مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 204

(30)
جلسة 3 من ديسمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعبد الفتاح السيد بسيوني وحسن حسنين علي ويحيى السيد الغطريفي - المستشارين.

الطعن رقم 522 لسنة 27 القضائية

قرار إداري - نهائية - دعوى - قبول الدعوى - طعن.
قرار صادر من مصلحة الجمارك - الطعن عليه - قضاء محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد - الطعن على هذا الحكم - قرار الجمارك لم يصبح نهائياً إلا أثناء نظر الطعن - كان يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان - صيرورة القرار المشار إليه نهائياً والطعن مطروح على هذه المحكمة يحول دون الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان - موضوع الدعوى غير مهيأ للفصل فيه - يتعين إعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لنظرها والفصل في موضوعها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 16 من مارس سنة 1981 أودع الأستاذ عبد الرازق فهمي المحامي - بصفته وكيلاً عن الطاعن - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 522 لسنة 27 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 15 يناير سنة 1981 في الدعوى رقم 622 لسنة 34 قضائية والقاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وإلزام المدعي بالمصروفات.
وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بقبول الدعوى شكلاً، وبإلغاء القرار المطعون فيه والحكم بالطلبات الموضحة بعريضة الدعوى مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات والأتعاب.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية للفصل في موضوعها وإبقاء الفصل في المصروفات.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 17 من مايو سنة 1982، وتدوول بجلساتها على الوجه الثابت بالمحاضر، وبجلسة 7 من مارس سنة 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره بجلسة 30 من إبريل سنة 1983. وقد نظرت المحكمة الطعن على الوجه المدون بمحاضر الجلسات وقررت إصدار حكمها فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم التالي، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

وبعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن كان قد أقام دعواه ابتداء أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بعريضة أودعها قلم كتابها بتاريخ 19/ 2/ 1979 قيدت بجدولها برقم 1104 لسنة 1979 مدني كلي طالباً الحكم بعدم الاعتداد بقرار جمرك الإسكندرية الصادر في 26/ 11/ 1978 بضم 20% زيادة على سعر السيارات الواردة بالفاتورة المقدمة منه للجمرك، ورد هذه الزيادة المحصلة دون وجه حق.
وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 27/ 10/ 1978 استورد من هولندا عشر سيارات لنقل البضائع، وقدم إلى الجمرك الفاتورة الأصلية معتمدة ومصدقاً عليها من سفارة مصر في هولندا - إلا أن مصلحة الجمارك رأت إضافة 50% من قيمة الفاتورة إليها لحساب الرسوم الجمركية قياساً على سعر السيارات الواردة من ألمانيا.
وقد تظلم من هذا التقدير وشكلت لجنة للمعاينة انتهت إلى تخفيض نسبة الزيادة إلى 20% واعتمدت مراقبة الأسعار هذا السعر. وقد اضطر المدعي إلى سداد الرسوم الجمركية الأصلية بصفة قطعية، أما الزيادة وقدرها 20% فقد سددها بصفة أمانة تحت التسوية لحين الفصل بمعرفة القضاء في النزاع. ونعى المدعي على قرار الإضافة مخالفته لأحكام المادة 22 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963، والمادة 7 من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة المعروفة باسم (الجات) والمنفذة في مصر بالقانون رقم 130 لسنة 1965. وخلص المدعي إلى طلباته في الدعوى.
وردت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرة جاء بها أن المشرع أورد في المادتين 22، 23 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 أسس تحديد قيمة السلطة تمهيداً لربط الرسوم الجمركية، مقرراً أن العبرة في تحديد تلك القيمة هي بالثمن الذي تساويه في تاريخ تسجيل البيان الجمركي المقدم عنها إذا ما تم عرضها في سوق منافسة حرة بين مشتر وبائع مستقل أحدهما عن الآخر الأمر الذي يعني عدم التقيد بقيمة السلعة الثابتة بالفاتورة المقدمة من المستورد وما قد تتضمنه من قيمة مغايرة للقيمة الحقيقية.
