أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 399

جلسة 23 من إبريل سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينة، ويعيش محمد رشدي، وأحمد طاهر خليل، ومحمد علي بليغ.

(76)
الطعن رقم 87 لسنة 48 القضائية

(1 - 5) خطف. فاعل أصلي. جريمة "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفوع. "الصفة في الدفع".
1 - متى تتحقق جريمة خطف طفل بالتحيل أو الإكراه المنصوص عليها في المادة 288 عقوبات؟
من هو الفاعل الأصلي في الجريمة المذكورة.
2 - خطأ الحكم في تسمية أقوال المتهم اعترافاً. لا يعيبه طالما لم يرتب عليها وحدها الأثر القانوني للاعتراف.
عدم التزام المحكمة بنص أقوال المتهم وظاهرها. حقها في الأخذ منها بما يطابق الحقيقة.
حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها من أي دليل تطمئن إليه. طالما كان له مأخذه الصحيح من الأوراق.
3 - تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
4 - النعي على الحكم بالخطأ في الإسناد بالنسبة لدليل لا ينصرف إلى الطاعن غير مقبول.
5 - قول الحكم إن الطاعنين انتزعوا المجني عليه. حال أنه أخرس ودون الخامسة من عمره. كفايته لتوافر ركن التخيل في الخطف.
1 - لما كانت جريمة خطف طفل بالتحيل أو الإكراه المنصوص عليها في المادة 388 من قانون العقوبات تقوم على عنصرين أساسيين أولهما انتزاع الطفل المخطوف من بيئته قسراً عنه أو بالغش والخداع بقصد نقله إلى محل آخر وإخفائه فيه عمن لهم الحق في المحافظة على شخصه، والثاني نقله إلى ذلك المحل الآخر واحتجازه فيه تحقيقاً لهذا القصد فكل من قارف هذين الفعلين أو شيئاً منهما اعتبر فاعلاً أصلياً في الجريمة. ولما كان الطاعن الأول لا يجادل فيما نقله الحكم المطعون فيه من اعترافه باحتجاز المجني عليه في مسكنه وإخفائه فيه، فإن في ذلك ما يكفي لتوافر جريمة خطف الصغير التي دين بها، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص بالخطأ في تطبيق القانون غير سديد.
2 - لما كان لا يقدح في سلامة الحكم خطأ المحكمة في تسمية أقوال المتهم اعترافاً طالما أن المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف. وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان ما أورده الحكم - في معرض سرده لأقوال الطاعن الثاني - وأن صدوره بعبارة "واعترف المتهم" - لا يبين منه أنه نسب إليه اعترافاً بارتكاب الجريمة وإنما اقتصر على بيان ما رواه في شأن التقائه بالمتهم الثاني "الطاعن الأول" وعلمه منه أن المتهم الأول خطف المجني عليه ليجبر والده على سداد ما عليه من دين، وكانت المحكمة ليست ملزمة في أخذها بأقوال المهتم أن تلتزم نصها وظاهرها بل لها أن تأخذ منها ما تراه مطابقاً للحقيقة، وكان الطاعن الثاني لا يماري فيما نسبه إليه الحكم من أقوال أدلى بها في التحقيقات، فإنه لا تثريب على الحكم إذا هو استمد من تلك الأقوال ما يدعم الأدلة الأخرى التي أقام عليها قضاءه بإدانة الطاعن الثاني.
3 - لما كان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع، وكانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من اعتراف الطاعنين لما ارتأته من مطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهرته من باقي عناصر الدعوى وأدلتها من خلوه مما يشوبه وصدوره من كل من الطاعنين طواعية واختياراً، وكان الطاعنان لا يزعمان بأنهما قدما للمحكمة أي دليل على وقوع إكراه عليهما. فإن ما يثيرانه في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.
