أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 207

جلسة 27 من فبراير سنة 1978

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وقصدي اسكندر عزت، ومحمد يونس ثابت.

(38)
الطعن رقم 1334 لسنة 47 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "تقدير الاعتراف كعنصر من عناصر الدعوى موضوعي".
عدم التزام المحكمة بنص الاعتراف وظاهره. لها أن تستنبط الحقيقة منه ومن سائر العناصر الأخرى. متى كان ذلك يتفق وحكم العقل والمنطق.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تسانده الأدلة في المواد الجنائية. عدم جواز النظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة.
(3) قصد جنائي. سبق إصراره. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
سبق الإصرار. حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني. استخلاص توافره. موضوعي.
(4) سبق الإصرار. أسباب الإباحة. الدفاع الشرعي. "دفاع شرعي". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق التدبير للجريمة أو التحيل لارتكابها ينقضي به حتماً موجب الدفاع الشرعي علة ذلك؟
(5) محكمة الموضوع. "حقها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة من عناصر الدعوى. موضوعي.
1 - من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن يجزئ هذا الاعتراف، وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، وأنها ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهرة بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى، سالفة الذكر، الحقيقة كما كشفت عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق.
2 - إن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتبه الحكم عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه.
3 - سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجنائي قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر مع هذا الاستنتاج.
4 - إثبات الحكم التدبير للجريمة بتوافر سبق الإصرار أو التحيل......... لارتكابها ينقضي به حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الأسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق.
6 - إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بعد ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليه في المادة 34 من هذا القانون، إلا أن تجاوز الميعاد المذكور لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة ذلك لأن الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمية وعدم ترك الباب مفتوحاً إلى غير نهاية والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على محكمة النقض في كل الأحوال متى صدر الحكم حضورياً، وعلى أي الأحوال فإن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقاً للمادة 46 سالفة الذكر وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم وسواء قدمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وأخرى بأنهما (المتهم الأول) قتل........ عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم على قتله وبيت النية على ذلك فأعد ساطوراً وسكيناً واستدرجه إلى منطقة صحراوية وما أن واتته الفرصة حتى انهال عليه ضرباً بهاتين الآلتين وفصل رأسه عن جسده بقصد إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (المتهمة الثانية) اشتركت بطريقي الاتفاق والتحريض مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن حرضته على ارتكابها واتفقت معه على ذلك فوقعت الجريمة بناء على ذلك التحريض والاتفاق وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40/ 1، 2 و41 و43 و230 و231 من قانون العقوبات والمادة الأولى من الأمر العسكري رقم 3 سنة 1973 ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في الدعوى حضورياً وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهم الأول بالإعدام شنقاً ومصادرة الأسلحة المضبوطة وبراءة المتهمة الثانية مما نسب إليها. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وقضى بإعدامه، قد انطوى على خطأ في التحصيل وفساد في التدليل، وشابه القصور والتناقض في التسبيب، ذلك مؤدى اعتراف الطاعن أن المجني عليه هو الذي بادره بالاعتداء وأحدث به إصابة وجهه، ولكنه تمكن من انتزاع الساطور من يده وقتله به على الفور، وقد خلت الأوراق مما ينفي ذلك، غير أن الحكم قد اجتزأ من هذا الاعتراف ما اقترفه الطاعن - والتفت عما أسند للمجني عليه بلا مسوغ، فأقضى بهذه التجزئة الاعتراف عن مبناه وصرفه عن معناه، وقد استدل الحكم على ثبوت ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن من حصوله على أجازة في فترة وقوع الجريمة أو إخفاء رغبته في السفر إلى ليبيا وإدلائه ببيانات خاطئة لموظف الفندق الذي بات هو والمجني عليه به، ومن تصرفاته بعد اقتراف الجريمة، وكلها أمور لا تكفي في استظهار ظرف سبق الإصرار ولا يتوافر بها ثبوته في حقه، كما أغفل الحكم الحديث عن إصابة الطاعن بوجهه رغم ما ردده منذ الوهلة الأولى من أن المجني عليه أبتدره بالاعتداء وأنه قتله دفاعاًًً عن نفسه، وقد أسند إليه الحكم استنتاجاً - جريمة الزنا التي لا يعدو أمرها مجرد إشاعة عارية من دليلها، وأنه أعد سلاح الجريمة واستدرج المجني عليه للسفر إلى ليبيا في حين أن تلك كانت رغبة هذا الأخير، هذا إلى تناقض الحكم فيما بين قضائه بإدانة الطاعن وبين ما انتهى إليه من براءة زوجة المجني من تهمة الاشتراك في القتل لما ينطوي عليه القضاء ببراءتها من معنى انتفاء الباعث على ارتكاب الجريمة، وخاصة لما أسنده الحكم إليه من إعداد شهادة تسنينها للزواج بمقتضاها، ولعلم زوجها بعلاقته بها، مما يفيد أنه لم يكن بحاجة إلى القتل، وفي القليل بانتفاء سبق الإصرار الذي تؤكده براءة الزوجة، مما مقتضاه أن يكون القتل قد وقع لساعته على حد اعترافه، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد استخلص واقعة الدعوى فيما يجمل أن علاقة آثمة توطدت بين المتهم الأول - الطاعن - والمتهمة الثانية زوجة المجني عليه وقد انساقا فيها غير عابئين بما تلوكه الألسنة بعد أن شاع أمرها فكان الطاعن يتردد عليها في غيبة زوجها، وتذهب هي للقائه بالعيادة التي يعمل بها ممرضاً إذا قلت زيارته لها أو تدفع زوجها المغلوب على أمره إلى دعوته، وبالرغم من أن الطبيب مخدوم الطاعن قد هدده بإقصائه عن عمله إذا لم يكف عن ذلك، غير أن الطاعن قد غلا في غيه ففكر ودبر للخلاص من المجني عليه مستغلاً هواه في السفر إلى ليبيا وتظاهر له بالرغبة في مرافقته، ويسر له الأمر بتحمل نفقات سفرهما، فانقاد له المجني عليه وهو لا يدري ما انطوت عليه نفس صاحبه من الإصرار على الضرر، إذ أعد ساطوراً وسكيناً ليجهز عليه بهما، وانطلقا بالقطار من الإسكندرية حتى إذا بلغا مرسى مطروح باتا تلك الليلة بفندق فلسطين، وقد أدلى الطاعن لموظف الفندق خطأ أنه قادم من القاهرة - بدلاً من الإسكندرية - وبرقم سركي العمل بالشركة التي يعمل بها على أنه رقم بطاقته، ثم انطلقا في الصباح وأجلين تجاه السلوم - وبعد مسيرة نحو ستة كيلو مترات رأى الطاعن أن ينعطفا إلى مخبأ من مخلفات الحرب العالمية الثانية بحجة الاحتماء مما انعقد من الغيوم وليكون هذا الكهف مثوى للجريمة، وما أن استقر به حتى باغت الطاعن المجني عليه بضربة بالساطور تمزق ووالى إلى أن فصل رأسه عن جسده، ثم عمد في هدوء متبلد وتضليل للعدالة إلى سلب حافظة نقوده وبها بطاقته كما التفح بملفحته وعاد إدراجه إلى الطريق الزراعي يستوقف السيارات المتجهة صوب مرسى مطروح ليعود إلى الإسكندرية لولا أن قبض عليه واعترف بما اقترفه، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة لها معينها الصحيح من أقوال الشهود وتحريات الشرطة واعتراف الطاعن وتقرير الصفة التشريحية وكشف نزلاء الفندق، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من معاقبة الطاعن طبقاً لنص المادتين 230، 231 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اعتنق مما أدلى به الطاعن بالتحقيقات وبالجلسة اعترافه بأن صحب المجني عليه في طريقهما إلى ليبيا من الإسكندرية إلى مرسى مطروح حيث باتا ليلة بفندق فلسطين وقد أملى على موظف الفندق بيانات خاطئة عن جهة قدومه ورقم بطاقته، ثم سارا في الصباح إلى أن انعطفا في مخبأ من مخلفات الحرب حيث قتل