أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 457

جلسة 24 من إبريل سنة 1978

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، ودكتور أحمد رفعت خفاجي، ومحمد عبد الحميد صادق.

(87)
الطعن رقم 112 لسنة 48 القضائية

(1 - 9) تعذيب: "اختصاص ولائي". قضاء عسكري. نيابة عامة. حكم. "بياناته - بيانات الديباجة". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام". "تسجيل صوتي". "خبرة". "اعتراف". "إكراه". "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات. "إجراءات المحاكمة". بطلان. أمن دولة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
(1) القضاء العسكري. حقه وحده دون معقب في التقرير بما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصه من عدمه. النيابة العسكرية عنصر من القضاء العسكري. أساس ذلك؟
(2) العبرة في بيان المحكمة التي أصدرت الحكم هي بحقيقة الواقع لا بما ورد عنها خطأ في ديباجته. مثال.
(3) قبول وجه الطعن. شرطه. أن يكون واضحاً ومحدداً. مثال؟
(4) محاجة المتهم بأشرطة تسجيل في دعوى. لا يحتم محاجته بها في أخرى.
(5) خلو الكشف الطبي الموقع على المجني عليه عند دخول السجن من وجود إصابات به لا ينفي وجودها والجزم بسببها عند دخوله إياه متى استدل الحكم على ذلك بما ورد بشأنها بالتحقيق العسكري والكشف الطبي اللاحق ومن ظروف الدعوى وملابساتها. أساس ذلك: حق المحكمة في الأخذ بما تطمئن إليه من تقارير وإطراح ما عداه والجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره.
وزن أقوال الشاهد وتقديرها. موضوعي. تناقض رواية الشاهد لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة منها بما لا تناقض فيه. مثال.
لمحكمة الموضوع أن تأخذ بالأقوال التي ينقلها شاهد من آخر متى اطمأنت إليها.
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي اقتناعها بطريق الاستقراء والاستنتاج وكافة الممكنات العقلية. مثال.
(6) تزيد الحكم فيما لا أثر له في عقيدته. لا يعيبه.
(7) تقدير المحكمة أن المكتوب الذي حرره المتهم اعترافاً بجناية تخابر وليد جريمة تعذيبه من الطاعن لحمله على تحريره. موضوعي.
(8) اشتراط أن يكون الدليل صريحاً دالاً بذاته على الواقعة المراد إثباتها. غير لازم. كفاية أن يكون من شأنه أن يؤدى إليها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة. مثال.
(9) سكوت المتهم عن التمسك بحقه في الكلمة الأخيرة. لا بطلان.
1 - لما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 تنص على أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما كان الجرم داخلاً في اختصاصها أولاً، وكانت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور قد نصت على أن هذا الحق قد قرره القانون للسلطات القضائية العسكرية وذلك على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، وكانت النيابة العسكرية عنصراً أصيلاً من عناصر القضاء العسكري وتمارس السلطات الممنوحة للنيابة العامة بالنسبة للدعاوى الداخلة في اختصاص القضاء العسكري طبقاً للمواد 1، 28، 30 من القانون السالف ذكره، فإنها هي التي تختص بالفصل فيما إذا كانت الجريمة تدخل في اختصاصها وبالتالي في اختصاص القضاء العسكري، وقرارها في هذا الصدد هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً، فإذا رأت عدم اختصاصها بجريمة ما تعين على القضاء العادي أن يفصل فيها دون أن يعيدها مرة أخرى إلى السلطات العسكرية التي قالت كلمتها في هذا الخصوص، وإذ كان الثابت مما سطره الحكم المطعون فيه وبما لا يماري فيه الطاعن أن تحقيقات الدعوى الماثلة قد أحيلت إلى النيابة العسكرية فأجابت بكتابها المؤرخ 1 من ديسمبر سنة 1974 بعدم اختصاص القضاء العسكري بنظرها، وهو ما ينعقد معه الاختصاص بالفصل فيها للقضاء العادي، وكان الحكم المطعون فيه قد ألتزم هذا النظر وأشار إلى أنه ليس في أحكام القانون 100 لسنة 1971 في شأن المخابرات العامة ما يخرج الدعوى المتصلة به من يد النيابة العسكرية التي تباشر بالنسبة لها كافة سلطاتها المخولة لها بموجب قانون الأحكام العسكرية الرقيم 25 لسنة 1966، ومنها حقها في تقرير ما إذا كانت الجريمة تدخل في اختصاصها أم لا طبقاً لنص المادة 48 منه، ومن ثم يكون الحكم قد أصاب صحيح القانون فيما انتهى إليه من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ويكون النعي عليه لذلك في غير محله ولا تجوز المحاجة من بعد بالتزام ما نص عليه القانون 100 لسنة 1971 المشار إليه في شأن الإذن برفع الدعوى أو تمثيل جهاز المخابرات في تشكيل هيئة المحكمة طالما أن الدعوى قد أقصيت عن مجال تطبيق أحكامه.
