أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 228

جلسة 6 من مارس سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وقصدي اسكندر عزت؛ والدكتور أحمد رفعت خفاجي.

(42)
الطعن رقم 965 لسنة 47 القضائية

(1) مستشار الإحالة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "بوجه عام".
القرار الذي يصدر في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً. لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب العمل علي تنفيذه.
(2) مستشار الإحالة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات. "إجراءات التحقيق".
عدم التزام مستشار الإحالة. بعد حجز القضية. بإجابة طلب فتح باب المرافعة لتحقيق دفاع لم يطلب منه بالجلسة. ما لم ير محلاً لإجرائه.
(3) إجراءات "إجراءات التحقيق". مستشار الإحالة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم إثارة مقتضى التحقيق أمام مستشار الإحالة. تنازل ضمني يحول دون إثارة شيء عنه من بعد.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق القاضي الجنائي أن يكون عقيدته عن أي دليل أو قرينة يرتاح إليها. ما لم يقيده القانون بدليل معين.
(5) بطلان. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "بطلان الحكم". مستشار الإحالة.
التناقض الذي يعيب القرار هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر.
(6) جريمة. "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص القصد الجنائي. موضوعي.
1 - حيث إنه يبين من الأوراق أن مستشار الإحالة أمر بجلسة....... بناء على طلب الطاعنة بإعادة الأوراق إلى النيابة العامة لندب قسم أبحاث التزييف والتزوير لإجراء مضاهاة خط المطعون ضده على المستند المزور وسؤال الموظفين الموقعين عليه وتحقيق واقعة وفاة المورث........ وتاريخها، ولم ينفذ هذا الإجراء، ثم نظرت القضية بعد ذلك بجلسة 17 من مايو سنة 1977 ولم تتمسك الطاعنة بوجوب تنفيذه وطلبت حجز الدعوى للقرار فأجيبت إلى طلبها وصدر الأمر المطعون فيه، ومن ثم لا وجه لما تنعاه الطاعنة على هذا الأمر بدعوى الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الأمر المذكور قد صدر من ذات الهيئة القضائية التي أصدرت الأمر السابق التحقيق على وجه معين وهي قضاء الإحالة ولم يخرج هذا الأمر عن كونه عدولاً من مستشار الإحالة من تنفيذ أمر سبق إصداره مما يملكه، لما هو مقرر من أن القرار الذي يصدر في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، لمستشار الإحالة أن يعدل عنه دون أن يكون ملزماً ببيان العلة.
2 - مستشار الإحالة لا يلتزم بعد حجز القضية للقرار بإجابة طلب فتح باب المرافعة لتحقيق دفاع لم يطلب منه بالجلسة ولم ير هو من جانبه محلاً لإجرائه.
3 - إن وجود نقص في بعض نقاط التحقيق - بفرض وجوده - لا يعدو أن يكون تعييباً لتحقيق النيابة ما دامت الطاعنة قد تنازلت ضمنياً عن طلبها في هذا الشأن وكان مستشار الإحالة لم ير من جانبه محلاً لإجراء تحقيق تكميلي اكتفاء بما هو معروض عليه وهو أمر من إطلاقاته موكول لتقديره وخاضع لسلطانه دون معقب فإنه لا يقبل من الطاعنة النعي على الأمر في هذا الصدد.
4 - الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات صحة الأوراق أو تزويرها طريقاً خاصاً، فإن إسناد الأمر إلى أقوال الشاهد في إثبات صحة بصمة خاتم شعار الجمهورية وتحديد البيان المزور من السند دون الاستعانة بقسم أبحاث التزييف والتزوير في هذا الشأن لا يعيب الأمر المطعون فيه.
5 - إن التناقض الذي يعيب القرار هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين هو المقصود.
