مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 187

(27)
جلسة 3 من ديسمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد عبد الرازق خليل وحسن حسنين علي - المستشارين.

الطعن رقم 941 لسنة 26 القضائية

حراسة - استيلاء - إيجار الأطيان المستولى عليها - منازعة حول صحة عقود الإيجار - اختصاصها.
قرار بالاستيلاء على أطيان أحد الأفراد على اعتبار أنه قد فرضت عليه الحراسة - هذا الشخص لم يكن من بين المفروض عليهم الحراسة - قيام هيئة الإصلاح الزراعي بتأجير أطيان هذا الشخص لصغار المزارعين على اعتبار أنه خاضع للحراسة - مطالبة هذا الشخص بإعادة وضع يده على الأطيان التي يمتلكها وتسليمها إليه تسليماً فعلياً من تحت يد المستأجرين استناداً إلى عدم نفاذ العقود التي أبرمتها الهيئة العامة للإصلاح في حقه - المنازعة حول صحة عقود الإيجار سالفة الذكر وحيازة الأراضي التي يملكها هذا الشخص هي منازعة مدنية بحتة - عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظرها - إحالتها إلى المحكمة المختصة وفقاً للمادة 110 من قانون المرافعات - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين 5 من مايو سنة 1982 أودع الأستاذ غبريال إبراهيم غبريال المحامي عن الأستاذ عبد المنعم الشربيني المحامي نيابة عن السيد/ حسين عشيرى محمد قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد تحت رقم 941 لسنة 26 القضائية عليا وذلك طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 25 من مارس سنة 1980 في الدعوى رقم 1102 لسنة 28 قضائية والقاضي برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب عليه من آثار بمراعاة ما ورد بأسباب الحكم وإلزام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالمصاريف، وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض إعادة وضع يد الطاعن على الأطيان موضوع المنازعة وتسليمها إليه تسليماً فعلياً من تحت يد المطعون ضدهم من الرابع إلى الأخير والقضاء للطاعن بطلباته في هذا الشق مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وتم إعلان الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المقرر قانوناً.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني في الطعن انتهت فيه، لما ارتأته من أسباب، إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 15 من مارس سنة 1982 والتي قررت بجلسة 18 من إبريل سنة 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره بجلسة 4 من يونيو سنة 1983، وتم تداول الطعن على النحو الثابت في المحاضر إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص، على ما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي (الطاعن) أقام الدعوى رقم 1102 لسنة 28 قضائية ضد المطعون ضدهم بأن أودع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في 16 من يوليو سنة 1974 طالباً فيها الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار. وأخصها إعادة وضع يده على أطيانه التي نزعت منه وتسليمها إليه تسليماً فعلياً من تحت يد المدعى عليهم من الرابع إلى الأخير ورفع يدهم عنها وإلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي بياناً لدعواه إنه مزارع مهنته الأساسية والوحيدة الزراعة وكان يضع يده ويقوم بزراعة أرضه المملوكة له والبالغ مساحتها 21 س 7 ط 33 ف (ثلاثة وثلاثون فداناً وسبعة قراريط وواحد وعشرين سهماً) والكائنة بزمام قلبا مركز ملوى بحوض الشيخ امبارك البحري رقم 11 وحوض الشيخ امبارك القبلي رقم 25، وفي 12 من نوفمبر سنة 1966 فوجئ المدعي بلجنة يرأسها مندوب الإصلاح الزراعي تساندها شرطة مركز ملوى تنزع هذه الأطيان من تحت يده وتسلبه حيازتها قوة وجبراً وتستولي عليها بما عليها من زراعة وتتولى توزيعها على المدعى عليهم من الرابع إلى الأخير الدين تسلموها ووضعوا اليد عليها، ثم قامت منطقة الإصلاح الزراعي بملوى بتحرير عقود إيجار لهم ووقعت عليها كمؤجرة، وأردف المدعي قائلاً إن قرار الاستيلاء سالف الذكر هو قرار منعدم ذلك أنه لم يخضع لقانون الإصلاح الزراعي كما لم يوضع تحت الحراسة، ولا يغير من ذلك الزعم بأن هذا القرار صدر من الجهة العليا لتصفية الإقطاع بالتحفظ على أموال المدعي، لأنه على فرض صحة هذا الزعم، فإن ذلك لا ينصرف إلا إلى منعه من التصرف في أمواله إلى الغير دون الإخلال بمطلق حقه في إدارتها واستغلالها، هذا وقد تم الاستيلاء على الأرض، موضوع هذه المنازعة، عن طريق الهيئة العامة للإصلاح الزراعي التي قامت بطرده منها وتمكين غيره من وضع اليد عليها بطريق التأجير، كل ذلك دون سند من القانون، الأمر الذي يعتبر معه القرار الصادر بالاستيلاء مجرداً من ركن السبب ومنافياً للمبادئ الدستورية المقررة لاحترام الملكية الخاصة، وأضاف المدعي أن قيام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتأجير أرضه يجاوز نطاق التحفظ وينطوي على قرار إداري برفع يد المدعي عن زراعة أرضه بنفسه، وإذ خلا القانون من نص يخول الهيئة أو أي جهة أخرى إصدار مثل هذا القرار، فمن ثم فإنه يكون محقاً في طلب إلغاء هذا القرار بجميع الآثار التي ترتبت عليه أخصها إعادة وضع يده على أطيانه، دون أن يرد على ذلك بأنه قد أعيد إليه حقه في اقتضاء الأجرة من واضعي اليد كمستأجرين، لأن مفهوم إلغاء كافة الآثار التي ترتبت على القرار المطعون فيه هو إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل تنفيذ هذا القرار وانتهى المدعي في صحيفة دعواه إلى التماس الحكم له بطلباته سالفة الذكر.