ولما كانت الأسعار الواردة بفاتورة الشراء المقدمة من المدعي لا تتناسب إطلاقاً مع الأسعار العالمية لمثل السيارات التي استوردها في تاريخ تسجيل البيان الجمركي الأمر الذي تطلب زيادتها بنسبة 20% كتحسين سعر حتى تتناسب مع الأسعار العالمية للسيارات المستوردة في تاريخ تسجيل البيان الجمركي. هذا وأن المادة 57 من قانون الجمارك قد نصت على طريق للتحكيم بين الجمارك وصاحب البضاعة إذا قام نزاع بينهما حول قيمتها، ويكون قرار لجنة التحكيم نهائياً، وقد سلك المدعي هذا الطريق حيث كانت المصلحة قد قررت في البدء زيادة نسبة 50% إلى القيمة الواردة بالفاتورة، فخفضتها لجنة التحكيم إلى 20% فقط. ومثل هذا القرار لا يجوز للقضاء المدني التعرض له باعتباره قراراً إدارياً نهائياً.
وبجلسة 31/ 1/ 1980 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص.
وقد أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية وقيدت بجدولها برقم 622 لسنة 34 القضائية، ونظرتها المحكمة على الوجه الثابت بمحاضر جلساتها.
وبجلسة 15/ 1/ 1981 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وألزمت المدعي بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن المشرع - طبقاً لحكم المادة 22 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - جعل مناط بدء سريان ميعاد رفع الدعوى بالنسبة إلى طلبات الإلغاء هو واقعة نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به. إلا أنه يقوم مقام النشر أو الإعلان علم صاحب الشأن بالقرار بأية وسيلة من وسائل العلم بما يحقق الغاية من الإعلان ولو لم يقع هذا الإعلان بالفعل. ويثبت هذا العلم من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد بوسيلة إثبات معينة. وللقضاء الإداري في سبيل إعمال رقابته القانونية التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر المترتب عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره وذلك حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال. وأردفت المحكمة أنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعي علم بقرار زيادة السعر المطعون فيه بتاريخ 26/ 11/ 1978، وقدم بهذه الزيادة خطاب ضمان قبلته مصلحة الجمارك في ذات التاريخ بصفة أمانة لحين وصول قائمة الأسعار من المصنع المنتج. ومن ثم فإنه اعتباراً من هذا التاريخ يسري في حق المدعي ميعاد الطعن في ذلك القرار. وإذ اختصم المدعي هذا القرار بدعواه رقم 1104 لسنة 1979 مدني كلي الإسكندرية المودعة عريضتها قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية بتاريخ 19/ 2/ 1979 أي بعد فوات أكثر من ستين يوماً على تاريخ علمه اليقيني بالقرار المطعون فيه، فإن الدعوى تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على الأسباب الآتية:
1 - الثابت من أوراق الدعوى - وما ذكره الحكم المطعون فيه حرفياً - أن خطاب الضمان الذي قدمه المدعي في 16/ 11/ 1978 بقيمة نسبة الزيادة في تقدير الضريبة الجمركية، إنما كان بصفة أمانة لحين وصول قائمة أسعار المصنع المنتج. ومن ثم فإن ما قام به المدعي إنما هو إجراء مؤقت لحين وصول قائمة الأسعار، والتي على ضوئها سيتقرر مصير الزيادة. وهذا الإجراء المؤقت لا يمكن القول معه بأن المدعي قد تبين حقيقة مركزه القانوني، أو أن علمه بات شاملاً لكافة محتويات القرار وعناصره الأساسية، إذ أن القرار الإداري ذاته لم يولد بعد انتظاراً لما سيسفر عنه وصول قائمة الأسعار التي ستطلبها جهة الإدارة.
2 - إنه فضلاً عما سبق فإن ميعاد الستين يوماً المقرر لرفع الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري، لا يكون لازماً إلا عندما ترفع الدعوى مباشرة أمام هذه المحكمة، ولكن المدعي أقام دعواه ابتداء أمام المحكمة الابتدائية باعتبار أنها دعوى مدنية، فإذا ما قضت المحكمة المدنية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص، فلا يجوز لتلك المحكمة أن تنتهي إلى تطبيق ميعاد رفع الدعوى المشار إليه وشروط قبولها شكلاً على الدعوى التي لم تكن أصلاً من اختصاصها، ولم ترفع أمامها طبقاً لأحكام القانون الذي يحدد قواعد التقاضي أمامها.