6 - توافر القصد الجنائي في الجريمة أو عدم توافره مما يدخل في نطاق السلطة التقديرية لمستشار الإحالة والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه سليماً مستمداً من أوراق الدعوى.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن في أن الطاعنة تقدمت بشكوى إلى النيابة العامة عن طريق وكيلها مؤرخة........ تضمنت أن المستند رقم 3 من الحافظة الأولى المقدمة من المطعون ضده في الدعوى...... مدني كلي جنوب القاهرة والذي هو عبارة عن ورقة رسمية منسوب صدرها إلى بلدية القاهرة في تاريخ سابق على إنشائها بادي التزوير وقد قيدت هذه الشكوى برقم....... حصر تحقيق بنيابة جنوب القاهرة وادعت شركة المنتزه والمقطم مدنياً قبل المتهم........ بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. وبعد أن باشرت النيابة العامة التحقيق أصدرت قراراً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل. فاستأنفت المدعية بالحقوق المدنية هذا القرار ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة غرفة مشورة) قررت بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد القرار المستأنف. فطعن الوكيل عن الشركة المدعية بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنة تنعى على الأمر المطعون فيه أنه إذ صدر بتأييد الأمر الصادر من النيابة العامة بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المطعون ضده عن جريمتي تزوير محرر رسمي واستعماله قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن مستشار الإحالة أمر بجلسة 15 من سبتمبر سنة 1976 بإعادة أوراق الدعوى إلى النيابة العامة لاستيفاء التحقيق بندب قسم أبحاث التزييف والتزوير لإجراء مضاهاة خط المطعون ضده على السند المزور وسؤال الموظفين الموقعين عليه وتحقيق واقعة وفاة المورث........ وتاريخها، بيد أن مستشار الإحالة - وبهيئة مغايرة - أصدر أمره المطعون فيه رغم عدم تنفيذ هذا الاستيفاء، مما يتضمن مخالفة لقواعد الاختصاص القضائي المتعلقة بالنظام العام إذ لا يجوز لهيئة قضائية أن تلغي قراراً صادراً من هيئة أخرى إلا إذا كانت جهة طعن في القرار، وأنه لا يجوز إهدار قرار متعلق بإجراء من إجراءات الإثبات إلا بمسوغ يذكر في أسباب القرار الذي أهدره كما أن المضاهاة مسألة فنية بحتة لا يجوز لمستشار الإحالة أن يحل نفسه محل الخبير فيها وكذا مسألة سلامة الختم فلا يجوز أن يعتمد فيها على أقوال الشاهد....... أما بالنسبة لسؤال الموظفين الموقعين على السند المزور وتحقيق واقعة وفاة المورث وتاريخها فلا مشاحة من استيفاء ذلك حتى يصدر القرار بناء على الحزم واليقين. لا على الترجيح والتخمين.
هذا فضلاً عن أن الأمر المطعون فيه بعد أن قطع بقيام تزوير في الرقم 6 من تاريخ تحرير الورقة عاد مناقضاً نفسه حين ذهب إلى أن التحقيق لم يكشف عن معرفة الفاعل، وكان جدير به أن يمضي في التحقيق مستعيناً بأهل الخبرة. وأخيراً فقد نفى الأمر المطعون فيه عن المطعون ضده ارتكابه جريمة استعمال المحرر المزور بقالة تنازله عن التمسك به ولعدم ثبوت علمه بالتزوير لأيلولته إليه ضمن أوراق أخرى عن المورث، في حين أن التنازل عن التمسك بالمحرر كان يهدف عدم إطالة أمد النزاع وأنه ليس من الممتنع عقلاً أن يكون المحرر قد آل إليه سليماً ثم أجري التزوير فيه بمعرفة المطعون ضده وهو صاحب المصلحة في ذلك. كل ذلك مما يعيب الأمر المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن مستشار الإحالة أمر بجلسة 15 من سبتمبر سنة 1976 بناء على طلب الطاعنة بإعادة الأوراق إلى النيابة العامة لندب قسم أبحاث التزييف والتزوير لإجراء مضاهاة خط المطعون ضده على المستند المزور وسؤال الموظفين الموقعين عليه وتحقيق واقعة وفاة المورث........ وتاريخها، ولم ينفذ هذا الإجراء، ثم نظرت القضية بعد ذلك بجلسة 17 من مايو سنة 1977 ولم تتمسك الطاعنة بوجوب تنفيذه وطلبت حجز الدعوى للقرار فأجيبت إلى طلبها وصدر الأمر المطعون فيه، ومن ثم لا وجه لما تنعاه الطاعنة على هذا الأمر بدعوى الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الأمر المذكور قد صدر من ذات الهيئة القضائية التي أصدرت الأمر السابق التحقيق على وجه معين وهي قضاء الإحالة ولم يخرج هذا الأمر عن كونه عدولاًًً من مستشار الإحالة من تنفيذ أمر سبق إصداره ممن يملكه، لما هو مقرر من أن القرار الذي يصدر في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، لمستشار الإحالة أن يعدل عنه دون أن يكون ملزماً ببيان هذا العدول، هذا فصلاً عن عدم تمسك الطاعنة بهذا الطلب في الجلسة الأخيرة أمام مستشار الإحالة بما يعد تنازلاً ضمنياً عن التمسك به، ولا يؤثر في ذلك أنها قد عادت وتمسكت بهذا الطلب في المذكرة المصرح لها بتقديمها في فترة حجز الدعوى للقرار ذلك بأن مستشار الإحالة لا يلتزم بعد حجز القضية للقرار بإجابة طلب فتح باب المرافعة لتحقيق دفاع لم يطلب منه بالجلسة ولم ير هو من جانبه محلاً لإجرائه. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة في خصوص وجود نقص في بعض نقاط التحقيق فإنه - بفرض وجوده - لا يعدو أن يكون تعييباً لتحقيق النيابة وما دامت الطاعنة قد تنازلت ضمنياً عن طلبها في هذا الشأن وكان مستشار الإحالة لم ير من جانبه محلاً لإجراء تحقيق تكميلي اكتفاء بما هو معروض عليه وهو أمر من إطلاقاته موكول لتقديره وخاضع لسلطانه دون معقب فإنه لا يقبل من الطاعنة النعي على الأمر في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان الأمر المطعون فيه قد خلص إلى أن السند موضوع الدعوى قد وقع تزويره في تاريخ تحريره أما فيما عدا ذلك من بيانات واردة فيه وإمضاءات منسوبة إلى موقعه وبصمة خاتم شعار الجمهورية فهي صحيحة، وكان ما حصله الأمر في هذا الشأن له أصله الثابت بالأوراق، وكان الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات صحة الأوراق أو تزويرها طريقاً خاصاً، فإن إسناد الأمر إلى أقوال الشاهد.......... مراقب عام إيرادات حي غرب القاهرة في إثبات صحة بصمة خاتم شعار الجمهورية وتحديد البيان المزور من السند دون الاستعانة بقسم أبحاث التزييف والتزوير في هذا الشأن لا يعيب الأمر المطعون فيه، ومن ثم تنحسر عنه قالة الفساد في الاستدلال. لما كان ذلك، وكان الأمر المطعون فيه قد انتهى إلى وقوع تزوير في المحرر وعدم جدوى التحقيق للكشف عن فاعله وهو قول لا تناقض فيه، لما هو مقرر من أن التناقض الذي يعيب القرار هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين هو المقصود، ومن ثم يكون منعى الطاعنة في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ذلك، وكان الأمر الصادر من النيابة العامة المؤيد لأسبابه بالأمر المطعون فيه قد دلل على انتفاء القصد الجنائي لدى المطعون ضده في جريمتي استعمال المحرر المزور بقوله: "أن المتهم كان حسن النية في تقديمه المحرر غير عالم بتزويره ودليل ذلك أنه تنازل عن التمسك به بمجرد أن دفع بتزويره أمام المحكمة وكما أن حصوله على المستند ضمن العديد من المستندات التي آلت إليه بعد وفاة والد زوجته وتقديمه ضمن باقي المستندات إلى المحكمة والتي تعذر عليها اكتشاف تزويره وهي الخبير الأعلى تؤيد أقوال المتهم في أنه لم يكن عالماً بالتزوير ولم يتمكن من اكتشافه بالإضافة إلى انعدام مصلحته في إجراء مثل هذا التزوير". وكان توافر القصد الجنائي في الجريمة أو عدم توافره مما يدخل في نطاق السلطة التقديرية لمستشار الإحالة والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، ومن ثم يكون النعي في هذا الشأن غير سديد. لما كان ما تقدم، وكان الأمر المستأنف المؤيد بالأمر المطعون فيه قد أحاط بالدعوى وفحص أدلتها ووازن بينها عن بصر وبصيرة وخلص في تقدير سائغ - له سنده من الأوراق - إلى أن عناصر الاتهام يحيطها الشك والريبة وليست كافية لإحالة المطعون ضده للمحاكمة، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد ينحل في مجموعة إلى جدل في تقدير الدليل مما لا يجوز معاودة التصدي له أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعنة المصاريف المدنية.