مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 90

(14)
جلسة 19 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد الرازق خليل وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم ويحيى السيد الغطريفي - المستشارين.

الطعن رقم 3390 لسنة 27 القضائية

هيئة الأوقاف المصرية - قرار إداري - إزالة التعدي بالطريق الإداري - عقد إيجار - عقد إداري.
إصدار هيئة الأوقاف المصرية قراراً بإزالة التعدي على شقة بإحدى عمارات الأوقاف وتنفيذ الإزالة بالطريق الإداري - الطعن على هذا القرار - عقد الإيجار المبرم بين هيئة الأوقاف المصرية باعتبارها هيئة عامة وبين أحد الأفراد وإن كان ينطوي على بعض الشروط الاستثنائية غير المألوفة في عقد الإيجار إلا أنه لا يعتبر عقداً إدارياً - السبب أنه لا يتصل بنشاط مرفق عام بقصد تسييره وتنظيمه - خضوع هذا العقد لأحكام قانون 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن - القضاء الإداري وهو يسلط رقابته على القرار المطعون فيه يراقب صحة السبب الذي قام عليه القرار - هذه الرقابة تقتضي التحقق مما إذا كان الطاعن يجد له سنداً من القانون في الاحتفاظ بالشقة موضوع النزاع وامتداد عقد الإيجار لصالحه من عدمه - يشترط (طبقاً للمادة 29 من قانون 49 لسنة 1977 لامتداد عقد الإيجار بالنسبة لأقارب المستأجر الأصلي في المسكن الإقامة (لمدة سنة) حتى الوفاة أو الترك - تصور الإقامة المتطلبة على أنها ضرورة التواجد الفعلي للمشارك في السكن وقت الوفاة تصور قاصر - العبرة في القانون بالإقامة المعتادة بحيث يكون المسكن الذي يشارك فيه القريب هو موطنه ومأواه ولا مأوى له سواه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 29 من أغسطس سنة 1981 أودع الأستاذ عبد السلام مهنا المحامي - بصفته وكيلاً عن الطاعن - بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة أول يوليو سنة 1981 في الدعوى رقم 617 لسنة 34 ق والقاضي برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وطلب الطاعن قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار رقم 28 لسنة 1980 الصادر في 20/ 4/ 1980 من رئيس هيئة الأوقاف المصرية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصاريف عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصاريف.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 18 من أكتوبر سنة 1982 وتدوول بالجلسات على الوجه الثابت بالمحاضر، وبجلسة 18 من إبريل سنة 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره بجلسة 4 من يونيو سنة 1983. ونظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وحجز للحكم لجلسة اليوم، حيث صدر الحكم التالي، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما تخلص من الأوراق - تتحصل في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 617 لسنة 34 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ضد وزير الأوقاف ورئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بعريضة أودعها قلم كتابها بتاريخ 30/ 4/ 1980 طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار رقم 28 لسنة 1980 الصادر من رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية في 20/ 4/ 1980 بإزالة التعدي الواقع على الشقة رقم 40 بالمبنى (د) بعمارة الأوقاف بالشاطبي، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام المدعى عليهما بالمصاريف.
وقال شرحاً لدعواه إن المدعى عليه الثاني أصدر بتاريخ 20/ 4/ 1980 القرار المطعون فيه بمقولة إن سكنى المدعي للشقة موضوع القرار يعتبر تعدياً منه عليها بعد وفاة عمه فريد اسكندر ميخائيل مستأجرها الأصلي برغم ما تعلمه الهيئة من إقامة المدعي في هذه الشقة مع عمه المذكور منذ ثلاث سنوات سابقة على وفاته في 3/ 1/ 1980. وأنه ولئن أجازت المادة 970 من القانون المدني إزالة التعدي الواقع على أموال الأوقاف الخيرية إدارياً إلا أن ذلك منوط بوقوع تعد على مال موقوف، وأن يكون الوقف خيرياً، وأن تقتضي المصلحة العامة إزالة التعدي. وأضاف المدعي أن المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على استمرار عقد الإيجار حتى بعد وفاة المستأجر الأصلي إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو والداه وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة بشرط إقامتهم مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للعين أيهما أقل. واستطرد المدعي أنه متى كانت إقامته مع عمه المستأجر الأصلي ثابتة لمدة تزيد على سنة قبل الوفاة فضلاً عن الشك في أن تكون العمارة الواقعة بها الشقة وقفاً خيرياً وأن المصلحة العامة لا تقتضي طرد المدعي الأمر الذي يؤدي إلى القول بمخالفة القرار المطعون فيه للقانون على وجه يستوجب إلغاءه.
