مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 111

(17)
جلسة 26 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمود عبد العزيز الشربيني ونصحي بولس فارس وعادل عبد العزيز بسيوني وأبو بكر دمرداش أبو بكر - المستشارين.

الطعن رقم 734 لسنة 23 القضائية

( أ ) اعتقال - حالة الطوارئ - حريات.
القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ - صدور قرار جمهوري باعتقال موظف إعمالاً لأحكام قانون الطوارئ - مفاد المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 التي خولت رئيس الجمهورية سلطة تقييد حرية الأشخاص واعتقالهم، مقصور على من يكون من هؤلاء الأشخاص خطراً على الأمن والنظام العام - يجب أن تكون ثمة وقائع جدية في حق الشخص منتجة الدلالة على هذا المعنى - تكييف هذه الوقائع لا يعتبر من الملاءمات المتروكة لجهة الإدارة وإنما هي مسألة قانونية تخضع جهة الإدارة في ممارستها لرقابة القضاء - أساس ذلك: تحقق القضاء من قيام ركن السبب الذي استلزمه القانون لمشروعية قرار الاعتقال - متى ثبت انتفاء ركن السبب كان القرار مخالفاً للقانون ويتحقق ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية - الأثر المترتب - على ذلك: الحكم بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية - تطبيق.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - انتهاء الخدمة - الفصل بغير الطريق التأديبي - القرار الصادر بفصل العامل من الخدمة بغير الطريق التأديبي دون سبب مبرر أو دليل من الأوراق يكون قد صدر فاقداً ركن السبب - اتهام العامل باعتناقه الأفكار الشيوعية لا يكفي وحده سبباً مشروعاً لقرار الفصل - أساس ذلك: الدساتير المصرية قد درجت على كفالة حرية الرأي والاعتقاد الديني - الموظف العام بوصفه مواطناً يسري عليه ما يسري على بقية المواطنين - الموظف بحكم شغله لإحدى الوظائف العامة ترد على حريته العامة بعض القيود - المادة 77 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - للموظف العام حق اعتناق الرأي السياسي الذي يراه بشرط ألا يجاوز في ممارسته لهذا الرأي الحدود الواردة بالمادة 77 - إذا خلت الأوراق مما يفيد أن المدعي ارتكب أياً من المحظورات الواردة بالقانون أو أن اعتناقه للأفكار الشيوعية بفرض اعتناقه لها له انعكاس على أعمال وظيفته فإن قرار فصله بغير الطريق التأديبي يكون مخالفاً للقانون - الحكم بالتعويض عن الأضرار المادية دون الأضرار الأدبية التي يكفي لجبرها وصم المحكمة للقرار بمخالفة القانون - تطبيق.
(جـ) تعويض - قرار رئيس الجمهورية رقم 3602 لسنة 1966 بشأن حساب مدد الفصل لمن يعادون إلى الخدمة بعد صدور قرار العفو عنهم - قرار رئيس الجمهورية المشار إليه لم يتضمن في أحكامه ما يشير إلى أنه قصد به أن يكون تعويضاً نهائياً عن خطأ الإدارة بالنسبة لمن يعاد إلى الخدمة من العاملين المفصولين بغير الطريق التأديبي - أساس ذلك: الحق في التعويض عن كامل الضرر يكفله القانون ولا يصح الانتقاص منه بأداة تشريعية أدنى مرتبة - أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 3602 لسنة 1966 قاصرة عن جبر كافة الأضرار التي أصابت العامل نتيجة فصله بغير الطريق التأديبي - الحكم بالتعويض المناسب - تطبيق.


