أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 136

جلسة 6 من فبراير سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، وصلاح الدين الرشيدي، ودكتور أحمد رفعت خفاجي، وإسماعيل محمود حفيظ.

(25)
الطعن رقم 826 لسنة 48 القضائية

(1 و2 و3) إثبات. "شهادة". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(1) تقدير الأدلة. حق لمحكمة الموضوع. لها تجزئة أقوال الشاهد والموائمة بين ما أخذته عنه وعن الشهود الآخرين.
إيراد مؤدى أقوال الشهود جملة. لا يعيب الحكم. ما دام ينصب على واقدة واحدة. لا خلاف فيها.
(2) ما يقرره الشخص مما يكون قد رآه أو سمعه أو أدركه بحاسة من حواسه. شهادة.
(3) تجزئة الدليل. والأخذ بما يطمئن إليه واطراح ما عداه. مرده اطمئنان المحكمة. مثال؟
(4) إجراءات. "إجراءات المحاكمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب تحقيق. قدم في مذكرة بعد حجز الدعوى للحكم. أو الرد عليه.
(5) إجراءات. "إجراءات المحاكمة". إكراه . دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
استعمال المحكمة حقها في حبس المتهم احتياطياً. لا يحول بين الدفاع وحقه في طلب التأجيل. ولا يعد إكراها للتنازل عن سماع الشهود. المادة 280 إجراءات.
(6) إثبات. "شهادة". دعوى مدنية. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
سماع المدعي المدني. كشاهد. إذا طلب ذلك. أو ارتأت المحكمة سماعه.
(7) إثبات. "شهادة".
الإعفاء من أداء الشهادة وفق المادة 289 إجراءات رهن بطلب ذلك ممن ذكرتهم . سماع شهادتهم والتعويل عليها. لا عيب. ما داموا لم يعترضوا على أدائها.
نطاق التزام أحد الزوجين. بعدم إفشاء ما أبلغه به أثناء قيام الزوجية بغير رضاه. المادتان 209 مرافعات سابق و67 من قانون الإثبات.
(8) إثبات. "بوجه عام". "قرائن". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من سائر عناصر الدعوى. بما في ذلك الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. حق للمحكمة.
النعي على المحكمة تقديرها لأدلة الدعوى. ومصادرتها في عقيدتها. عدم جواز إثارته. أمام النقض.
(9) قتل عمد. سبق إصرار. ظروف مشددة. اتفاق جنائي. فاعل أصلي. مسئولية جنائية. "المسئولية التضامنية".
سبق الإصرار. ماهيته. تحققه. كيفية الاستدلال عليه؟ التدليل على اتفاق المتهمين على القتل. من معيتهم في الزمان والمكان. ونوع الصلة بينهم. وصدور الجريمة عن باعث واحد. واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها. وأن كلا منهم قَصد قصْد الآخر في إيقاعها. ووحدة الحق المعتدى عليه. سائغ. أثر ذلك. اعتبارهم فاعلين أصليين في القتل والشروع فيه متضامنين في المسئولية. عرف محدث الإصابة القاتلة منهم أم لم يعرف.
(10) نقض. "المصلحة في الطعن". عقوبة. "العقوبة المبررة". قتل عمد.
عدم جدوى النعي يتخلف سبق الإصرار. ما دامت العقوبة المقضي بها. في حدود العقوبة المقررة لجريمة القتل مجرداً عن أي ظرف مشدد.
(11) أسباب الإباحة وموانع العقاب. "الدفاع الشرعي". إثبات. "بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
ثبوت التدبير للجريمة. أو الاتفاق عليها. أو التحيل لارتكابها. انتفاء موجب الدفاع الشرعي.
حق الدفاع الشرعي. سن لرد عدوان حال. تقدير قيامه. موضوعي.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الأدلة، ولها أن تجزئ أقوال الشاهد الواحد وأن توائم بين ما أخذته عنه بالقدر الذي رواه، وبين ما أخذته من قول شهود آخرين، وأن تجمع بين هذه الأقوال وتورد مؤداها جملة وتنسبه إليهم معاً، ما دام ما أخذت به من شهادتهم ينصب على واقعة واحدة لا يوجد فيها خلاف فيما نقله عنهم، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق هذا النظر، وجمع في بيان واحد مؤدى الدليل المستند من أقوال سبعة من شهود الإثبات ممن كانوا بمكان الحادث، والذين تطابقت أقوالهم فيما حصله الحكم واستند عليه منها، فلا بأس عليه إن هو أورد مؤدى شهادتهم جملة ثم نسبها إليهم جميعاً تفادياً من التكرار الذي لا موجب له.
