أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 295

جلسة 19 من مارس سنة 1978

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينة، ويعيش محمد رشدي، ومحمد محمد وهبة، وأحمد طاهر خليل.

(56)
الطعن رقم 1323 لسنة 47 القضائية

(1 - 6) ضرب أفضى إلى الموت. إحالة. بطلان. إثبات. "شهادة". "خبرة". "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". قصد جنائي. سبق إصرار. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(1) قرار الإحالة. إجراء سابق على المحاكمة. الطعن ببطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول.
(2) خطأ الحكم في بيان تاريخ صدور قرار الإحالة. خطأ مادي لا يعيبه.
(3) كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني. تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
إثارة التعارض بين الدليل القولي والفني لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول. أساس ذلك.
(4) الإحالة في بيان أقوال شهود الإثبات إلى أقوال أحدهم. لا عيب. ما دامت تتفق في جملتها مع أقوال الأخير.
اختلاف أقوال شهود الإثبات في غير ما هو مؤثر فيما خلصت إليه المحكمة من عقيدة. لا عيب.
(5) توعد الطاعن المجني عليه بالإيذاء عند انصرافهما من السينما. وسبقه إياه في الانصراف منها وانتظاره له بالطريق العام واعتداؤه عليه فور مشاهدته له. كفايته تدليلاً على توافر ظرف سبق الإصرار في حقه.
(6) حق محكمة الموضوع في تجزئة اعتراف المتهم والأخذ بما تطمئن إليه منه دون غيره. لها الأخذ به ولو عدل عنه بعد ذلك. مثال.
1 - لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يثر شيئاً بشأن بطلان قرار الإحالة، وكان هذا القرار إجراء سابقاً على المحاكمة فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يدفع به أمام محكمة الموضوع.
2 - خطأ الحكم المطعون فيه في بيان تاريخ صدور قرار الإحالة لا يعدو أن يكون خطأ مادياً غير مؤثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي انتهى إليها ومن ثم يضحي هذا النعي غير سديد.
3 - لما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل أقوال شاهد الإثبات الأول بما مفاده وقوع مشادة بين الطاعن والمجني عليه هدد فيها الأول المجني عليه بالإيذاء بعد مغادرته السينما، وأنه أثناء سيره والمجني عليه وشاهد الإثبات الثاني....... بالطريق العام - بعد ذلك - شاهد الطاعن وآخر أمام أحد المحلات يتبعانهم وأخذاً يتشادان مع المجني عليه وأخرج الطاعن مطواة طعن بها المجني عليه في عنقه وإذ حاول الشاهد منعه من مواصلة الاعتداء على المجني عليه قام زميل الطاعن بطعنه هو الآخر بمطواة في يده اليسرى، وأضاف أنه علم بعد ذلك أن الطاعن طعن المجني عليه طعنه أخرى في جانبه، كما يبين من مدونات الحكم، ومن أقوال شاهد الإثبات الثاني..... في التحقيقات - على ما يبين من المفردات المضمومة - إنها تتفق في جملتها وأقوال شاهد الإثبات الأول، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية إصابة المجني عليه بجرحين قطعيين أحدهما بيسار مقدم العنق والآخر بيسار الصدر يجوز حدوثها من الطعن بجسم صلب حاد ذي حافة مدبب الطرف أياً كان نوعه كسكين أو مطواة وما شابه ذلك، وبجرح قطعي بمقدم يسار الصدر يحدث من سكين، ووفاته نتيجة إصاباته مجتمعة، وكان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم عن تلك الأدلة ومن أن لها معينها الصحيح من الأوراق، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من تقرير الصفة التشريحية فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس، وفضلاً عن ذلك فإن البين من محضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً بشأن قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني ومن ثم لا يسوغ إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ذلك لأنه دفاع موضوعي.
4 - لما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه إنه أحال في إيراد أقوال الشاهدين..... و....... إلى ما حصله من أقوال شاهد الإثبات.......، كما يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لما أثاره الطاعن بشأن الخطأ في الإسناد، أن أقوال شهود الإثبات ...... و....... و...... متفقة في جملتها وما حصله الحكم من أقوال أولهم ولم تختلف إلا في نفي الأخير منهم سماعه العبارة التي كان الطاعن يفاخر بها في إجرامه، لما كان ذلك وكانت إحالة الحكم في أقوال...... إلي أقوال الشاهد.... رغم الخلاف في تلك الجزئية غير مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها، وكانت أقوال شهود الإثبات التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع متفقة على وقوع تشاجر بين الطاعن والمجني عليه بدار السينما وعلى توعد الأول بإيذاء الثاني بعد مغادرة السينما، وعلى تربص الطاعن وصاحبه في الطريق الذي سلكه المجني عليه وزميلاه، وما أن شاهد الطاعن المجني عليه حتى تشاد معه وطعنه بمطواة في رقبته وفي جانبه فحدثت به الإصابات التي أودت بحياته، ومن ثم فلا يعيب الحكم ما شابه من خطأ في الإسناد في هذه الجزئية.
