مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 342

(52)
جلسة 27 من ديسمبر سنة 1983

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أنور محفوظ وعلي السيد علي وطارق عبد الفتاح البشري وعبد اللطيف أحمد أبو الخير - المستشارين.

الطعن رقم 3359 لسنة 27 القضائية

( أ ) قرار إداري - تكييفه.
صدور قرار من جهة إدارية لا يخلع عليه في كل الأحوال وبحكم اللزوم وصف القرار الإداري - إذا صدر القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة شخص معنوي خاص فذلك يخرجه من عداد القرارات الإدارية أياً كان مصدره ومهما كان موقعه في مدارج السلم الإداري - شركات القطاع العام أشخاص معنوية عامة - القرار الصادر من الوزير المختص في شأن العلاقة العقدية بين الشركة وأحد العاملين فيها يعتبر قراراً صادراً منه بصفته رب عمل ناط به نظام العاملين بالقطاع العام بعض الاختصاصات المتعلقة بشئون العاملين بشركات القطاع العام - المنازعة في هذا القرار لا تعتبر من المنازعات الإدارية التي يختص بها القضاء الإداري - الأثر المترتب على ذلك: اختصاص القضاء العادي - تطبيق.
(ب) عامل بالقطاع العام - تأديب - اختصاص المحاكم التأديبية - عقوبة مقنعة. يعتبر التأديب جزءاً من نظام الخدمة المدنية سواء في نطاق القانون العام بالنسبة للعاملين بالجهات الحكومية أو في نطاق القانون الخاص بالنسبة للعاملين بالقطاع العام - اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في الجزاءات التأديبية الموقعة على العاملين في الجهات الحكومية بصفة عامة وبعض العاملين في الهيئات الخاصة وهم العاملون بالقطاع العام - اختصاص المحاكم التأديبية في الحالتين اختصاص محدود أعطى للمحاكم التأديبية استثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري بنظر المنازعات الإدارية ومن الولاية العامة للقضاء العادي بالمنازعات العمالية - نتيجة ذلك: يتعين تفسير اختصاص المحاكم التأديبية تفسيراً ضيقاً - الأثر المترتب على ذلك: يجب قصر اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في القرارات التي تصدر بعقوبات تأديبية مقررة في القوانين واللوائح صراحة دون القرارات الساترة لجزاءات مقنعة - المعيار هنا معيار شكلي يعتد فيه بالجزاء الموقع على العامل - نتيجة ذلك: إذا لم يكن الجزاء من بين الجزاءات التأديبية المذكورة كان الطعن عليه أمام القضاء الإداري أو القضاء العادي بحسب ما إذا كانت علاقة العامل بجهة عمله تخضع للقانون العام أو لأحكام القانون الخاص - تطبيق.
(جـ) المحكمة الإدارية العليا - اختصاصها.
جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا السابق على قبول الطعن في القرارات الإدارية التي تتضمن جزاءات مقنعة وبدأ ذلك بقرارات الندب والنقل - كان الهدف من قبول مثل هذه الطعون إيجاد طريق للطعن القضائي في هذا النوع من القرارات الإدارية - أساس ذلك: هذه القرارات كانت تقبل الطعن فيها في ظل قوانين مجلس الدولة السابقة - صدور قانون مجلس الدولة الحالي رقم 47 لسنة 1972 ونصه على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بسائر المنازعات الإدارية التي تشمل فيما تشمله قرارات الندب والنقل - اختصاص المحاكم الإدارية أو محكمة القضاء الإداري بنظر الطعن في هذه القرارات لعيب الانحراف بالسلطة الذي يتمثل في عدم استهداف المصلحة العامة إذا كان القرار صادراً بقصد الانتقام من الموظف أو معاقبته بغير الطريق التأديبي - عدم اختصاص المحاكم التأديبية واختصاص القضاء الإداري أو القضاء العادي بحسب ما إذا كان علاقة العامل بعمله تخضع للقانون العام أو لأحكام القانون الخاص - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق السادس والعشرين من أغسطس سنة 1981 أودع الأستاذ الدكتور الهمشري المحامي عن السيد/ مصطفى عزي أحمد زغلول بموجب التوكيل الخاص رقم 4029 هـ لسنة 1981 توثيق الجيزة، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد برقم 3359 لسنة 27 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بجلسة 4/ 7/ 1981 في الدعويين رقمي 18 و21 لسنة 14 ق الذي قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعنين وأمر بإحالتهما إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية للفصل فيهما. وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم له بطلباته الواردة بعريضتي الطعنين رقمي 18 و21 لسنة 14 ق ومذكرات دفاعه المقدمة للمحكمة المذكورة، وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما في 26/ 8/ 1981 و26/ 12/ 1982، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن انتهت فيه للأسباب التي ارتأتها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية المختصة لمستوى الإدارة العليا للفصل فيها مجدداً.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 27/ 10/ 1982 وتدوول نظر الطعن أمامها حتى قررت بجلسة 25/ 5/ 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة لنظره بجلسة 25/ 6/ 1983 وفيها قررت المحكمة تأجيل نظر الطعن إلى جلسة 5/ 11/ 1983 وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 15/ 11/ 1983 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما وردت في الأوراق تخلص في أن الطاعن كان قد أقام الطعن رقم 18 لسنة 14 القضائية أمام المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا في الثالث من يونيه سنة 1980 طلب فيها الحكم بإلغاء قراري وزير الإسكان والتعمير رقمي 465 لسنة 1977 و417 لسنة 1979 فيما تضمناه من ندب الطاعن خارج جهة عمله الأصلي وهي شركة البحر الأحمر العامة للمقاولات وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الوزارة والشركة متضامنين بتعويضه بمبلغ عشرين ألف جنيه من الأضرار الأدبية التي لحقت به بسبب قراري الندب، ثم أقام الطاعن أمام المحكمة المشار إليها أيضاً الطعن رقم 21 لسنة 24 القضائية في 25/ 8/ 1980 طلب فيها الحكم بإلغاء قرار وزير التعمير والدولة للإسكان ورئيس الجمعية العمومية لشركة البحر الأحمر العامة للمقاولات والشركة العامة للأساسات رقم 155 لسنة 1980 بتعيين الطاعن مساعداً للمفوض على الشركة العامة للأساسات ومديراً عاماً للشئون المالية بالشركة بذات درجته ومرتبه وبدلاته وما يترتب عليه من آثار مع إلزام الوزارة والشركة بالتعويضات المناسبة عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به، وقال