2 - الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، فلا وجه للنعي بقصور أقوال الشهود لإغفالها الحديث في أركان الجريمة وعناصرها، وحسب الحكم أن يثبت المحكمة أركان الجريمة وتبين الأدلة التي قامت لديها فجعلتها تعتقد ذلك وتقول به.
3 - لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل المقدم لها وأن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال، إذ مرجع الأمر في هذا الشأن إلى اقتناعها هي وحدها، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن كان قد عول على شق من أقوال شهود الإثبات المشار إليهم وهو ما تعلق بسبب الحادث وقدوم الطاعنين وذويهم مسلحين ببنادقهم إلى مكان الحادث متذرعين بطلب إيقاف ماكينة الري، وإطلاقهم النار على المجني عليهم فور عدم الرضوخ لطلبهم، ولم يعبأ بقالتهم في الشق الآخر الخاص بعدد ما أطلق من الأعيرة، ولا بما كشف عنه الدليل الفني في وجود إصابة رضية باثنين من المجني عليهما، ولا يعتبر هذا الذي تناهى إليه الحكم افتئاتا منه على الشهادة أو مما يقوم به التعارض بين الدليلين.
4 - من المقرر أن المحكمة متى أمرت بإقفال باب المرافعة في الدعوى وحجزتها للحكم فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه الطاعنون في مذكرتهم التي يقدمونها في فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه سواء قدموها بتصريح منها أو بغير تصريح ما داموا هم لم يطلبوا ذلك بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، ويكون النعي لذلك بقالة الإخلال بحق الدفاع والقصور في غير محله.
5 - لا ينال من سلامة إجراءات المحاكمة ما أمرت به المحكمة من حبس الطاعنين احتياطياً على ذمة الدعوى، فإن ذلك منها كان استعمالاً لحقها المقرر بالمادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية، ولم يكن من شأنه أن يحول بين الدفاع وبين حقه في طلب تأجيل نظر الدعوى لسماع الشهود، أما وهو لم يفعل بتعلة غير مقبولة هي أنه أكره على التنازل عن سماعهم فإن نعيه على الحكم بهذا السبب يكون غير سديد.
6 - جرى قضاء محكمة النقض على أن المدعي بالحقوق المدنية إنما يسمع كشاهد ويحلف اليمين إذا طلب ذلك أو طلبته المحكمة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم، وكان يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أنه لم يطلب أحد من الطاعنين أو المدعين بالحقوق المدنية من المحكمة سماع أي من هؤلاء الأخيرين، ولم تر هي ذلك، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعنون من بطلان الإجراءات لإغفال المحكمة إعمال حكم المادة 288 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب سماع المدعين بالحقوق المدنية كشهود بعد حلف اليمين، ولا يعيب الحكم عزوفه عن سماع أقوالهم وتعويله في قضائه على ما تضمنته التحقيقات.
7 - إن ما يثيره الطاعن بدعوى خطأ استناد الحكم لأقوال....... على والده وأقوال...... على مطلقها....... لأن ذلك منهي عنه بنص المادة 286 من قانون الإجراءات الجنائية مردوداً بأن مؤدى نص المادة 286 من قانون الإجراءات الجنائية أن الشاهد لا تمتنع عليه الشهادة بالوقائع التي رآها أو سمعها ولو كان من يشهد ضده قريباً أو زوجاً له، وإنما أعفى من أداء الشهادة إذا أراد ذلك، وأمام نص المادة 209 من قانون المرافعات - المادة 67 من قانون الإثبات الحالي - فإنه يمنع أحد الزوجين من أن يفشى بغير رضاء الآخر ما عساه يكون أبلغه به أثناء قيام الزوجية ولو بعد انقضائها إلا في حالة رفع دعوى من أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر، وإذ كان البين من الرجوع إلى المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها - أن هذين الشاهدين لم يطلبا إعفاءهما من الشهادة أو اعتراضا على أدائها، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنهما شهدا بما وقع عليه بصرهما أو اتصل بسمعهما إبان الحادث فإن شهادتهما تكون بمنأى عن البطلان ويصح في القانون استناداً الحكم إلى أقوالهما.
