أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 42 - صـ 104

جلسة 17 من يناير سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور عادل قوره وحسن عميره، ومحمد زايد نواب رئيس المحكمة ومحمد طلعت الرفاعي.

(14)
الطعن رقم 61333 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
حسب المحكمة أن تورد من أقوال الشهود ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
اختلاف الشهود في بعض التفصيلات. لا يعيب الحكم ما دام قد حصل أقوالهم بما لا خلاف فيه ولم يورد هذه التفصيلات ولم يستند إليها في تكوين عقيدته.
(2) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إيراد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني غير لازم ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع.
المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة.
(3) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عليه استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ لاستظهار نية القتل في حق الطاعن.
(4) سبق إصرار. ظروف مشددة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
البحث في توافر ظرف سبق الإصرار. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن.
(5) محكمة الموضوع "حقها في تعديل وصف التهمة". نيابة عامة. وصف التهمة. قتل عمد. ظروف مشددة. ترصد. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "المصلحة في الطعن".
عدم تقيد المحكمة بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم. حقها في تعديله متى رأت أن ترد الواقعة إلى الوصف القانوني السليم.
اقتصار التعديل على استبعاد ظرف الترصد باعتباره ظرفاً مشدداً للعقوبة. لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم في هذا الشأن. على ذلك؟
(6) سبق إصرار. مسئولية جنائية. قتل عمد. فاعل أصلي. تضامن. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
توافر سبق الإصرار في حق الطاعن يرتب تضامناً بينه وبين المحكوم عليه الآخر في المسئولية الجنائية. كل منهما مسئول عن جريمة القتل العمد التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً للمادة 39 عقوبات سواء كان محدث الإصابة التي أدت إلى الوفاة معلوماً ومعيناً من بينهما أو غير معلوم.
(7) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة عدم الرد على دفاع لم يتمسك به أمامها. غير مقبول. عدم التزام المحكمة بالرد على الدفاع الموضوعي.
مثال:
(8) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى أخذاً بأدلة الثبوت التي اطمأنت إليها.
(9) محكمة الإعادة. محكمة الجنايات "الإجراءات أمامها" "إعادة المحاكمة". إجراءات "إجراءات المحاكمة".
إعادة المحاكمة طبقاً لنص المادة 395 إجراءات. محاكمة مبتدأة. أثر ذلك: لمحكمة الإعادة الفصل في الدعوى بكامل حريتها غير مقيدة بشيء مما جاء بالحكم الغيابي أو بالوصف القانوني الذي يسبغه الحكم الغيابي على الفعل المسند إلى المتهم.
1 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود وإن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت بها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. ولما كان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهدين..... و..... متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة الجوهرية المشهود عليها وهي مشاهدتهما للطاعن وشقيقه - سبق الحكم عليه - يخرجان عليهم أثناء عودتهما والمجني عليه من مركز الشرطة عقب فشل إتمام الصلح بين والد الطاعن وعمهما - المجني عليه - واعتدائهما على الأخير كل منهما بمدية يحملها ولا يؤثر في سلامة الحكم - على فرض صحة ما يقرره الطاعن اختلاف أقوالهما في غير ذلك إذ أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال ثانيهما إلى ما حصله من أقوال أولهما أنه لم يستند في قضائه إلى ما اختلفا فيه من أقوال طالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا تناقضاً في حكمها ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم اختلاف الشهود.
في تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا خلاف فيه ولم يورد هذه التفصيلات ولم يستند إليها في تكوين عقيدته إذ أن عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات يفيد إطراحها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قالة الفساد في الاستدلال بدعوى أخذه بأقوال شاهدين اختلف أقوالهما في شأن الحديث الذي دار بينهما وبين المتهمين وموضع الإصابة ومستوى كل من المتهم والمجني عليه إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - لما كان مفاد أقوال الشهود أن الطاعن وشقيقه اعتديا على المجني عليه بمديتين وأحدثا إصاباته، وقد نقل عن التقرير الطبي الشرعي أن المجني عليه أصيب بثلاث جروح حيوية حديثة أولها بمقدم البطن وغير نافذ بتجويف البطن وثانيها بيسار مقدم البطن وثالثهما بأسفل مقدم البطن وأن الجرحين الأخيرين نافذين بتجويف البطن وأن الوفاة نتجت عنهما فقط وإنها جميعاً تحدث من المصادمة بآلة صلبة ذات حافة حادة كمطواة أو ما يشابهها، ولما كان الطاعن لا يجادل في صحة ما حصله الحكم من الأدلة التي أقام عليها قضاءه وكانت أقوال الشهود كما أوردها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الطبي الشرعي الذي أثبت إمكان حدوث إصابات المجني عليه من المصادمة بمدية - "مطواة" - مما ينتفي معه دعوى قيام التناقض بين الأدلة التي أخذ بها الحكم، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني ما دام أن ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع، إذ أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. 3 - لما كان الحكم قد استظهر نية القتل في قوله "فإن نية القتل ثابتة في حق المتهم من احتدام النزاع بين والده وعمه المجني عليه بسبب الخلاف على الميراث وثابت ذلك من المحاضر المحررة بينهما وما شهد به شهود الإثبات وعدم إتمام الصلح يوم الحادث مما أثار حفيظته وجعله ينتوي إزهاق روح عمه المجني عليه والتخلص منه انتقاماً منه وحتى يضع نهاية لهذا الخلاف بينهما ومن إحضاره الآلة المستعملة في الحادث وطعنه المجني عليه في مواضع قاتلة بجسمه عدة ضربات متتالية قاصداً إزهاق روحه والتخلص منه مما نجم عنه وفاته - وهو ما يقطع في ثبوت نية القتل في حقه" وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
4 - من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافى عقلاً مع ذلك الاستنتاج وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظروف سبق الإصرار بما ينتجه من وجود النزاع السابق بين المجني عليه وبين والد الطاعن على الميراث - وتبييته النية على الإيقاع به عقب خروجه من مركز الشرطة بعد فشل محاولات الصلح التي أجريت وإعداده آلة حادة "مطواة" للاعتداء عليه فإن ما ساقه من تلك الشواهد يصلح لإقامة قضائه بتوافر هذا الظرف كما هو معرف في القانون ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير سديد.
5 - الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه عليها، كما أن مرد التعديل الذي أجرته المحكمة هو عدم قيام الدليل على توافر ظرف الترصد واستبعاده باعتباره ظرفاً مشدداً للعقوبة، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن في الطعن على الحكم في هذا الشأن، إذ لم يضار بهذا التعديل، وإنما قد انتفع منه بمحاكمته عن وصف أخف من الوصف الذي رفعت به الدعوى.
6 - لما كان الحكم قد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن، مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينه وبين شقيقه - المحكوم عليه الآخر في محاكمة سابقة - في المسئولية الجنائية فإن كلاً منهما يكون مسئولاً عن جريمة القتل العمد التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات يستوي في هذا أن يكون محدث الإصابة التي أدت إلى الوفاة معلوماً ومعيناً من بينهما أو غير معلوم فإن ما ينازع فيه الطاعن من شيوع التهمة بينه وبين شقيقه وإغفال الحكم الرد على دفاعه في هذا الشأن لا يكون له محل.
7 - لما كان المدافع عن الطاعن لم ينازع في وقت وقوع الحادث وإنما جاء حديثه عن وجود المحكوم عليه الآخر بديوان الشرطة في صدد الاستدلال على عدم ارتكابهما للجريمة، ومن ثم فلا يحق له أن ينعى على المحكمة عدم ردها على دفاع لم يتمسك به، فضلاً عن إنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بالرد عليه.
8 - لما كان ما يثيره الطاعن من منازعة في شأن التكييف القانوني للواقعة، وأنها في حقيقتها ضرب أفضى إلى موت حسبما انتهى إليه الحكم الغيابي الذي صدر ضده وعاقبه بالسجن ثلاث سنوات، فإن ذلك مردود من وجهين أولهما أنه لا محل له لأنه لا يعدو أن يكون نعياً وارداً على سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى أخذاً بأدلة الثبوت التي وثقت بها واطمأنت إليها مما تستقل به بغير معقب ما دام قضائها في ذلك سليم - كما هو الحال في الدعوى.