5 - لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن بقوله "وحيث إن ظرف سبق الإصرار قائم في حق المتهم مما سبق بيانه عند استعراض الواقعة وأقوال الشهود من أن المتهم أعلن داخل السينما أنه سيقوم بإيذاء المجني عليه وصحبه خارج السينما ثم سبقهم إلى الطريق العام وانتظرهم في مكان الحادث وانقضت مدة كافية للتروي والتصميم بهدوء على مقارفة الجريمة التي نفذها فعلاً بمجرد أن شاهد المجني عليه وفريقه لدي خروجهم من السينما......." وهو تدليل سائغ وكاف - فإن منعى الطاعن يضحي غير سديد.
6 - لما كان ما يثيره الطاعن بشأن كيفية تصويره لواقعة الدعوى ووقت ومكان حدوثها والآلة المستعملة في طعن المجني عليه قد عرض له الحكم المطعون فيه ورد عليه بقوله "وحيث إن المحكمة لا تعول على ما قاله المتهم في التحقيقات من أن طعنه للمجني عليه حدث في الساعة الثامنة والنصف مساء على سلم السينما كما لا تعول على ما قاله في تلك التحقيقات من أن الطعن حدث بسكين المعجون بعد أن ثبت من أقوال الشهود والتقرير الطبي الشرعي من أنه حدث بمطواة وترى المحكمة أن المتهم إنما عمد إلى التضليل بهذا الاعتراف الكاذب في هاتين الجزئيتين وتأخذ بباقي اعترافه رغم عدوله عنه بالجلسة من أنه طعن المجني عليه في جسده لما لها من تجزئة الاعتراف والأخذ ببعضه دون البعض الآخر ولأن هذه الجزئية الأخيرة من الاعتراف تأيدت بأقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية". لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، كما هي الحال في الدعوى الماثلة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً في شأن تصوير وقوع الحادث مما يكفي في الرد عليه ما أوردته المحكمة تدليلاً على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها واستقرت في وجدانها. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وأن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وتجزئة الدليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أخذ به الحكم من الاعتراف له أصله من الأوراق، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً في دفاعه بشأن تحديد شخصية المجني عليه كما قصدها في اعترافه، وكان ما أخذ به الحكم من اعتراف الطاعن يتفق وأقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن بشأن من كان يقصده باعترافه، ومن عدوله عن هذا الاعتراف بجلسة المحاكمة إنما ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن منعاه في هذا الخصوص يكون علي غير أساس. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون حقيقاً بالرفض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحدث عمداً مع سبق الإصرار........ الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موت المجني عليه وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 236/ 1 - 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار قد شابه البطلان والفساد في الاستدلال كما انطوى على مخالفة الثابت في الأوراق والقصور في التسبيب، ذلك بأن قرار مستشار الإحالة بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات قد خلا من تاريخ إصداره والهيئة التي أصدرته واسم المتهم ووصف التهمة ومن بيان واقعة الدعوى وأسماء الشهود ومجمل شهادتهم، كما خلت محاضر جلسات مستشار الإحالة من اسم المتهم ووصف التهمة ورقم الدعوى، بما يعدم قرار الإحالة ويبطل الإجراءات المبينة عليه، كما أخطأ الحكم المطعون فيه في إثبات تاريخ صدور قرار الإحالة بأن أثبت صدوره في 11 من نوفمبر سنة 1974 وواقع الحال أنه صدر في 15 من ديسمبر سنة 1974 هذا وقد استند الحكم فيما استند إليه - في إدانته على أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية رغم تناقض أقوال الشهود الإثبات فيها بينها، وتعارضها مع تقرير الصفة التشريحية ذلك أن مفاد أقوال الشاهدين الأول والثاني من شهود الإثبات إن الطاعن طعن المجني عليه بمطواة طعنة واحدة في رقبته، ومؤدى أقوال الشاهد الثالث قيام الطاعن بإحداث إصابتين طعنيتين برقبة المجني عليه وبجانبه في حين أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية وجود ثلاث إصابات قطعية وطعنية بجسم المجني عليه، ولم يعن الحكم برفع هذا التعارض بين الدليل القولي والدليل الفني، كما عول الحكم في إدانته على استعراف الشاهدين الأول والثاني على الطاعن في عملية العرض التي أجرتها النيابة العامة في حين سبق لهذين الشاهدين رؤيته قبل إجراء العرض، وفضلاً عن ذلك فقد أورد الحكم - على خلاف الثابت في الأوراق - أن شاهدي الإثبات...... و....... شهداً بتربص الطاعن وصاحبه للمجني عليه