مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 71

(10)
جلسة 13 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور نعيم عطيه جرجس ويحيى عبد الفتاح سليم البشري ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي وصلاح الدين أبو المعاطي نصير - المستشارين.

الطعن رقم 796 لسنة 27 القضائية

اختصاص - قواعد توزيع الاختصاص.
توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية - تنازع سلبي - اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالفصل فيه - أساس ذلك - الحكم بعدم الاختصاص لم يفصل في موضوع النزاع حتى تكون له قوة الشيء المحكوم فيه - أساس ذلك - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

بتاريخ 16 من إبريل سنة 1981 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 796 لسنة 27 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) بجلسة 16 من فبراير سنة 1981 في الدعوى رقم 762 لسنة 32 القضائية المقامة من أحمد رأفت فوزي ضد اتحاد الإذاعة والتليفزيون والذي قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وإلزام المدعي المصروفات - وطلبت الهيئة الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً - وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) للفصل في موضوعها مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم أولاً: بصفة أصلية بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها مع إبقاء الفصل في المصروفات - ثانياً: بصفة احتياطية بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من مارس سنة 1983 وبجلسة 11 من إبريل سنة 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث تحدد لنظره أمامها جلسة 5 من يونيه سنة 1983 وبجلسة 23 من أكتوبر سنة 1983 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 19 من أغسطس سنة 1973 أقام أحمد رأفت فوزي الدعوى رقم 1149 لسنة 27 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (هيئة التسويات) ضد اتحاد الإذاعة والتليفزيون طالباً الحكم بأحقيته في صرف بدل السفر عن أربعة أشهر من 24 من فبراير سنة 1968 حتى 24 من يونيه سنة 1968. وشرح المدعي دعواه قائلاً إن الحكومة الفرنسية سبق أن قدمت لهيئة التليفزيون منحة للتدريب على الإخراج التليفزيوني، وتم ترشيح ستة من العاملين بالهيئة كان المدعي من بينهم، وسافر إلى فرنسا، وعلى الرغم من أن شروط المنحة وإجراءات الترشيح لها والموافقة عليها كانت واحدة بالنسبة إلى جميع المبعوثين إلا أن الاتحاد فرق في المعاملة المالية بينه وبين زملائه إذ لم يقم بصرف نصف بدل السفر المستحق له بينما تم الصرف لكل من السيدة/ شيرويت شافعي والسيد/ شوقي جمعة والسيدة/ آمال عزت - ويشير المدعي إلى أنه بمجرد عودته من فرنسا قدم طلباً للهيئة لمنحه نصف بدل السفر المقرر له فقامت الهيئة بالصرف فعلاً إلا أنها عادت واستردت ما صرف له بدعوى أن سفره لم يتم طبقاً لأحكام لائحة بدل السفر ومصاريف الانتقال بل تم طبقاً لأحكام قانون البعثات رقم 112 لسنة 1959.
وبجلسة 25 من نوفمبر سنة 1974 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الثقافة والإعلام للاختصاص وذلك استناداً إلى أن وكيل المدعي قرر بجلسة التحضير المنعقدة في 27 من فبراير سنة 1974 أن موكله يشغل الفئة الخامسة.
وعلى ذلك أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والإرشاد القومي حيث قيدت بجدولها برقم 298 لسنة 22 القضائية.
وبجلسة 25 من أكتوبر سنة 1977 حكمت المحكمة الإدارية المذكورة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وذلك استناداً إلى أن المدعي رقي إلى الفئة الرابعة في 15 من أكتوبر سنة 1974 بمقتضى القرار رقم 458 لسنة 1974 ولم يكن ذلك مطروحاً أمام محكمة القضاء الإداري عند إصدار حكمها إذ أن ملف خدمة المدعي المتضمن قرار الترقية لم يودع أمام المحكمة الإدارية إلا في 13 من إبريل سنة 1977 - وأضافت المحكمة أن حكم محكمة القضاء الإداري القاضي بإحالة الدعوى إليها لا يحوز حجية ولا يكون ملزماً للمحكمة المحال إليها الدعوى إلا في حدود الأسباب التي قام عليها، وإذ ثبت أن الاختصاص معقود لمحكمة القضاء الإداري طبقاً للفئة التي يشغلها المدعي فإن هذه المحكمة الأخيرة تكون هي المختصة بنظر الدعوى.
وإزاء ذلك أحيلت الدعوى مرة أخرى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) حيث قيدت بجدولها برقم 762 لسنة 32 القضائية.
وبجلسة 16 من فبراير سنة 1981 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها ويقضي بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها استناداً إلى أنه سبق لها أن قضت بجلسة 25 من نوفمبر سنة 1974 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وأصبح هذا الحكم حائزاً لقوة الأمر المقضى به وامتنع عليها بالتالي معاودة النظر في الدعوى طبقاً للمادة 116 من قانون المرافعات.