"إجراءات الطعن"

في يوم السبت الموافق 16 من يوليو سنة 1977 أودع السيد الأستاذ عبد الفتاح الديب المحامي الوكيل عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن قيد برقم 734 لسنة 23 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بجلسة 19 من مايو سنة 1977 في الدعوى رقم 233 لسنة 27 القضائية، المقامة من السيد المذكور ضد كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية، والقاضي برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلزام المطعون ضدهما بأن يؤديا له مبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضاً له عن الأضرار التي لحقته نتيجة لاعتقاله وفصله من الخدمة، مع المصروفات والأتعاب عن الدرجتين. وأعلن تقرير الطعن إلى إدارة قضايا الحكومة في 25 من أغسطس سنة 1977. وقدم مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 13 من مايو سنة 1981 وتداول بالجلسات على النحو الثابت بالمحضر إلى أن قررت الدائرة بجلسة 22 من يونيه سنة 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره أمامها جلسة 29 من أكتوبر سنة 1983، وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن السيد/ ...... أقام الدعوى رقم 233 لسنة 27 القضائية ضد كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 10 من ديسمبر سنة 1972 طلب في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليهما بأن يؤديا له مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض عن الأضرار التي لحقته نتيجة اعتقاله وفصله من الخدمة دون سبب أو مبرر مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً للدعوى إنه عين بخدمة وزارة التربية والتعليم في الأول من سبتمبر سنة 1939 بعد حصوله على بكالوريوس دار العلوم عام 1939 في وظيفة مدرس من الدرجة السادسة الفنية العالية. وفي 22 من مارس سنة 1959 اعتقل وأودع السجن وتعرض لجميع أنواع التعذيب ووسائل إهدار الكرامة الإنسانية دون سبب أو مبرر، كما صدر القرار الجمهوري رقم 571 لسنة 1959 في الأول من إبريل سنة 1959 بفصله من الخدمة بغير الطريق التأديبي، وجاء هذا القرار بدوره مخالفاً للقانون لافتقاده ركن السبب المبرر لإصداره ومشوبته بعيب الانحراف بالسلطة. وفي شهر فبراير سنة 1961 تم الإفراج عنه، ولكنه ظل مبعداً عن وظيفته إلى أن صدر قرار جمهوري آخر بإعادة تعيينه بالخدمة حيث عاد وتسلم العمل في 7 من يناير سنة 1964. ولما كان اعتقال المدعي ثم فصله من الخدمة دون سبب أو مبرر قد أصابه بأضرار مادية وأدبية يقدرها بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه بالنسبة إلى قرار الفصل ومبلغ ألفي جنيه بالنسبة إلى قرار الاعتقال، فقد أقام هذه الدعوى للحكم له بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض عن الأضرار المشار إليها، وبجلسة 19 من مايو سنة 1977 قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات. وأقامت قضاءها فيما يتعلق برفض طلب التعويض عن قرار الاعتقال على أن الثابت من الأوراق أن المدعي كان يعمل مدرساً للغة العربية بالمدرسة الإسلامية الإعدادية بأسيوط، وأنه في 27 من مارس سنة 1959 أصدر رئيس الجمهورية أمراً باعتقاله وتفتيشه ومحل إقامته ومحل عمله ومن يتواجد معه وقت عملية التفتيش لضبط ما يوجد لديه مما له علاقة بالحركة الشيوعية أو ما يخالف القانون. وقد صدر هذا الأمر استناداً إلى أحكام المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ التي تنص على أنه يجوز لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ وضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. ولما كان من حق رئيس الجمهورية أن يعتبر الشيوعيين أو الذين لهم علاقة بالحركة الشيوعية من الخطرين على الأمن والنظام العام