أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 381

جلسة 9 من إبريل سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد علي موسى، وأحمد طاهر خليل.

(73)
الطعن رقم 12 لسنة 48 القضائية

(1 - 4) ضرب أفضى إلى موت. حكم "بياناته. بيانات الديباجة".
دعوى مدنية. "المصلحة والصفة فيها". محكمة الجنايات. "الإجراءات أمامها". إثبات. "خبرة". "رد الخبير". نقض. "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
(1) إيراد الحكم. خطأ. في ديباجته أن الدعوى نظرت يوم صدوره. على خلاف الثابت من نظرها في جلسات عديدة سابقة. خطأ مادي لا يعيبه.
(2) المنازعة في صفة أو مصلحة المدعيين بالحق المدني لأول مرة أمام النقض. غير مقبولة.
(3) استعمال محكمة الجنايات حقها في حبس المتهم احتياطياً طبقاً للمادة 380 إجراءات. لا ينال من سلامة إجراءات المحاكمة.
(4) تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بينها. موضوعي.
التمسك أمام محكمة النقض. بتحيز الخبير المنتدب. دون اتخاذ إجراءات رده أمام محكمة الموضوع. غير مقبول.
1 - لما كان ما ورد بديباجة الحكم عن سماع الدعوى يوم صدوره لا يعدو أن يكون خطأ مادياً بحتاً من كاتب الجلسة لا يؤثر في سلامة الحكم إذ أنه لا يغير من حقيقة الواقع عن سماع الدعوى في جلسات عديدة سابقة حسب الثابت بمحاضر الجلسات والتي أحال الحكم إليها في بيان تفاصيل ما دار بها ولا ينم البتة عن عدم استيعاب المحكمة لعناصر الدعوى وأوجه الدفاع بما يضحي معه هذا الوجه من الطعن في غير محله.
2 - لما كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعن لم ينازع المدعين بالحق المدني في صفتهم أو مصلحتهم في دعواهم فإنه لا يقبل منه أن ينازع في ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لما يقتضيه من إجراء تحقيق تنأي عنه وظيفتها.
3 - من المقرر قانوناً طبقاً للمادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمحكمة الجنايات في جميع الأحوال أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً، ومن ثم فإنه لا ينال من سلامة إجراءات المحاكمة أن تستعمل المحكمة حقها بحبس المتهم في أي مرحلة من مراحل الدعوى.
4 - لما كان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنته التقارير الطبية الشرعية وتقرير الخبير المنتدب فيها الدكتور...... متفقاً مع ما شهد به واضعوها أمامها عن قدرة المجني عليه على السير والكلام بعد إصابته وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلبه استدعاء الطبيب الاستشاري لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها - بعد ما أجرته من تحقيق المسألة الفنية في الدعوى - حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعن في هذا الشأن بقوله: "أما عن طلب الدفاع مناقشة الطبيب الذي وضع التقرير الاستشاري فلا ترى المحكمة موجباً له بعد كل ما تقدم وترى أن ذلك الطلب غير منتج في الدعوى ويهدف إلى التسويف" وكان هذا الرد كافياً وسائغاً في رفض طلب المناقشة فإن منعى الطاعنة في هذا الصدد، يكون غير سليم ولا يغير من ذلك ما ساقه الطاعن في أسباب طعنه من مطاعن للنيل من تقرير...... الخبير المنتدب من المحكمة وشهادته أمامها إذ لو ارتأى الطاعن جديتها لاتخذ الإجراءات التي رسمها القانون لرده أمام محكمة الموضوع، أما وهو لم يفعل فإنه لا يجوز إثارتها أمام محكمة النقض، فضلاً عن أن هذه المطاعن لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل المستمد من تقرير الخبير وشهادته مما لا يقبل التصدي له أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب........ عمداً بأن طعنه بآلة حادة (مطواة) فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. فقرر ذلك. وادعى ورثة المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنين وألزمه بأن يؤدي للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت أسباب الطعن موقعاً عليها من محاميه.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه قصور في التسبيب وبطلان في الإجراءات وانطوى على إخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال فضلاً عن الخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون، ذلك أن المحكمة لم تستوعب الواقعة إذ أوردت أن الدعوى سمعت في اليوم الذي صدر فيه الحكم رغم أنها نظرتها بجلسات عديدة سابقة مما ينم عن أنها لم تنم بأوجه الدفاع، كما أجابت المدعين بالحق المدني إلى طلباتهم دون أن تتحقق من حقهم ومصلحتهم في الدعوى، وقد أمرت المحكمة بالقبض على الطاعن وحبسه قبل المرافعة والمداولة مما ينبئ عن أنها كونت عقيدتها بالإدانة قبل المداولة في الحكم ما كان له أثره في رفض طلبات الدفاع الجوهرية، وقد عول الحكم على أقوال الشهود المتضاربة التي تتعارض مع الدليل الفني المستمد من التقارير الطبية، كما استندت المحكمة من بين ما استندت إلى تقرير شهادة الدكتور....... مع عدم حيدته إذ تحيز ضد الطاعن نفياً لمظنة مجاملته بعد اتصاله ووالديه به في مسكنه كما أنها أطرحت التقرير الاستشاري المقدم من الطاعن دون مناقشة واضعه ورفضت طلب الدفاع في هذا الشأن وردت عليه بما لا يصلح رداً، هذا إلى أن الحكم قد اسند إلى الشاهد....... القول بأنه شاهد الطاعن يطعن المجني عليه بمطواة مع أنه لم يذكر ذلك بمحضر الجلسة - وأخيراً فإن رد الحكم على دفع الطاعن بتوافر حالة الدفاع الشرعي غير سائغ ويخالف الواقع وصحيح القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقارير الطبية الشرعية وتقرير وشهادة الطبيب المنتدب من المحكمة ومن شأنها جميعاً أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك وكان ما ورد بديباجة الحكم عن سماع الدعوى يوم صدوره لا يعدو أن يكون خطأ مادياً بحتاً من كاتب الجلسة لا يؤثر في سلامة الحكم إذ أنه لا يغير من حقيقة الواقع عن سماع الدعوى في جلسات عديدة سابقة حسب الثابت بمحاضر الجلسات والتي أحال الحكم إليها في بيان تفاصيل ما دار بها ولا ينم البتة عن عدم استيعاب المحكمة لعناصر الدعوى وأوجه الدفاع بما يضحى معه هذا الوجه من الطعن في غير محله، لما كان ذلك وكان يبين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعن لم ينازع المدعين بالحق المدني في صفتهم أو مصلحتهم في دعواهم فإنه لا يقبل منه أن ينازع في ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لما يقتضيه من إجراء تحقيق تنأى عنه وظيفتها. لما كان ذلك، وكان من المقرر قانونا طبقاً للمادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمحكمة الجنايات في جميع الأحوال أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً ومن ثم فإنه لا ينال من سلامة إجراءات المحاكمة أن تستعمل المحكمة حقها بحبس المتهم في أي مرحلة من مراحل الدعوى هذا فضلاً عن أن أمر حبس الطاعن لم يصدر إلا بعد قفل باب المرافعة وعند حجز الدعوى للحكم وبعد أن استوفى الدفاع مرافعته وأبدى طلباته وليس قبل المرافعة كما زعم الطاعن في أسباب طعنه لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبنياً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي إليه إيراداً له ورداً عليه وكان الطاعن لم يفصح في أسباب طعنه عن أوجه الدفاع الجوهرية التي التفتت المحكمة عنها بل أرسل القول إرسالاً ومن ثم يكون هذا النعي غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يكشف عن مواطن تضارب الشهود في أقوالهم وجاءت عبارته في هذا الشأن مرسلة مبهمة