أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 150

جلسة 12 من فبراير سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد علي موسى، ومحمد حلمي راغب.

(26)
الطعن رقم 847 لسنة 47 القضائية

(1، 2) قتل عمد. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
1 - التفات المحكمة عن طلب الدفاع استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته فإن اختلف فيه التقرير الطبي الشرعي والتقرير الاستشاري أخذاً بالتقرير الأول وما سانده من أدلة أخرى. لا عيب. مثال.
2 - عدم التزام المحكمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه المتهم في مذكرته المقدمة خلال فترة حجز الدعوى للحكم أو الرد عليه. ما دام لم يطلب بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة.
1 - لما كان يبين من الاطلاع على الأوراق والمفردات المضمومة أن الدفاع عن الطاعن أثار بجلسات المحاكمة استحالة وقوع الحادث وفقاً لتصوير شهود الإثبات لما دلت عليه معاينة النيابة العامة من وجود آثار مقذوفات نارية بامتداد الجدار الذي يركن إليه الشهود بظهورهم، ولما ورد بالتقارير الطبية الشرعية من أن مسار الطلقات التي أصابت المجني عليهم كان أفقياً، وقد طلب الدفاع مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في هذا الشأن كما طلب بجلسة 9 إبريل سنة 1975 عرض الطلقات المضبوطة عليه لبيان إن كانت قد أطلقت من سلاح ناري واحد لتماثل الفدوغ بها أم من سلاحين ناريين وفقاً لما قرره الشهود إلا أن الدفاع عاد بجلسة 21 مارس سنة 1976 وتنازل عن سماع شهادة الطبيب الشرعي كما تنازل بجلسة 25 إبريل سنة 1976 عن سماع الشهود ثم عاد وأصر بجلسة 7 مارس سنة 1977 على مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في إمكان وقوع الحادث وفقاً لتصوير الشهود فاستدعت المحكمة رئيس قسم طب شرعي طنطا بجلسة 4 إبريل سنة 1977 وناقشته والدفاع في هذا الشأن فأجاب بما يؤيد أقوال شهود الإثبات ثم ترافع الدفاع عن الطاعنين في الدعوى وأحال إلى مرافعاته السابقة وتمسك بما جاء بها وانتهى إلى طلب حجز الدعوى للحكم مع التصريح له بتقديم مذكرة وتقرير استشاري فأجيب إلى طلبه وحجزت القضية للحكم وقدم الدفاع في فترة حجز الدعوى تقريراً استشارياً ومذكرة طلب فيها إعادتها للمرافعة لمناقشة كبير الأطباء الشرعيين فيما اختلف فيه الطبيبان الاستشاري والشرعي بعرض الطلقات المضبوطة عليه إلا أن المحكمة أصدرت حكمها دون أن تجيب هذه الطلبات وقد عرضت لها في حكمها بقولها "فضلاً عن التفاتها عن طلبات الدفاع في شأن التشكيك في ارتكاب المتهمين للحادث بالإضافة إلى عدم اطمئنانها إلى التقرير الطبي الاستشاري وما انتهى إليه من تقريرات تتعارض مع التقرير الطبي الشرعي المقدم في الدعوى وأقوال الشهود التي دعمت التقرير وأقوال الطبيب الشرعي الذي شهد بالجلسة بإمكان وقوع الحادث على نحو ما ظهر من التحقيقات وما ظهر من أدلة الاتهام السابق شرحها والذي تطمئن إليه المحكمة كامل الاطمئنان، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنته التقارير الطبية الشرعية متفقاً مع ما شهد به الطبيب أمامها وأطرحت - في حدود سلطتها طلبه استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها - بعد ما أجرته من تحقيق المسألة الفنية في الدعوى - حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وإذ كان من المقرر أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يفيد إطراحها التقرير الاستشاري المقدم فيها وليس بلازم عليها أن ترد علي هذا التقرير استقلالاً، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل.