المجني عليه بأن ضرب بالساطور على أنفه ثم على رأسه وفي أجزاء متفرقة من جسمه إلى أن قام بفصل رأسه عن جسده وسلبه حافظته وملفحته، وقد التفتت المحكمة عما عدا ذلك مما تضمنه اعترافه من أن المجني عليه هو الذي حاول مبادرته بالاعتداء بما أفصحت عنه بأسباب حكمها, من أنه لا يستساغ عقلاً وما يرويه الطاعن من أن المجني عليه كان حانقاً عليه وأنه هو الذي أحضر الساطور وكانت يده بارزة من حقيبته ثم يرافقه في السفر ويتحمل نفقاته وما نحا إياه الفرصة المواتية للانتقام منه فضلاً عن تخبط الطاعن في دفاعه إذ قرر لشهود الإثبات الذين قبضوا عليه أنه قتل المجني عليه ثأراً منه لقلته ولديه، ثم قرر بمحضر جمع الاستدلالات أن شاهد الإثبات الأول - الذي اكتشف أمره وسارع وأصر على القبض عليه - هو الذي قتل المجني عليه، وإذ كان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف، فلها أن تجزئ هذا الاعتراف، وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك، وأنها ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهرة بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى سالفة الذكر - الحقيقة كما كشفت عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، ومن ثم لا يقبل من الطاعن الاكتفاء بمناقشة الدليل المستمد من اعترافه على حده دون باقي الأدلة إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، فلا ينظر إلي دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما رتبه الحكم عليها ومنتجة كوحدة في إثبات اقتناع القاضي واطمئنانه إلى ما انتهى إليه - وهو ما لم تخطئ المحكمة من تقديره - ومن ثم فلا يقبل مجادلة المحكمة في تقديرها أو مصادرتها في عقيدتها، وتكون منازعة الطاعن في هذا الخصوص في غير محلها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن من أنه فكر ودبر للقتل في هدوء وروية حسبما يستفاد من حصوله على إجازة من عمله وإيهامه الطبيب الذي يعمل لديه أنه سيسافر إلى الصعيد ليزور والده المريض، وإخفائه عن زوجته أمر سفره حتى أنها توجهت تسأل عنه بالعيادة بعد أن طالت غيبته، ومن الإعداد للقتل بحمل الساطور والسكين، وإدلائه لكاتب الفندق أنه قادم من القاهرة وتدوين رقم سركي عمله بدلاً من رقم بطاقته ليباعد بذلك بينه وبين المجني عليه، كما سلبه بعد أن قتله ومزقه حافظته بهدف عدم الاستلال على شخصه من بطاقته إذ لم يكن بالحافظة من النفوذ غير جنيه واحد، ومن محاولته فور القتل استيقاف السيارات القادمة صوب مرسى مطروح إذ لم تكن ليبيا بل كان القتل هو مقصده، وما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون، ذلك بأن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجنائي قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر مع هذا الاستنتاج، وهو الحال في الدعوى المطروحة، ويكون النعي على الحكم لذلك غير سديد. لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن من أن الحكم قد أغفل الحديث عن إصابة وجهه رغم ما ردده من أن المجني عليه ابتدره بالاعتداء فانتزع الساطور من يده وقتله لفوره، مردوداً بأن من المقرر في صحيح القانون أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار عليهما، أو التحيل لارتكابها انقضى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الاسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه، وهو ما أثبته الحكم بغير معقب فيما تقدم ذكره. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استخلص واقعة الدعوى على ما نحو سلف بيانه، ودلل على ثبوتها في حق الطاعن باعترافه وبما ينتجها من وجوه الأدلة، ومن بينها رواية شاهد الإثبات الأول التي حصل مؤداها أنه غادر منزله في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم الحادث ليستقل سيارة إلى مطروح، فأبصر - في طريقه - بالمخبأ الذي وقع به الحادث، شخصاً تعلو هامته وتهوي فلما ساوره الشك واتجه صوبه لاستطلاع الأمر، بارحة الطاعن يجرى إلى الطريق وإذ رأي الشاهد بالمخبأ أشلاء جثة المجني عليه تنزف دماءها أسرع في أثره، واستوقف سيارة كان يستقلها الشاهدان الثاني والثالث واستعان بهما للقبض عليه، فتمكنوا