وعقبت الجهة الإدارية على الدعوى بأن قدمت كتاب الهيئة العامة للإصلاح الزراعي المؤرخ 14 من فبراير سنة 1980 والموجه إلى إدارة قضايا الحكومة والذي جاء فيه أن المدعي سبق خضوعه للقرار رقم 2094 لسنة 1966 ضمن من تقرر تأجير أطيانهم بناء على قرار لجنة تصفية الإقطاع بتاريخ 17 من نوفمبر سنة 1966 وقد قامت الهيئة بتأجير الأرض الخاصة بالمدعي لصغار المزارعين بناء على تعليمات الحراسة، وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاعها دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لتخلف القرار الإداري وبعدم اختصاص المحكمة ولائياً بطلب المدعي تسليمه الأرض موضوع النزاع بما يتضمنه من طلب فسخ أو بطلان عقود الإيجار على أساس أن استعادة أرضه إنما يكون طبقاً للأحكام العامة في القانون المدني والدعوى في هذا الخصوص تخرج عن ولاية القضاء الإداري.
وقدم المدعى عليهم من الرابع إلى الأخير عدة مذكرات دفعوا فيها بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وبعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وانتهوا إلى طلب الحكم برفض الدعوى تأسيساً على أنهم يضعون يدهم على الأرض موضوع النزاع طبقاً لعقود الإيجار الصادرة لهم من الإصلاح الزراعي، وقد أجاز المدعي عقود الإيجار سالفة الذكر بدليل ما قدموه من إيصالات صادرة منه باستلام إيجار تلك الأرض، الأمر الذي يؤكد تعامله معهم كمستأجرين للأرض.
وفي جلسة 5 من مارس سنة 1980 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الدعوى ويقضي برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار بمراعاة ما ورد بأسباب الحكم وإلزام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالمصاريف، وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم الاختصاص على أن الجهة الإدارية أفادت في ردها على الدعوى أن المدعي فرضت عليه الحراسة بالأمر العسكري رقم 2094 لسنة 1966 بناء على قرار لجنة تصفية الإقطاع ومفاد ذلك أنها قامت بالاستيلاء على أرض المدعي تنفيذاً لقرار سابق بفرض الحراسة سواء كان ذلك حقيقة أو بناء على اعتقاد غير صحيح، وإذ طعن المدعي في قرار الاستيلاء على أرضه فإن هذا القرار يدخل النظر فيه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، كما أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى على أن الاستيلاء على أرض المدعي كان بناء على قرار بالاستيلاء على ما سبق البيان وإذ كان هذا القرار منعدماً فلا تلحقه حصانة ولا يتقيد الطعن فيه بميعاد معين، أما عن الموضوع فقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى أنه يبين من الرجوع إلى الأمر العسكري رقم 2094 لسنة 1966 الصادر من رئيس الجمهورية بفرض الحراسة على بعض الأشخاص أن المدعي ليس من الأشخاص الذين شملهم الأمر المذكور، ومن ثم يكون قرار الاستيلاء على أطيان المدعي غير قائم على سند صحيح من القانون، وإذ تضمن هذا القرار اعتداء على ملكية المدعي وهي مصونة بحكم الدستور فإنه يكون مخالفاً للدستور والقانون على نحو ينحدر به إلى درجة الانعدام مما يتعين معه الحكم بإلغائه وما ترتب عليه من آثار، إلا أنه لما كان الثابت أن هيئة الإصلاح الزراعي قامت بتأجير أطيان المدعي لصغار المزارعين خطأ باعتبار أنه خاضع للحراسة فإن هذا الخطأ موجب للتعويض إن كان له محل، ولكن عقود الإيجار التي أبرمتها الهيئة، وإن كانت صادرة عن ملك الغير، إلا أن المدعي وهو المالك لم يعترض على هذه العقود من تاريخ إبرامها حتى إقامة دعواه وهي مدة تزيد على سبع سنوات، بل أنه قام باستلام الأجرة من المستأجرين عن الأطيان المؤجرة لهم مما قد يعتبر رضاء منه بهذه العقود تسري في حقه طبقاً للمادتين 190، 195 من القانون المدني، ولذلك فإن هذه العقود لا تلغى ولا تنتهي كأثر لإلغاء قرار الاستيلاء والمدعي وشأنه مع المستأجرين فيما يتعلق بتك العقود.