2 - لما كان ما أبداه الدفاع في مرافعته وأكده بما ساقه بأسباب طعنه بشأن الطلبات والدفوع التي أبداها أمام مستشار الإحالة ثم صدور نسخة الحكم الأصلية معنونة باسم محكمة جنايات القاهرة، هو مما يقطع يقيناً بإحالة الدعوى إليها من مستشار الإحالة، ولما كانت العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر في الواقع من محكمة جنايات القاهرة مشكلة وفق قانون الإجراءات الجنائية وليست باعتبارها محكمة أمن دولة عليا، وهو ما لا يجادل فيه الطاعن، فإن ما يثيره حول ما ورد بديباجة الحكم من أن الدعوى أحيلت إلى المحكمة من النيابة العامة، مردود بأنه مجرد خطأ في الكتابة وزلة قلم لا تخفي ولم يكن نتيجة خطأ من محكمة في فهمها واقع الدعوى هذا إلى أن الطعن بالنقض يقصد منه العصمة من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه لتمكين القانون وإجراء أحكامه لا أن يكون ذريعة إلى تجاوز حدوده.
3 - لما كان الطاعن لم يبين ماهية الدفاع التي أبداها أمام مستشار الإحالة وأغفلت المحكمة الرد عليها، فإنه لا يقبل منه النعي على الحكم لذلك، لما هو مقرر من أنه يشترط لقبول الطعن أن يكون واضحاً محدداً.
4 - لما كان ما سطره الحكم من أن التسجيلات الصوتية لبعض الأحاديث التي دارت بين المجني عليه وضابط المخابرات الأمريكي قد ظلت تحت يد هيئة الأمن القومي منذ 7/ 7/ 1965 حتى 9/ 8/ 1965 وإلى ما بعد تقديم المجني عليه الإقرار المؤرخ 4/ 8/ 1965، له معينه من الأوراق فإن النعي على ذلك بدعوى الخطأ في الإسناد تكون ولا محل لها، ولا ينال من الحكم المطعون فيه أن يكون قد استخلص من تراخي تفريغها إلى ما بعد تقديم لإقرار المشار إليه أن ذلك كان يقصد تحصينها مما شابها من البطلان لتسجيلها خلسة وبغير الطريق الذي رسمه القانون، مناقضاً بذلك الاعتداد بتلك التسجيلات ضمن دعائم القضاء بالإدانة في دعوى التخابر رقم 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، ذلك بأن من المقرر أن تقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقة دون الأدلة المقدمة في الدعوى ولانتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفين موضوعاً وسبباً.