وقد أودع الطاعن مذكرة بدفاعه - خلال الفترة المصرح فيها بتقديم مذكرات بعد حجز الطعن للحكم - أشار فيها إلى أنه أودع بجلسة 11/ 6/ 1983 حافظة مستندات تضمنت شهادة رسمية من بنك النيل فرع القاهرة مصدر خطاب الضمان رقم 109 لسنة 87 بمبلغ 14553.300 مليمجـ يشهد فيها البنك أن مصلحة الجمارك طلبت منه مصادرة قيمة خطاب الضمان بموجب كتابها المؤرخ 11 إبريل سنة 1981 وأن البنك قد اتخذ الإجراءات الخاصة بسداد قيمة خطاب الضمان فأصدر الشيك المصرفي رقم 10052 بتاريخ 11 من مايو سنة 1981 لصالح مصلحة الجمارك بدأت قيمة خطاب الضمان المذكور. واستدل الطاعن بذلك على أن مصلحة الجمارك لم تفصح عن قرارها النهائي بفرض الضريبة الجمركية الزائدة إلا في 11/ 4/ 1981.
كذلك فقد أودعت جهة الإدارة المطعون ضدها - خلال الفترة المنوه عنها مذكرة بدفاعها جاء بها أن قرار زيادة سعر السيارات الوارد بالفاتورة المقدمة من الطاعن إلى الجمارك بنسبة 20% إنما هو قرار توافرت له كافة مقومات القرار الإداري النهائي. ومن ثم كان يتعين عليه أن يقيم طعنه على هذا القرار في الميعاد ابتداء من تاريخ العلم بالقرار الذي تحقق على وجه اليقين في 26/ 11/ 1978 تاريخ تقديمه خطاب الضمان بقيمة الزيادة، وتكون الدعوى المرفوعة منه في 19/ 2/ 1979 مقامة بعد الميعاد. ولا يغير من هذا النظر أن يكون الطاعن قد طلب من مصلحة الجمارك سداد الرسوم الجمركية عن الزيادة بموجب خطاب ضمان مع طلب فاتورة بسعر السيارات من المصنع، وأن تكون المصلحة قد استجابت لهذا الطلب، لأن ذلك لا يخلع عن القرار مقومات نهائيته، ولا يمنع من ترتيب آثاره المالية، ما دام أن وفاء الرسوم الجمركية عن الزيادة قد تم بخطاب ضمان وهو ما يقوم مقام النقد، وطالما أن الجهة الإدارية إنما أرادت بتحقيق مطلب الطاعن بالاستفسار من المصنع عن سعر السيارات أن تؤكد له صحة قرارها الذي اتخذته في هذا الشأن. وليس أدل على ذلك من أن الجهة الإدارية قامت فور تقديم خطاب الضمان باستخراج قسيمة السداد القطعي رقم 496 م 4 في 5/ 12/ 1978 بالرسوم الجمركية عن السيارات وفي الأسعار التي قدرتها له بما في ذلك الزيادة موضوع النزاع طبقاً لما هو ثابت بشهادة الإجراءات المرفقة بأوراق الدعوى.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة خطاب جمارك إسكندرية رقم 1263 المؤرخ في 19/ 5/ 1983 والموجه إلى الإدارة، ويفيد بأن الجمارك أعلنت حقها في احتساب القيمة الحقيقية للسيارات موضوع النزاع، والمستمد من نص المادتين 22، 23 من قانون الجمارك، واحتسبت قيمة جديدة كوعاء ضريبي للضريبة الجمركية، وهذا بصفة نهائية من جانب الجمارك إذ أفصحت عن إرادتها بالقسيمة رقم 496 م 4 في 5/ 12/ 1978، وهي القسيمة المرفقة بشهادة الإجراءات رقم 9041 م 4.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على حافظة مستندات الحكومة - المودعة أوراق الدعوى - أن المدعي كان قد تقدم بتاريخ 26/ 11/ 1978 بطلب إلى مصلحة الجمارك أشار فيه إلى تقدير الجمرك لأسعار السيارات المستوردة بقيمة الفاتورة الأصلية مضافاً إليها 20% زيادة سعر وتحصيل الضريبة الجمركية على هذا الأساس بصفة أمانة إلى حين التحرير إلى المورد بالخارج لإرسال قائمة أسعار منتجاته.