وردت جهة الإدارة على الدعوى بأن المستأجر الأصلي كان يستأجر الشقة بعقد إيجار مؤرخ في 7/ 8/ 1949 وظل يتجدد إلى أن توفى بتاريخ 3/ 1/ 1980، وبوفاته يعتبر عقد الإيجار مفسوخاً من تلقاء ذاته طبقاً للبند رقم 28 من شروط تأجير الشقة، ولقد كان المستأجر الأصلي يقيم مفرده حسبما يستفاد من كتابه المرسل إلى مدير الأوقاف بتاريخ 17/ 7/ 1979 أي قبل وفاته بحوالي ستة أشهر، مما لا وجه معه لإعمال حكم المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، ومن ثم فإن محاولة استئثار المدعي بالشقة موضوع النزاع دون ما سند من القانون يعد من قبيل التعدي الذي تملك هيئة الأوقاف إزالته إدارياً طبقاً لنص المادة 970 من القانون المدني. يضاف إلى ذلك أن القرار المطعون فيه قد تم تنفيذه فعلاً وسلمت الشقة إلى جهة الإدارة في 29/ 5/ 1980.
وكانت السيدة: زيزف اسكندر ميخائيل (شقيقة المستأجر الأصلي) قد حضرت أمام المحكمة بجلسة 28/ 5/ 1980 وطلبت قبول تدخلها انضمامياً للمدعي في طلب الحكم على المدعى عليهما بطلبات المدعي، وقدمت مذكرة بهذا الطلب أوضحت فيها أنها هي وحدها التي كانت تقيم بمفردها مع شقيقها المتوفى لمدة تزيد على خمس سنوات قبل وفاته، ومن ثم يستمر عقد الإيجار لصالحها، وليس أدل على ذلك من أن شقيقها باع لها جميع منقولات الشقة، وأنه بعد أن اشتدت عليه وطأة المرض سافرت معه إلى - أسيوط - بلدته الأصلية - وقامت بغلق الشقة والاحتفاظ بمفاتيحها معها ووضع أقفال على بابها من الخارج وبعد عودتها من أسيوط بعد انتهاء مراسم جنازة شقيقها فوجئت بتشميع الشقة من الخارج.
وبجلسة 2/ 7/ 1980 حكمت المحكمة بعدم قبول تدخل السيدة/ زيزف اسكندر ميخائيل خصماً منضماً في الدعوى، وبقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعي بمصروفاته.
وبجلسة الأول من يوليو سنة 1981 حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصاريف. وأقامت قضاءها على أنه طبقاً لحكم المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 77 من شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فإن الامتداد القانوني لعقد الإيجار بالنسبة لأقارب المستأجر الأصلي نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة مشروط بمشاركتهم للمستأجر في الإقامة بالمسكن المؤجر لمدة زمنية معينة قبل الوفاة أو الترك بحيث يكون المشارك من الأقارب المذكورين مقيماً بالمسكن أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل، وأن تظل هذه المشاركة قائمة حتى الوفاة أو الترك بحيث يكون المشارك من الأقارب المذكورين مقيماً بالمسكن مع المستأجر وقت وفاته أو الترك حتى ينتقل إليه الحق في امتداد عقد الإيجار أما إذا لم يكن مقيماً مع المستأجر الأصلي وقت الوفاة أو الترك فإنه يفقد بذلك أحد الشروط القانونية الموجبة لامتداد عقد الإيجار حتى ولو ثبتت إقامته مع المستأجر الأصلي قبل الوفاة أو الترك المدة الزمنية المنصوص عليها في المادة المشار إليها.