2 - من المقرر أن المحكمة متى أمرت بإقفال باب المرافعة في الدعوى وحجزتها للحكم، فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه المتهم في مذكرته التي يقدمها في فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه سواء قدم بتصريح أم بغير تصريح ما دام هو لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة وقبل قفل باب المرافعة في الدعوى، فإن النعي بالتفات المحكمة عن طلب عرض الطلقات المضبوطة على كبير الأطباء الشرعيين المبدي بالمذكرة المقدمة خلال فترة حجز الدعوى للحكم والتي سبقها استيفاء الدفاع الشفوي يكون غير سديد. ولا يقدح في ذلك أن الدفاع أحال في مرافعته بالجلسة الأخيرة إلى مرافعاته بالجلسة السابقة والتي أبدي هذا الطلب في إحداها ذلك أنه تنازل عنه صراحة في جلسة تالية، كما - أن رئيس قسم طب شرعي طنطا مثل أمام المحكمة بالجلسة الأخيرة ونوقش في إمكان وقوع الحادث وفقاً لتصوير الشهود تحقيقاً لطلب الدفاع الذي اشترك في المناقشة وقد كان في مكنته لو أراد أن يطلب عرض الطلقات عليه أو مناقشته في أمرها إلا أنه قعد عن ذلك مما يفيد عدم عدوله عن تنازله السابق عن هذا الطلب، كما أنه لم يكن هناك ثمة ما يمنعه من معاودة إثارته صراحة بين طلباته الختامية بمرافعته الشفوية بالجلسة الأخيرة بعد تغير الهيئة التي أبدى هذا الطلب أمامها مع أن عدم تمسكه به أمام الهيئة الجديدة يفقده خصائص الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما (أولاً) قتلا عمداً مع سبق الإصرار والترصد....... وكان ذلك بأن عقدا العزم على قتله وأعد كل منهما سلاحاً نارياً مدفعاً سريع الطلقات وتوجها إليه في المكان الذي أيقنا وجوده به وما أن أبصراه حتى أطلقا عليه عديداً من الأعيرة النارية بقصد قتله فأحدثا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين آخرين هما أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر. حال ارتكابهما لجناية القتل العمد مع سبق الإصرار سالفة الذكر بإطلاق الأعيرة النارية قتلاً عمداً...... وشرعاً في قتل.......... بأن أحدثا بالأولى الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وبالثاني الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والشرعي. وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه وهو مداركته بالعلاج وشفائه. (ثانياً) أحرزا سلاحين ناريين (مدفعين رشاشين) مما لا يجوز الترخيص بحيازتهما أو إحرازهما (ثالثاً) أحرزاً ذخائر (طلقات ) مما تستعمل في الأسلحة النارية سالفة الذكر والتي لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 45 و46 و230 و231 و234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والقسم الثاني من الجدول رقم 3 المرفق فأصدر قرار بذلك. وادعت كل من........ (والدة المجني عليه)........، ......... (زوجة المجني عليه سالف الذكر) عن نفسها وبصفتها وصية على ولديها القاصرين........، ........ مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. كما ادعى....... والد المجني عليها......... مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 250 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات طنطا قضت عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 33/ 2 و17 من قانون العقوبات. (أولاً) بمعاقبة كل من......... بالأشغال الشاقة المؤبدة لما أسند إليهما مع مصادرة السلاح المضبوط (ثانياً) - بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لـ........