وكان لا يقدح في سلامة الحكم - على فرض صحته ما يثيره الطاعن عن عدم اتفاق أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته، وإذ كان الحكم قد حصل واقعة الدعوى - وفقاً لأقوال شهود الإثبات - بأن الطاعن احتضن المجني عليه وطعنه بمطواة في جانبه الأيسر وتوجه الأخير أثر إصابته إلى مقهى قريب وأبلغ ابن أخيه بالحادث ثم نقل إلى المستشفى حيث توفى بها، وكان الحكم قد أورد نقلاً عن التقارير الطبية الشرعية وشهادة واضعها أن المجني عليه مصاب بجرح نافذ بالصدر يحدث من جسم صلب حاد ويجوز حدوثه من مطواة وإن وفاته نتجت عن هذه الإصابة وأنه كان في مكنته السير عقب إصابته إلى مسافة تزيد على المائة متر - والتحدث بتعقل فإنه لا يكون ثمة تعارض بين الدليلين القولي والفني بل هما مطابقان وتضحى دعوى التعارض ولا محل لها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنته التقارير الطبية الشرعية وتقرير الخبير المنتدب فيها الدكتور....... متفقاً مع ما شهد به واضعوها أمامها عن قدرة المجني عليه على السير والكلام بعد إصابته وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلبه استدعاء الطبيب الاستشاري لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها - بعد ما أجرته من تحقيق المسألة الفنية في الدعوى - حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعن في هذا الشأن بقوله "أما عن طلب الدفاع مناقشة الطبيب الذي وضع التقرير الاستشاري فلا ترى المحكمة موجباً له بعد كل ما تقدم وترى أن ذلك الطلب غير منتج في الدعوى ويهدف إلى التسويف "وكان هذا الرد كافياً وسائغاً في رفض طلب المناقشة فإن منعى الطاعنة في هذا الصدد يكون غير سليم، ولا يغير من ذلك ما ساقه الطاعن في أسباب طعنه من مطاعن للنيل من تقرير الدكتور...... الخبير المنتدب من المحكمة وشهادته أمامها إذ لو ارتأى الطاعن جديتها لاتخذ الإجراءات التي رسمها القانون لرده أمام محكمة الموضوع، أما وهو لم يفعل فإنه لا يجوز له إثارتها أمام محكمة النقض فضلاً عن أن هذه المطاعن لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل المستمد من تقرير الخبير وشهادته مما لا يقبل التصدي له أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الأوراق وكان الحكم قد حصل شهادة...... نقلاً عن أقواله بتحقيقات النيابة العامة وبمحضر الجلسة، وأنه وإن كان الطاعن ينازع في قول هذا الشاهد أمام المحكمة من أنه رأى الطاعن يطعن المجني عليه بمطواة إلا أنه لم يجادل في ذكر الشاهد هذه الواقعة بأقواله أمام النيابة مما مفاده أن الحكم قد حصلها من تحقيقات النيابة وهو ما ينفي عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر الجلسة أن الطاعن لم يدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي كما ادعى بأسباب طعنه وكان الحكم قد عرض من تلقاء نفسه لحالة الدفاع الشرعي التي ترشح لها الأوراق وأطرحها بقوله "فضلاً عن أن المتهم لم يزعم أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه بأن التقاط المجني عليه قطعة صغيرة من الطوب - حصوة - ومحاولة إلقائها على المتهم لا تنهض بذاتها سبباً لذلك الاعتداء الذي لا يعتبر عندئذ رداً لعدوان، خاصة بعد أن احتضن المجني عليه وشل حركته ومن ثم يكون طعن المتهم للمجني عليه تعد لم يكن له ما يسوغه" فإن ما أورده الحكم فيما تقدم سائغ ويكفي لتبرير ما انتهى إليه من انتفاء حالة الدفاع الشرعي، إذ الأصل أن تقدير الوقائع التي تستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى، ولمحكمة الموضوع الفصل فيها بلا معقب ما دام استدلالها سليماً ويؤدى إلى ما انتهى إليها متى كان ذلك، فإن هذا الوجه يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.