واستطردت المحكمة أن الثابت من أوراق الدعوى أن المدعي لم يكن مقيماً بالشقة موضوع النزاع مع عمه المستأجر الأصلي وقت وفاته بتاريخ 3/ 1/ 1980، إذ أن المستأجر الأصلي كان مقيماً بمدينة أسيوط قبل وفاته حسبما يبين من صورة عقد بيع منقولات الشقة الصادر من المستأجر الأصلي إلى شقيقته زيزف اسكندر ميخائيل والثابت التاريخ في 9/ 12/ 1979 برقم 634 مكتب توثيق أسيوط. وأن الشقة منذ غادرها مستأجرها متوجهاً إلى مدينة أسيوط حيث أدركته منيته في 3/ 1/ 1980 كانت مغلقة خالية ممن يقطنها أو يقيم فيها خاصة المدعي، وبهذه المثابة لا يفيد من الحماية التشريعية التي أسبغها المشرع على الأقارب بمقتضى نص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 سالفة البيان، ومن ثم فإن شغله للشقة التي كان يستأجرها عمه المتوفى يفتقر إلى السند القانوني الأمر الذي يعتبر تعدياً منه على الشقة يوجب على هيئة الأوقاف المصرية إزالته بالطريق الإداري إعمالاً لنص المادة 970 من القانون المدني وهو ما اتجهت إليه الهيئة بقرارها المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على الأسباب التالية:
أولاً: مخالفة الثابت في الأوراق وفساد الاستدلال منها وذلك لما يأتي:
1 - غير صحيح ويخالف الثابت من الأوراق ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الطاعن لم يكن مقيماً بالشقة موضوع النزاع مع عمه المستأجر الأصلي وقت وفاته في 3/ 1/ 1980، ذلك أن الثابت من جميع المستندات التي قدمها الطاعن ومن أقوال الجيران في تحقيقات الشكوى الإدارية رقم 696 لسنة 1980 باب شرقي أن الطاعن منذ أربع سنوات سابقة على وفاة عمه المستأجر الأصلي يقيم معه في شقة النزاع إقامة دائمة متصلة مستقرة متخذاً منها موطناً وسكناً حيث مقر عمله، ويحمل عنوانها ببطاقته الشخصية.
2 - غير صحيح ولا سند له من الأوراق ما اعتنقه الحكم المطعون فيه من أن المستأجر الأصلي كان مقيماً بمدينة أسيوط قبل وفاته، وأن الشقة منذ أن غادرها مستأجرها الأصلي متوجهاً إلى أسيوط إلى أن أدركته منيته كانت مغلقة خالية ممن يقطنها ذلك أنه ليس ثمة مستند يشير إلى ذلك، بل إن أقوال الجيران الذين سئلوا في تحقيقات الشكوى رقم 696 لسنة 1980 إداري باب شرق تجمع على عكس ذلك.
3 - إن استدلال الحكم المطعون فيه بصورة عقد بيع المنقولات الصادر من المستأجر الأصلي إلى شقيقته على أن المستأجر الأصلي كان مقيماً في أسيوط قبل وفاته وأن الشقة منذ أن غادرها متوجهاً إلى أسيوط حيث أدركته منيته كانت مغلقة خالية ممن يقطنها أو يقيم فيها خاصة الطاعن هو استدلال فاسد لا ينتجه ولا يؤدي إليه هذا المستند، ولا ينال من ذلك إثبات تاريخ العقد لمكتب توثيق أسيوط ذلك أن إثبات التاريخ على النسخة التي يحملها المشتري هي من شأنه هو وأن إثبات التاريخ لا يتطلب وجود البائع عند إثباته. ويكفي للقطع بعدم صحة هذا الاستدلال ما أثبته محضر المعاينة المؤرخ 29/ 5/ 1980 بمعرفة الشرطة لدى تسليم الشقة للهيئة المطعون ضدها من أن جميع منقولات المسكن كانت كاملة وشاغلة لكل حجراته وأن أوصاف هذه المنقولات تغاير تلك الواردة في عقد بيع المنقولات الصادر من المستأجر الأصلي لشقيقته.