الطاعن في عريضتي الطعن أن قراري ندبه صدرا متضمنين جزاء تأديبياً مقنعاً لأنهما استهدفا إبعاده من شركة البحر الأحمر العامة للمقاولات بعد أن أبدى ملاحظاته للجمعية العمومية للشركة عند نظر ميزانيتها ترتب عليها خفض أرباح الشركة عن سنة 1976 إلى ثمانمائة جنيه فقط، ونعى على القرارين مخالفتهما القانون لصدور قرار الندب من غير مختص وعدم تحديد الوظيفة المنتدب إليها أو تحديد مدة الندب ولم يستهدفا مصلحة عامة. وأن قرار تعيينه بالشركة العامة للأساسات يعتبر امتداداً لقراري الندب وهو مخالف لقرار رئيس الوزراء رقم 33 لسنة 1976 بتعيينه عضواً بمجلس إدارة شركة البحر الأحمر وقد استهدف خفض مستوى درجة وظيفته - ودفعت وزارة الإسكان الطعنين بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظرهما لأن القرارات المطعون فيها لا تستهدف عقاب الطاعن وإنما هي قرارات تنظيمية، وبجلسة 4/ 7/ 1981 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الطعنين وأمرت بإحالتهما إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، وأقامت المحكمة قضائها على أن المشرع ناط بالمحكمة التأديبية الاختصاص بالفصل في الطعون التي يرفعها العاملون بالقطاع العام بطلب إلغاء الجزاءات الموقعة عليهم سواء كانت صريحة أو مقنعة، وأن المحكمة وهي بصدد بحث الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الطعنين المشار إليهما فإنها تتعرض لبحث موضوع القرارات المطعون فيها بالقدر الذي يمكنها من الفصل في الدفع المذكور، ولذا فإن فصلها فيما إذا كانت هذه القرارات تتضمن جزاء مقنعاً من عدمه لا يعني أنها فصلت في موضوع الدعوى وإنما تقضي بداءة باختصاصها من عدمه، فإذا رأت أن القرارات تتضمن جزاء مقنعاً قضت باختصاصها ثم في الدفع الشكلي المثار أمامها ثم في موضوع الدعوى إذا رفضت الدفع الشكلي. وإذا انتهت المحكمة من فحصها للقرارات المطعون فيها إلى أنها لا تتضمن جزاء مقنعاً فيتعين عليها الحكم بعدم اختصاصها بنظر الطعنين وإحالتهما إلى الدائرة العمالية بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون لسببين، السبب الأول وهو أن القرارات المطعون فيها هي قرارات وزارية لا يختص القضاء العادي على الإطلاق بالفصل في المنازعات الناشئة عنها، والسبب الثاني أن المحكمة تجاهلت في أسباب حكمها الوقائع والحقائق التي أوضحها الطاعن بعريضتي الطعنين والتي يبين منها أن القرارات المطعون فيها غير مشروعة وأنها استهدفت إلحاق الأذى بالطاعن بتضمينها عقوبات مقنعة.
ومن حيث إن السبب الأول للطعن لا يقوم على أساس صحيح من القانون، لأن صدور قرار من جهة إدارية لا يخلع عليه في كل الأحوال وبحكم اللزوم وصف القرار الإداري فإذا صدر القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة شخص معنوي خاص، فذلك يخرجه من عداد القرارات الإدارية أياً كان مصدره ومهما كان موقعه في مدارج السلم الإداري، ولا يجوز اعتباره من القرارات الإدارية الصادرة في شأن أحد الأفراد التي يختص القضاء الإداري وحده بنظر المنازعات الخاصة بها، وفي ضوء ذلك، فإن القرارين المطعون فيهما والصادرين من وزير الإسكان بندب الطاعن إلى وظيفة أخرى بالهيئة العامة للمجاري والصرف الصحي ثم إلى الأمانة العامة لقطاع التشييد بوزارة الإسكان، يتعلقان بمسألة من مسائل القانون الخاص هي العلاقة العقدية التي تربط شركات القطاع العام بالعاملين فيها وهي شركات جرى قضاء هذه المحكمة على أنها أشخاص معنوية خاصة، ويعتبران صادرين من الوزير بصفته رب عمل ناط به نظام العاملين بالقطاع العام بعض الاختصاصات المتعلقة بشئون العاملين بشركات القطاع العام سواء في ذلك القانون رقم 61 لسنة 1971 أو القانون رقم 48 لسنة 1978، ومن ثم فإن المنازعة فيهما لا تعتبر من المنازعات الإدارية التي يختص القضاء الإداري بنظرها.
