مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 102

(15)
جلسة 19 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد ومحمد عبد الرازق خليل وفاروق عبد الرحيم غنيم ويحيى السيد الغطريفي - المستشارين.

الطعن رقم 90 لسنة 28 القضائية

حيازة - النيابة العامة - اختصاص.
قرار صادر من النيابة العامة بالتمكين في منازعات الحيازة المدنية حيث لا يرقى الأمر إلى حد الجريمة الجنائية - بهدف الإبقاء على الحالة الظاهرة - استناد القرار على أقوال الشهود - هذا القرار قرار إداري صادر في حدود اختصاص النيابة العامة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 17 من ديسمبر سنة 1981 أودع السيد الأستاذ المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 90 لسنة 28 القضائية عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 25 من أكتوبر سنة 1981 في الدعوى رقم 290 لسنة 3 القضائية المرفوعة من السيد عبد السلام عبد المنعم ضد:
1 - صبري محمد الصادق موسى.
2 - وزير العدل.
3 - وكيل نيابة بور سعيد.
4 - مأمور قسم الشرق.
الذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصاريف.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى على الوجه المبين في الأسباب.
وأعلن تقرير الطعن على الوجه الموضح بالأوراق وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بذات الطلبات الواردة في تقرير الطعن.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18/ 4/ 1983 ثم قررت الدائرة بجلسة 16 من مايو سنة 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) وحددت لنظره أمامها جلسة 22 من أكتوبر سنة 1983، وفي هذه الجلسة وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 4 من سبتمبر سنة 1980 أقام السيد عبد السلام عبد المنعم الدعوى رقم 176 لسنة 1980 أمام محكمة ميناء بور سعيد الجزئية ضد: -
1 - صبري محمد الصادق موسى.
2 - وزير العدل.
3 - وكيل نيابة بور سعيد.
4 - مأمور قسم الشرق.
طالباً الحكم بقبول الإشكال شكلاً وفي الموضوع بوقف تنفيذ القرار الصادر من نيابة بور سعيد في المحضر رقم 2000 لسنة 1980 إداري الشرق وإلزام المدعى عليهم بالمصروفات والأتعاب.
واستند في ذلك إلى أنه بموجب عقد إيجار صحيح مؤرخ 1/ 6/ 1974 استأجر الشقة الكائنة بالدور الثاني بالعقار رقم 56 بشارع عبد السلام عارف والنجيلة قسم الشرق ببور سعيد وقد استضاف والد المدعى عليه الأول إلا أن المدعى عليه الأول ادعى أن من حقه شغل العين المذكورة وقد حرر عن الواقعة المحضر رقم 2000 لسنة 1980، إداري الشرق ثم أحيلت الأوراق إلى النيابة العامة التي قررت تمكين المدعى عليه الأول من العين محل النزاع ومنع تعرض الغير له، وتأيد هذا القرار من المحامي العام. وينعى المدعي على هذا القرار مخالفته أحكام القانون نظراً لثبوت حيازته للعين محل النزاع فضلاً عن عدم اختصاص النيابة العامة بإصدار مثل هذا القرار وبجلسة 28/ 2/ 1981 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري، ونفاذاً لذلك قيدت الدعوى برقم 290 لسنة 3 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة. وبجلسة 25 من أكتوبر سنة 1981 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصاريف وأقامت قضاءها على أن التصرفات التي تباشرها النيابة العامة خارج نطاق وظيفتها القضائية إنما تصدر عنها بصفتها سلطة إدارية وتخضع في هذا المجال لرقابة المشروعية التي للقضاء الإداري على القرارات الإدارية، وأن قرار النيابة العامة المطعون فيه وقد صدر في غير نطاق وظيفتها القضائية لعدم تعلق الأمر بإحدى جرائم الحيازة المنصوص عليها في المادتين 369، 370 عقوبات - قد انطوى على غصب لسلطة القضاء المدني الذي يختص وحده بالفصل في منازعات الحيازة المدنية، ومن ثم يكون هذا القرار قد صدر مشوباًً بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر به إلى درجة الانعدام.....