في ظل العمل بقانون الطوارئ، وكان الثابت أن رئيس الجمهورية أصدر هذا الأمر في حق المدعي بوصفه من الخطرين على الأمن والنظام العام لاتصاله بالحركة الشيوعية في مصر، فإن الأمر المذكور يكون قد صدر من ثم مطابقاً لأحكام قانون الطوارئ مما يتعين معه الحكم برفض طلب التعويض عنه لانتفاء ركن الخطأ في إصداره، وقالت المحكمة فيما يتعلق بطلب التعويض عن الأضرار التي أصابت المدعي من جراء فصله من الخدمة بغير الطريق التأديبي، أن الثابت من الأوراق أن المدعي أعيد إلى الخدمة في 6 من يناير سنة 1964 وسويت حالته طبقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 3602 لسنة 1966 بشأن حساب مدد الفصل لمن يعادون إلى الخدمة بعد صدور قرار العفو عنهم، وكان من مقتض ذلك حساب مدة اعتقاله ومدة الفصل ضمن مدة خدمته في حساب المرتب والعلاوات والترقيات الحتمية والتدرج والمعاش ولما كان المشرع قد استهدف بالقرار الجمهوري رقم 3602 لسنة 1966 المشار إليه تصحيح أوضاع العاملين الذين يعادون إلى الخدمة بعد العفو عنهم بتسوية حالتهم على أسس موضوعية بكفالة حق عودتهم إلى الخدمة واعتبار مدة الفصل ضمن المدة المحسوبة في تدرج المرتب والمدد الموجبة للترقية وفي حساب المعاش، فإنه يكون بذلك قد قدر لهم تعويضاً عينياً لا يجوز معه الحكم لهم بالتعويض النقدي عما عسى أن يكون قرار الفصل قد أصابهم به من أضرار هذا إلى أن القرار الجمهوري رقم 571 لسنة 1959 قد جاء مبرءاً من الخطأ، إذ من المحظور على الموظف العام طبقاً لحكم المادة 77 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الذي صدر القرار الجمهوري المطعون فيه في ظله الانتماء إلى حزب سياسي، ومن باب أولى فإنه يكون من المحظور عليه حظراً مضاعفاً الانتماء إلى تنظيم سياسي غير مشروع ويعتبر نشاطه مما يعاقب عليه جنائياً الأمر الذي ينتفي معه ركن الخطأ في القرار الجمهوري الصادر بفصل المدعي من الخدمة مما يستوجب الحكم برفض طلب التعويض المقدم عن هذا القرار أيضاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون. ذلك أن قرار الاعتقال على ما جرى به القضاء الإداري شأنه شأن أي قرار إداري آخر ينبغي أن يكون له سبب وإلا فقد علة وجوده ومبرر إصداره، وأن يكون هذا السبب حقيقياً لا وهمياً ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة بأوراق الدعوى تنتجه واقعاً وقانوناً. وأن خطورة الشخص على الأمن والنظام العام لكي تكون سبباً جدياً يبرر اعتقاله يجب أن تستمد من وقائع حقيقية منتجة في الدلالة على هذا المعنى. ولما كانت أوراق الدعوى قد خلت تماماً من أي دليل على انتماء الطاعن إلى التنظيم اليساري وأن ما نسبته إليه الجهة الإدارية من اتصاله بالحركة الشيوعية دون تحديد لمدى هذا الاتصال وأبعاده لا يصلح مسوغاً قانونياً لاعتقاله. ويؤكد الطاعن أنه لا يؤمن بالمبادئ الشيوعية ولم يؤمن بها في أي وقت من الأوقات وأن تربيته الدينية خير حافظ له من الإيمان بهذه المبادئ إذ تربى بالأزهر الشريف بالمرحلتين الابتدائية والثانوية، ولحصوله على مجموع ممتاز دخل كلية دار العلوم وتخرج أستاذاً للغة العربية والدين الإسلامي بالمدارس الثانوية وكان يشغل وقت اعتقاله وظيفة مدرس بالمدارس الإسلامية الإعدادية بأسيوط، ولم تلصق له تهمة الانتماء للحزب الشيوعي واعتقاله بسبب ذلك إلا أنه كان يعارض مجلس نقابة المعلمين في تصرفات اعتقد هو وكثير من زملائه أنها تتعارض ومصلحة المدرسين أعضاء الجمعية العمومية في النقابة، ولا أدل على أن قرار الاعتقال لم يكن له أي مبرر قانوني هو الإفراج عنه بعد حوالي سنتين من اعتقاله ثم إعادته في 7 من يناير سنة 1964 إلى عمله في التدريس وتربية النشء، الأمر الذي يصم قرار الاعتقال بعيب مخالفة القانون ويستوجب الحكم للطاعن بمبلغ التعويض المطالب به عن هذا القرار وكذلك الحال فيما يتعلق بطلب التعويض عن القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة بغير الطريق التأديبي، ذلك أن معاملة الطاعن وفقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 3602 لسنة 1966 في شأن حساب مدد الفصل لمن يعادون إلى الخدمة بعد العفو عنهم لم يجبر كافة الأضرار التي لحقت بالمدعي مادياً وأدبياً نتيجة فصله وحرمانه من مرتبه الذي هو مورد رزقه الوحيد طوال أربعة سنوات اضطر فيها إلى الاستدانة مما عرضه وعرض أسرته إلى المهانة وشظف العيش.