مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 505

(80)
جلسة 21 من يناير سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعبد الفتاح السيد بسيوني وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 877 لسنة 27 القضائية

( أ ) عقد إداري - تدليس - مناطه.
المادة 125 من القانون المدني تتطلب في التدليس الذي يجوز إبطال العقد بسببه أن تكون هناك طرقاً احتيالية لجأ إليها أحد المتعاقدين، تبلغ من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم العقد - مجرد إيهام الإدارة للطاعن بأن السعر الذي ارتضى التعاقد به هو سعر مجز لا يعتبر من الطرق الاحتيالية - تطبيق.
(ب) عقد إداري - إكراه - مناطه.
المادة 127 من القانون المدني تشترط لجواز إبطال العقد للإكراه أن يتعاقد الشخص تحت سلطان رهبة يبثها المتعاقد الآخر في نفسه دون وجه حق، وتكون الرهبة قائمة على أساس - وتكون الرهبة كذلك إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال - عدم إقامة الدليل من قبل الطاعن على وجود إكراه - أثر ذلك - سلامة العقد.
(جـ) عقد إداري - نظرية الظروف الطارئة - مناط إعمالها - مقتضى تطبيقها مناط إعمال نظرية الظروف الطارئة أن تطرأ خلال تنفيذ العقد الإداري ظروف طبيعية أو اقتصادية لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً وأن يكون من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً - ارتفاع أسعار الأصناف أو السلع التي تعهد المورد على توريدها ارتفاعاً باهظاً يعتبر ظرفاً طارئاً لم يكن في الحسبان توقعه عند التعاقد طالما أنه يترتب عليه زيادة أعباء المورد بتحميله خسائر فادحة - مقتضى تطبيق أحكام نظرية الظروف الطارئة هو إلزام جهة الإدارة بمشاركة المتعاقد معها في هذه الخسائر ضماناً لتنفيذ العقد الإداري تنفيذاً سليماً، ويستوي أن يحصل التنفيذ من المتعاقد نفسه أو تقوم به جهة الإدارة نيابة عنه عند الشراء على حسابه - تطبيق.
(د) فوائد قانونية - طلب الحكم بالفوائد القانونية - دعوى - وقف الدعوى - وقف الفصل في طلب الحكم بها.
طلب الجهة الإدارية الحكم بالفوائد القانونية المستحقة على المبلغ المحكوم به من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد عملاً بحكم المادة 226 من القانون المدني - قضاء محكمة القضاء الإداري بهذه الفوائد - قضاء المحكمة الإدارية العليا إعمالاً لحكم المادة 129 من قانون المرافعات بوقف الدعوى بالنسبة لهذا الطلب إلى أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في مدى دستورية نص المادة المشار إليها في الدعوى الدستورية رقم 2 لسنة 1 ق دستورية والمطروحة عليها لمخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي نص الدستور على أنها المصدر الرئيسي للدستور - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 30 من إبريل سنة 1981 أودع الأستاذ علي حسان الشريف بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية" بجلسة 1/ 3/ 1981 في الدعوى رقم 165 لسنة 33 ق والقاضي بإلزام المدعى عليه - الطاعن - بأن يدفع للمدعي بصفته - المطعون ضده - مبلغ 1055.761 جنيه (ألف وخمسة وخمسين