4 - إنه حتى على الافتراض الجدلي بأن المستأجر الأصلي كان مقيماً بأسيوط قبل وفاته فإنه لا تأثير لهذه الواقعة على اعتباره مستأجراً الشقة طالما أن إرادته لم تتجه إلى إنهاء حق الإيجار على العين موضوع النزاع. كما لا أثر لها أيضاً على قيام حق الطاعن في الاستمرار في شغل العين خلفاً له بعد وفاته، بل إنه بافتراض أن المستأجر الأصلي ترك العين المؤجرة واتجهت إرادته إلى إنهاء عقد الإيجار، فإن هذا التصرف لا يؤثر على قيام حق الطاعن قانوناً في الاستمرار في شغل العين، طالما أنه شغلها مع المستأجر الأصلي أكثر من سنة سابقة على الترك عملاً بنص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977.
ثانياً: الخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ذلك أن الحكم المطعون فيه ذهب في تفسير الشروط التي أوجبها المشرع في المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 لاستمرار عقد الإيجار بالنسبة لأقارب المستأجر مذهباً خاطئاً، إذ استلزم الحكم لاستمرار عقد الإيجار للأقارب أن تظل مشاركتهم للمستأجر في الإقامة بالمسكن قائمة حتى الوفاة أو الترك بحيث يكون المشارك من الأقارب المذكورين مقيماً بالمسكن مع المستأجر الأصلي وقت الوفاة أو الترك.
أما إذا لم يكن مقيماً مع المستأجر الأصلي وقت الوفاة أو الترك فإنه بذلك يفقد أحد الشروط القانونية الموجبة لامتداد عقد الإيجار حتى ولو ثبتت إقامته مع المستأجر الأصلي المدة المنصوص عليها في المادة المشار إليها. وعقب الطاعن على ذلك بأن هذا الحكم لم يفطن إلى المقصود بالإقامة قانوناً والتي ترتب الحق في الاستمرار في شغل العين المؤجرة عند وفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين، ذلك أن الإقامة التي توفر هذا الحق على ما جرى به قضاء النقض هي الإقامة مع المستأجر الأصلي إقامة دائمة مستمرة معتادة بحيث يصبح هذا المسكن مأواه وموطنه ومراحه ومغداه الذي لا مسكن ولا موطن له سواه، وأن تستمر هذه الإقامة سنة على الأقل سابقة على تاريخ وفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين. ولم يشترط المشرع أن يكون المقيم مع المستأجر الأصلي والذي توافر له شرط المدة ومقومات الإقامة متواجداً في العين المؤجرة مع المستأجر الأصلي وقت وفاته. استطرد الطاعن أنه لما كان يقيم مع عمه المستأجر الأصلي إقامة دائمة متصلة مدة أربع سنوات سابقة على تاريخ وفاة عمه في 3/ 1/ 1980 بحيث أصبحت عين النزاع موطنه ومقامه ومأواه واستمر شاغلاً العين مع عمه مشاركاً له حتى وفاته فإن له الحق في الاستمرار في شغلها طبقاً لحكم المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، ويكون الحكم المطعون فيه قد عابه الخطأ في تفسير القانون على نحو يوجب إلغاءه والحكم للطاعن بطلباته في الدعوى.
ومن حيث إن البادي من سياق الوقائع وعيون الأوراق أن هيئة الأوقاف المصرية عقب وفاة المرحوم فريد اسكندر ميخائيل المستأجر الأصلي لشقة النزاع في 3/ 1/ 1980 أنكرت على الطاعن ما يدعيه من حق في استمرار عقد الإيجار لصالحه طبقاً لحكم المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه تأسيساً على أن المستأجر الأصلي كان يقيم بمفرده في الشقة وأن الطاعن لم يكن يشاركه الإقامة حتى تاريخ وفاته.
ومن ثم أصدرت الهيئة قرارها رقم 28 لسنة 1980 بإزالة التعدي على الشقة المذكورة وتنفيذ الإزالة بالطريق الإداري طبقاً لحكم المادة 970 من القانون المدني.