بعد أن قاومهم من ضبطه ونقله إلى قسم الشرطة، كما حصل الحكم أقوال الشاهدين الثاني والثالث بما يتفق وشهادة الأول فيما استشهد بهما عليه، وأضاف الثاني أن الطاعن ذكر لهم أن المجني عليه قتل ولديه وأخذ منه خمسين جنيهاً، كما أضاف الثالث أنه - أي الطاعن - كان يحاول استيقاف السيارات القادمة إلى مرسى مطروح، وحصل الحكم شهادة الرائد.......... بالتحقيقات في "أن تحرياته السرية دلت على أن المتهم الأول - الطاعن - تربطه علاقة آثمة بالمتهمة الثانية زوجة المجني عليه وأنه استدرجه من الإسكندرية إلى مرسى مطروح ليقتله وحمل معه ساطوراً وسكيناً استعملهما في قتل المجني عليه عندما واتته الفرصة بمكان الحادث "كما أورد الحكم مؤدى أقوال الرائد طبيب......... بما مؤداه أن الطاعن كان يعمل ممرضا بعيادته - بعد فراغه من عمله كعامل بشركة الورق الأهلية حسبما يبين من مطالعة المفردات - وقد علم أن شجاراً وقع بينه وبين المجني عليه بسبب حقنه أعطاها لأحد أفراد أسرته، وأن زوجة المجني عليه تتردد عليه بالعيادة، ثم علم من.......... صاحب المنزل الذي يقيم به المجني عليه أن الطاعن يتردد عليها في غيبة زوجها وأن الأمر أصبح مضغة في الأفواه فنبه عليه بالإقلاع عن ذلك ولكنه لم يستجب وجاء صاحب المنزل يعاود الشكوى وهم بفصله لولا رجاء الشاكي، وقد لا حظ عليه في بداية سنة 1975 أنه أصبح عصبياً في تصرفاته، مصاباً بالأرق لخلافات بينه وبين زوجته، وفي 8/ 2/ 1975 افترض منه عشرة جنيهات ليسافر إلى الصعيد ليعود والده المريض، وإذ انقطع عن الحضور حضرت المتهمة الثانية تسأل عنه، كما حضرت زوجته تستفسر عن غيبته ونفت علمها بمرض والده، وقد نقل الحكم عن تقرير الصفة التشريحية بيان إصابات المجني عليه وهي سبعة جروح جسيمة حيوية قطعية رضية بأعلا الأنف وأجزاء متفرقة من الرأس، وبتر لكل من الإبهام والسبابة اليمني وجرح الوسطى وكسر مضاعف بأسف الساق اليسرى، هذا إلى فصل الرأس عن الجسد، وهي تحدث من مثل الساطور المضبوط وأن الوفاة نشأت عن إصابات الرأس بما أدت إليه من كسور بعظام الجمجمة وتهتك بالسجايا ونزيف بالمخ وصدمة عصبية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، وكان ما أسنده الحكم إلى الطاعن له صداه وأصله الثابت بالأوراق، فإن ما يثيره في خصوص ما ساقه الحكم بشأن علاقته بزوجة المجني عليه وإعداده سلاح الجريمة واستدراجه المجني عليه بدعوى السفر إلى ليبيا يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد قضي ببراءة المتهمة الثانية - زوجة المجني عليه - من تهمة اشتراكها بطريقي التحريض والاتفاق مع الطاعن في قتل المجني عليه على سند من أن الدليل قبلها، وهو مجرد علاقتها بالطاعن وشهادة تسنينها التي ضبطت معه، إنما يحتمل التأويل والريب بما لا يجوز معه القضاء بإدانتها، فإن ما ساقه الحكم من ذلك بالنسبة لهذه المتهمة لا ينتفي به سبق إصرار الطاعن على القتل ولا الباعث لديه على افتراقه ويكون النعي على الحكم بدعوى التناقض في هذا الخصوص في غير محلها. ولما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بعد ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليه في المادة 34 من هذا القانون، إلا أن تجاوز الميعاد المذكور لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة ذلك لأن الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمية وعدم ترك الباب مفتوحاً إلى غير نهاية والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على محكمة النقض في كل الأحوال متى صدر الحكم حضورياً، وعلى أي الأحوال فإن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقاً للمادة 46 سالفة الذكر وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم وسواء قدمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده. لما كان ذلك، وكان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من القانون المذكور أن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دين بها المحكوم عليه بالإعدام، وجاء خلواً من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تطبيقه أو في تأويله وقد صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.