مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 514

(81)
جلسة 21 من يناير سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد محمد عبد المجيد وعبد الفتاح السيد بسيوني وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 2345 لسنة 27 القضائية

( أ ) تحكيم - هيئات التحكيم - منازعة في صحة تشكيلها - دعوى - تكييفها.
المنازعة في صحة تشكيل هيئة التحكيم - لا تعتبر طبقاً للتكييف القانوني السليم طعناً بالإلغاء في أحد القرارات الإدارية التي تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر في طلب إلغائها لانحسار صفة القرار الإداري فيما يتعلق بأعضاء هيئة التحكيم اللذين يمثلون الجهات المتنازعة - اعتبارها من المنازعات الإدارية باعتبارها تدور بين جهة إدارية وهي وزارة العدل وبين أحد الأطراف المتنازعة في طلب التحكيم حول صحة تشكيل هيئة التحكيم وتدخل بالتالي في ولاية محاكم مجلس الدولة طبقاً للبند (رابع عشر) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 - لا وجه للقول بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظره بمقولة إن المادة 62 من القانون رقم 61 لسنة 1971 أوجبت عرض الخلاف حول تشكيل هيئة التحكيم على الهيئة التي أصدرت الحكم - ولا وجه للدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها تأسيساً على أن التعرض لصحة تشكيل هيئة التحكيم يتضمن بالضرورة المساس بالحكم الصادر من الهيئة في موضوع النزاع - أساس ذلك - تطبيق.
(ب) تحكيم - اختيار واستبدال المحكمين.
قيام رئيس هيئة التحكيم بإقرار استبدال المحكمين والفصل في المنازعة قبل صدور قرار من وزير العدل بهذا الاستبدال - لا ينال من صحة تشكيل هيئة التحكيم ما دام أن الهيئة التي تستقل بسلطة اختيار المحكمة هي التي قامت باستبداله وهي في ممارستها لهذه السلطة لا تخضع لاعتماد أو تصديق من وزير العدل - حكمة ذلك سرعة الفصل في المنازعات التي تعرض على هيئات التحكيم والبعد بها عن الإجراءات العادية للتقاضي - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء 21 من يوليو سنة 1981 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير العدل قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2345 لسنة 27 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 26 من مايو سنة 1981 في الدعوى رقم 712 لسنة 32 قضائية والقاضي برفض الدفع المبدى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وبقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما وإلزام الحكومة بالمصروفات، وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن، الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضده في 4 من أغسطس سنة 1981.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني في الطعن انتهت فيه، لما ارتأته من أسباب إلى أنها ترى الحكم أولاً برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وثانياً بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قراري وزير العدل المشار إليهما وثالثاً بإلغاء قرار هيئة التحكيم بضم أعضاء جدد لتشكيلها بدلاً من الأعضاء المتغيبين بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1977، وإلزام الطاعن والمطعون ضده بالمصروفات مناصفة.
وحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 6 من ديسمبر سنة 1982 التي قررت بجلسة 7 من مارس سنة 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 30 من إبريل سنة 1983، وتم تداول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت في المحاضر إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص، على ما بين من أوراق الطعن، في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 712 لسنة 32 قضائية ضد وزير العدل بأن أودع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 29 من يناير سنة 1978 طالباً فيها الحكم بإلغاء قرار وزير العدل بتشكيل هيئة التحكيم التي حكمت في طلب التحكيم برقم 1968 لسنة 1977 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي بياناً لدعواه إن شركة مطاحن شمال القاهرة تقدمت بطلب تحكيم إلى وزير العدل ضد كل من الشركة العامة للصوامع والشركة العامة للأعمال الهندسية (التي يمثلها المدعي) وشركة إسكندرية للتوكيلات الملاحية وشركة المستودعات المصرية وذلك للمطالبة بمبلغ 26251.165 مليمجـ قيمة غرامة مستودعات وقعت ضدها، وقيد طلب التحكيم تحت رقم 1968 لسنة 1977، وقامت الشركة طالبة التحكيم والشركات الأخرى بتعيين أسماء المحكمين وإصدار وزير العدل قراره بتشكيل هيئة التحكيم برئاسة المستشار سعد محمود حمدي وأخطر المحكمون بزمان ومكان انعقاد هيئة التحكيم، وفي الجلسة التي عقدتها الهيئة في 16 من نوفمبر سنة 1977 حضر المحكمون الذين شملهم قرار التشكيل وقررت الهيئة تحديد جلسة 30 من نوفمبر سنة 1977 لنظر النزاع المعروض، وفي هذه الجلسة الأخيرة تغيب اثنان من المحكمين وأصبحت الهيئة غير مكتملة، إلا أن رئيس الهيئة أصر على الحكم في النزاع في ذات الجلسة وتم استبدال المحكمين الغائبين بمحكمين آخرين وأصدرت الهيئة بعد إجراء هذا الاستبدال حكمها في النزاع في الجلسة ذاتها، وأضاف المدعي أن المحكم قاض لا تنعقد الجلسة في غيابه ومن ثم فقد كان حقاً على رئيس الهيئة بعد أن تغيب اثنان من أعضائها أن يؤجل انعقاد الهيئة إلى جلسة أخرى وإخطار الجهة التي يمثلها كل منهما لاختيار من يحل محلهما فإن لم يتم ذلك كان عليه أن يرفع الأمر إلى وزير العدل ليصدر قراره بإعادة تشكيل الهيئة باختيار عضوين من رجال القضاء بدلاً من المحكمين اللذين تغيبا، أما أن ينفرد رئيس الهيئة بتعديل قرار تشكيل الهيئة فإن ذلك يعتبر غصباً للسلطة، الأمر الذي ينحدر بقرار التشكيل إلى درجة الانعدام وانتهى المدعي إلى التماس الحكم له بطلباته سالفة الذكر، وقدم المدعي مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلب إلغاء قرار تشكيل هيئة التحكيم المشار إليه.
وعقبت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها على سند من القول بأن هيئة التحكيم أصدرت حكماً نهائياً في النزاع المطروح عليها بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1977 وأنه لا يجوز الطعن في هذا الحكم بأي طريق من طرق الطعن على ما نصت عليه المادة 69 من القانون رقم 60 لسنة 1971 بإصدار قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام وإذ صدر هذا الحكم بين ذات الخصوم وعن ذات الموضوع فمن ثم فإنه أصبح متعيناً الحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
وبجلسة 26 من مايو سنة 1981 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه ويقضي برفض الدفع المبدى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وبقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما وإلزام الحكومة بالمصروفات، وأضافت المحكمة في قضائها بالنسبة لرفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى على أن المدعي إنما يهدف من دعواه إلى الحكم بإلغاء قراري وزير العدل رقمي 35 و37 لسنة 1978 الصادرين في 15 من يناير سنة 1978 فيما تضمناه من تعديل لقراره السابق رقم 3038 