ومن حيث إنه يتعين التنويه بادئ ذي بدء إلى أن عقد الإيجار للشقة المذكورة المبرم بين الهيئة والمرحوم فريد اسكندر ميخائيل بتاريخ 1/ 9/ 1949 - خلافاً لما ارتأته هيئة مفوضي الدولة - لا يستجمع كافة مقومات العقد الإداري ذلك أنه من المقرر أن العقد الإداري هو الذي يكون أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً يتعاقد بوصفه سلطة عامة، وأن يتصل العقد بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه وأن يتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية وهو انتهاج أسلوب القانون العام فيما تتضمنه هذه العقود من شروط استثنائية بالنسبة إلى روابط القانون الخاص. وأنه ولئن كان عقد الإيجار المشار إليه أحد طرفيه هيئة عامة، وقد انطوى على بعض الشروط الاستثنائية غير المألوفة في عقود الإيجار، إلا أنه يقيناً لا يتصل بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه، وإنما يستهدف العقد أساساً استغلال الهيئة المؤجرة لأملاكها شأنها شأن الأفراد المالكين لعقارات، وانتفاع المستأجر بالعين المؤجرة انتفاعاً خاصاً.
وبناء عليه فإن هذا العقد يخضع لأحكام قوانين تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر المتعاقبة وآخرها القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه. ولا يجوز في هذا الصدد إعمال حكم البند 28 من العقد الذي يجيز للهيئة إذا توفى المستأجر اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بلا حاجة إلى حكم قضائي والاكتفاء بإعلان الورثة بحصول الفسخ، وذلك لمخالفته حكم المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 الذي وقعت وفاة المستأجر الأصلي في ظل العمل بأحكامه.
ومن حيث إن القضاء الإداري وهو يسلط رقابته على القرار المطعون فيه، إنما يراقب صحة السبب الذي قام عليه القرار، وما إذا كان يؤدي - مادياً وقانونياً - إلى ما انتهى إليه القرار من نتيجة. وهذه الرقابة تقتضي التحقق مما إذا كان الطاعن يجد له سنداً من القانون في الاحتفاظ بالشقة موضوع النزاع وامتداد عقد الإيجار لصالحه من عدمه. فإن كان له هذا الحق لم تعد حيازته للشقة من قبيل التعدي، ويغدو قرار الإزالة المطعون فيه ولا سبب له حقيقاً بالإلغاء. وإن لم يكن له هذا الحق صح القرار لقيام سببه وهو التعدي على أموال الأوقاف.
ومن حيث إن المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه تنص على أنه مع عدم الإخلال بحكم المادة 8 من هذا القانون، لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك. وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة يشترط لاستمرار عقد الإيجار إقامتهم في المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل. وفي جميع الأحوال يلتزم المؤجر بتحرير عقد إيجار لمن لهم حق في الاستمرار في شغل العين، ويلتزم هؤلاء الشاغلون بطريق التضامن بكافة أحكام العقد.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعن قدم حافظتي مستندات طويتا على: -
1 - أصل البطاقة الشخصية للطاعن الصادرة من مكتب سجل مدني أسيوط وقد دون أمام محل الإقامة "الشاطبي - عمارة الأوقاف شقة 40".
2 - رخصة قيادة خاصة بالطاعن مؤرخة 3/ 10/ 1976 صادرة عن قسم مرور الإسكندرية ومدون أمام محل الإقامة "الأوقاف الشاطبي".
3 - إنذار على يد محضر أعلن للطاعن في 19/ 9/ 1979 على محل إقامته بالعنوان السابق.
4 - صورة رسمية من المذكرة رقم 33 أحوال نقطة شرطة الشاطبي محررة بتاريخ 19/ 7/ 1979 أبلغ فيها الطاعن عن فقد بطاقة التموين الخاصة بعمه المذكور والذي يقيم معه الطاعن بالعنوان السابق.
5 - شهادة رسمية من شركة الشرق للتأمين مؤرخة 19/ 1/ 1980 تفيد أن الطاعن منذ تعيينه بالشركة في 1/ 5/ 1976 وعنوانه المثبت في ملف خدمته هو الشاطبي عمارة الأوقاف حرف (د) شقة 40 وأنه حتى تاريخ الشهادة لم يخطر الشركة بتغيير محل إقامته.