ومن جهة أخرى فإن التأديب يعتبر جزءاً من نظام الخدمة المدنية سواء في نطاق القانون العام بالنسبة للعاملين بالجهات الحكومية أو في نطاق القانون الخاص بالنسبة للعاملين بالقطاع العام والخاص وقد خصت المحاكم التأديبية في المادة 15 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة بنظر الدعاوى التأديبية التي تقام على العاملين في الجهات الحكومية بصفة عامة وعلى العاملين في بعض الهيئات الخاصة، وبنظر الطعون في الجزاءات التأديبية الموقعة على العاملين في الجهات الحكومية بصفة عامة وبعض العاملين في الهيئات الخاصة وهم العاملون في القطاع العام، وهو في الحالين اختصاص محدود أعطى للمحاكم التأديبية استثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري بالمنازعات الإدارية ومن الولاية العامة للقضاء العادي بالمنازعات العمالية، ولذا يتعين تفسير اختصاص المحاكم التأديبية وفقاً للقواعد العامة في تفسير القوانين والتي تقضي بأن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره، وإعمالاً لذلك يجب قصر اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في الجزاءات التأديبية، وهو الاختصاص الوارد في المادة العاشرة من القانون المشار إليه بند تاسعاً (الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية) وبند ثالث عشر (الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانوناً) على الطعون في القرارات التي تصدر بعقوبات تأديبية مقررة في القوانين واللوائح صراحة كجزاء على مخالفات واجبات العاملين والأعمال المحظورة عليهم والخروج على مقتضى الواجب في أعمال الوظيفة، فالمعيار هنا شكلي يعتد فيه بالجزاء الموقع على العامل، فإذا كان من بين الجزاءات التأديبية المقررة صراحة في القوانين واللوائح كان الطعن فيه أمام المحاكم التأديبية، وإذ لم يكن من بين الجزاءات التأديبية المذكورة كان الطعن فيه أمام القضاء الإداري أو القضاء العادي بحسب ما إذا كانت علاقة العامل بجهة عمله تخضع لأحكام القانون العام أو لأحكام القانون الخاص، وبتطبيق المعيار المتقدم في الطعن الماثل، فإن القرارين المطعون فيهما صادران بندب الطاعن خارج جهة عمله، وهو أمر كان جائزاً في ظل العمل بالقانون رقم 61 لسنة 1971 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام، وأصبح غير جائز في ظل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1978 الذي حل محله، ولكنه بالقطع ليس إحدى العقوبات التأديبية المقررة في هذين القانونين، ومن ثم تخرج المنازعة فيه من اختصاص القضاء التأديبي.
وقد يقال أن قصر اختصاص المحاكم التأديبية على الطعون في الجزاءات المقررة صراحة في القوانين واللوائح يخرج من رقابة القضاء التأديبي ما يعرف بالجزاءات المقنعة وهي إجراءات أو قرارات تستهدف بها جهة العمل معاقبة العامل بغير إجراءات التأديب تحت ستار الغرض الأصلي المخصصة له تلك الإجراءات أو القرارات، أما لأن التأديب لا يدخل في اختصاصها أو لطول إجراءاته أو للتخلص من القيود التي تحيط بهذه الإجراءات أو لعدم ضمان نتيجة السير في إجراءات التأديب، وقد ورد النص باختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في الجزاءات ولذا فهو يسري على إطلاقه ليشمل الجزاءات الصريحة والمقنعة على السواء ولا يجوز قصر اختصاص هذه المحاكم على الجزاءات الصريحة وحدها لأن في ذلك تخصيصاً للنص بغير مخصص، وتقييداً لإطلاقه بغير مقتض، ولكن هذا القول مردود بأن اختصاص القضاء التأديبي كما سلف البيان ورد محدوداً كاستثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري في المنازعات الإدارية ومن الولاية العامة للقضاء العادي في المنازعات العمالية، والاستثناء يفسر في أضيق الحدود فيجب الالتزام بالنص وحمله على المعنى الذي قصده المشرع وهو الجزاءات التي حددتها القوانين واللوائح صراحة على سبيل الحصر والتي يجوز توقيعها على العاملين كعقوبات تأديبية، وهو مردود كذلك بما يلي:
أولاً - أنه يخالف منطق الأحكام فعلى المحكمة التأديبية لكي تقضي باختصاصها بنظر الطعن في الجزاء المقنع أن تقضي أولاً بأن القرار المطعون فيه غير مشروع مع أن المفروض أن تقضي باختصاصها أولاً ثم تفصل في مدى مشروعية الجزاء.