لسنة 1977 الخاص بتشكيل هيئة التحكيم في الطلب رقم 68 لسنة 1977 بتعيين محكمين آخرين بدلاً من المحكمين الأصليين، وبذلك فإن دعوى المدعي إنما تنصب على قرارين إداريين يتعلقان بتشكيل هيئة التحكيم وليست موجهة إلى الحكم الصادر من هيئة التحكيم في موضوع النزاع، وأنه متى كان ذلك فإن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى يضحى على غير أساس سليم من القانون وبالتالي حقيقاً بالرفض، أما عن الموضوع فقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 23 من أكتوبر سنة 1977 صدر قرار وزير العدل رقم 338 لسنة 1977 بتشكيل هيئة التحكيم في الطلب رقم 68 لسنة 1977 وتحددت جلسة 9 من نوفمبر سنة 1977 ثم تأجل نظره لجلسة 16 من نوفمبر سنة 1977 ثم لجلسة 30 من نوفمبر سنة 1977 وفي هذه الجلسة تخلف عن الحضور محكم شركة المستودعات المصرية ومحكم شركة التوكيلات الملاحية حيث حضر بدلاً منهما محكمان آخران بموجب خطابي استبدال قام المستشار رئيس الهيئة بالتأشير عليهما بما يفيد النظر والإرفاق، وفي ذات الجلسة أصدرت هيئة التحكيم حكمها في النزاع، وفي 15 من يناير سنة 1978 قام أمين سر الهيئة بتقديم الكتابين المشار إليهما إلى مكتب التحكيم بوزارة العدل وأثبت عليهما أنهما مقدمان منه في يوم 15 من يناير سنة 1978 لإصدار قرارين من وزير العدل باستبدال المحكمين اللذين حضرا الجلسة بالمحكمين الذين تخلفا عنها، وأنه يخلص مما تقدم أن القرارين المطعون فيهما صدرا على نحو مخالف للقانون ومشوبين بخطأ جسيم ينحدر بهما إلى درجة الانعدام وأنه كان يتعين على المستشار رئيس الهيئة تأجيل نظر طلب التحكيم لحين صدور قرار وزير العدل بإعادة تشكيل الهيئة قبل جلسة الحكم لا بعدها، الأمر الذي يصبح معه تشكيل الهيئة التي أصدرت الحكم بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1977 باطلاً وبالتالي لا يكون لهذه الهيئة ثمة ولاية في إصدار هذا الحكم.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله بأن فصل في موضوع الدعوى رغم أن القضاء الإداري غير مختص بنظرها وبيان ذلك أن القانون رقم 60 لسنة 1971 نظم في المادة 62 منه التصرف في الخلافات التي تنشأ حول تشكيل هيئة التحكيم وذلك بأن أوجب عرض الخلاف على الهيئة التي أصدرت الحكم خلال مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ الإخطار بالحكم بحيث إذا انقضت هذه المدة دون إبلاغ وزير العدل بما يؤيد اختيار إحدى الجهات المتنازعة محكماً لها قام وزير العدل باختيار أحد رجال القضاء محكماً عن تلك الجهة، ولما كانت هذه المدة قد انقضت دون اعتراض من أي من الجهات المتنازعة على تشكيل الهيئة فمن ثم يعتبر انعقادها صحيحاً ومطابقاً للقانون، وإذ كان الثابت أن المحكمين اللذين تغيبا عن جلسة الحكم قد استبدلا بآخرين بموجب خطابات رسمية من الشركتين اللتين يمثلانهما دون اعتراض من أحد فمن ثم لا يجوز لأحد أن يتعرض لتشكيل الهيئة بعد ذلك وإلا انطوى ذلك على مخالفة لصريح حكم القانون، ومتى بان ذلك فإن المنازعة تخرج من اختصاص القضاء الإداري، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه أخطأ كذلك فيما قضى به من رفض الدعوى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها ووجه هذا الخطأ أنه وإن كان موضوع الدعوى هو الطعن على قرار إداري صادر من وزير العدل، إلا أنه من الضروري عند التعرض لمشروعية هذا القرار المساس بسلامة الحكم الصادر من الهيئة في موضوع التحكيم، وقد بان ذلك فيما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من انعدام ولاية هيئة التحكيم في الفصل في موضوع التحكيم، ولا ريب أن ذلك يعد قضاء في الموضوع على نحو يخالف الحكم الصادر من الهيئة ويخالف بالتالي ما نصت عليه المادة 69 من القانون رقم 60 لسنة 1971 المشار إليه فيما نصت عليه من أن أحكام هيئة التحكيم نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن.
