مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 258

(39)
جلسة 13 من ديسمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة علي السيد علي وطارق عبد الفتاح البشري والدكتور وليم سليمان قلادة وعبد اللطيف أحمد أبو الخير - المستشارين.

الطعن رقم 304 لسنة 26 القضائية

عاملون بالقطاع العام - تأديب - المسئولية التأديبية والمسئولية الجنائية - قاعدة التناسب بين المخالفة والجزاء.
ما تنتهي إليه النيابة العامة من ثبوت إدانة العامل لا يحوز حجية أمام المحاكم التأديبية وإنما يخضع للفحص والتمحيص والتقييم أمام المحكمة - أساس ذلك استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية - الحجية مقررة للحكم الجنائي وليست للتحقيقات الجنائية - اشتراك العامل في جريمة الشروع في سرقة بطريق الاتفاق والمساعدة وثبوت الجريمة في حقه - توقيع جهة الإدارة عقوبة خفض الفئة والمرتب إلى الفئة الأدنى مباشرة بأول مربوطها - الطعن في قرار الجزاء أمام المحكمة التأديبية المختصة - صدور حكم المحكمة التأديبية بإلغاء قرار الجزاء لعدم التناسب الظاهر بين المخالفة والجزاء التأديبي - الطعن في حكم المحكمة التأديبية - قضاء المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الحكم وبرفض الطعن المقام ابتداء من العامل أمام المحكمة التأديبية - أساس ذلك: لا محل لإعمال قاعدة عدم التناسب أو الغلو بين المخالفة التي ثبتت في حق العامل والجزاء الذي وقعته جهة الإدارة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 15 من يناير سنة 1980 أودع الأستاذ عادل عارف المحامي بصفته نائباً عن الأستاذ محمد فاروق شاهين الوكيل عن شركة النصر للتليفزيون والالكترونيات بالتوكيل الرسمي العام رقم 1590 لسنة 1978 مصر الجديدة، تقرير طعن قيد بجدول المحكمة الإدارية العليا برقم 304 لسنة 26 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للصناعة بجلسة 17 من نوفمبر سنة 1979 في الطعن رقم 118 لسنة 12 القضائية القاضي بإلغاء القرار رقم 110/ ع فيما تضمنه من مجازاة المطعون ضده وما يترتب عليه من آثار وطلبت الشركة الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في الأول من مارس سنة 1980، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن انتهت فيه للأسباب التي ارتأتها إلى قبوله شكلاً ورفضه موضوعاً.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة الثاني من نوفمبر سنة 1983 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة الثاني والعشرين من نوفمبر سنة 1983 وفيها قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن العامل المختص بالأمن بشركة النصر للتليفزيون والالكترونيات ضبط السيارة رقم 2630 نقل القاهرة التابعة للشركة أثناء خروجها من بوابة المصانع بدار السلام بطريق المعادي بالقاهرة صباح اليوم الثالث والعشرين من شهر فبراير سنة 1978 وبها ثلاث شاشات تليفزيونية من إنتاج الشركة تبلغ قيمتها الرسمية خمسون جنيهاً وقيمتها الفعلية بالسوق مائة جنيه تقريباً، وقد أجرى تحقيق بالشركة ثبت منه أن سائق السيارة المذكورة هو المنشاوي عيسى عيسى وقد تخلى عن مفاتيحها لتباع السيارة بحجة تفريغها وتنظيفها، وأن السيارة وقت ضبطها كانت بقيادة التباع عبد الرحمن عزب، وأبلغت النيابة العامة بالحادث فأجرت تحقيقاً انتهت فيه إلى أن تهمة الاستيلاء على ممتلكات الشركة ثابتة قبل المتهمين الثلاثة السائق والتباع والسيد/ عبد الحكم علي السيد العامل بمصنع الشاشات من شروع التباع في السرقة بمحاولته الخروج بالسيارة التي تحمل الشاشات من بوابة الشركة وأن ذلك لا يكون إلا بمساعدة من آخرين حيث قام المتهم عبد الحكم بتسهيل استيلاء التباع على الشاشات وأقام المتهم المنشاوي عيسى عيسى سائق السيارة بتسليم مفاتيحها للتباع لتسهيل ارتكاب الجريمة وانتهى التحقيق الإداري الذي أجرته الشركة إلى أن المطعون ضده أهمل واجبات وظيفته بتركه مفاتيح سيارته للتباع حتى دبر جريمته بالصورة المبينة بالتحقيق مما يجعله في موقف الشريك فيها، وبناء على هذا التحقيق صدر القرار رقم 110/ ع في 19 من يوليه سنة 1978 متضمناً مجازاة المطعون ضده بخفض فئته ومرتبه الحاليين إلى الفئة الأدنى بأول مربوطها وقد طعن في هذا القرار أمام المحكمة التأديبية للصناعة التي ألغت القرار لتعيد الشركة تقدير الجزاء لعدم التناسب الظاهر بينه وبين حقيقة الذنب الإداري الثابت في حقه وكونه مجرد الإهمال في علمه بتركه مفاتيح السيارة للتباع، وأقامت المحكمة قضاءها على أن الشركة اختارت واحداً من أشد الجزاءات قسوة وزجراًً وتكون بذلك قد غالت في معاقبته وأمضت في القسوة في معاملته.