9 - من المقرر أن إعادة المحاكمة طبقاً لنص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية هي بحكم - القانون محاكمة مبتدأة - وبالتالي فإنه - وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - يكون لمحكمة الإعادة أن تفصل في الدعوى بكامل حريتها غير مقيدة بشيء مما جاء بالحكم الغيابي، ولها أن لا تتقيد بالوصف القانوني الذي يسبغه الحكم الغيابي على الفعل المسند إلى المتهم ولها أن تشدد العقوبة أو تخفضها وحكمها في كل الحالات صحيح قانوناً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين لذلك رفضه موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه وآخر سبق الحكم عليه أولاً: قتلا.... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن عقدا العزم على قتله وأعد كل منهما لذلك مطواة وتربصاً له في طريق عودته إلى منزله وما أن ظفرا به حتى انهالا عليه طعناً قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: أحرز كل منهما بغير ترخيص سلاحاً من الأسلحة البيضاء "مطواة" وأحالته إلى محكمة جنايات بني سويف لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت أرملة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على القاصرة...... مدنياً قبل المتهم والآخر متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضورياً عملاً بالمادتين 230، 231 من قانون العقوبات والمادتين 1/ 1، 25 مكرراً من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 165 لسنة 1981 والجدول رقم 1 المرفق بالقانون الأخير مع تطبيق المادتين 32/ 2، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما نسب إليه وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية عن نفسه
وبصفتها مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار وإحراز سلاح أبيض بغير ترخيص قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وانطوى على الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه استند من بين ما استند إليه إلى شهادة الشاهدين الثاني والثالث وأحال في بيان شهادة الأخير إلى مضمون ما شهد به الأول رغم اختلاف شهادتهما في شأن الحديث الذي دار بينهما وبين الطاعن وفي موضع الإصابة ومستوى الضارب والمجني عليه، كما أنه اعتمد على الدليلين القولي والفني رغم تعارضهما ولم يعرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن، هذا وقد دلل الحكم على ثبوت نية القتل وتوافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن بما لا يسوغه واستبعد من وصف الاتهام ظرف الترصد، كذلك خلا الحكم من الرد على دفاعه القائم على شيوع التهمة بينه وبين شقيقه المحكوم عليه الآخر لخلو أقوال الشهود من تحديد محدث الإصابات التي أدت إلى وفاة المجني عليه يضاف إلى ذلك أنه رد بما لا يسوغ على ما أثاره الطاعن من أنه وقت ارتكاب الحادث كان خارج البلاد وقد تأيد ذلك بشهادة رسمية، ولم يعن بالرد على منازعته في وقت وقوع الحادث بدلالة ما قرره مساعد الشرطة من أن شقيقه المحكوم عليه الآخر كان في ذلك الوقت في مبنى الشرطة وأخيراً فإن الواقعة في حقيقتها جناية ضرب أفضى إلى الموت حسبما انتهى إليه الحكم الغيابي الصادر ضد الطاعن والذي عاقبه بالسجن لمدة ثلاث سنوات مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن التقرير الطبي الشرعي وإفادة مصلحة وثائق السفر والهجرة وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود وإن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت بها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. ولما كان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهدين..... و..... متفقة في جملتها مع ما استند إليه الحكم منها في الواقعة الجوهرية المشهود عليها وهي مشاهدتهما للطاعن وشقيقه - سبق الحكم عليه - يخرجان عليهم أثناء عودتهما والمجني عليه من مركز الشرطة عقب فشل إتمام الصلح بين والد الطاعن وعمهما - المجني عليه - واعتدائهما على الأخير كل منهما بمدية يحملها ولا يؤثر في سلامة الحكم - على فرض صحة ما قرره الطاعن اختلاف أقوالهما في غير ذلك إذ أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال ثانيهما إلى ما حصله من أقوال أولهما أنه لم يستند في قضائه إلى ما اختلفا فيه من أقوال طالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا تناقضاً في حكمها ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم اختلاف الشهود في تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا خلاف فيه ولم يورد هذه التفصيلات ولم يستند إليها في تكوين عقيدته إذ أن عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات يفيد إطراحها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من قالة الفساد في الاستدلال بدعوى أخذه بأقوال شاهدين اختلفت أقوالهما في شأن الحديث الذي دار بينهما وبين المتهمين وموضع الإصابة ومستوى كل من المتهم والمجني عليه إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان مفاد أقوال الشهود أن الطاعن وشقيقه اعتديا على المجني عليه بمديتين وأحدثا إصاباته، وقد نقل عن التقرير الطبي الشرعي أن المجني عليه أصيب بثلاث جروح