8 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق وهو الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
9 - من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن سورة الأنفال، مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراضه، وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة، قصد بها شخصاً معيناً أو غير معيناً صادفه حتى ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير الشخص الذي قصده وهو ما ينفي المصادفة أو الاحتمال وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن تقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام لاستخلاصه وجه مقبول - لما كان ذلك - وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم يسوغ به ما استنبطه من توافره، وكان القول بوجود إصابات رضية بالفريقين أو الزعم بأن فريق المجني عليه هم الذين بدأوا بإطلاق النار لا شأن له بنفوس المتهمين التي كانت مهيأة من قبل للاعتداء بعدته وأدواته وسعوا إليه بجمعهم وأسلحتهم إلى حيث المجني عليهم بالحقل مكان الحادث، سواء تشابكت الحوادث في رباط زمني متصل، أو وقعت بينهما فرجه من الوقت تفسح لسبق الإصرار ولا تنفيه، هذا فضلاً عن أن ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلا منهم قَصد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية القتل العمد والشروع فيه ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية عرف محدث الإصابات القاتلة منهم أو لم يعرف.
10 - متى كانت العقوبة الموقعة على الطاعنين وهي الأشغال الشاقة - المؤبدة والمؤقتة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل مجردة عن أي ظرف مشدد فلا مصلحة لهم فيما أثاروه من تخلف سبق الإصرار.
11 - من المقرر أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار أو انعقاد الاتفاق على إيقاعها أو التحيل لارتكابها انقضى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال أو الأسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه، لهذا ولأن الدفاع الشرعي لم يشرع للانتقام بل لكف الاعتداء - وهو ما أثبته الحكم بغير معقب، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون بدعوى فساد استدلال الحكم في خصوص انتفاء حقهم في الدفاع الشرعي يكون في غير محله ويتعين رفضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر توفى بأنهم (أولاً) - قتلوا عمداً مع سبق الإصرار..... و...... و..... بأن عقدوا العزم على قتلهم وأعدوا لذلك أسلحة نارية (بنادق) وتوجهوا بها إليهم في حقل أولهم - متخذين من رفضه طلبهم إيقاف ماكينة الري التي كان يديرها ستاراً لتنفيذ قصدهم المصمم عليه - وأطلقوا عليهم أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتلهم فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهم (ثانياً) شرعوا في قتل.... و..... و...... و....... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم على قتلهم وتوجهوا إليهم بحقل..... متخذين من رفضه طلبهم إيقاف ماكينة الري التي كان يديرها ستاراً لتنفيذ قصدهم المصمم عليه وأطلقوا عليهم أعيرة نارية فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو مداركه المجني عليهم المذكورين بالعلاج. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمادة 334/ 1 - 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. وادعى مدنياً كل من........ عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها...... و...... قاصري المرحوم..... و...... و....... و........ و...... عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها...... و....... و...... و....... قصر المرحوم.... و....... عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها و...... و...... و...... و...... و....... قصر المرحوم..... و....... و...... قبل المتهمين قضت بتغريمهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمواد 230 و231 و32/ 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الخمسة الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة ومعاقبة......... بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. وإلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعوا للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه، قد انطوى على قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وبطلان في الإجراءات وخطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه جمع بين أقوال شهود الإثبات السبعة الذين عول على شهادتهم في بيان واحد، مع ما كان يجب