وأبدى استعداده لسداد الرسوم الجمركية على قيمة الفاتورة بصفة قطعية مع إيداع خطاب ضمان مصرفي بقيمة الرسوم الجمركية على الزيادة المقترحة لحين وصول قائمة الأسعار التي سيطلبها الجمرك وقبولها وإذاعة منشور بها.
وقد تأشر على هذا الطلب في ذات التاريخ من مراقبة الأسعار بالعرض على الإدارة العامة للتعريفة للموافقة على تحصيل الرسوم بصفة أمانة على أساس تقدير الجمرك لحين وصول قائمة الأسعار من المصنع المنتج، مع الإحالة إلى جمرك الإسكندرية للنظر في الطريقة التي يتقبلها في تحصيل الرسوم بصفة أمانة أو بإيداع خطاب ضمان.
وفي ذات التاريخ أشر مراقب عام التعريفة بإعادة الأوراق إلى جمارك الإسكندرية لاتخاذ اللازم على ضوء طلب صاحب الشأن، وأن الإدارة العامة للتعريفات ستقوم بالتحرير إلى المصنع لموافاتها بقائمة الأسعار.
كذلك يبين من الاطلاع على أصل البيان الجمركي رقم 9041 المودع حافظة مستندات الحكومة، أن مراقب عام التعريفة قد أشر بتاريخ 26/ 11/ 1978 في نهاية البيان بما يأتي "تقرر تحصيل الرسوم بضم نسبة 20% على القيمة الموضحة بالفاتورة مع ضم نسبة التأمين مع تحصيل الرسوم بصفة أمانة لحين ورود قائمة أسعار المصنع". وتنفيذاً لذلك أشر مدير حسابات الجمرك في 5/ 12/ 1978، بأنه حجز خطاب ضمان رقم 109 لسنة 1978 باسم يحيى لبيب محمد بمبلغ 14553.300 مليمجـ استحقاق 27/ 2/ 1979 بناء على تأشيرة المراقبة.
وتضمنت الأوراق القسيمة رقم 496 م 4 المؤرخة 5/ 12/ 1978 تفيد أن جملة الرسوم الجمركية المستحقة على المذكور تبلغ 72919.340 مليمجـ شاملة نسبة 20% المضافة.
وقد ذكرت مصلحة الجمارك في كتابها الموجه إلى إدارة قضايا الحكومة بالإسكندرية بتاريخ 12/ 12/ 1979، والمرفق به المستندات المشار إليها أنه ثابت بهذه المستندات القرار الإداري بتحصيل الرسوم بضم 20% على القيمة الموضحة بالفاتورة مع ضم نسبة التأمين مع تحصيل الرسوم بصفة أمانة لحين ورود قائمة أسعار المصنع المنتج.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أنه يبين من جميع ملابسات الموضوع والأوراق المتعلقة به ابتداء من الطلب الذي قدمه الطاعن إلى الجمارك بتاريخ 26/ 11/ 1978 السالف الذكر إلى أن صدر قرار مراقب عام التعريفة في ذات التاريخ، أن قرار الجمارك بضم نسبة 20% زيادة في الأسعار إلى قيمة الفاتورة الأصلية المقدمة من المستورد وتحصيل الرسوم الجمركية على هذه الزيادة، هو قرار غير نهائي لأن مصلحة الجمارك ذاتها - المراقبة العامة للتعريفة مصدرة القرار - علقت نهائية التقدير على ورود قائمة أسعار المصنع والتي تكشف الأوراق عن أن هذه المراقبة قد وعدت بالتحرير إلى المصنع المنتج لموافاتها بقائمة الأسعار. آية ذلك أن القرار الصادر من مراقب عام التعريفة نص على تحصيل الرسوم بصفة أمانة لحين ورود قائمة أسعار المصنع، وأن قيمة الرسوم الزائدة (ومقدارها 14553.300 مليمجـ قدم عنها خطاب ضمان مصرفي تحت رقم 109 لسنة 1978، مما يفيد أن هذا القدر من الرسوم لم يسدد بصفة قطعية، وإنما قدم عنه تأمين لحين البت النهائي في موضوع تقدير أسعار السيارات المستوردة.