حيوية حديثة أولها بمقدم البطن وغير نافذ بتجويف البطن وثانيها بيسار مقدم البطن وثالثهما بأسفل مقدم البطن وأن الجرحين الأخيرين نافذين بتجويف البطن وأن الوفاة نتجت عنهما فقط وإنها جميعاً تحدث من المصادمة بآلة صلبة ذات حافة حادة كمطواة أو ما يشابهها، ولما كان الطاعن لا يجادل في صحة ما حصله الحكم في الأدلة التي أقام عليها قضاءه وكانت أقوال الشهود كما أوردها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الطبي الشرعي الذي أثبت إمكان حدوث إصابات المجني عليه من المصادمة بمدية - "مطواة" - مما ينتفي معه دعوى قيام التناقض بين الأدلة التي أخذ بها الحكم، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني ما دام أن ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع، إذ أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في قوله "فإن نية القتل ثابتة في حق المتهم من احتدام النزاع بين والده وعمه المجني عليه بسبب الخلاف على الميراث وثابت ذلك من المحاضر المحررة بينهما وما شهد به شهود الإثبات وعدم إتمام الصلح يوم الحادث مما أثار حفيظته وجعله ينتوي إزهاق روح عمه المجني عليه والتخلص منه انتقاماً منه وحتى يضع نهاية لهذا الخلاف بينهما ومن إحضاره الآلة المستعملة في الحادث وطعنه المجني عليه في مواضع قاتلة بجسمه عدة ضربات متتالية قاصداً إزهاق روحه والتخلص منه مما نجم عنه وفاته - وهو ما يقطع في ثبوت نية القتل في حقه"، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون لما كان ذلك، وكان من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافى عقلاً مع ذلك الاستنتاج وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار بما ينتجه من وجود النزاع السابق بين المجني عليه وبين والد الطاعن على الميراث - وتبييته النية على الإيقاع به عقب خروجه من مركز الشرطة بعد فشل محاولات الصلح التي أجريت وإعداده آلة حادة "مطواة" للاعتداء عليه فإن ما ساقه من تلك الشواهد يصلح لإقامة قضائه بتوافر هذا الظرف كما هو معرف في القانون ويكون النعي عليه في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه عليها، كما أن مرد التعديل الذي أجرته المحكمة هو، عدم قيام الدليل على توافر ظرف الترصد واستبعاده باعتباره ظرفاً مشدداً للعقوبة، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن في الطعن على الحكم في هذا الشأن، إذ لم يضار بهذا التعديل، وإنما قد انتفع منه بمحاكمته عن وصف أخف من الوصف الذي رفعت به الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن، مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينه وبين شقيقه - المحكوم عليه الآخر في محاكمة سابقة - في المسئولية الجنائية فإن كلاً منهما يكون مسئولاً عن جريمة القتل العمد التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات يستوي في هذا أن يكون محدث الإصابة التي أدت إلى الوفاة معلوماً ومعيناً من بينهما أو غير معلوم فإن ما ينازع فيه الطاعن من شيوع التهمة بينه وبين شقيقه وإغفال الحكم الرد على دفاعه في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان المدافع عن الطاعن لم ينازع في وقت وقوع الحادث وإنما جاء حديثه عن وجود المحكوم عليه الآخر بديوان الشرطة في صدد الاستدلال على عدم ارتكابهما للجريمة، ومن ثم فلا يحق له أن ينعى على المحكمة عدم ردها على دفاع لم يتمسك به، فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بالرد عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد فنَّد دفاع الطاعن القائم على وجوده خارج البلاد وقت ارتكاب الحادث وأطرحه بقوله "فمردود بما قرره الشاهدان..... و..... من أنهما شاهداه يعتدي على المجني عليه بمطواة وقت الحادث، كما أن إفادة مصلحة وثائق السفر والهجرة قد دحضت كذبه في هذا الشأن بعد أن أوضح لها أن المتهم لم يغادر البلاد من 18/ 12/ 1984 وحتى شهر ديسمبر سنة 1985 وهو رد سائغ مجزئ في الرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن - لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من منازعة في شأن التكييف القانوني للواقعة، وإنها في حقيقتها ضرب أفضى إلى موت حسبما انتهى إليه الحكم الغيابي الذي صدر ضده وعاقبه بالسجن ثلاث سنوات، فإن ذلك مردود من وجهين أولهما أنه لا محل له لأنه لا يعدو أن يكون نعياً وارداً على سلطة محكمة الموضوع استخلاص الصورة الحقيقية لواقعة الدعوى أخذاً بأدلة الثبوت التي وثقت بها واطمأنت إليها مما تستقل به بغير معقب ما دام قضائها في ذلك سليم - كما هو الحال في الدعوى - وثانيهما إنه من المقرر أن إعادة المحاكمة طبقاً لنص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية هي بحكم - القانون محاكمة مبتدأة - وبالتالي فإنه - وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - يكون لمحكمة الإعادة أن تفصل في الدعوى بكامل حريتها غير مقيدة بشيء مما جاء بالحكم الغيابي، ولها أن لا تتقيد بالوصف القانوني الذي يسبغه الحكم الغيابي على الفعل المسند إلى المتهم ولها أن تشدد العقوبة أو تخفضها وحكمها في كل الحالات صحيح قانوناً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين لذلك رفضه موضوعاً.