ثانياً: أن القرارات الساترة لجزاءات مقنعة تشمل جميع القرارات الصادرة بشأن الخدمة المدنية عدا ما تعلق منها بالتأديب، وهي كثيرة وتغطي مجالات واسعة مثل النقل والندب والإجازات بأنواعها والإعارات والترقيات والبعثات والعلاوات والمكافآت التشجيعية والحوافز وغير ذلك مما يتناوله نظام شئون العاملين، والمنازعة في شأنها تدخل في اختصاص القضاء الإداري أو القضاء العادي بحسب الأحوال، وإذا كان من القواعد التي يتحدد بها الاختصاص بين المحاكم أن الفرع يتبع الأصل ما لم يوجد نص على خلاف ذلك، فإن العكس غير صحيح، بمعنى أن شئون الخدمة المدنية وهي الأصل لا تتبع أحد فروعها وهو التأديب.
ثالثاً - أن عبارة الجزاء المقنع تعبير غير دقيق لعيب الانحراف بالسلطة أو عيب إساءة استعمال السلطة الذي هو أحد العيوب التي يجوز الطعن من أجلها في القرار الإداري بصفة عامة طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، والتي نصت على أنه (يشترط في طلب إلغاء القرارات الإدارية النهائية أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو عيباً في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة) فمن المسلمات أن عيب الانحراف بالسلطة يقوم إذا تنكبت الجهة الإدارية وجه المصلحة العامة أو خرجت على قاعدة تخصيص الأهداف ومن صوره أن تقصد بقرارها الإضرار بالعامل أو الانتقام منه أي معاقبته بغير الطريق الذي حدده المشرع لهذا الغرض أو أن تقصد بقرارها تحقيق مصلحة عامة عن غير الطريق الذي حدده المشرع لتحقيقها، والقول باختصاص القضاء التأديبي بالطعن في الجزاء المقنع، والقرارات الساترة له تغطي مجالات واسعة من شئون الخدمة المدنية، يترتب عليه تعطيل اختصاص القضاء الإداري والقضاء العادي في بحث عيب الانحراف بالسلطة في القرارات التي يختص بها بدون نص صريح بذلك.
ومما تجدر الإشارة إليه أن قضاء هذه المحكمة جرى في السابق على قبول الطعن في القرارات الإدارية التي تتضمن جزاءات مقنعة وبدأ ذلك بقرارات النقل والندب بصفة خاصة بقصد إيجاد طريق للطعن القضائي في هذا النوع من القرارات الإدارية حيث كانت محرومة منه في ظل قوانين مجلس الدولة السابقة التي حددت اختصاصاته في الطعن بالإلغاء على سبيل الحصر ولم يكن من بينها قرارات النقل والندب الصادرة في شأن موظفي الدولة ولم يعد مبرر لهذا القضاء السابق بعد أن صدر قانون مجلس الدولة الحالي رقم 47 لسنة 1972 ناصاً في المادة العاشرة منه (بند رابع عشر) على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بسائر المنازعات الإدارية، لأن هذا النص اعتبر محاكم مجلس الدولة صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية التي تشمل فيما تشمله قرارات النقل والندب، قد خلت هذه القرارات تبعاً لذلك في اختصاص المحاكم الإدارية أو محكمة القضاء الإداري وأصبح من الجائز الطعن فيها أمام هذه المحاكم لعيب الانحراف بالسلطة الذي يتمثل في عدم استهداف المصلحة العامة إذا كان القرار صادراً بقصد الانتقام من الموظف أو معاقبته بغير الطريق التأديبي، وفي الخروج على قاعدة تخصيص الأهداف إذا كان القرار صادراً بقصد تحقيق مصلحة عامة أفرد لها المشرع إجراءات ووسائل خاصة لتحقيقها.
ومن حيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى عدم اختصاص كل من القضاء الإداري والقضاء التأديبي بنظر الطعن في قراري ندب الطاعن خارج جهة عمله الأصلي، وكان هذا الطعن مما يدخل في اختصاص القضاء العادي، فإن الحكم المطعون فيه يكون في النتيجة التي انتهى إليها متفقاً وصحيح حكم القانون في هذا الشأن محمولاً على الأسباب الواردة في هذا الحكم ولذا يكون الطعن عليه غير قائم على سند صحيح من القانون خليقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.