وبتاريخ 16 من إبريل سنة 1981 طعنت هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بمقتضى الطعن الماثل وأقامت طعنها على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله لما يأتي:
أولاً: أن محكمة القضاء الإداري اتصلت بالدعوى نفاذاً للحكم الصادر من المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها والإحالة طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات، ومن ثم تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها، ولا يسوغ لهذه الأخيرة أن تعاود البحث في الاختصاص وإلا كان في ذلك مضيعة لوقت القضاء ومجلبة لتناقض أحكامه.
ثانياً: أن المحكمة المحال إليها الدعوى تلتزم بحكم الإحالة وكذا بالأسباب التي بني عليها هذا الحكم.
ومن حيث إن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 25 من نوفمبر سنة 1974 في الدعوى رقم 1149 لسنة 27 القضائية هو حكم نهائي إذ لم يطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا في المواعيد وطبقاً للإجراءات المرسومة في قانون مجلس الدولة، وقد اتصلت الدعوى بعد ذلك بالمحكمة الإدارية لوزارة الثقافة والإرشاد القومي نفاذاً لحكم الإحالة الصادر من المحكمة الأولى.. كما أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الثقافة والإرشاد القومي بجلسة 25 من أكتوبر سنة 1977 في الدعوى رقم 298 لسنة 22 القضائية هو بدوره حكم نهائي إذ لم يطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري كهيئة استئنافية في المواعيد وطبقاً للإجراءات المقررة في قانون مجلس الدولة وقد اتصلت الدعوى بمحكمة القضاء الإداري وقيدت بجدولها تحت رقم 762 لسنة 32 القضائية لا بوصفها هيئة استئنافية ولكن بوصفها محكمة قضاء إداري (دائرة التسويات) وذلك نفاذاً لحكم الإحالة الصادر من المحكمة الإدارية المذكورة تطبيقاً للمادة 110 من قانون المرافعات - وقد قضت كل من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1149 لسنة 27 القضائية والمحكمة الإدارية لوزارة الثقافة والإرشاد القومي في الدعوى رقم 298 لسنة 22 القضائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، فأضحى ثمة تنازع سلبي في الاختصاص بين المحكمتين كلتيهما.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد طعنت بمقتضى طعنها الماثل في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) بجلسة 16 من فبراير سنة 1981 في الدعوى رقم 762 لسنة 32 القضائية سالف الذكر، ومن المقرر أنه يترتب على الطعن في الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا طرح النزاع برمته أمامها لتفصل فيه من جديد، ويكون لها في ذلك ما لمحكمة الدرجة الأولى من سلطة في هذا الصدد، فتحدد المحكمة المختصة بنظر النزاع على الوجه الصحيح الذي يتفق وأحكام القانون، وتبحث وقائع الدعوى وتعيد تقديرها من واقع ما قدم إليها من مستندات ومن واقع دفاع الخصوم، وتطبق القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على وقائع الدعوى وما إلى ذلك، وفي ضوء هذا التكييف فإن الطعن الماثل إذ أثار مسألة التنازع السلبي في الاختصاص بين المحكمتين سالفتي الذكر فإنه لا محيص والحالة هذه من التصدي لحكمي هاتين المحكمتين. لتحديد أي منهما ينعقد له الاختصاص بنظر النزاع، إذ من الأصول المسلمة التي يقوم عليها حسن توزيع العدالة وكفالة تأدية الحقوق لأصحابها ألا يحول دون ذلك تسلب المحاكم من اختصاصها بتنازعها تنازعاً سلبياً فيما بينها في هذا الاختصاص بينما ولاية القضاء معقودة بنص القانون للجهة القضائية التي تتبعها هاتان المحكمتان، مما لا مندوحة معه إذا ما أثير مثل هذا النزاع أمام المحكمة الإدارية العليا من أن تضع الأمر في نصابه الصحيح فتعين المحكمة المختصة بنظر الدعوى وتحيلها إليها للفصل فيها. ولا وجه للتحدي عندئذ بحجية أي حكم لفوات ميعاد الطعن فيه لأن مثل هذا الحكم لم يفصل في موضوع النزاع حتى تكون له قوة الشيء المحكوم فيه في هذا الخصوص وإنما اقتصر على النظر في الاختصاص منتهياً إلى التسلب منه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك وإذ كان الثابت من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه رقي إلى الفئة الرابعة بمقتضى القرار الإداري رقم 458 في 15 من أكتوبر سنة 1974 اعتباراً من 31 ديسمبر سنة 1973 فإنه يكون شاغلاً إحدى وظائف المستوى الأول التي ينعقد الاختصاص بنظر منازعات العاملين الشاغلين لها لمحكمة القضاء الإداري، الأمر الذي يتعين معه والحالة هذه، القضاء بإلغاء الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقم 1149 لسنة 27 القضائية ورقم 762 لسنة 32 القضائية سالفي الذكر وباختصاص محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) بنظر الدعوى وإعادتها إليها للفصل فيها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقم 1149 لسنة 27 ق ورقم 762 لسنة 32 ق، وباختصاص محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) بنظر الدعوى وإعادتها إليها للفصل فيها.


[(1)] راجع في ذات المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا رقم 883 لسنة 26 ق - جلسة 3/ 4/ 1983.