6 - شهادة رسمية من مركز تعبئة باب شرقي - منطقة تجنيد الإسكندرية مؤرخة 24/ 1/ 1980 تفيد أن الطاعن مسجل بالمركز بتاريخ 16/ 6/ 1976 وأن عنوان استدعائه هو العنوان السابق.
7 - فاتورة بيع صادرة من شركة بيوت الأزياء الراقية الإسكندرية باسم الطاعن مؤرخة 9/ 8/ 1976 ثابت بها عنوانه السابق.
8 - عدة مكاتبات واردة للطاعن على العنوان السابق وعليها خاتم البريد بتواريخ مختلفة من 10/ 5/ 1979.
9 - عدة مكاتبات صادرة من شركة النقل والهندسة بالإسكندرية والبنك الأهلي فرع المنشية وشركة لويدز لتسجيل السفن بلندن، وسفارة كندا بالقاهرة، وكلها موجهة للطاعن على العنوان المذكور، ويرجع تاريخها إلى عامي 1976، 1977.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم فإنه بالاطلاع على الصورة الرسمية للمحضر رقم 696 لسنة 1980 إداري باب شرقي الذي ابتدأ تحريره بمعرفة شرطة قسم المنشية بتاريخ 5/ 1/ 1980 - بناء على الشكوى المقدمة من الطاعن إلى نيابة قسم المنشية عن تعرض مدير عام هيئة الأوقاف بالإسكندرية له في حيازته وإقامته بالشقة موضوع النزاع - يبين أن غالبية سكان العمارة المذكورة من جيران المتوفى قد شهدوا وأقروا في محاضر الشرطة أن الطاعن كان يقيم مع عمه المتوفى بشقة النزاع إقامة مستديمة منذ حوالي أربع سنوات قبل وفاته، كما شهد بذلك المكوجي الذي يجاور العمارة مقرراً أنه كان يأخذ دائماً ملابس الطاعن من الشقة المذكورة لمدة سنوات وكان يشاهد الطاعن مقيماً بها إقامة معتادة.
ومن حيث إنه ولئن كان مندوب هيئة الأوقاف قدم في محاضر التحقيق في الشكوى المشار إليها "المحضر المؤرخ 2/ 3/ 1980" ثلاثة إقرارات مؤرخة 17/ 1/ 1980 موقعة بأسماء اللواء محمود نور المقيم بالشقة رقم 48 بالعمارة المذكورة، واللواء محمد عبد الرحمن رأفت المقيم بالشقة رقم 38 بالعمارة، والمدعو مصطفى توفيق والمدون تحت توقيعه في الإقرار "14 شارع طوسون" ويقر ثلاثتهم فيها أن المرحوم فريد اسكندر كان يقيم بالشقة موضوع النزاع بمفرده دون أي شاغل آخر - ولئن كان ذلك إلا أنه عندما انتقل محقق الشرطة - بناء على تكليف النيابة العامة إلى العمارة المذكورة لسماع أقوال السادة المذكورين وذلك بتاريخ 20/ 3/ 1980، قرر اللواء محمود عبد الفتاح نور في محضر سماع الأقوال أن الطاعن أقام فعلاً فترة لا يمكنه تحديدها مع عمه المرحوم فريد اسكندر. ومفاد ذلك أن هذا الشاهد تتضارب شهادته الواردة بمحضر التحقيق مع الإقرار الكتابي المنسوب إليه والمقدم من هيئة الأوقاف، الأمر الذي يستوجب الالتفات عن إقراره في مجال الاعتداد بالأدلة والشواهد المحصلة في النزاع المعروض.
وكذلك فإن المحقق لم يستدل على الشخص الموقع على الإقرار الثالث باسم مصطفى توفيق، وأقر حارس العمارة أنه لا يوجد ساكن في العمارة بهذا الاسم ولكن يوجد ساكن بالشقة 36 بالدور الرابع باسم توفيق مصطفى مصطفى، وقد سبق أخذ أقواله بتاريخ 19/ 3/ 1980 فأقر بأن الطاعن كان يقيم مع عمه المذكور بصفة مستديمة حوالي مدة أربع سنوات قبل وفاته وكانت جميع ملابسه وأدواته ومفروشاته بالشقة المذكورة.