، .......... عن نفسها وبصفتها مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لـ......... مبلغ 250 جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقص، وقضى فيه بتاريخ 9 من أكتوبر سنة 1975 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات طنطا لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المشار إليها - مشكلة من دائرة أخرى - قضت عملاً بالمواد السالفة الذكر (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السلاح والذخيرة والمضبوطة (ثانياً) بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعين بالحقوق المدنية الأولين مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت (ثالثاً) بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحقوق المدنية الثالث مبلغ 250 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد مقترنة بجريمتي قتل عمد وشروع فيه قد أخل بحق الدفاع وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون ذلك أن الطاعنين قد أسسا دفاعهما على أن الجاني شخص واحد مجهول ارتكب الحادث من مكمنه بزراعة الذرة المجاور وأن شهود الإثبات لم يكونوا بمحل الحادث وقت ارتكابه إذ لو صح تصويرهم لكانوا قد أصيبوا من الطلقات النارية، وقد قدم الطاعنان تقريراً طبيا استشارياً مؤيداً، ومذكرة بدفاعهما في فترة حجز الدعوى للحكم - المصرح فيها بتقديمهما طالبين مناقشة كبير الأطباء الشرعيين فيما اختلف فيه الطبيب الاستشاري مع الطبيب الشرعي إلا أن المحكمة لم تستجب إلى هذا الطلب وردت عليه بما لا يصلح رداً وأطرحت التقرير الاستشاري بغير علة مقبولة. هذا وقد استدل الدفاع بتماثيل الفدوغ بالطلقات المضبوطة إلى أنها قد أطلقت من سلاح ناري واحد وليس من سلاحين كما ذهب شهود الإثبات وطلب عرضها على الطبيب الشرعي ليدلي بالرأي الفني في هذا الشأن بيد أن المحكمة أرضت عن هذا الطلب إيراداً له ورداً عليه وعولت في قضائها على ما قرره الطبيب الشرعي بالجلسة عن إمكان إفلات الشهود من الإصابة رغم ورود إجاباته بصيغة المفرد عن شاهد واحد وابتنائها على افتراض أوضاع له لم يثبت تحققها، كما أنها لم تفطن إلى مدلولي أقوال قائد شرطة النجدة التي استدل بها الدفاع على عدم وجود الشاهدين الأول والثالث بمحل الحادث وقت ارتكابه وقد استند الحكم إلى الطبيب الشرعي الاطلاع على أوراق الدعوى والتقارير الطبية المرفقة قبل إدلائه بشهادته بجلسة 4 إبريل سنة 1977 خلافاً للثابت من محضر تلك الجلسة من أن للمحكمة لم تطلعه إلا على التقارير الطبية كما ارجع إغفال المجني عليه الثالث ذكر اسم والده لشرطة النجدة إلى أنه كان متعباً دون أن يكون لذلك أصل بالأوراق ونسب إليه أنه أدلى بتحقيقات النيابة العامة بأقوال تتفق مع أقوال الشهود مع أنه لم يدلي بالتفصيلات التي أسهبوا في ذكرها - وأخيراً فإن الجرائم التي دين بها الطاعنان لا يتوافر فيها الاقتران إذ ارتكبت بفعل واحد بينما يتطلب القانون لتوافره فضلاً عن التعاصر الزمني استقلال الجرائم وتميز أفعالها فضلاً عن قصور الحكم في التدليل على توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد، وكل ذلك يعيب الحكم ومما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق والمفردات المضمومة أن الدفاع عن الطاعن أثار بجلسات المحاكمة استحالة وقوع الحادث وفقاً لتصوير شهود الإثبات لما دلت عليه معاينة النيابة العامة من وجود آثار مقذوفات نارية بامتداد الجدار الذي يركن إليه الشهود بظهورهم، ولما ورد بالتقارير الطبية الشرعية من أن مسار الطلقات التي أصابت المجني عليهم كان أفقياً، وقد طلب الدفاع مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في هذا الشأن كما طلب بجلسة 9 إبريل سنة 1975 عرض الطلقات الفارغة المضبوطة عليه لبيان إن كانت قد أطلقت من سلاح ناري واحد لتماثل الفدوغ بها أم من سلاحين ناريين وفقاً لما قرره الشهود إلا أن الدفاع عاد بجلسة 21 مارس سنة 1976 وتنازل عن سماع شهادة الطبيب الشرعي كما تنازل بجلسة 25 إبريل سنة 1976 عن سماع الشهود وأصر بجلسة 7 مارس سنة 1977 على مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في إمكان وقوع الحادث وفقاً لتصوير الشهود فاستدعت المحكمة رئيس قسم طب شرعي طنطا بجلسة 4 إبريل سنة 1977 وناقشته والدفاع في هذا الشأن فأجاب بما يؤيد أقوال شهود الإثبات ثم ترافع الدفاع عن الطاعنين في الدعوى وأحال إلى مرافعاته السابقة وتمسك بما جاء بها وانتهى إلى طلب حجز الدعوى للحكم مع التصريح له بتقديم مذكرة وتقرير استشاري فأجيب إلى طلبه وحجزت القضية للحكم وقدم الدفاع في فترة حجز الدعوى تقريراً استشارياً ومذكرة طلب فيها إعادتها للمرافعة لمناقشة كبير الأطباء الشرعيين فيما اختلف فيه الطبيبان الاستشاري والشرعي بعرض الطلقات المضبوطة عليه إلا أن المحكمة أصدرت حكمها دون أن تجيب هذه الطلبات وقد عرضت لها في حكمها بقولها "فضلاً عن التفاتها عن طلبات الدفاع في شأن التشكيك في ارتكاب المتهمين للحادث بالإضافة إلى عدم اطمئنانها إلى التقرير الطبي الاستشاري وما انتهى إليه من تقريرات تتعارض مع التقرير الطبي الشرعي المقدم في الدعوى وأقوال الشهود التي دعمت التقرير وأقوال الطبيب الشرعي الذي شهد بالجلسة بإمكان وقوع الحادث على نحو ما ظهر من التحقيقات وما ظهر من أدلة الاتهام السابق شرحها والذي تطمئن إليه المحكمة كامل الاطمئنان. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنته التقارير الطبية الشرعية متفقاً مع ما شهد به الطبيب أمامها وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية التقرير الطبي الاستشاري - وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلبه استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها - بعد ما أجرته من تحقيق المسألة الفنية في الدعوى - حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وإذ كان من المقرر أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يفيد إطراحها التقرير الاستشاري المقدم فيها وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة متى أمرت بإقفال باب المرافعة في الدعوى وحجزتها للحكم، فهي بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذي يبديه المتهم في مذكرته التي يقدمها في فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه سواء قدم بتصريح أم بغير تصريح ما دام هو لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة وقبل قفل باب المرافعة في الدعوى، فإن النعي بالتفات المحكمة عن طلب عرض الطلقات المضبوطة على كبير الأطباء الشرعيين المبدي بالمذكرة المقدمة خلال فترة حجز الدعوى للحكم والتي سبقها استيفاء الدفاع الشفوي يكون غير سديد. ولا يقدح في ذلك أن الدفاع أحال في مرافعته بالجلسة الأخيرة إلى مرافعاته الجلسة السابقة والتي أبدى هذا الطلب في إحداها ذلك أنه تنازل عنه صراحة في جلسة تالية، كما - أن رئيس قسم طب شرعي طنطا مثل أمام المحكمة بالجلسة الأخيرة ونوقش في إمكان وقوع الحادث وفقاً لتصوير الشهود تحقيقاً لطلب الدفاع الذي اشترك في المناقشة وقد كان في مكنته لو أراد أن يطلب عرض الطلقات عليه أو مناقشته في أمرها إلا أنه قعد عن ذلك مما يفيد عدم عدوله عن تنازله السابق