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الصادر من رئيس الجمهورية في 27 من مارس سنة 1959 باعتقال المدعي عملاً بأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ فإن المادة الثالثة من القانون المذكور التي خولت رئيس الجمهورية سلطة تقييد حرية الأشخاص واعتقالهم قصرت هذه السلطة على من يكون من هؤلاء الأشخاص خطراً على الأمن والنظام العام. وغني عن البيان أن القول بخطورة الشخص على الأمن والنظام العام وبتوافر ركن السبب في قرار الاعتقال بالتالي يقتضي أن تكون ثمة وقائع جدية ثابتة في حق الشخص منتجة في الدلالة على هذا المعنى. ولما كان الأمر في هذا الخصوص مما يتعلق بالتكييف القانوني للوقائع المذكورة وما إذا كان من شأن هذه الوقائع بحسب الفهم المنطقي السائغ للأمور أن تؤدي إلى وصم الشخص بالخطورة على الأمن والنظام العام، فإن الأمر من ثم لا يعتبر من الملاءمات المتروكة لجهة الإدارة والتي لا رقابة للقضاء الإداري عليها بصددها، وإنما يعتبر مسألة قانونية تخضع جهة الإدارة في ممارستها لرقابة هذا القضاء للتحقق من مدى قيام ركن السبب الذي استلزمه القانون لمشروعية قرار الاعتقال.
ومن حيث إن ما نسب إلى المدعي من أن له نشاط وصلة بالحركة الشيوعية أو من انتمائه إلى تنظيم سياسي سري مناهض لنظام الدولة جاء قولاً مرسلاً غير مستند إلى أية وقائع تكشف عن مظاهر هذا النشاط وتدعمه على نحو يؤدي إلى القول بخطورة المدعي على الأمن والنظام العام. بل إن الثابت من أوراق الدعوى على العكس من ذلك أنه تم الإفراج عن المدعي في 22 من فبراير سنة 1961، وأنه أعيد إلى الخدمة في 7 من يناير سنة 1964 وسويت حالته طبقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 3602 لسنة 1966 بشأن حساب مدد الفصل لمن يعادون إلى الخدمة بعد صدور قرار العفو عنهم، الأمر الذي يكشف عن اقتناع الجهة الإدارية بسلامة موقف المدعي وبأنه ليس ثمة خطورة منه على الأمن أو النظام العام. ومتى كان ذلك فإن القرار الصادر باعتقال المدعي يكون قد قام على غير سبب صحيح يبرره وجاء من ثم مخالفاً للقانون، الأمر الذي يتحقق به ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، والذي يبرر الحكم للمدعي بالتعويض عما ألحقه به هذا القرار من أضرار مادية وأدبية تتمثل في حرمانه من حريته وإبعاده عن أفراد أسرته وذويه وتعرضه للأقاويل ولإساءة الظن به فضلاً عن حرمانه من العمل طوال فترة الاعتقال.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالقرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة بغير الطريق التأديبي فإن هذا القرار إذ قام بدوره على أساس ما نسب إلى المدعي من اتصاله بالحركة الشيوعية، وهو الأمر الذي لم يقم به دليل في الأوراق على ما سلف القول يكون هو أيضاً قد قام على غير سبب صحيح يبرره. وجدير بالذكر في هذا المجال أنه إذ جاز القول بأن المدعي ممن يعتنقون الأفكار الشيوعية، فإن ذلك لا يكفي وحده سبباً مشروعاً لقرار الفصل، ذلك أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد درجت على كفالة حرية الرأي والاعتقاد للمواطنين، والموظف العام بوصفه مواطناً يسري عليه ما يسري على بقية المواطنين، إلا أنه بحكم شغله لإحدى الوظائف العامة ترد على