جنيهاً وسبعمائة وواحد وستين مليماً) والفوائد القانونية المقررة عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 29/ 10/ 1978 والمصروفات وطلب الطاعن الحكم بتعديل المبلغ المحكوم به إلى الحد المناسب طبقاً للظروف الطارئة مع إلزام المطعون ضده بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه باستنزال المبلغ الذي تقدره المحكمة نتيجة تطبيق نظرية الظروف الطارئة من المبلغ المحكوم به مع إلزام الطرفين بالمصروفات المناسبة عملاً بحكم المادة 186 مرافعات.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 21/ 6/ 1982 وتدوول بجلساتها على الوجه الثابت بالمحاضر وبجلسة 7/ 2/ 1983 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى" لنظره بجلسة 2/ 4/ 1983 ونظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات وحجز الحكم لجلسة 17/ 12/ 1983 ومد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن رئيس مجلس مدينة القناطر الخيرية بصفته كان قد أقام الدعوى رقم 165 لسنة 33 ق أمام محكمة القضاء الإداري وطلب في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليه الطاعن في الطعن الماثل بأن يدفع له مبلغ 1183.852 والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصروفات. وقال بياناً لدعواه إن المجلس أعلن عن إجراء مناقصة لتوريد الأعلاف الجافة لتغذية الحيوانات وتحدد لها جلسة 12/ 5/ 1977 وتقدم لها المدعى عليه على أن يقوم بتوريد 130 أردب شعير بسعر الأردب 7.430 مليمجـ، 90 حمل تبن بسعر5.230 مليمجـ. وحرر عقد التوريد مع المدعى عليه بتاريخ 12/ 6/ 1977 على أن يكون التوريد منتهياً خلال شهرين من 19/ 6/ 1977 (تاريخ استلام أمر التوريد)، وسدد التأمين النهائي ومقداره 143.600 مليمجـ وهو ما يوازي 10% من قيمة أمر التوريد. غير أن المتعهد تقدم بطلب مد مدة التوريد شهراً لتنتهي المدة في 18/ 9/ 1977، فمنح المهلة مع غرامة بواقع 4% ولكنه لم يقم بتنفيذ التزامه وبتاريخ 24/ 9/ 1977 أخطر المتعهد بإشارة تلغرافية بضرورة التوريد خلال ثلاثة أيام وإلا تم التنفيذ على حسابه. وإذا لم يقم بتنفيذ التزامه تم التنفيذ على حسابه ونتج عن ذلك فروق أسعار بلغت 1183.852 مليمجـ طولب بها مراراً دون جدوى، ومن ثم طلب المدعي الحكم بإلزام المدعى عليه بأداء هذا المبلغ وفوائده. وبجلسة 1/ 3/ 1981 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي بصفته مبلغ 1055.761 مليمجـ والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 29/ 10/ 1978 والمصروفات وأقامت قضاءها على أساس أن الثابت من الأوراق أن المدعى عليه تعهد بمقتضى العقد المبرم معه بتاريخ 12/ 6/ 1977 على توريد كميات من الشعير والتبن خلال شهرين من تاريخ إصدار أمر التوريد إليه والذي صدر في 12/ 6/ 1977، ثم مدت مدة التوريد لمدة شهر تنتهي في 18/ 9/ 1977 إلا أنه لم يتم توريد الكمية المطلوبة الأمر الذي حدا بالجهة الإدارية بعد إنذاره عدة مرات إلى شراء عدد 109 أردب شعير، 47 حمل تبن وذلك على حسابه. وقد تكبدت الجهة الإدارية مبلغ 1199.360 مليمجـ عبارة عن فروق أسعار ومصاريف إدارية (5%) وغرامة