ومن حيث إن المطعون ضده قدم مذكرة بدفاعه أشار فيها إلى ما ورد في تقرير مفوض الدولة ومسايراً إياه فيما انتهى إليه وخلص في مذكرته إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الجهة الطاعنة بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أحكام قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971 أنه أفرد الباب السادس من الكتاب الثاني من القانون لبيان الأحكام الخاصة بالتحكيم في المنازعات التي تقع بين شركات القطاع العام أو بين تلك الشركات والجهات الحكومية أو المؤسسات والهيئات العامة فقضت المادة 60 بأن تختص هيئات التحكيم المنصوص عليها في القانون دون غيرها بنظر المنازعات التي تقع بين شركات القطاع العام أو بين هذه الشركات وبين الجهات السالف ذكرها كما قضت المادة 61 من ذات القانون على أن يصدر وزير العدل قراراً بتشكيل هيئة التحكيم في كل نزاع برئاسة أحد رجال القضاء من درجة مستشار أو مستشار من مجلس الدولة يرشحه رئيس المجلس وتكون له الرئاسة وعضوية عدد من المحكمين بقدر الخصوم الأصليين في النزاع ويبين في القرار النزاع الذي سيعرض على هيئة التحكيم. ونصت المادة 62 على أن "ينشأ بوزارة العدل مكتب للتحكيم يتكون من عدد كاف من رجال القضاء يختارهم وزير العدل.. ويتولى مكتب التحكيم قيد طلبات التحكيم المقدمة من الجهات المتنازعة إلى وزير العدل وإخطار باقي الجهات المختصة بصورة من هذه الطلبات وتكليفها باختيار محكم لها خلال أسبوعين من تاريخ إخطارها، فإذا انقضت المدة المذكورة دون إبلاغ وزارة العدل بما يفيد اختيار إحدى الجهات المتنازعة محكماً لها قام وزير العدل باختيار أحد رجال القضاء كمحكم عن تلك الجهة"، ونصت المادة 69 من القانون على أن "تكون أحكام هيئات التحكيم نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن" ويبين من النصوص المتقدمة أن المشرع قد وكل إلى الجهات المتنازعة في طلب التحكيم سلطة اختيار محكميها خلال أسبوعين من تاريخ إخطارها باختيار هؤلاء المحكمين، فإذا ما قامت كل من هذه الجهات باختيار محكمها خلال الأجل المذكور أصدر وزير العدل قراره بتشكيل هيئة التحكيم برئاسة أحد المستشارين وعضوية المحكمين الذين اختارتهم الجهات المتنازعة، ولا ريب أن قرار وزير العدل في هذا الشأن لا يعتبر قراراً إدارياً إلا بالنسبة لتعيين رئيس الهيئة فقط إذ أن القرار هو الذي يسند إليه ولاية التحكيم بمعنى أنه ينشئ، في هذا الخصوص مركزاً قانونياً مؤداه إسناد ولاية التحكيم إلى المستشار الذي اختاره وزير العدل رئيساً لهيئة التحكيم، أما باقي المحكمين فقد تم اختيارهم سلفاً على النحو الذي حدده القانون ومن ثم لا يستصحب قرار وزير العدل بتشكيل هيئة التحكيم صفة القرار الإداري فيما تضمنه من أسماء المحكمين الذين يمثلون الجهات المتنازعة إذ أنه في شقه هذا لا ينشئ مركزاً قانونياً بإسناد ولاية التحكيم إليهم، وإنما الذي أسند تلك الولاية لكل منهم الجهة التي يتبعها كل محكم والتي وكل إليها القانون سلطة اختيار محكمها ومتى بان ذلك فإن المنازعة الراهنة وهي تنصب على المنازعة في صحة تشكيل هيئة التحكيم في طلب التحكيم رقم 68 لسنة 1977، لا تعتبر طبقاً للتكييف القانوني السليم، طعناً بالإلغاء في أحد القرارات الإدارية التي تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر في طلب إلغائها وذلك لانحسار صفة القرار الإداري فيما يتعلق بأعضاء هيئة التحكيم الذين يمثلون الجهات المتنازعة على ما سلف البيان، وإنما تعتبر المنازعة المذكورة من المنازعات الإدارية باعتبارها تدور بين جهة إدارية وهي وزارة العدل وبين أحد الأطراف المتنازعة في طلب التحكيم المشار إليه حول صحة تشكيل هيئة التحكيم وتدخل بالتالي هذه المنازعة في ولاية محاكم مجلس الدولة، لا باعتبارها طعناً بالإلغاء في قرار إداري، بل باعتبارها منازعة إدارية تختص محاكم مجلس الدولة بنظرها طبقاً للبند (رابع عشر) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، ومتى كان ما تقدم فإنه يغدو غير صائب ولا سليم ما يقول به الطعن من عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى على قول بأن القانون رقم 61 لسنة 1970 سالف الذكر قد أوجب بالمادة 62 منه عرض الخلاف حول تشكيل هيئة التحكيم على الهيئة التي أصدرت الحكم، ذلك أن هذه المادة لم تتعرض لما يقول به الطعن إطلاقاً وإنما نصت على أن يقوم وزير العدل باختيار أحد رجال القضاء كمحكم عن الجهة التي تقاعست عن اختيار محكمها خلال الأجل الذي حدده القانون، دون أن تعرض بشكل أو بآخر إلى إسناد ولاية الفصل في الخلاف حول تشكيل هيئة التحكيم إلى الهيئة التي أصدرت الحكم على نحو ما يقول به الطعن.