حريته العامة بعض القيود، إذ نصت المادة 77 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي كان معمولاً به وقت صدور القرار المطعون فيه على أنه لا يجوز للموظف أن ينتمي إلى حزب سياسي أو أن يشترك في تنظيم اجتماعات حزبية أو دعايات انتخابية ويعتبر مستقيلاً كل من رشح نفسه بصفة حزبية لعضوية البرلمان من تاريخ ترشيحه، ومؤدى هذا النص أن للموظف العام حق اعتناق الرأي السياسي الذي يراه بشرط ألا يجاوز في ممارسته لهذا الرأي الحدود المبينة في المادة المذكورة. ولما كانت الأوراق قد خلت مما يشير إلى أن المدعي ارتكب أياً من المحظورات المنصوص عليها في هذه المادة، أو أن اعتناقه الأفكار الشيوعية بفرض اعتناقه لها له انعكاس على أعمال وظيفته أو على النشء الذين يقوم بتعليمهم بوصفه مدرساً بوزارة التربية والتعليم لا يصلح سبباً مبرراً لفصله من الخدمة بغير الطريق التأديبي.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإنه يتعين إجابة المدعي إلى طلب التعويض المقدم منه عن الأضرار المادية التي لحقته من جراء قرار الفصل المشار إليه، دون الأضرار الأدبية التي يكفي في جبرها ما انتهت إليه المحكمة من وصم هذا القرار بمخالفة القانون.
ومن حيث إنه ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن إعادة المدعي إلى الخدمة وتسوية حالته وفقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 3602 لسنة 1966 سالف الإشارة إليه بما يسمح بحساب مدة الفصل والاعتقال في المرتب والمعاش، يعتبر تعويضاً قانونياً لا يجوز معه الحكم للمدعي بأي تعويض نقدي آخر. ذلك أن القرار الجمهوري المشار إليه لم يتضمن في أحكامه ما يشير إلى أنه قصد به أن يكون تعويضاً نهائياً عن خطأ الجهة الإدارية بالنسبة لمن يعاد إلى الخدمة من العاملين. الذين فصلوا بغير الطريق التأديبي دون سند من القانون كما هو الحال بالنسبة إلى المدعي. هذا فضلاً عن أن الحق في التعويض عن كامل الضرر الذي أصاب المدعي من الحقوق التي يكفلها القانون والتي لا يصح الانتقاص منها بأداة أدنى مرتبة كالقرار الجمهوري ومتى كان ذلك وكانت التسوية التي أجريت للمدعي وفقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 3602 لسنة 1966 سالف الذكر وإن ترتب عليها اعتبار مدة خدمة المدعي متصلة في حساب المرتب والمعاش إلا إنها جاءت قاصرة عن جبر كافة الأضرار الأخرى التي أصابت المدعي نتيجة فصله من الخدمة والمتمثلة في حرمانه من راتبه طوال مدة الفصل فضلاً عن حرمانه مما عسى أن يكون قد تم من ترقيات خلال المدة المذكورة إذ نصت المادة الثانية من القرار الجمهوري المذكور صراحة على أنه (لا يجوز الاستناد إلى الأقدمية التي يرتبها هذا القرار للطعن في القرارات الصادرة بالترقيات قبل صدوره - كما لا يترتب على حساب المدة وفقاً للمادة السابقة صرف أية فروق مالية عن الماضي).
ومن حيث إن المحكمة تقدر للمدعي تعويضاً جزافياً قدره ألف جنيه عن كافة الأضرار التي أصابته من جراء اعتقاله وفصله من الخدمة والسالف التنويه عنها، أخذاً في الاعتبار أن المدعي وهو مدرس لغة عربية كان خلال الفترة من تاريخ الإفراج عنه في 22 من فبراير سنة 1961 حتى تاريخ إعادته إلى الخدمة في 7 من يناير سنة 1964 في حالة تسمح له بممارسة العمل خارج مجال الوظيفة العامة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى خلاف ما تقدم يكون مخالفاً للقانون ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه والقضاء بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للمدعي مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض عن كافة الأضرار التي لحقته بسبب صدور القرارين سالفي الذكر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للمدعي تعويضاً قدره ألف جنيه كما ألزمتها المصروفات.