ومفاد ذلك أنه لا يبقى من هذه الإقرارات الثلاثة المكتوبة والمقدمة من هيئة الأوقاف تدليلاً على عدم إقامة الطاعن مع عمه بالشقة المذكورة، إلا الإقرار الموقع - فقط - من اللواء محمد عبد الرحمن رأفت المقيم بالشقة رقم 38 من العمارة والمعزز بشهادته في محضر التحقيق، وهو الدليل الوحيد الذي يظاهر الهيئة في ادعائها بأن الطاعن لم يكن مقيماً مع عمه بالشقة المذكورة قبل وفاته، وذلك في مقابل إجماع من باقي السكان الذين سمعت أقوالهم في محاضر التحقيق بأن الطاعن كان يقيم إقامة معتادة مع عمه منذ أن عمل بفرع شركة الشرق للتأمين بالإسكندرية في 1/ 5/ 1976 أي لمدة تقارب أربع سنوات سابقة على وفاة عمه.
ومن حيث إنه لا مقنع في الاستدلال بعقد بيع منقولات الشقة المذكورة المبرم بين المرحوم فريد اسكندر وشقيقته زيزف اسكندر على أن الشقة قد أخلاها المذكور أو أظهر إرادته في تركها ذلك أن الثابت من الاطلاع على عقد البيع أنه محرر بتاريخ 15/ 5/ 1970 أي في تاريخ يسبق واقعة وفاة المذكور بحوالي عشر سنوات، ولا ينازع أحد أن المذكور ظل مقيماً بالشقة بعد ذلك التاريخ وإلى ما بعد منتصف عام 1979 بدليل أن الهيئة المطعون ضدها قدمت ضمن حافظة مستنداتها أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 2/ 7/ 1980 "خطاباً إليها من المرحوم فريد اسكندر مؤرخاً 17/ 7/ 1979 يذكر فيه أنه يلازم الفراش بمسكنه بالعمارة المذكورة وأنه لاحظ أن جدران الشرفة بالشقة بها شقوق تهدد بسقوطها على المارة وطلب انتداب أحد مهندسي الهيئة للمعاينة واتخاذ اللازم لدرء الخطر الذي قد ينجم عن ذلك.
والبادي أن الهيئة تريد أن تدلل - خطأ - على أن إثبات تاريخ عقد بيع المنقولات لمكتب توثيق أسيوط بتاريخ 9/ 12/ 1979، يفيد أن المستأجر الأصلي قد أخلى الشقة موضوع النزاع في هذا التاريخ وأنه كان مقيماً في مدينة أسيوط. ولقد ساير الحكم المطعون فيه الهيئة في هذا الاستدلال. وهو استدلال فاسد لثلاثة وجوه: -
أولاً: أن إثبات تاريخ أي عقد أو محرر يمكن أن يتم بناء على طلب أي من أطراف هذا العقد أو المحرر، ومن ثم فإن التقدم بعقد بيع المنقولات المشار إليه إلى مكتب توثيق أسيوط لإثبات تاريخه يجوز أن يكون عن طريق شقيقة المرحوم فريد اسكندر المشترية. وهو الأمر الراجح لأنها هي التي تقدمت إلى المحكمة بصورة العقد ثابتة التاريخ في طلب تدخلها في الدعوى.
الثاني: أنه بافتراض أن المرحوم فريد اسكندر هو الذي تقدم بطلب إثبات التاريخ إلى مكتب توثيق أسيوط في ذلك التاريخ، فإن هذه الواقعة في حد ذاتها لا تفيد لحكم اللازم أنه كان يقيم إقامة معتادة بأسيوط مصحوبة بنية ترك مسكنه نهائياً بالإسكندرية.