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه القانون وما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا، ذلك أنه من المقرر أن النيابة العامة وهي شعبة أصيلة من شعب السلطة التنفيذية تجمع بين طرف من السلطة القضائية وآخر من السلطة الإدارية إذ خصتها القوانين بصفتها أمينة على الدعوى العمومية بأعمال من أعمال السلطة القضائية كتلك التي تتصل بإجراءات التحقيق والاتهام ورفع الدعوى العمومية ومباشرتها أو حفظها إلى غير ذلك من الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية وغيره من القوانين، وهذه الأعمال تخرج عن دائرة رقابة المشروعية التي يباشرها القضاء الإداري على القرارات الإدارية، أما التصرفات الأخرى التي تباشرها النيابة العامة خارج نطاق هذه الأعمال القضائية فإنها تصدر من النيابة العامة بصفتها سلطة إدارية وتخضع تصرفاتها في هذا المجال لرقابة القضاء الإداري.
ومتى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن القرار الذي تصدره النيابة العامة في منازعات الحيازة حيث لا يرقى الأمر إلى حد الجريمة يعد قراراً إدارياً لصدوره من النيابة العامة في حدود وظيفتها الإدارية فإنه كان يتعين على المحكمة المطعون في حكمها أن تسلط رقابتها على القرار المطعون فيه لتقضي إما بإلغائه إذا كان مخالفاً للقانون أو برفض الدعوى إذا كان قد صدر مطابقاً لأحكامه، أما قضاء الحكم المطعون فيه بانعدام القرار على أساس انطوائه على غصب لسلطة القضاء المدني، فإنه يخالف المبادئ المتقدمة فضلاً عن أن قرار النيابة العامة المطعون فيه لم يفصل في منازعة وإنما اقتصر على حماية الوضع الظاهر وعلى المتضرر الالتجاء إلى القضاء.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن قرار النيابة العامة الصادر في شأن المحضر رقم 2000 لسنة 1980 إداري الشرق - المطعون فيه - قضى ببقاء المدعى عليه الأول (صبري محمد الصادق) في عين النزاع ومنع التعرض له وعلى المتضرر الالتجاء إلى القضاء. وقد استند هذا القرار إلى أقوال شهود الواقعة فضلاً عن الحكم الصادر من محكمة بور سعيد الابتدائية بجلسة 25/ 6/ 1980 في الدعوى رقم 65 لسنة 1979 القضائية مدني كلي بور سعيد المرفوعة من المدعي (السيد عبد السلام عبد المنعم) بطلب طرد محمد الصادق (والد المدعى عليه الأول) من ذات العين موضوع النزاع، فقد قضى برفض الدعوى تأسيساً على أن المدعى عليه قدم من المستندات والشهود ما يفيد اشتراكه في حيازة شقة النزاع واستمرار هذه الحيازة دون المدعي الذي زالت حيازته بتخليه عن سيطرته الفعلية على حقه منذ عام 1965 حيث عمل وأقام بالسويس.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قرارات النيابة العامة بالتمكين في منازعات الحيازة المدنية حيث لا يرقى الأمر إلى حد الجريمة الجنائية تعد من القرارات الإدارية لصدورها من النيابة العامة بوصفها سلطة إدارية، ابتغاء تحقيق أثر قانوني ملزم يتعلق بمراكز ذوي الشأن بالنسبة إلى عين النزاع، وهي إذ تستهدف صون الأمن وتحقيق استقرار النظام العام، تبقى على الحالة الظاهرة إلى أن يقضي القضاء المختص في أصل الحق المتنازع فيه، وفي هذا النطاق تخضع هذه القرارات لرقابة القضاء الإداري لاستظهار مدى مطابقتها لأحكام القانون.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإن قرار النيابة العامة المطعون فيه وقد صدر في غير مجال الجريمة الجنائية بتمكين المدعى عليه الأول من البقاء بعين النزاع على أساس ما تواترت عليه أقوال الشهود في تحقيقات المحضر رقم 2000 لسنة 1980 إداري الشرق، إبقاء على الحالة الظاهرة التي أيدها الحكم الصادر في الدعوى رقم 65/ 1979 مدني كلي المشار إليه هذا القرار يكون قد صدر من النيابة العامة في حدود وظيفتها الإدارية في هذا المجال وبناء على أسباب تسوغه قانوناً بما يجعله قراراً صحيحاً مطابقاً لأحكام القانون وبالتالي يغدو الطعن عليه في غير محله حرياً بالرفض.
ومن حيث إنه لا وجه لإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة لتقضي بما تقدم على النحو الذي ارتأته هيئة مفوضي الدولة فقد استنفدت المحكمة المطعون في حكمها ولايتها في نظر الدعوى، وإذ خالف هذا الحكم أحكام القانون لما تقدم من أسباب فقد وجب القضاء بإلغائه وبرفض دعوى المدعي وإلزامه المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.