن ضبطهم في مجلس يدل على التداول والاتجار، الأمر الذي يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد مؤدى أدلة الثبوت فيها عرض لقصد الاتجار ونفي توافره في حق المطعون ضدهم - المتهمين الثلاثة الأول - بما مؤداه أن المحكمة لا تساير سلطة الاتهام من أن إحرازهم للمخدر كان بقصد الاتجار لخلو الأوراق من الدليل عليه وعلى أنهم كانوا يحرزونه بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي - وترى المحكمة أن الإحراز بالنسبة لثلاثتهم كان بغير هذه القصود جميعاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن توافر قصد الاتجار هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها بغير معقب، ما دام تقديرها سائغاً، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت إحراز المطعون ضدهم للمخدر المضبوط بركنيه المادي والمعنوي ثم نفي توافر قصد الاتجار في حقهم واعتبرهم مجرد محرزين للمخدر وعاقبهم بموجب المادة 38 من القانون رقم 38 من القانون 182 لسنة 1960 التي لا تستلزم قصداً خاصاً من الإحراز، بل تتوافر أركانها بتحقق الفعل المادي والقصد الجنائي العام وهو علم المحرز بماهية الجوهر علماً مجرداً من أي قصد من القصود الخاصة المنصوص عليها في القانون، فإن في ذلك ما يكفي لحمل قضائه بالإدانة على الوجه الذي انتهى إليه، ولا يعدو ما تثيره الطاعنة بوجه طعنها أن يكون جدلاً حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى وتجزئتها والأخذ بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.