عن هذا الطلب، كما أنه لم يكن هناك ثمة ما يمنعه من معاودة إثارته صراحة بين طلباته الختامية بمرافعته الشفوية بالجلسة الأخيرة بعد تغير الهيئة التي أبدى هذا الطلب أمامها مع أن عدم تمسكه به أمام الهيئة الجديدة يفقده خصائص الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن بين الواقعة وأورد الأدلة على ثبوتها في حق الطاعنين رد على دفاعهما القائم على استحالة وقوع الحادث وفقاً لتصوير شهود الإثبات دون إصابتهم بقوله: "فشهد الطبيب........... الطبيب الشرعي بطنطا بعد اطلاعه على أوراق الدعوى والتقارير الطبية المرفقة أنه من الجائز أن لا يصاب الشهود حال جلوسهم مع المجني عليهم إذ من المتوقع إذا ما استشعر فرد بقدوم اعتداء جنائي عليه أو إطلاق أعيرة نارية نحوه فإنه يتخذ بجسمه أوضاعاً عديدة ومختلفة من شأنها أن يدرأ إطلاق النار عليه ومن الجائز في حالة الدعوى الماثلة أن يكون أي من الشهود قد انحنى بجسمه تجاه اليمين أو اليسار أو انكفأ أو انبطح أرضاً لتفادي إصابته "وكان مفاد ذلك أن الطبيب الشرعي بعد أن أجاب بإمكان إفلات الشهود من الإصابة دلل على قوله بأن ساق مثلاً بما يتخذه الفرد من أوضاع بجسمه لتفادي الاعتداء عليه وهو ما يجوز تعميمه على شهود الحادث، وإذ استند الحكم إلى شهادة الطبيب الشرعي في إطراح دفاع الطاعنين في هذا الصدد فإن استدلاله يكون سائغاً مما ينفي عنه قاله الفساد في الاستدلال. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم من شهادة قائد شرطة النجدة يتفق مع ما شهد به هذا الشاهد بالجلسة من أن دوره اقتصر على إثبات المصابين الذين وجدهم بمحل الحادث والشهود الذين تقدموا إليه وقد خلص الحكم سليما إلى أن عدم إثبات اسمي الشاهدين الأول والثالث بتقرير النجدة لا ينفى مشاهدتهما للحادث أو وجود الشاهد الأول حال وصول شرطة النجدة طالما أن هذا الشاهد لم يذكر أنه تقدم لها. ومن ثم فإن منعي الطاعنين في هذا الشأن لا يعدو أن يكون مجرد منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أقوال الشاهد ولا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان بشأن إثبات الحكم اطلاع الطبيب الشرعي على الأوراق خلافاً للثابت بمحضر الجلسة مردوداً بما هو مقرر من أن الحكم يكمل محضر الجلسة في إثبات حقيقة إجراءات المحاكمة وما يتم منها أمام المحكمة، ولما كان البين من الأوراق ومن مدونات الحكم أن المجني عليه الثالث قد أصيب من عيار ناري في الحادث مما استلزم نقله بسيارة الإسعاف إلى المستشفى لعلاجه، فإن ما استخلصه الحكم وهو في سياق الرد على دفاع الطاعنين - من أن ذلك المجني عليه كان متعباً يكون له صداه في الأوراق مما ينفى عنه قالة الخطأ والإسناد. لما كان ذلك، وكان المجني عليه الثالث قد قرر بتحقيقات النيابة العامة بمضمون ما قرره شهود الإثبات من أن الطاعنين ارتكباً الحادث على مشهد منهم وفي المكان والكيفية التي ذكرها هؤلاء الشهود وهي جوهر الواقعة التي استقرت في عقيدة المحكمة والتي دانت الطاعنين من أجلها فلا جناح على الحكم أن أورد أن هذا المجني عليه صور كيفية وقوع الحادث بما يتفق وأقوال هؤلاء الشهود، متى كان ذلك فإنه تنحسر عن الحكم دعوى الفساد في الاستدلال. لما كان ذلك، وكانت العقوبة الموقعة على الطاعنين - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة فإنه لا يكون لهما مصلحة فيما أثاراه من خطأ الحكم في تطبيق القانون وقصوره في تسبيب توافر الاقتران وسبق الإصرار والترصد مما يضحى معه منعي الطاعنين في هذا الصدد لا جدوى منه. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.