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فيما ذهب إليه من قيام قرينة بقبول الطاعن للعقود التي أبرمتها الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتأجير أرضه إلى صغار المزارعين لعدم اعتراضه على هذه العقود من تاريخ إبرامها حتى إقامة دعواه، ولتقاضيه أجرة هذه الأطيان من المستأجرين لها، الأمر الذي يعتبر إجازة منه لهذه العقود، ذلك أنه كان ممنوعاً بحكم القانون من الطعن في القرار الصادر بالتحفظ على أطيانه أو رفع الدعوى ضد أي تصرف أو إجراء أو تدبير اتخذ ضده نتيجة التحفظ على تلك الأطيان وذلك بصريح نص القانون رقم 69 لسنة 1963 الذي أسبغ على تلك القرارات وهذه التصرفات والتدابير صفة إعمال السيادة، وأنه ما أن صدر القانون رقم 11 لسنة 1972 بشأن إلغاء موانع التقاضي حتى اتخذ سبيله إلى رفع دعواه التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، هذا إلى أن قيام الطاعن بقبض الأجرة من المستأجرين لا يعتبر إجازة منه لعقود الإيجار المبرمة معهم، ذلك أن إجازة العقد، باعتبارها عمل إرادي، يجب أن تصدر عن اختيار ورضاء صحيح من المجيز، والحال أن الطاعن كان مضطراً إلى قبض الأجرة من المستأجرين ليقيم أوده بعد أن جرد من أملاكه، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فيما ذهب إليه من أن هذه الواقعة تعتبر إجازة منه لعقود الإيجار سالفة الذكر.
ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرة أضاف فيها أن مؤدى الحكم بإلغاء القرار الباطل أو المعدوم هو عودة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور هذا القرار وإلغاء كافة الآثار الايجابية والسلبية المترتبة على الإلغاء، ومنها في المنازعة الماثلة، إعادة وضع يد الطاعن على أطيانه وتسليمها إليه تسليماً فعلياً من تحت يد المزارعين المستأجرين لها، وانتهى الطاعن في مذكرته إلى التصميم على طلباته كما أوردها في تقرير الطعن.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطاعن يهدف من طعنه إلى الحكم بأحقيته في إعادة وضع يده على الأطيان التي يملكها وتسليمها إليه تسليماً فعلياً من تحت يد المستأجرين لها استناداً إلى عدم نفاذ العقود التي أبرمتها الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتأجير هذه الأطيان في حقه، وينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه قضى بغير ذلك، ولا ريب أن المنازعة في هذا الخصوص، وهي تدور حول صحة عقود الإيجار سالفة الذكر وحيازة الأرض التي يملكها الطاعن، وهي منازعة مدنية بحتة تخضع لأحكام القانون المدني وتنأى من ثم عن الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة، وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن الطاعن لم يعترض على عقود الإيجار سالفة الذكر وأنه قام باستلام الأجرة من المستأجرين لأطيانه مما قد يعتبر رضاء منه بهذه العقود وتسري بذلك في حقه، فإنه يكون قد تصدى للفصل في أمر لم يعقد القانون لمحاكم مجلس الدولة ولاية الفصل فيه بل أسند هذا الاختصاص لمحاكم القضاء العادي، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ويتعين لذلك القضاء بإلغائه فيما قضى به في هذا الشأن وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى في هذا الخصوص.
ومن حيث إن المادة 110 من قانون المرافعات تنص على أن "على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ولو كان الاختصاص متعلقاً بالولاية". فإنه يتعين على هذه المحكمة أن تأمر بإحالة الدعوى في شقها المذكور إلى محكمة المنيا الابتدائية باعتبارها المحكمة المختصة بنظرها مع إبقاء الفصل في المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة: "بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب المدعي إعادة وضع يده على الأطيان المسلمة إلى المستأجرين وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر هذا الطلب وبإحالته إلى محكمة المنيا الابتدائية للفصل فيه وأبقت الفصل في المصروفات".