5 - لما كان الحكم قد استدل على أن تعذيب المجني عليه قد ترك آثاراً بجسده مما أنبته المحقق العسكري بمحضره المؤرخ 16/ 3/ 1968 حين عدد شطراً من تلك الآثار، كما ردد الكشف الطبي الموقع عليه في 3/ 4/ 1968 شطراً أخر منها وإن لم يحزم بسببها، ومن ثم فلا تثريب عليه إذا هو التفت عن التقرير الطبي الموقع على المجني عليه عند دخوله السجن في 1/ 12/ 1965، الذي صمت عن الإشارة إلى تلك الآثار، لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن ذلك أمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليه فيه. وإن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما لا يعيب الحكم تناقض أقوال الشاهد - على فرض حصوله - طالما أنه استخلص الإدانة من أقواله بما لا تناقض فيه، وكان لا مانع في القانون من أن تأخذ المحكمة بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر متى اطمأنت إليها ورأت أنها صدرت حقيقة عمن رواها وكانت تمثل الواقع في الدعوى - وهو الحال في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة استناد الحكم إلى أقوال المجني عليه والشهود إنما ينحل في حقيقته إلى جدل في تقدير الدليل وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان النعي بأن الحكم قد استدل على التعذيب كذلك برواية فريق انصبت على تعذيبهم هم، وبأقوال من توسطوا للإفراج عن المطعون ضده، وأنه أفاض دون حاجة في الحديث عن الحبس بمبنى جهاز المخابرات ومسلكه حينذاك في البطش والتعذيب وما حاق بغير المجني عليه، مردوداً، بما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث والصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وإذ كان ما ساقه الحكم المطعون فيه وعول عليه من أقوال سائر الشهود - على ما سلف بيانه - ليس إلا استنتاجاً من المقدمات التي استظهرتها المحكمة، وهو مما يدخل في سلطة القاضي الذي له أن يستخلص من وقائع الدعوى، وظروفها، ما يؤيد به اعتقاده في شأن حقيقة الواقعة ما دام ما استخلصه سائغاً متفقاً مع الأدلة المطروحة وليس فيه إنشاء لواقعة جديدة أو دليل مبتدأ ليس له أصل في الأوراق مما يصح أن يوصف بأنه قضاء بعلم القاضي ويكون النعي لذلك غير سديد.
6 - لما كان حديث الحكم من الحبس والتعذيب بمبنى جهاز المخابرات آنذاك ليس إلا عن الدلالات والظروف التي لا بست الحادث أو تلته ومعالجة منه لما أثير في هذا الصدد وانبعاثاً منه في طلب الصورة الصحيحة لما حدث، كما أن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه لا أثر له في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها.
7 - لما كان الحكم قد أشار إلى أن ما قرره المجني عليه عند ضبطه في الدعوى 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، بتاريخ 21/ 7/ 1965، أو عند استجوابه لا يرقى إلى مرتبة الاعتراف بجريمة التخابر، ولا يخرج في مجموعة عن إقراره بالتكليف الصادر له من المسئولين بالاتصال بالسفارة الأمريكية وتبليغهم بما يحصل عليه من معلومات دون ثمة إشارة لما قدمه هو من معلومات إلى ضابط المخابرات الأمريكية حتى يمكن تقويمها من حيث مدى مساسها بمركز البلاد، وذلك على نقيض إقراره الكتابي الذي تضمن باستفاضة كل ما دار بينه وبين الضابط الأمريكي مطابقاً في ذلك فحوى التسجيلات الصوتية التي كانت في حوزة جهاز المخابرات وتراخي تقديمها إلى ما بعد تقديم هذا الإقرار لتحصينها من البطلان، وهو ما يؤكد قالة المجني عليه بأن كان يدون ما يملى عليه، حتى أصبح هذا الإقرار لا يتفق سواء من حيث