أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 388

جلسة 9 من إبريل سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش محمد رشدي، وأحمد علي موسى، وأحمد طاهر خليل.

(74)
الطعن رقم 277 لسنة 48 القضائية

(1 و2) قتل عمد. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
(1) تقدير آراء الخبراء والموازنة بينها. موضوعي.
كون المسألة المطروحة فنية بحت. وجوب الاستعانة في شأنها بخبير.
التمسك بعدم قدرة المصاب على التحدث لقطع شرايين رقبته. طلب جازم. على المحكمة تمحيصه عن طريق خبير. إطراحها هذا الطلب ركنا إلى أقوال الشهود. إخلال بحق الدفاع.
(2) تساند الأدلة في المواد الجنائية؟
1 - لما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين قد أثار عدم قدرة المجني عليه على التحدث عقب إصابته مستدلاًًًًًًً في ذلك بما ورد بالتقرير الطبي الابتدائي من سوء حالة المجني عليه بسبب قطع شرايين رقبته مما لا يمكن معه سؤاله وأنه ظل على هذا الحال إلى حين وفاته، الأمر الذي يدحض ما قرره شقيق المجني عليه وضابط المباحث من أن المجني عليه أخبرهما بأسماء الجناة. ولما كان الحكم قد رد على الشطر من الدفاع بقوله: "إنه بالنسبة لما قرره الدفاع عن المتهمين من أن المجني عليه لا يمكنه النطق عقب الحادث وبالتالي لا يمكن أن يدلي بأسماء المتهمين وذلك لقطع الأوردة الدموية في رقبته مما يفقده القدرة على الكلام فإن المحكمة ترى الأخذ بأقوال شقيق المجني عليه..... من أن المجني عليه قرر له عقب الحادث أسماء المتهمين وكذلك ترى الأخذ بأقوال النقيب....... في التحقيقات من أن المجني عليه......... قد قرر له أسماء المتهمين الذين اعتدوا عليه وتستبعد أقوال سائق الإسعاف...... من أن المجني عليه كان فاقد النطق ولا يستطيع القدرة على الكلام لعدم اطمئنان المحكمة إلى أقواله خاصة وقد قرر أنه لا يعرف اسم المجني عليه الذي نقله الأمر الذي ترى معه المحكمة أن المجني عليه رغم إصاباته قد تكلم وقرر أسماء المتهمين لكل من شقيقه........ والنقيب....... ومما يؤيد ذلك لدى المحكمة أن أسماء المتهمين الذين قررهم المجني عليه قبل وفاته هم الأسماء التي قرر شاهد الرؤية وقت الحادث أسماءهم ومن ثم تطرح المحكمة دفاع المتهمين في هذا الخصوص جانباً وترى بيقين أن المجني عليه قد تكلم رغم قطع بعض شرايين الرقبة قبل وفاته لأن هذا القطع لم يؤثر على قدرته على الكلام وفق ما ترى المحكمة الأخذ به من أقوال الشاهدين......". وكان الحكم قد استند من بين ما استند إليه في إدانة الطاعنين إلى أن المجني عليه قد تكلم بعد إصابته وأفضى بأسماء الجناة إلى الشاهدين اللذين نقلا عنه واعتمد - من بين ما اعتمد عليه - في تكوين عقيدته على أقوال هذين الشاهدين دون أن يعني بتحقيق هذا الدفاع الجوهرة عن طريق المختص فنياً - وهو الطبيب الشرعي - فإن التفات الحكم عن هذا الإجراء يخل بدفاع الطاعنين. ولا يقدح في هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن إثارة هذا الدفاع - في خصوص الواقعة المطروحة - يتضمن في ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه أو بالرد عليه بما يفنده. ولا يرفع هذا العوار ما تعلل به الحكم من رد قاصر، ذلك بأنه إذا كان الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها. إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحث التي لا يستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأي فيها - كما هي الحال في هذه الدعوى.
2 - الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر فتتكون عقيدة القاضي منها متجمعة بحيث إذا سقط إحداهما أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم.
لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة دون حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن الأخرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: قتلوا عمداً........ وكان ذلك مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك الأسلحة (مدى) وترصدوا له في الطريق الموصل إلى منزله عقب عودته من حقله والذي أيقنوا مروره فيه في مثل هذا الوقت من النهار وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه المتهمون الثلاثة الأول طعناً بالمدى بينما أمسك المتهم الرابع بكلتا يدي المجني عليه شالاً بذلك مقاومته فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر بذلك. وادعت زوجة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنياً بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات بنها - بعد أن استبعدت ظرفي سبق الإصرار والترصد في حق المتهمين - قضت حضورياً عملاً بالمادتين 234/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الأول والرابع بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة ومعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث بالسجن لمدة عشر سنوات وإلزام المتهمين الأربعة متضامنين بأن يدفعوا للمدعية بالحقوق المدنية عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض والمصاريف. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة القتل عمداً قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال، ذلك أن دفاع الطاعنين قام على المنازعة في قدرة المجني عليه على الكلام عقب إصابته وقطع شرايين عنقه وطعن في الأقوال التي نقلها عنه بعض الشهود الذين استندت إليهم المحكمة في إدانة الطاعنين مما كان يتعين معه أن تمحص المحكمة هذا الدفاع الجوهري بالاستعانة برأي الخبير الفني وهو الطبيب الشرعي، غير أنها لم تحفل بما أثاره الدفاع وأطرحته بما لا يصلح رداً عليه مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين قد أثار عدم قدرة المجني عليه على التحدث عقب إصابته مستدلاً في ذلك بما ورد بالتقرير الطبي الابتدائي من سوء حالة المجني عليه بسبب قطع شرايين رقبته مما لا يمكن معه سؤاله وأنه ظل على هذا الحال إلى حين وفاته، الأمر الذي يدحض ما قرره شقيق المجني عليه وضابط المباحث من أن المجني عليه أخبرهما بأسماء الجناة. ولما كان الحكم قد رد على الشطر من الدفاع بقوله أنه بالنسبة لما قرره الدفاع عن المتهمين من أن المجني عليه لا يمكنه النطق عقب الحادث وبالتالي لا يمكن أن يدلي بأسماء المتهمين وذلك لقطع الأوردة الدموية في رقبته مما يفقده القدرة على الكلام فإن المحكمة ترى الأخذ بأقوال شقيق المجني عليه....... من أن المجني عليه قرر له عقب الحادث أسماء المتهمين وكذلك ترى الأخذ بأقوال النقيب....... في التحقيقات من أن المجني عليه........ قد قرر له أسماء المتهمين الذين اعتدوا عليه وتستبعد أقوال سائق الإسعاف....... من أن المجني عليه كان فاقد النطق ولا يستطيع القدرة على الكلام لعدم اطمئنان المحكمة إلى أقواله خاصة وقد قرر أنه لا يعرف اسم المجني عليه الذي نقله الأمر الذي ترى معه المحكمة أن المجني عليه رغم إصاباته قد تكلم وقرر أسماء المتهمين لكل من شقيقه...... والنقيب....... ومما يؤيد ذلك لدى المحكمة أن أسماء المتهمين الذين قررهم المجني عليه قبل وفاته هم الأسماء التي قرر شاهدا الرؤية وقت الحادث أسماءهم، ومن ثم تطرح المحكمة دفاع المتهمين في هذا الخصوص جانباً وترى بيقين أن المجني عليه قد تكلم رغم قطع بعض شرايين الرقبة قبل وفاته لأن هذا القطع لم يؤثر على قدرته على الكلام وفق ما ترى المحكمة الأخذ به من أقوال الشاهدين........، وكان الحكم قد استند من بين ما استند إليه في إدانة الطاعنين إلى أن المجني عليه قد تكلم بعد إصابته وأفضى بأسماء الجناة إلى الشاهدين اللذين نقلاً عنه واعتمد - من بين ما اعتمد عليه - في تكوين عقيدته على أقوال هذين الشاهدين دون أن يعني بتحقيق هذا الدفاع الجوهرة عن طريق المختص فنياً - وهو الطبيب الشرعي - فإن التفات الحكم عن هذا الإجراء يخل بدفاع الطاعنين. ولا يقدح في هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن إثارة هذا الدفاع - في خصوص الواقعة المطروحة - يتضمن في ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه أو بالرد عليه بما يفنده. ولا يرفع هذا العوار ما تعلل به الحكم من رد قاصر، ذلك بأنه إذا كان الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها، إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأي فيها - كما هي الحال في هذه الدعوى. ولا يرفع هذا العيب أن يكون الحكم قد استند في إدانة الطاعنين إلى أدلة أخرى، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر فتتكون عقيدة القاضي منها متجمعة بحيث إذا سقط إحداها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة دون حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن الأخرى.