تأخير (4%) وبخصم التأمين المودع من المدعى عليه ومقداره 143.600 مليمجـ يبقى مستحقاً عليه للجهة الإدارية مبلغ 1093.853 مليمجـ إلا أن هذه الجهة أضافت إلى هذا المبلغ 38.092 مليمجـ وهو ما يعادل 10% من قيمة الأصناف التي لم يتم شراؤها على حساب المتعهد. وأردف الحكم المطعون فيه أنه طبقاً لحكم المادة 105 من لائحة المناقصات والمزايدات فإن للجهة الإدارية الخيار في حالة تأخر المتعهد في توريد الأصناف المتعاقد عليها خلال مدى سريان العقد أو خلال المهلة الإضافية إما أن تشتري الأصناف المتأخر في توريدها مع تحميله بفروق الأسعار والمصاريف الإدارية وغرامة التأخير، أو تنهي العقد وتصادر ما يوازي 10% من قيمة هذه الأصناف وبمعنى آخر فإنه لا يجوز للإدارة أن تجمع بين الأمرين في وقت واحد. ومن ثم فإن في قيام الإدارة بإضافة مبلغ 38.092 مليمجـ قيمة ما يوازي 10% من قيمة الأصناف التي لم تقم بشرائها على حساب المدعى عليه لا يستند إلى أساس سليم. ويتعين تبعاً لذلك عدم إلزام المدعى عليه بهذا المبلغ ومن ثم يقتصر استحقاق الجهة الإدارية بعد خصم هذا المبلغ على 1055.761 مليمجـ وهو ما يتعين الحكم به، بالإضافة إلى الفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 29/ 10/ 1978 سنوياً حتى تاريخ السداد. ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على أن الحكم أجحف بحقوق الطاعن إذ لم يطبق نظرية الظروف الطارئة على حالته، ذلك أن الظروف الطارئة التي أحاطت بالبلاد في عام التوريد وارتفاع الأسعار بشكل لم يسبق له مثيل وبصورة غير متوقعة جعل الكثير من التجار غير قادرين على الوفاء بتعهداتهم. وقد جرى القضاء على تطبيق نظرية الظروف الطارئة في مثل هذه الأحوال، واستقر عليها الفقه وجاء نص المادة 148 من القانون المدني يقنن هذه النظرية وكان يتعين على المحكمة مراعاة تلك الظروف والتي تتضح بجلاء من أن الجهة الإدارية عندما قامت بالتنفيذ على حسابه اشترت حمل التبن بسعر 25 جنيه في حين أن سعر التعاقد كان 5.230 مليمجـ وهنا لا يخرج الأمر عن فرضين، إما أن يكون السعر الذي اشترت به الإدارة سعراً حقيقياً ومن ثم تكون الأسعار قد تضاعفت إلى 500% مما يعطي الطاعن الحق في طلب تطبيق نظرية الظروف الطارئة وتعديل الالتزام بحيث لا يصبح مرهقاً للمدين. وإما أن يكون هذا السعر غير حقيقي ومبالغ فيه، وعندئذ يلزم إجراء تحقيق للكشف عن السعر الحقيقي الذي اشترت به الإدارة، ويكون ثمة غش وتواطؤ من جهة الإدارة من شأنه هدم التزام الطاعن بأكمله. وقدم الطاعن مذكرة أخرى بدفاعه أورى فيها أن جهة الإدارة دلست عليه وأدخلت عليه الغش فأدخلت في روعه أن السعر الذي استوقعته عليه هو سعر مجزي سيحقق له أرباحاً خلافاً للواقع وهو الأمر الذي يبطل العقد باعتبار أن الغش يفسد كل شيء طبقاً لحكم المادة 125 مدني. فضلاً عن أنه كان واقعاً تحت رهبة بعثتها الإدارة في نفسه وقت التعاقد حيث إن إقامته بالقناطر ورخصة عمله وسجله التجاري في دائرة الحكم المحلي، فإن لم يذعن لرغبة الإدارة في التعاقد فسيجد كل الصعاب في هذه المجالات، وهذه الرهبة من شأنها أيضاً إبطال العقد طبقاً لحكم المادة 127 من القانون المدني.