ومتى استبان ذلك، فإنه غير صحيح ما ذهبت إليه جهة الإدارة - وسايرها في ذلك الحكم المطعون فيه - من أن ميعاد رفع الدعوى بإلغاء ذلك القرار يسري اعتباراً من تاريخ علم المستورد به في 26/ 11/ 1978، وطالما قد ثبت أنه في هذا التاريخ لم يكن القرار الصادر بتقدير الضريبة نهائياً، وإنما كان معلقاً على وردود قائمة أسعار المصنع التي ستطلبها مصلحة الجمارك من المنتج، وأن سداد القدر الزائد من الرسوم الجمركية إنما تم بصفة أمانة إلى حين ورود هذه القائمة.
ويقطع بصحة هذا النظر أن الشهادة المقدمة من الطاعن - في حافظة مستنداته المقدمة بجلسة 11/ 6/ 1983 والصادرة من بنك النيل بتاريخ 29 مايو سنة 1983 تقرر ما يفيد أن خطاب الضمان رقم 109 لسنة 1978 الذي أصدره البنك بناء على طلب عميله - الطاعن - في 28/ 11/ 1978 ضماناً لسداد فرق الرسوم الجمركية التي قد تستحق على مشمول شهادة الإجراءات رقم 9041 م 4 - والذي مد سريانه حتى 26 إبريل سنة 1981 - قد طلبت مصلحة الجمارك مصادرة قيمته بخطابها المؤرخ 11 إبريل سنة 1981 وقام البنك بإصدار الشيك المصرفي رقم 10052 بتاريخ 11 مايو سنة 1981 لصالح الجمارك بنفس قيمة خطاب الضمان.
ومن حيث إن مؤدى ذلك أن قرار الجمارك بتقدير الضريبة الجمركية على السيارات المذكورة على أساس إضافة نسبة 20% زيادة على الأسعار الواردة بالفاتورة المقدمة من الطاعن، لم يصبح نهائياً ينحسم به المركز القانوني للطاعن، ويتبين به موقفه على وجه نهائي إلا اعتباراً من تاريخ مطالبة مصلحة الجمارك للبنك مصدر خطاب الضمان بالوفاء بقيمته. ومن هذا التاريخ يتحقق علم الطاعن بالقرار النهائي بتحصيل الضريبة الجمركية على الأساس الذي قدرته مصلحة الجمارك. ومن ثم يبدأ سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء اعتباراً من هذا التاريخ، طالما أن الأوراق تخلو مما يثبت علم الطاعن بهذا القرار النهائي قبل ذلك.
ومن حيث إنه إذا ما كان الطاعن قد بكر بإقامة دعواه أمام المحكمة الابتدائية بالإسكندرية بتاريخ 19/ 2/ 1979 ولما يصبح القرار المطعون فيه نهائياً بعد، ثم أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية وصدر الحكم فيها بتاريخ 15/ 1/ 81 ولا يزال القرار غير نهائي، فقد كان المتعين أن يحكم في الدعوى بعدم قبولها لرفعها قبل الأوان.
وإذ قضى الحكم المطعون فيه - بعكس ذلك - بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، يكون قد جانبه الصواب، وأخطأ في تطبيق صحيح أحكام القانون، مما يتعين معه القضاء بإلغائه.
ومن حيث إنه لما كان قضاء هذه المحكمة مستقراً على قبول الدعوى إذا اكتسب القرار المطعون فيه صفة النهائية أثناء سير الدعوى. وإذ كان الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يعيد طرح النزاع برمته عليها، فتعتبر الدعوى لا تزال قائمة ومطروحة على القضاء، لذا فإن صيرورة القرار المشار إليه نهائياً والطعن مطروح على هذه المحكمة، يحول دون الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، ومن ثم تتحول إلى دعوى مقبولة، ومتى كان ذلك وكان موضوع الدعوى غير مهيأ للفصل فيه، كي تتصدى هذه المحكمة للموضوع، فمن ثم يتعين إعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية لنظرها والفصل في موضوعها، مع إبقاء البت في المصاريف.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً، وبإعادة الدعوى لمحكمة القضاء الإداري بالإسكندرية للفصل فيها وأبقت الفصل في المصروفات.