4 - لما كان الحكم المطعون فيه قد نقل عن والد المجني عليه قوله إن الطاعنين اعترفا له مساء يوم الحادث بعد أن اكتشف غياب ابنه بأن المتهم الأول "نقله بعيداً وأنهما سيعملان على إعادته" فإن ما أورده الحكم في هذا الصدد - على افتراض أنه خطأ في الإسناد - ينصرف إلى الأدلة قبل المتهم الأول دون الطاعنين ومن ثم فلا يقبل منهما النعي بشيء في هذا الخصوص.
5 - لما كان الحكم المطعون فيه قد تناول ركن التحيل في الجريمة التي دان بها الطاعنين بقوله "وكان الثابت أن الجناة الثلاثة الأول - ومن بينهم الطاعنين - عملوا على انتزاع المجني عليه والحال كما هو ثابت من أقوال والديه وأقوال المتهم الثاني والرابع أنه كان أخرس لم يبلغ الخمس سنوات ومن ثم يكون عديم التمييز الأمر الذي يتوافر معه ركن التحايل في الدعوى..." فإن فيما أورده الحكم ما يكفي به توافر هذا الركن للجريمة إذ أن صغر سن المجني عليه وحالته الصحية أو ا لذهنية هي من الأمور التي يسوغ لقاضي الموضوع أن يستنبط منها خضوع المجني عليه لتأثير التحيل أو الإكراه في جريمة الخطف.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم: خطفوا الطفل الذي لم يبلغ من العمر ستة عشر عاماً كاملة ولم يتجاوز سن التمييز وكان ذلك بطريق التحيل والإكراه بأن اتفق المتهمون الثلاثة الأول فيما بينهم على خطفه وتنفيذاً لهذا الاتفاق انتقلوا إلى بلدته ملوى وما أن ظفروا به وهو يلهو بالطريق العام حتى استدرجوه واقتادوه إلى محطة سيارات نقل الركاب واستقل معه المتهم الأول إحدى السيارات إلى بلدة المتهم الثاني (الطاعن الأول) بدائرة مركز المراغة وأودعه بمسكنه ثم نقله المتهم الثاني إلى مسكن المتهم الرابع الذي أخفاه لديه مع علمه بذلك. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الوارد بتقرير الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملاً بالمادتين 288/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين (الطاعنين) بالسجن لمدة عشر سنوات. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة خطف طفل بالتحيل والإكراه قد أخطأ في تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد وإخلال بحق الدفاع. كما شابه قصور في التسبيب ذلك بأن الحكم عول في قضائه بإدانة الطاعن الأول على ما أسماه باعترافه في حين أن ما أورده من أقواله ينصرف إلى اعترافه بإخفاء المجني عليه وليس بخطفه، كما أسند إلى الطاعن الثاني أنه اعترف بارتكاب بالحادث في حين أن أقواله في كافة مراحل التحقيق تواترت على الإنكار. وكذلك لم يعن الحكم بتحقيق ما دفع به الطاعنان من بطلان ما صدر عنهما من اعتراف جاء وليد الإكراه ورد عليه بما لا يسوغ إطراحه. كما نسب لوالد المجني عليه قوله بأن الطاعن الثاني اعترف له بأن المتهم الأول في الدعوى نقل المجني عليه إلى مكان بعيد وأنه والطاعن الأول سيعملان على إعادته في حين خلت الأوراق مما يساند ما ذهب إليه الحكم. هذا إلى أنه التفت عن الرد على الدفع ببطلان القبض والاستجواب في محضر الشرطة وعلى إنكار الطاعن الثاني ارتكابه الجريمة، والاشتراك فيها كما قصر في الرد على الدفع بانتفاء ركني التحيل والإكراه، وكل ذلك يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة خطف طفل بالتحيل والإكراه التي دان بها الطاعنين وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوالهما وأقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه عليها، لما كان ذلك، وكانت جريمة خطف طفل بالتحيل أو الإكراه المنصوص عليها في المادة 288 من قانون العقوبات تقوم على عنصرين أساسيين أولهما انتزاع الطفل المخطوف من بيئته قسراً عنه أو بالغش والخداع بقصد نقله إلى محل آخر وإخفائه فيه عمن