ومن حيث إنه عن ادعاء الطاعن بأن جهة الإدارة دلست عليه بإيهامه أن السعر الذي يتعاقد به هو سعر مجزي يحقق له ربحاً، فإنه ادعاء عار من الصحة إذ تخلو الأوراق مما يفيد ذلك كما أن الطاعن لم يقيم دليلاً عليه، وفضلاً عن ذلك فإنه بافتراض أن الإدارة أوهمته بأن السعر الذي تعاقد به هو سعر مجزي، فإن ذلك لا يعتبر تدليساً في مفهوم حكم المادة 125 من القانون المدني للمطالبة بإبطال العقد. ذلك أن الفقرة الأولى من هذه المادة تتطلب في التدليس الذي يجوز إبطال العقد بسببه أن تكون ثمة طرقاً احتيالية لجأ إليها أحد المتعاقدين، تبلغ من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم العقد. ومجرد إيهام الإدارة للطاعن بأن السعر الذي ارتضى التعاقد به هو سعر مجزي، لا يعتبر بحال من الأحوال من قبيل الطرق الاحتيالية التي يجوز وصفها بالتدليس، سيما وأن الطاعن تاجر محترف اعتاد على التعامل في الأسواق وتوريد هذه المحاصيل وهو أعلم بحال السوق وتقلباته وأسعاره، ومن ثم لا يجوز عليه إيهام أو تقرير كذلك فلا وجه أيضاً لما يدعيه الطاعن من أنه وقع تحت سلطان الرهبة والخوف من بطش المسئولين بمجلس المدينة إن لم يذعن للتعاقد. ذلك أنه لم يقم دليل على أن أحداً من المسئولين بمجلس المدينة قد لوح للطاعن بأية وسائل لإكراهه على التعاقد بالأسعار المشار إليها. والمادة 127 من القانون المدني تشترط لجواز إبطال العقد للإكراه أن يتعاقد الشخص تحت سلطان رهبة يبعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون وجه حق، وتكون هذه الرهبة قائمة على أساس. ثم أردفت الفقرة الثانية من هذه المادة تقرر أن الرهبة تكون قائمة على أساس إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق والمستندات أن مجلس مدينة القناطر الخيرية كان قد تعاقد مع الطاعن بتاريخ 12/ 6/ 1977 على توريد شعير بسعر الأردب 7.430 مليمجـ وتوريد تبن بسعر الحمل 5.230 مليمجـ على أن يكون التوريد لمخازن المجلس خلال شهرين من تاريخ 19/ 6/ 1977. وبتاريخ 14/ 8/ 1977 طلب الطاعن منحه مهلة للتوريد تنتهي في 18/ 9/ 1977 وأشار في طلبه إلى قلة الكميات المنتجة في ذلك العام لقلة محصول التبن وندرة وجوده بالأسواق. فوافق المجلس على منحه هذه المهلة على أن توقع عليه غرامة التأخير ونظراً لعدم قيام الطاعن بالتوريد خلال المهلة، فقد أنذر بالشراء على حسابه، ثم أجريت ممارسة بتاريخ 16/ 10/ 1977 لتوريد الشعير والتبن على حساب الطاعن، ورسى فيها توريد الشعير على المدعو عبد الله محمود عثمان بسعر 9 جنيه للأردب، كما رسى توريد التبن على المدعو حلمي عبد الحميد الهليلي بسعر الحمل 12.300 مليمجـ، وقد قام المتعهد الأول بتوريد الشعير بالسعر المذكور. أما المتعهد الثاني فقد أرسل كتاباً في 26/ 10/ 1977 إلى المجلس جاء فيه أنه اشترط في عطائه أنه يرتبط بالسعر المقدم منه حتى 19/ 10/ 1977 ولكن لم يصله أمر التوريد حتى كتابه في 26/ 10/ 1977 ولذلك يعتبر عطاءه كأن لم يكن لأن الأسعار زادت 50%، ويقبل التوريد على أساس زيادة السعر بهذه النسبة ويرتبط بهذا العرض لمدة خمسة أيام فقط إذا ما أخطر بالقبول خلالها. ولا يبن من الأوراق أن جهة الإدارة قد ردت على المتعهد بما يفيد قبولها أو رفضها لهذا الغرض وبتاريخ 12/ 11/ 1977 حرر