وزملائه في الطريق العام أمام دار سينما وكان الطاعن يصيح مزهوا باسم الشهرة المعروف به، في حين أن الثابت من أقوال....... في التحقيقات أن الطاعن كان بمفرده داخل السينما وحين اعتدائه على المجني عليه بالطريق عقب مغادرته السينما، وأنه بعد وقوع الاعتداء عليه قدم شخص آخر حاملاً عصا غليظة وطلب إلى الطاعن التعجيل بمغادرة محل الحادث، كما نفي الشاهد سماعة العبارة المنسوب إلى الطاعن أنه كان يفاخر بها، إلى جانب ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يدلل تدليلاً كافياً على توافر ظرف سبق الإصرار وأطرح بلا مسوغ دفاع الطاعن القائم على أن المجني عليه وزملاءه طلبوا إليه إخلاء مقعده بالسينما وإذ رفض ذلك تشاجر أحدهم معه وحاول الاعتداء عليه بمطواة فعاجله بضربة في يده بسكين يستعملها في عمله كنقاش، وحينئذ أخرجهم عمال السينما حتى السلم الخارجي في حوالي الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم، غير أن من كان يتشاجر معه عاد يتحرش به وكان زملاؤه حامين مطاوي، فطعن المتشاجر معه بالسكين في مقدم جسمه، كما أسند الحكم إلى الطاعن أن حدث إصابة المجني عليه في الساعة 11 مساء بالطريق العام معولاً في ذلك على اعترافه في حين أن الاعتراف كان منصباً على إحداث إصابة بالتشاجر معه ودون أن يحدد ما إذا كان المجني عليه المتوفى أم....... الذي كان يرافقه وأصيب في ذراعه من سكين إلى جانب كل ذلك فإنه فضلاً عن أن اعترافه لا يطابق أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية، فإنه قد عول عنه بجلسة المحاكمة بما ينهار معه الدليل المسند منه، وإن كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن مشاجرة وقعت داخل إحدى دور السينما بين الطاعن واحد الحراس لقفز الأول السور الفاصل بين الدرجة الثالثة التي تخولها له تذكرته وبين الصالة التي قفز إليها ولما طلب المجني عليه - وكان من بين الجالسين بالصالة - إليه التزام الهدوء حتى يمكنه متابعة الفيلم المعروض ثار وتعدى عليه بالسب وهدده ومن معه بالإيذاء بعد انتهاء العرض، ولما انتهى عرض الفيلم تريث المجني عليه وصاحباه وغادروا السينما بعد خروج من كان بداخلها وأثناء سيرهم بالطريق العام لاحظوا أن الطاعن وآخر يتبعانهم ثم أمرهم الطاعن بالتوقف وإذ انصاعوا لأمره تشاجر معهم متفاخراً بسبق الحكم عليه بالحبس سنتين في جريمة إحداث عاهة مستديمة قام بتنفيذه، ودفع المجني عليه بيده وطعنه بمطواة (قرن الغزال) وفي عنقه في جانبه وإذ حاول....... منعه من مواصلة اعتدائه طعنه بالمطواة في يده اليسرى، ثم توفى المجني عليه إثر وصوله إلى المستشفي وأورد الحكم الأدلة على ثبوتها في حق الطاعن من أقوال شهود الإثبات ومن اعترافه في التحقيقات ومن تقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يثر شيئاً بشأن بطلان قرار الإحالة، وكان هذا القرار إجراء سابقاً على المحاكمة فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة أمر بطلانه لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يدفع به أمام محكمة الموضوع، أما ما يثيره الطاعن بشأن خطأ الحكم المطعون فيه في بيان تاريخ صدور قرار الإحالة فإنه لا يعدو أن يكون خطأ مادياً غير مؤثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم يضحي هذا النعي غير سديد. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل أقوال شاهد الإثبات الأول....... بما مفاده وقوع مشادة بين الطاعن والمجني عليه هدد فيها الأول المجني عليه بالإيذاء بعد مغادرته السينما، وأنه أثناء سيره والمجني عليه وشاهد الإثبات الثاني....... بالطريق العام - بعد ذلك - شاهد الطاعن وآخر أمام أحد المحلات يتبعانهم وأخذا يتشادان مع المجني عليه وأخرج الطاعن مطواة طعن بها المجني عليه في عنقه وإذ حاول الشاهد منعه من مواصلة الاعتداء على المجني عليه قام زميل الطاعن بطعنه هو الآخر بمطواة في يده اليسرى، وأضاف أنه علم بعد ذلك أن الطاعن طعن المجني عليه طعنه أخرى في جانبه، كما يبين من مدونات الحكم، ومن أقوال شاهد الإثبات الثاني..... في التحقيقات - على ما يبين من المفردات المضمومة - إنها تتفق في جملتها وأقوال شاهد الإثبات الأول، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية إصابة المجني عليه بجرحين قطعيين أحدهما بيسار مقدم العنق والآخر بيسار الصدر يجوز حدوثها من الطعن بجسم صلب حاد ذي حافة مدبب الطرف أياً كان نوعه كسكين أو مطواة وما شابه ذلك، وبجرح قطعي بمقدم يسار الصدر يحدث من سكين، ووفاته نتيجة إصاباته مجتمعة، وكان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم عن تلك الأدلة ومن أن لها معينها الصحيح من الأوراق، لما