لهم الحق في المحافظة على شخصه، والثاني نقله إلى ذلك المحل الآخر واحتجازه فيه تحقيقاً لهذا القصد، فكل من قارف هذين الفعلين أو شيئاً منهما اعتبر فاعلاً أصلياً في الجريمة. ولما كان الطاعن الأول لا يجادل فيما نقله الحكم المطعون فيه من اعترافه باحتجاز المجني عليه في مسكنه وإخفائه فيه، فإن في ذلك ما يكفي لتوافر جريمة خطف الصغير التي دين بها، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص بالخطأ في تطبيق القانون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في سلامة الحكم خطأ المحكمة في تسمية أقوال المتهم اعترافاً طالما أن المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان ما أورده الحكم - في معرض سرده لأقوال الطاعن الثاني - وإن صدر بعبارة "واعترف المتهم" - لا يبين منه أنه نسب إليه اعترافاً بارتكاب الجريمة وإنما اقتصر على بيان ما رواه في شأن التقائه بالمتهم الثاني" الطاعن الأول" وعلمه منه أن المتهم الأول خطف المجني عليه ليجبر والده على سداد ما عليه من دين، وكانت المحكمة ليست ملزمة في أخذها بأقوال المهتم أن تلتزم نصها وظاهرها بل لها أن تأخذ منها ما تراه مطابقاً للحقيقة، وكان الطاعن الثاني لا يماري فيما نسبه إليه الحكم من أقوال أدلى بها في التحقيقات، فإنه لا تثريب على الحكم إذا هو استمد من تلك الأقوال ما يدعم الأدلة الأخرى التي أقام عليها قضاءه بإدانة الطاعن الثاني. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع. وكانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من اعتراف الطاعنين لما ارتأته من مطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهرته من باقي عناصر الدعوى وأدلتها من خلوه مما يشوبه وصدوره من كل من الطاعنين طواعية واختيار، وكان الطاعنان لا يزعمان بأنهما قدما للمحكمة أي دليل على وقوع إكراه عليهما، فإن ما يثيرانه في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن والد المجني عليه قوله أن الطاعنين اعترفاً له مساء يوم الحادث بعد أن اكتشف غياب ابنه بأن المتهم الأول "نقله بعيداً وأنهما سيعملان على إعادته"، فإن ما أورده الحكم في هذا الصدد - على افتراض أنه خطأ في الإسناد - ينصرف إلى الأدلة قبل المتهم الأول دون الطاعنين ومن ثم فلا يقبل منهما النعي بشيء في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثاني لم يضمن دفاعه شيئاً عن بطلان القبض والاستجواب، فإنه لا يكون له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها على الرد على دفاع لم يثره أمامها ولا يقبل منه التحدي بذلك الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم من التفاته عن الرد على إنكاره ارتكاب الجريمة التي دانه بها أو الاشتراك فيها فمردود مما هو مقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مساحي دفاعه الموضوعي إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي أوردتها وعولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد تناول ركن التحيل في الجريمة التي دان بها الطاعنين بقوله: "وكان الثابت أن الجناة الثلاثة الأول - ومن بينهم الطاعنين - عملوا على انتزاع المجني عليه والحال كما هو ثابت من أقوال والديه وأقوال المتهم الثاني والرابع أنه كان أخرس لم يبلغ الخمس سنوات ومن ثم يكون دون التمييز الأمر الذي يتوافر معه ركن التحايل في الدعوى..." فإن فيما أورده الحكم ما يكفي به توافر هذا الركن للجريمة إذ أن صغر سن المجني عليه وحالته الصحية أو الذهنية هي من الأمور التي يسوغ لقاضي الموضوع أن يستنبط منها خضوع المجني عليه لتأثير التحيل أو الإكراه في جريمة الخطف. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.