من أن يورد مؤدى أقوال كل منهم على حدة، وقد خلا هذا البيان من عناصر الجريمة وأركانها وعدد الأعيرة التي أصابت كل من المجني عليهم وتناقص مع ما أثبته التقرير الطبي من وجود إصابات رضية باثنين من المجني عليهم، والتفت الحكم عن إجابة الدفاع إلى طلب سماع الشهود الذي أبداه في مذكرته المصرح له بتقديمها، وأعرض عن الرد عليه، وكان من شأن قرار المحكمة بالقبض على المتهمين وحبسهم - دون أن يكون لهم يد في تأخير الفصل في الدعوى - أن أكره الدفاع على التنازل عن سماع الشهود، وفصلت المحكمة في الدعوى دون سماع المدعي بالحقوق المدنية رغم ما توجبه المادة 288 من قانون الإجراءات الجنائية من سماعه كشاهد بعد تحليفه اليمين، ولما تنهى عنه المادة 286 من ذات القانون من الاستدلال بأقوال........ على والده....... على مطلقها، ودون أن يكون المتهم آخر من يتكلم، بل واعتبرت المحكمة......... المدعية بالحقوق المدنية أرملة لقتيلين، هذا إلى أن الحكم قد استدل على ثبوت ظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين وبالتالي انتفاء حقهم في الدفاع الشرعي، بماض منسي هو طلاق.......، وتغاضى في ذات الوقت عما قرره....... من أن مشاحنة قامت بسبب إدارة ماكينة الري لدى قطعة أرض متنازع عليها بين الأخوين...... و....... وأن الأخير هو الذي بدأ بإطلاق النار وثارت النفوس لقتل الأول فضلاً عما سجلته التقارير الطبية من وجود إصابات رضية بالفريقين تؤيد حدوث التشاجر، وهو ما يبدو معه فساد استدلال الحكم في هذا الخصوص، وكل ذلك يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد استخلص واقعة الدعوى فيما يحمل أن الضغينة قد انعقدت بين...... وأخيه لأبيه....... لنزاع سابق على أرض جرن ثم لطلاق ابنة الأخير من ابن الأول رغما عنه أثناء تنفيذه العقوبة المحكوم بها عليه لقلته ابن عمته الذي اعتقد أنه كان على علاقة بزوجته ولما وقع بين الأخوين في الأسبوع السابق على الحادث من نزاع على وضع حشائش على الحد الفاصل بين أرضيهما، وكان من شأن تلك الضغينة - فضلاً عن استمرار الخصام - أن ولدت في نفس أولهما - ....... - وأولاده - وأبناء عمومتهم من المتهمين أثراً دفعهم إلى التصميم على قتل غريمهم فأعدوا لذلك أسلحة نارية ورصدوا العيون من حوله يترقبون الفرصة للظفر به إلى أن أبلغهم الطاعن الخامس - ........ - في صباح يوم الحادث بوجوده رفقة أولاده بالحقل يديرون ماكينة الري فتدبروا أمرهم وجمعوا جمعهم حاملين بنادقهم وعلى رأسهم....... و........ قاصدين التعلل لتنفيذ ما عقدوا العزم عليه من قتل.......... ومن يرافقه من ذويه، وإذ بلغ هذا الحشد المسلح مكان الحادث، تذرع......... بطلب إيقاف ماكينة الري، ثم أمطرهم ومن في معيته من المتهمين أخاه وذويه برصاص بنادقهم قاصدين إزهاق روحهم، فأحدثوا بكل من...... و...... و....... و........ و......... - الإصابات الموصوفة بتقارير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهم، كما أحدثوا بكل من....... و......... و....... و........ الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية وقد خاب أثر الجريمة بالنسبة للأربعة الأخيرين لمداركتهم بالعلاج، وقد دلل الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين بما ينتجها من وجوه الأدلة السائغة، التي استمدها من معينها الصحيح من الأوراق من شهادة الشهود والمعاينة والتقارير الطبية الشرعية، ومما رواه المتهمان........، ......... عن النزاع السابق و......... عن انتفاء مصلحة المتهمين بمكان الحادث، بما تتوافر به العناصر القانونية لجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه التي دين الطاعنين بها، وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الأدلة، ولها أن تجزئ أقوال الشاهد الواحد وأن توائم بين ما أخذته عنه بالقدر الذي رواه، وبين ما أخذته من قول شهود آخرين، وأن تجمع بين هذه الأقوال وتورد مؤداها جملة وتنسبه إليهم معاً، ما دام ما أخذت به من شهادتهم ينصب على واقعة واحدة لا يوجد فيها خلاف فيما نقلته عنهم، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق هذا النظر، وجمع في بيان واحد مؤدى الدليل المستند من أقوال سبعة من شهود الإثبات ممن كانوا بمكان الحادث، والذين تطابقت أقوالهم فيما حصله الحكم واستند عليه منها، فلا بأس عليه إن هو أورد مؤدى شهادتهم جملة ثم نسبها إليهم جميعاً تفادياً من التكرار الذي لا موجب له. لما كان ذلك، وكانت الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، فلا وجه للنعي بقصور أقوال الشهود لإغفالها الحديث في أركان الجريمة وعناصرها، وحسب الحكم أن يثبت المحكمة أركان الجريمة وتبين الأدلة التي قامت