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الثابت في حق المطعون ضده هو الاشتراك في جريمة الاستيلاء على ممتلكات الشركة وهذا واضح من تقرير النيابة العامة، وليس مجرد الإهمال في أداء عمله، هذا بالإضافة إلى أن تخلي سائق السيارة عن مفاتيحها للتباع ليقودها يعتبر إهمالاً جسيماً يبرر الجزاء الموقع عليه، وكان على المحكمة أن تتصدى لتوقيع الجزاء الذي تراه مناسباً ولا تترك ذلك للشركة حتى لا يتكرر الطعن في الجزاء ويطول أمد التقاضي دون داع مما يفقده فعاليته. وأضافت الشركة في مذكرتها سبباً جديداً هو أن الحكم المطعون فيه ألغى قرار الجزاء دون تصدي المحكمة لتوقيع الجزاء المناسب الأمر الذي من شأنه معاودة الطعن في الجزاء الذي توقعه الشركة إلى ما لا نهاية وإطالة أمد التقاضي بشأن الجزاء عن مخالفة واحدة مما يفقد الجزاء أثره.
ومن حيث إن النيابة العامة استندت في إثبات التهمة على المطعون ضده إلى قرينة مفادها أن شروع التباع في الاستيلاء على ممتلكات الشركة لا يكون إلا بمساعدة آخرين حيث قام عبد الحكم علي السيد بتسهيل حصوله على الشاشات وقام المتهم المنشاوي عيسى بتسليمه مفاتيح السيارة لتسهيل ارتكابه الجريمة، وإذا كانت النيابة العامة قد اكتفت بمجازاة المتهمين تأديبياً لشدة العقوبة الجنائية، فإن ما انتهت إليه النيابة من ثبوت إدانة المطعون ضده لا يحوز حجية أمام المحكمة التأديبية وإنما يخضع للفحص والتمحيص والتقييم أمامها لما هو مستقر من استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية وأن الحجية مقررة للحكم الجنائي وليس للتحقيقات الجنائية.
ومن حيث إن القرينة التي استندت إليها النيابة العامة في ثبوت الاتهام ضد المطعون ضده تقوم على أنه ساعد التباع في ارتكاب جريمته عن طريق تسليمه مفاتيح السيارة لاستعمالها في تهريب الشاشات خارج الشركة وهي قرينة سائغة خاصة وأن السائق المطعون ضده ترك مفاتيح السيارة للتباع طيلة اليوم والليلة السابقين على اليوم الذي وقعت فيه الجريمة وكذلك يوم وقوع الجريمة دون مقتضى، كما أنه أقر في التحقيق الإداري الذي أجرته الشركة بأنه وقع أمر التشغيل يوم وقوع الجريمة، وكان الواجب عليه استلام تصريح الخروج عقب التوقيع على أمر التشغيل وتنفيذ مأموريته مباشرة ولكنه ترك تصريح الخروج ليأخذه التباع ويقود السيارة ويمضي في تنفيذ جريمته بينما ينشغل هو عنه في حجرة حركة السيارات واحتساء الشاي درءاً لمسئوليته عند انكشاف الجريمة الأمر الذي يدل على اشتراكه فيها بالاتفاق والمساعدة، ومن ثم تكون الجريمة ثابتة في حقه.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن ما ثبت في حق المطعون ضده من تركه مفاتيح السيارة للتباع يوم وقوع الجريمة واليوم السابق عليه دون مقتضى وتركه تصريح خروج السيارة ليأخذه التباع بعد أن وقع أمر تشغيلها، يعتبر خطأ جسيماً لما ينطوي عليه من تفريط في عهدته وخروج على واجبات وظيفته، من شأنه تعريض ممتلكات الشركة للخطر نتيجة لقيادتها ممن لا يحمل رخصة قيادة واحتمال استعمالها في أغراض غير مشروعة، الأمر الذي يتفق مع العقوبة الموقعة عليه ولا يكون ثمة عدم تناسب أو غلو بين ما ثبت في حقه من إهمال وبين الجزاء الذي وقع عليه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون جديراً بالإلغاء ويتعين تبعاً لذلك الحكم برفض الطعن المقام من المطعون ضده أمام المحكمة التأديبية للصناعة برقم 118 لسنة 12 ق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الطعن المقام أمام المحكمة التأديبية للصناعة رقم 118 لسنة 12 القضائية.