الثالث: أن بيع منقولات الشقة بتاريخ 15/ 5/ 1970، أو على أسوأ الفروض بتاريخ 19 من ديسمبر سنة 1979، لا يفيد بالضرورة إخلاء المسكن، فقد يكون ذلك بقصد تجديد أثاثاته ومفروشاته أو استبدالها بغيرها. ويقطع بذلك أن المحضر الإداري المحرر بمعرفة شرطة قسم باب شرق عن تنفيذ القرار المطعون فيه وتسليم الهيئة الشقة موضوع النزاع بتاريخ 29/ 5/ 1980، قد ثبت فيه أن جميع حجرات الشقة مشغولة بأثاثات ومفروشات ومنقولات تغاير في وصفها تلك الواردة بعقد البيع المؤرخ 15/ 5/ 1970، علماً بأن هيئة الأوقاف كانت قد سارعت فور وفاة المستأجر الأصلي بغلق باب الشقة بمعرفتها وتشميعه.
ومن حيث إنه لا وجه أيضاً للاستدلال بالخطاب الذي أرسله المرحوم فريد اسكندر إلى هيئة الأوقاف بالإسكندرية بتاريخ 17/ 7/ 1979 يحيطها علماً بتشقق الشرفة الدائرية المذكورة وأيلولتها للسقوط ويطلب منها إيفاد أحد مهندسيها للمعاينة واتخاذ اللازم، لا وجه للاستدلال بذلك على أن المذكور كان يقوم بمفرده بشغل العين موضوع النزاع، لأن ما ورد بهذا الخطاب لا يفيد صراحة أو دلالة على إقامة المذكور بمفرده، وليس بلازم أن يساهم الطاعن في تحرير هذا الخطاب أو توقيعه مع عمه المذكور، ليقوم البرهان على إقامته معه، سيما وأن الأمر الطبيعي أن يوجه الخطاب إلى المؤجر من المستأجر الأصلي.
ومن حيث إنه ولئن صح ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في صدد تفسير المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 من أنه يشترط لامتداد عقد الإيجار بالنسبة لأقارب المستأجر نسباً أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة أن تظل مشاركة القريب للمستأجر الأصلي في المسكن قائمة حتى الوفاة أو الترك بحيث يكون المشارك مقيماً بالمسكن مع المستأجر الأصلي وقت الوفاة أو الترك حتى ينتقل إليه الحق في امتداد عقد الإيجار.
إلا أن الحكم المشار إليه قد أخطأ في تطبيق هذه القاعدة القانونية على وقائع الدعوى، لفساد في تصور معنى الإقامة المتطلبة لمدة سنة سابقة على الوفاة أو الترك، إذ حصلها الحكم المطعون فيه على أنها ضرورة التواجد الفعلي للمشارك في المسكن وقت الوفاة، وهذا تصور قاصر، لأن العبرة في القانون بالإقامة المعتادة بحيث يكون المسكن الذي يشارك فيه القريب هو موطنه ومأواه ولا مأوى له سواه وأن تظل الإقامة بهذا المعنى لمدة سنة على الأقل سابقة على الوفاة. وهذا هو ما كشفت عنه الأوراق وتضافرت عليه الدلائل في صالح الطاعن.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه بين أن القرار المطعون فيه إذ قرر إخلاء عين النزاع من الطاعن بالطريق الإداري بزعم أن حيازته للعين تمثل تعدياً على أموال الأوقاف، في حين أن سائر الأوراق وجميع الدلائل وشواهد الحال تساند ادعاء الطاعن بأنه كان يشارك عمه المستأجر الأصلي للعين في الإقامة بها إقامة معتادة لمدة تبلغ حوالي أربع سنوات سابقة على وفاته مما يجعل لاستمرار حقه في حيازة العين والإقامة بها سنداً من القانون، ينتفي به وصف إقامته بأنها من قبيل التعدي، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد قام على سبب غير صحيح، فبات مخالفاً للقانون، حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد ذهب إلى غير هذا المذهب وقضى برفض الدعوى، يكون قد أخطأ في تحصيل الوقائع وفي تطبيق أحكام القانون، وتعين القضاء بإلغائه، وبقبول الدعوى شكلاً، وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار، وإلزام جهة الإدارة بالمصاريف عملاً بحكم المادة 184 (مرافعات).

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.