لديها، فجعلتها تعتقد ذلك وتقول به. لما كان ذلك، وكان من سلطة محكمة الموضوع تجزئة الدليل المقدم لها وأن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال، إذ مرجع الأمر في هذا الشأن إلى اقتناعها هي وحدها، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن كان قد عول على شق من أقوال شهود الإثبات المشار إليهم وهو ما تعلق بسبب الحادث وقدوم الطاعنين وذويهم مسلحين ببنادقهم إلى مكان الحادث متذرعين بطلب إيقاف ماكينة الري، وإطلاقهم النار على المجني عليهم فور عدم الرضوخ لطلبهم، ولم يعبأ بقالتهم في الشق الآخر الخاص بعدد ما أطلق من الأعيرة، ولا بما كشف عنه الدليل الفني في وجود إصابة رضية باثنين من المجني عليهما، ولا يعتبر هذا الذي تناهى إليه الحكم افتئاتا منه على الشهادة ببترها أو مما يقوم به التعارض بين الدليلين. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين قد تنازل في مستهل نظر الدعوى بجلسة 6/ 1/ 1976 عن سماع الشهود ولم تتضمن مرافعته فيها بالجلسة التالية 7/ 1/ 1976 معاودة طلب سماعهم، فقررت المحكمة إقفال باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم لجلسة 5/ 2/ 1976 مع التصريح لأطرافها بتقديم مذكرات، وإذ كان من المقرر أن المحكمة متى أمرت بإقفال باب المرافعة في الدعوى وحجزتها للحكم فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه الطاعنون في مذكرتهم التي يقدمونها في فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه سواء قدموها بتصريح منها أو بغير تصريح ما داموا هم لم يطلبوا ذلك بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، ويكون النعي لذلك بقالة الإخلال بحق الدفاع والقصور في غير محله. لما كان ذلك، فإنه لا ينال من سلامة إجراءات المحاكمة ما أمرت به المحكمة من حبس الطاعنين احتياطياً على ذمة الدعوى، فإن ذلك منها كان استعمالاً لحقها المقرر بالمادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية، ولم يكن من شأنه أن يحول بين الدفاع وبين حقه في طلب تأجيل نظر الدعوى لسماع الشهود، أما وهو لم يفعل بتعلة غير مقبولة هي أنه أكره على التنازل عن سماعهم فإن نعيه على الحكم بهذا السبب يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المدعي بالحقوق المدنية إنما يسمع كشاهد ويحلف اليمين إذا طلب ذلك أو طلبته المحكمة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم، وكان يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أنه لم يطلب أحد من الطاعنين أو المدعين بالحقوق المدنية من المحكمة سماع أي من هؤلاء الأخيرين، ولم تر هي ذلك، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعنون من بطلان الإجراءات لإغفال المحكمة إعمال حكم المادة 288 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب سماع المدعين بالحقوق المدنية كشهود بعد حلف اليمين، ولا يعيب الحكم عزوفه عن سماع أقوالهم وتعويله في قضائه على ما تضمنته التحقيقات. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بدعوى خطأ استناد الحكم لأقوال........ على والده وأقوال.......... على مطلقها........، لأن ذلك منهي عنه بنص المادة 286 من قانون الإجراءات الجنائية مردوداً بأن مؤدى نص المادة 286 من قانون الإجراءات الجنائية أن الشاهد لا تمتنع عليه الشهادة بالوقائع التي رآها أو سمعها ولو كان من يشهد ضده قريباً أو زوجاً له، وإنما أعفى من أداء الشهادة إذا أراد ذلك، وأمام نص المادة 209 من قانون المرافعات - المادة 67 من قانون الإثبات الحالي - فإنه يمنع أحد الزوجين من أن يفشى بغير رضاء الآخر ما عساه يكون أبلغه به أثناء قيام الزوجية ولو بعد انقضائها إلا في حالة رفع دعوى من أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر، وإذ كان البين من الرجوع إلى المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها - أن هذين الشاهدين لم يطلبا إعفاءهما من الشهادة أو يعترضاً على أدائها، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنهما إنما شهدا بما وقع عليه بصرهما أو اتصل بسمعهما إبان الحادث فإن شهادتهما تكون بمنأى عن البطلان ويصح في القانون استناداً الحكم إلى أقوالهما. لما كان ذلك، وكان النعي بأن المتهمين لم يكونوا آخر من تكلم، وأن الحكم اعتبر....... إحدى المدعين بالحقوق المدنية أرملة لقتيلين، يناقض أولهما الثابت بمحضر جلسة المحاكمة الأخيرة، ويناقض ثانيهما الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه، فإن هذا النعي بشقيه يكون ولا سند له من الأوراق ولا محل له. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعنون من فساد استدلال الحكم بصدد ثبوت ظرف سبق الإصرار وانتفاء حق الطاعنين في الدفاع الشرعي بدعوى أن الحادث على حد ما قرره........ قد بدأ مشاجرة بسبب ري قطعة أرض متنازع عليها بين الأخوين يؤيده وجود إصابات رضية بالفريقين وأن......... هو الذي بدأ إطلاق النار، فإن ذلك مردود بدوره بأنه وقد استخلص الحكم واقعة الدعوى على نحو ما سلف بيانه، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقاً مع حكم العقل والمنطق، وهو الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان الحكم قد استدل على ثبوت ظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين وانتفاء حقهم في الدفاع الشرعي بأن الضغينة التي نشأت بين المجني عليه وأخيه....... وأفراد فريقه بسبب النزاع على أرض جرن ثم طلاق......... ابنه الأول من ابن الثاني قهراً عنه وهو بالسجن، وتذمر......... من وضع حشائش على الحد الفاصل لأرضه، وقد ولد كل ذلك في نفسه هو وفريقه أثراً دفعهم إلى التصميم على قتل أخيه، فأعدوا لذلك عدتهم من الأسلحة النارية، ورصدوا العيون من حوله يتحينون الفرصة المواتية لتنفيذ ما دبروا له، وإذ رآه المتهم..... يدير الماكينة، عاد زمرة الحشد المسلح إلى مكان الحادث بعد أن كانوا قد جمعوا جمعهم وحملوا أسلحتهم أمام منزل........، هادفين الإجهاز على غريمهم وذويه فقط حسبما تدل عليه عدم إصابة أي من العمال الأجراء الثلاثة الذين كانوا مع المجني عليه ولو برشة واحدة، وحسبما قرره المتهمان....... و...... من أنه لم يكن لفريق المتهمين مصالح بمكان الحادث ولا يضرهم إدارة ماكينة الري، مما يكشف عن قصدهم المصمم عليه وأن طلب إيقاف الماكينة لم يكن إلا ذريعة لتنفيذه، وهو ما يرتب بين المتهمين تضامناً في المسئولية لظهورهم على مسرح الجريمة معاً أياً كان الفعل الذي قارفه كل منهم بغض النظر عن مدى مساهمته في نتيجة الحادث، ثم استطرد الحكم إلى أن ذلك وما أجمع عليه شهود الإثبات من أن فريق المتهمين هم الذين بدأوا إطلاق النار إنما تنتفي به قيام حالة الدفاع الشرعي بالنسبة لهم، بل أن قدومهم إلى حقل المجني عليه على الصورة سالفة البيان هو ما يجعل هؤلاء الأخيرين في حالة دفاع شرعي، حتى عند افتراض صحة الزعم بأنهم بدأوا إطلاق النار لدفع الخطر الحال المحدق بهم. لما كان ذلك، وكان من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق باعتداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن سورة الانفعال، مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها، لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراضه، وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة، قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه حتى ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير الشخص الذي قصده وهو ما لا ينفى المصادفة أو الاحتمال وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن تقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام لاستخلاصه وجه مقبول، وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم يسوغ به ما استنبطه من توافره، وكان القول بوجود إصابات رضية بالفريقين أو الزعم بأن فريق المجني عليه هم الذين بدأوا بإطلاق النار لا شأن له بنفوس المتهمين التي كانت مهيأة من قبل للاعتداء بعدته وأدواته وسعوا إليه بجمعهم وأسلحتهم إلى حيث المجني عليهم بالحقل مكان الحادث، سواء تشابكت الحوادث في رباط زمني متصل، أو وقعت بينهما فرجه من الوقت تفسح لسبق الإصرار ولا تنفيه، هذا فضلاً عن أن ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قَصد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية القتل العمد والشروع فيه ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية عرف محدث الإصابات القاتلة منهم أو لم يعرف، ولما كانت العقوبة الموقعة عليهم وهي الأشغال الشاقة - المؤبدة والمؤقتة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل مجردة عن أي ظرف مشدد فلا مصلحة لهم فيما أثاروه من تخلف سبق الإصرار، ومن المقرر كذلك أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار أو انعقاد الاتفاق على إيقاعها أو التحيل لارتكابها انقضى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال أو الأسلاس له وإعمال الخطة في إنقاذه، لهذا ولأن الدفاع الشرعي لم يشرع للانتقام بل لكف الاعتداء - وهو ما أثبته الحكم بغير معقب، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون بدعوى فساد استدلال الحكم في خصوص ثبوت ظرف سبق الإصرار وانتفاء حقهم في الدفاع الشرعي يكون في غير محله ويتعين رفضه. ولما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.