ومن حيث إنه لا وجه لما يقول به الطعن من أنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يقضي بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها تأسيساً على أن التعرض لصحة تشكيل هيئة التحكيم يتضمن بالضرورة المساس بالحكم الصادر من الهيئة موضوع النزاع وهو أمر يتعارض مع ما نصت عليه المادة 69 من القانون رقم 61 لسنة 1970 سالف الذكر من أن أحكام هيئة التحكيم نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، لا وجه لذلك إذ هذه المنازعة تدور حول صحة تشكيل هيئة التحكيم ذاتها، ولا تتعرض لمدى سلامة الحكم الذي أصدرته الهيئة في موضوع النزاع، ولا يغير من الأمر شيئاً التحدي بالآثار التي قد تترتب على الفصل في المنازعة الراهنة على سلامة الحكم المشار إليه، ذلك أن المناط في هذا الخصوص هو باختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة المعروضة، ومتى استقام هذا الاختصاص على النحو السابق بيانه، فلا وجه للتحدي بالآثار التي قد تترتب على الحكم الصادر في المنازعة الماثلة.
ومن حيث إنه يبين من حكم المادة 62 من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971 أن الجهات المتنازعة هي التي تستقل باختيار محكميها في المنازعات التي تعرض على هيئات التحكيم متى قامت بهذا الاختيار في الأجل الذي حدده القانون فمن ثم فإنه يجوز لأي من تلك الجهات استبدال محكمها، متى رأت وجهاً لذلك، ولا تثريب على رئيس هيئة التحكيم إن هو اعتمد هذا الاستبدال وفصل في المنازعة دون انتظار صدور قرار من وزير العدل بذلك، على نحو ما تم في المنازعة الماثلة، ما دام أن الجهة التي تستقل بسلطة اختيار المحكم هي التي قامت باستبداله، وهي في ممارستها لهذه السلطة لا تخضع لاعتماد أو تصديق من وزير العدل، وهذا النظر فضلاً عن أنه يتفق وحكم القانون فإن من شأنه سرعة الفصل في المنازعات التي تعرض على هيئات التحكيم والبعد بها عن الإجراءات العادية للتقاضي، وهي الحكمة التي تغياها المشرع من استحداث نظام التحكيم للفصل في المنازعات التي تقوم بين شركات القطاع العام أو بينها وبين الجهات التي حددها القانون، ومتى كان ذلك فإن قيام رئيس هيئة التحكيم بإقرار استبدال المحكمين والفصل في المنازعة قبل صدور قرار من وزير العدل بهذا الاستبدال لا ينال في ضوء النظر المتقدم، من صحة تشكيل هيئة التحكيم التي فصلت في طلب التحكيم رقم 68 لسنة 1977 وتكون بالتالي دعوى المطعون ضده بالطعن في صحة هذا التشكيل على غير سند من القانون وإذ أحذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغاء هذا الحكم وبرفض الدعوى.
ومن حيث إن المطعون ضده خسر هذا الطعن فمن ثم فقد حق إلزامه بالمصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.