مدير الشئون المالية بالمجلس مذكرة أشار فيها إلى أنه تعذر شراء التبن - على حساب الطاعن من التجار الموجودين بمناطق القناطر الخيرية وقليوب وشبرا وساحل الغلال بروض الفرج نتيجة لقلة المحصول هذا العام الأمر الذي دعا إلى تكليف أحد الموظفين بالتوجه إلى الفيوم باعتباره أكثر المناطق إنتاجاً للتبن، وقام هذا الموظف بالمرور على التجار المعتمدين للتوريد للحصول على الأسعار ولكنهم اعتذروا جميعاً عن التوريد لعدم وجود الصنف، ثم قام بالمرور في اليوم التالي على التجار في ساحل الغلال بالجيزة وساقية مكي فاعتذروا أيضاً لوجود نقص في زراعة القمح هذا العام وقد ورد بملف العملية المودع بأوراق الدعوى نماذج عروض لتجار الفيوم وساحل الغلال بساقية مكي ثابت بها اعتذارهم عن التوريد لعدم وجود الصنف وهذه العروض مؤرخة 6، 7/ 1977، ثم عرض رئيس العقود والمشتريات مذكرة أخرى على رئيس مجلس المدينة أشار فيها إلى أنه ورد عرض وحيد للمجلس بتوريد التبن بسعر الحمل 25 جنيه من المورد شوقي محمد فرج وشهرته شوقي أبو سنة على أن يكون التسليم بساحل الجيزة، وأن سائر التجار قد اعتذروا عن التوريد لوجود نقص في زراعة القمح في ذلك العام. وانتهت المذكرة إلى طلب قبول العرض الوحيد لعدم توافر التبن في الأسواق لنقص المحصول المزروع وعدم وجود أية فائدة في إعادة الممارسة. فأشر رئيس المجلس بالموافقة في 17/ 11/ 1977 وأسفر التنفيذ على حساب الطاعن عن توريد عدد 109 أردب شعير بسعر الأردب 9 جنيه، 47 حمل تبن بسعر الحمل 25 جنيه وبذلك أصبحت جملة فروق الأسعار 1100.330 جنيه أضيفت إليها مصاريف إدارية بنسبة 5% (55.017 مليمجـ) وغرامة التأخير بنسبة 4% (44.013 مليمجـ) فأصبحت جملة المبالغ 1199.360 مليمجـ خصم منها التأمين النهائي المدفوع من الطاعن ليصبح المبلغ المطالب به بعد استنزال التأمين هو 1055.760 مليمجـ هذا بخلاف تكاليف النقل من ساحل الغلال إلى مخازن المجلس والتي قدرتها جهة الإدارة بمبلغ 90 جنيه حيث إن عرض الطاعن كان شاملاً للنقل لمخازن المجلس. ومن حيث إن البادي من استعراض الوقائع المتقدمة أن جميع الشواهد قد تضافرت على أن محصول القمح عن عام 1977 كان قليلاً ونتج عن ذلك ندرة محصول التبن بالأسواق مما أدى إلى اعتذار أغلب التجار عن توريد التبن لمجلس المدينة وارتفاع سعره في العرض الوحيد المقدم للمجلس ارتفاعاً وصل إلى خمسة أضعاف عن السعر الذي كان الطاعن قد ارتبط به مع المجلس في ممارسة 12/ 6/ 1977، وقد ارتفعت الأسعار إلى هذا الحد في مدة لا تتجاوز خمسة أشهر من هذا التاريخ. ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن مناط إعمال نظرية الظروف الطارئة أن تطرأ خلال تنفيذ العقد الإداري ظروف طبيعية أو اقتصادية لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً وأن يكون من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً وأن ارتفاع أسعار الأصناف والمواد التي تعهد المورد على توريدها ارتفاعاً باهظاً يعتبر ظرفاً طارئاً لم يكن في الحسبان توقعه عند التعاقد طالما أنه يترتب عليه زيادة أعباء المورد بتحميله خسائر فادحة إلى حد الإخلال بتوازن العقد اختلالاً جسيماً. وأن مقتضى تطبيق أحكام نظرية الظروف الطارئة هو إلزام جهة الإدارة بمشاركة المتعاقد معها في