كان ذلك وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من تقرير الصفة التشريحية فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس، وفضلاً عن ذلك فإن البين من محضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً بشأن قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني ومن ثم لا يسوغ إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ذلك لأنه دفاع موضوعي ولا يقبل منه النعي على المحكمة بإغفال الرد عليه ما دام أنه لم يتمسك به أمامها لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعن على نتيجة عملية عرض الطاعن بين آخرين وما أسفرت عنه من استعراف شاهدي الإثبات الأول والثاني عليه، فإن منعاه في هذا الشأن يكون على غير أساس، لما كان ذلك وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أحال في إيراد أقوال الشاهدين..... و...... إلى ما حصله من أقوال شاهد الإثبات....، كما يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لما أثاره الطاعن بشأن الخطأ في الإسناد، أن أقوال شهود الإثبات ...... و...... و....... متفقة في جملتها وما حصله الحكم من أقوال أولهم ولم تختلف إلا في نفي الأخير منهم سماعه العبارة التي كان الطاعن يفاخر بها في أجرامه، لما كان ذلك وكانت إحالة الحكم في أقوال....... إلي أقوال الشاهد...... رغم الخلاف في تلك الجزئية غير مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها، وكانت أقوال شهود الإثبات التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع متفقة على وقوع تشاجر بين الطاعن والمجني عليه بدار السينما وعلى توعد الأول بإيذاء الثاني بعد مغادرة السينما، وعلى تربص الطاعن وصاحبه في الطريق الذي سلكه المجني عليه وزميلاه، وما أن شاهد الطاعن المجني عليه حتى تشاد معه وطعنه بمطواة في رقبته وفي جانبه فحدثت به الإصابات التي أودت بحياته، ومن ثم فلا يعيب الحكم ما شابه من خطأ في الإسناد في هذه الجزئية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن بقوله "وحيث إن ظرف سبق الإصرار قائم في حق المتهم مما سبق بيانه عند استعراض الواقعة وأقوال الشهود من أن المتهم أعلن داخل السينما أنه سيقوم بإيذاء المجني عليه وصحبه خارج السينما ثم سبقهم إلى الطريق العام وانتظرهم في مكان الحادث وانقضت مدة كافية للتروي والتصميم بهدوء على مقارفة الجريمة التي نفذها فعلاً بمجرد أن شاهد المجني عليه وفريقه لدى خروجهم من السينما....." وهو تدليل سائغ وكاف - فإن منعى الطاعن يضحي غير سديد. أما ما يثيره الطاعن بشأن كيفية تصويره لواقعة الدعوى ووقت ومكان حدوثها والآلة المستعملة في طعن المجني عليه فقد عرض له الحكم المطعون فيه ورد عليه بقوله: "وحيث إن المحكمة لا تعول على ما قاله المتهم في التحقيقات من أن طعنه للمجني عليه حدث في الساعة الثامنة والنصف مساء على سلم السينما كما لا تعول على ما قاله في تلك التحقيقات من أن الطعن حدث بسكين المعجون بعد أن ثبت من أقوال الشهود والتقرير الطبي الشرعي من أنه حدث بمطواة وترى المحكمة أن المتهم إنما عمد إلى التضليل بهذا الاعتراف الكاذب في هاتين الجزئيتين وتأخذ بباقي اعترافه رغم عدوله عنه بالجلسة من أنه طعن المجني عليه في جسده لما لها من تجزئة الاعتراف والأخذ ببعضه دون البعض الآخر ولأن هذه الجزئية الأخيرة من الاعتراف تأيدت بأقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية". لما كان ذلك، و كان من حق محكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، كما هي الحال في الدعوى الماثلة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً في شأن تصوير وقوع الحادث مما يكفي في الرد عليه ما أوردته المحكمة تدليلاً على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها واستقرت في وجدانها، لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وأن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وتجزئة الدليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أخذ به الحكم من الاعتراف له أصله من الأوراق، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً في دفاعه بشأن تحديد شخصية المجني عليه كما قصدها في اعترافه، وكان ما أخذ به الحكم من اعتراف الطاعن يتفق وأقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن بشأن من كان يقصده باعترافه، ومن عدوله عن هذا الاعتراف بجلسة المحاكمة إنما ينحل إلى جدل موضوعي لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن منعاه في هذا الخصوص يكون علي غير أساس. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون حقيقاً بالرفض.