هذه الخسائر، ضماناً لتنفيذ العقد الإداري تنفيذاً سليماً، ويستوي أن يحصل التنفيذ من المتعاقد نفسه أو تقوم به جهة الإدارة نيابة عنه عند الشراء على حسابه. (حكم الإدارية العليا في القضية رقم 2150 لسنة 6 ق جلسة 9/ 6/ 1962 وحكمها في القضية رقم 1562 لسنة 10 ق جلسة 11/ 5/ 1968) ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم يحق للطاعن المطالبة بتطبيق أحكام نظرية الظروف الطارئة على حالته، والمحكمة وهي تطبق هذه الأحكام على وقائع الدعوى المطروحة، تضع في اعتبارها أن الزيادة في أسعار الشعير الذي اشترت به جهة الإدارة هذا المحصول على حساب الطاعن لم تكن باهظة إذ بلغ فرق السعر حوالي 1.500 مليمجـ عن كل أردب، ومن ثم فلا مجال لتطبيق الأحكام المشار إليها بالنسبة إلى شراء هذا المحصول. أما بالنسبة إلى التبن فإن الزيادة في الأسعار قد بلغت حوالي 20 جنيه في كل حمل. وبمراعاة الظروف والاعتبارات السابق بيانها ترى المحكمة حقاً وعدلاً أن تشارك جهة الإدارة الطاعن في هذه الزيادة مناصفة بينهما، فيحاسب الطاعن عن كل حمل من التبن اشترته الإدارة على حسابه على أساس خمسة عشر جنيهاً، وتتحمل جهة الإدارة عشرة جنيهات من ثمن كل حمل. ولما كانت جهة الإدارة قد اشترت - حسبما بين من الأوراق - عدد 47 حمل تبن بسعر الحمل 25 جنيه، فإنها تتحمل من ثمن هذه الكمية مبلغ 470 جنيه يخصم من المبلغ الذي قضى الحكم المطعون فيه بإلزام الطاعن به. ومن حيث إنه كما تقدم يتعين تعديل الحكم المطعون فيه بتخفيض المبلغ المحكوم بإلزام الطاعن به بما يعادل 470 جنيه.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ذلك فإن جهة الإدارة كانت قد طلبت في دعواها الحكم بالفوائد القانونية (4%) المستحقة على المبلغ المحكوم به من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد عملاً بحكم المادة 226 من القانون المدني. وقد أجابها الحكم المطعون فيه إلى هذا الطلب وقضى بهذه الفوائد.
ومن حيث إن المحكمة الدستورية العليا لا يزال مطروحاً عليها النزاع في مدى دستورية نص المادة 226 مدني المشار إليها ومخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي نص الدستور على أنها المصدر الرئيسي للتشريع، وذلك في الدعوى الدستورية رقم 2 لسنة 1 ق دستورية لذا فإنه إعمالاً لحكم المادة 129 من قانون المرافعات ترى المحكمة وقف الدعوى بالنسبة إلى طلب الفوائد القانونية على المبلغ المحكوم به إلى أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في مدى دستورية نص المادة 226 مدني في الدعوى الدستورية رقم 2 لسنة 1 ق دستورية.
ومن حيث إنه وقد أخفق كل من طرفي الطعن في جزء من طلباته تعين إلزام كل منها بالمصاريف مناصفة بينهما.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ 585.761 (خمسمائة وخمسة وثمانين جنيهاً وسبعمائة وواحد وستين مليماً)، وبإلغاء ما قضى به الحكم من فوائد قانونية، وبوقف الفصل في طلب الحكم بها حتى تصدر المحكمة الدستورية العليا حكمها في الدعوى الدستورية رقم 2 لسنة 1 دستورية وألزمت الطرفين المصروفات مناصفة بينهما.


[(1)] يراجع حكم المحكمة الإدارية في الطعنان رقما 339 لسنة 26 ق المحكوم فيه بجلسة 3/ 4/ 1982 و1610 لسنة 26 ق المحكوم فيه بجلسة 13/ 6/ 1982.