مظهره وطريقة كتابته وما حواه بإطناب مع القول بأنه كان تسجيلاً لتوبة أو التماساً لصفح، وقد خلص الحكم مما أسلفه من الظروف والقرائن إلى قوله: "إن الالتماس المذكور ما هو في حقيقته إلا إقراراً صريحاً لا لبس فيه من المجني عليه - المتهم في القضية 10 سنة 1965 جنايات أمن دولة عليا - على نفسه باتصاله بأجنبي ومده بمعلومات اعتبرها الحكم الصادر في القضية المذكورة ضارة بالمركز السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والحربي للبلاد، مما يعتبر نصاً على اقتراف الجريمة ليس قاصراً على واقعة التكليف والعلم دون غيرهما، وقد وصفه الحكم المذكور بأن المجني عليه يعترف فيه صراحة بكل ما حدث بينه وبين....... وهذا دليل قد جاء على لسانه بأنه كان يتخابر ولا يعتد في هذا المقام بما قرره المجني عليه من أن السبب في تعذيبه كان يقصد ألا يذكر علم المسئولين باتصالاته طالما أنه قد ثبت للمحكمة أن فكرة تحرير الإقرار لم تنبع أصلاً من المجني عليه وإنما كانت بناء على طلب المتهم الأول "الطاعن" على أن يكون في صورة التماس إلى الرئيس السابق وأن المجني عليه لم يحرره طواعية واختياراً بمطلق إرادته وإنما كان تحريره له رضوخاً منه ودفعاً لما وقع عليه من تعذيب لم يطقه تم بأمر المتهم الأول الذي يعلم بالاتهام المسند إلى المجني عليه......، ولما كان ذلك وكان توافر القصد الجنائي مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها، وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، فإن الحكم المطعون فيه يكون، للأسباب السائغة التي أوردها، استخلاصاً من ظروف الدعوى وما توحي به ملابساتها قد أصاب صحيح القانون إذ دان الطاعن بجناية الأمر بتعذيب متهم لحمله على الاعتراف، وهو ما لا محل معه من بعد للتحدي بأن ما اقترفه هو جنحة استعمال القسوة التي سقطت بالتقادم.
8 - لما كان من المقرر أنه على المتهم إذا كانت المحكمة قد فاتها أن تعطيه الكلمة الأخيرة أمامها أن يطالبها بذلك فإذا هو لم يفعل فإنه يعد متنازلاً عن حقه في أن يكون آخر من يتكلم باعتبار أنه لم يكن عنده أو لم يبق لديه ما يقوله في ختام المرافعة وكان الطاعن لا يدعي في أسباب طعنه أنه طلب إلى المحكمة التعقيب على أقوال المدعي بالحق المدني أو أن تكون له الكلمة الأخيرة ولا يدعي أن أحداً منعه من ذلك فلا يحق له النعي على الحكم شيئاً في هذا الصدد إذ أن سكوته عن ذلك دليل على أنه لم يجد فيما شهد به المدعي بالحق المدني - بعد أن أبدى دفاعه من قبل ما يستوجب رداً من جانبه مما لا يبطل المحاكمة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: (1)........... (الطاعن) و(2)......... و(3)........ بأنهم بصفتهم مستخدمين عموميين الأول رئيساً لهيئة المخابرات العامة والثاني والثالث يعملون بهذه الهيئة: أمروا بتعذيب........ المتهم في الجناية رقم 10 سنة 1965 أمن عليا لحمله على الاعتراف بمقارفته الجريمة المسندة إليه في الجناية سالفة الذكر. وطلبت معاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. وادعى المجني عليه....... مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادة 126 من قانون العقوبات. بالنسبة للمتهم الأول - الطاعن - وبالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهمين الثاني والثالث (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة مدة عشر سنوات عن التهمة المسندة إليه مع إلزامه أن يدفع للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة. (ثانياً) ببراءة كل من المتهمين الثاني والثالث من التهمة المسندة إليه ورفض الدعوى المدنية قبله. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الأمر بتعذيب متهم لحمله على الاعتراف، قد خالف القانون وشابه الخطأ في فهم الواقعة والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال والبطلان في الإجراءات، ذلك بأن الطاعن كان رئيساً لجهاز المخابرات العامة وقت وقوع الحادث المدعى به مما يجعل أمر محاكمته موكولاً إلى القضاء العسكري وحده بعد استصدار أمر من رئيس الجمهورية وأن يمثل جهاز المخابرات في تشكيل هيئة المحكمة. حسبما تمليه نصوص المواد 70/ أ، جـ، 71، 73 من القانون رقم 100 لسنة 1971 بشأن المخابرات العامة، والتي تقضي ضمناً بإلغاء نص المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية الرقيم 25 لسنة 1966 التي استند إليها الحكم في رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، كما لم تستظهر المحكمة إحالة الدعوى إليها من قضاء الإحالة، ولا الدفوع التي أبديت في تلك المرحلة، اعتقاداً منها بأنها من قضايا أمن الدولة، إذ ورد بصدر أسباب حكمها أنها أحيلت إليها من النيابة العامة، وقد خالف الحكم المطعون فيه الثابت بالأوراق فيما انتهى إليه من أن التسجيلات الصوتية المقدمة في الدعوى 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا والتي قضى فيها نهائياً بإدانة المطعون ضده في جريمتي التخابر والتهريب، قد تراخى تفريغها حتى يوم 9/ 8/ 1965، بقصد تحصيها - مما شابها من بطلان لتسجيلها خلسة وبغير إذن - بالإقرار المقدم من المطعون ضده في تلك الدعوى في 4/ 8/ 1965، وهو ما يناقض في ذات الوقت حجية الدليل المستمد من تلك التسجيلات والذي كان من بين دعامات قضاء الإدانة في الدعوى المشار إليها، وقد استدل الحكم في ثبوت إصابات المجني عليه مما أثبته المحقق العسكري بمحضره المؤرخ 16/ 3/ 1968 ملتفتاً بذلك عن مضمون الكشف الطبي الموقع عليه عند دخول السجن في 1/ 12/ 1965، فضلاً عن أن الدليل على التعذيب قد اقتصر على رواية المجني عليه المتضاربة وآخر سماعية وروايات لغيرهم جرى بعضها بما وقع عليهم من تعذيب، والبعض الآخر بأن المجني عليه كان بريئاً وقد توسطوا للإفراج عنه، وقد أفاض الحكم دون حاجة الدعوى في الحديث عن عدم مشروعية الحبس بمبنى جهاز المخابرات ومسلك هذا الجهاز حينذاك في البطش والتعذيب، وما حاق ببعض الشهود المشار إليهم مما كان له أثره في ابتناء الحكم على المعلومات دون البيانات، كما خلص إلى أن تعذيب المجني عليه كان لحمله على الاعتراف رغم أن الإقرار المقدم منه لم يكن سوى التماساً لرئيس الجمهورية السابق وقد أشار فيه إلى أنه هو الذي كلفه بالاتصال بالأمريكيين ولم يجحد المجني عليه الاتصال بهم ولا التخابر معهم، مما مؤداه أن تعذيبه بفرض حدوثه - لم يكن بقصد حمله على الاعتراف ولا يعدو لذلك أن يكون جنحة استعمال قسوة انقضت بالتقادم، هذا إلى أن الطاعن لم يكن آخر من تحدث في المرافعة، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في قوله: "أن المتهم الثاني......... بصفته رئيساً لهيئة الأمن القومي بجهاز المخابرات العامة، أبلغ بتاريخ 20/ 5/ 1965 نيابة أمن الدولة العليا بأن المجني عليه الصحفي......... وهو رئيس تحرير جريدة الأخبار يقوم بالتخابر والعمل لحساب المخابرات الأمريكية وضد أمن وسلامة الدولة وبأنه سيجتمع مع مندوب المخابرات الأمريكية في الساعة الثانية من مساء يوم الأربعاء 21 يوليه سنة 1965 بسكنه بالقاهرة...... أو في منزله بالإسكندرية........ وطلب الأمر بضبط هذا الاجتماع وتفتيش مسكنيه ومكتبه بالجريدة، وبتاريخ 21/ 7/ 1965 قام المتهم الثالث....... بصفته وكيل هيئة الأمن القومي على رأس قوة من أفراد المخابرات العامة إلى الإسكندرية ومعهم وكيل نيابة أمن الدولة حيث تم القبض على المجني عليه أثناء جلوسه في حديقة داره مع........ الملحق بالسفارة الأمريكية ونقل من الإسكندرية في الساعة الرابعة مساء مكبل اليدين ومعصب العينين إلى القاهرة حيث وصلوا دار المخابرات العامة قبيل غروب الشمس واحتجزه فيها دون ثمة سؤال، حتى إذا ما كانت الساعة التاسعة والنصف من مساء اليوم التالي 22/ 7/ 1965 مثل المجني عليه أمام رئيس نيابة أمن الدولة العليا واستمر التحقيق معه وبحضور النائب العام السابق حتى صباح يوم 23/ 7/ 1965 حيث أمر بحبسه احتياطياً وبدلاً من أن يرحل المجني عليه إلى أحد السجون العمومية أو المركزية تنفيذاً لأمر الحبس الصادر ضده أودع سجن المخابرات دون أمر كتابي صريح من النيابة العامة، ....... ونظراً لأن المجني عليه لم يعترف عند ضبطه أو استجوابه بالتهمة المسندة إليه، ولما كانت التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها هيئة الأمن القومي بالمخابرات العامة والتي سجلت بعض اجتماعات المجني عليه مع الضابط الأمريكي قد أخذت بطريق غير مشروع مما خشي معه تقديم هذه التسجيلات إلى المحقق يوم بدء التحقيق في 22/ 7/ 1965 فقد طلب المتهم الأول......... "الطاعن" من المجني عليه عقب استجوابه أول مرة أن يكتب إقراراً في صورة التماس للرئيس السابق - ......... - يعترف فيه صراحة بالتهمة المنسوبة إليه وعلى ألا يذكر أن اتصاله كان بتكليف من المسئولين وإذ رفض المجني عليه ذلك الطلب حتى أمر المتهم الأول رئيس المخابرات العامة بتعذيبه حتى يذعن لما طلبه منه وتنفيذاً لذلك الأمر اقتاده معذبوه إلى زنزانة بالدور الأرضي بمبنى المخابرات بداخلها مقعد دائري بين ألفاظ التهديد والوعيد ثم جردوه من ملابسه حتى أصبح كيوم ولدته أمه وسلطوا عليه الكشافات المضيئة القوية التي كادت تعمى عينيه ثم انهالوا عليه ضرباً بالأيدي وركلاً بالأقدام ثم قيدوه إلى الحائط من يديه وقدميه وقاموا بنزع شعر جسده وعانته بأيديهم وفي قسوة أخذوا يلدغونه بأظافرهم في جسده ثم ربطوا قضيبه بسلك كهربائي وأطلقوا قيده وأخذوا يجذبونه منه وانهالت عليه ألفاظ السباب البذيئة حتى سب أمه اضطر إلى الرضوخ لمطلبهم لعدم تحمله بما لاقاه من ألوان هذا التعذيب البدني فصعدوا به إلى غرفة بالدور العلوي حيث أحسنوا وفادته وبدأ يكتب ما يرضون عنه أو يملوه عليه، حتى إذ لم يمتثل لأوامرهم أو يكتب ما لا يرضون عنه أنزلوه إلى زنزانته بالدور الأرضي ليعيدوا عليه الكرة ويقدموا له وجبة أخرى من التعذيب المماثل فضلاً عن حرمانه من الطعام والشراب حتى اضطر أثناء ذلك إلى شرب ماء الاستنجاء بل وشرب بوله واستمر الحال على هذا لمنوال بين تعذيب وراحة حي انتهى المجني عليه من كتابة ما راق لهم من إقرار وبالصورة التي قدم بها هذا الإقرار إلى المحقق في 4/ 8/ 1965، وكان المتهمان الأول والثاني يترددان على المجني عليه أثناء تعذيبه ومعهما بعض المتهمين في القضية رقم 9 لسنة 1965 أمن دولة عليا المعروفة باسم قضية الحزب الشيوعي العربي وهم...... ،........, ......., ......., ........ وذلك إرهاباً لهم وزهواً بسلطتهم، وكان المجني عليه أثناء استجوابه فيما جاء بالإقرار المذكور واقعاً تحت تأثير ما ذاقه من ألوان التعذيب هذا وقد ترك التعذيب الجسدي بالمجني عليه آثاراً ظل بعضها ظاهراً حتى أثبته المحقق العسكري في 16/ 3/ 1968 عند مناظرته المجني عليه بمناسبة سؤاله في الشكوى المقدمة منه بتاريخ 25/ 2/ 1968 بشأن تعذيبه وهي علامات سوداء أسفل الركبة وأيضاً الساق ناحية القدم كما لاحظ وجود أثر جرح غائر في منتصف الركبة اليمنى ووجود علامتين أسفل الذقن وعلامات غائرة حول رأس القضيب كما ثبت من الكشف الطبي الموقع على المجني عليه في 3/ 4/ 1968 بليمان طرة أثر التئام قديم لجرح صغير بقمة الرأس وأثر إلتآمين بمقدم الساق الأيسر، وبعد انتهاء التحقيق رحل إلى سجن الاستئناف في 1/ 12/ 1965 حيث حرر رسالة في 6/ 12/ 1965 إلى الرئيس السابق جمال عبد الناصر يشكو فيها مما تعرض له من تعذيب بمبنى المخابرات العامة ومر بها إلى الصحفي........ صاحب دار الصياد بلبنان الذي عرضها على السيد.......... الذي نصح بعدم إبلاغها خوفاً على حياة المجني عليه فيما لو علم بها المتهم الأول، وقدم المجني عليه لمحاكمته أمام المحكمة العسكرية العليا حيث أفضى إلى هيئة الدفاع عنه ومن بينهم الأستاذ........ المحامي بما تعرض له من تعذيب، وقضت تلك المحكمة بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة، ثم رحل إلى ليمان طره حيث زارته لجنة الحريات المشكلة من بعض أعضاء مجلس الشعب لتقصي الحقائق وكان من بين أعضائها السيد.......، والسيدة......... اللذين التقى بهما المجني عليه وأخبرهما بما وقع عليه من تعذيب، كما روى للدكتور........ أحد زملائه بالليمان ما حدث له في هذا الشأن، وقد حاول بعض أصدقاء المجني عليه وهم السيد....... ورئيس وزراء السودان السابق والسيد....... سفير العراق السابق بمصر المتوسط لدى الرئيس السابق......... للإفراج عنه غير أن مسعاهما قد باء بالفشل لعدم استجابة الرئيس السابق لمطلبهم تأديباً للمجني عليه جزاء ما نسبه إليه من أن منع الولايات المتحدة الأمريكية توريد القمح إلى مصر سيرغمه على الركوع لها فضلاً عن الكيد للولايات المتحدة الأمريكية هذا بالإضافة إلى ما قرره المتهم الأول للدكتور......... بأن المجني عليه قد ظلم في قضيته.
وقد قضت المحكمة بحكمها المطعون فيه بمعاقبة المتهم الأول "الطاعن بالأشغال الشاقة عشر سنوات وبإلزامه بمبلغ 51 جنيهاً تعويضاً مؤقتاً، وببراءة المتهمين الثاني والثالث وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على الصورة سالفة البيان ما ينتجها من وجوه الأدلة السائغة الواردة في المساق المتقدم، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الأمر بتعذيب متهم لحمله على الاعتراف التي دان بها الطاعن، وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية الرقيم 25 لسنة 1966 تنص على أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أولاً وكانت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور قد نصت على أن هذا الحق قد قرره القانون للسلطات القضائية العسكرية وذلك على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، وكانت النيابة العسكرية عنصراً أصيلاً من عناصر القضاء العسكري وتمارس السلطات الممنوحة للنيابة العامة بالنسبة للدعاوى الداخلة في اختصاص القضاء العسكري طبقاً للمواد 1، 28، 30 من القانون السالف ذكره، فإنها هي التي تختص بالفصل فيما إذا كانت الجريمة تدخل في اختصاصها وبالتالي في اختصاص القضاء العسكري، وقرارها في هذا الصدد هو القول الفصل الذي لا يقبل تعقيباً، فإذا رأت عدم اختصاصها بجريمة ما تعين على القضاء العادي أن يفصل فيها دون أن يعيدها مرة أخرى إلى السلطات العسكرية التي قالت كلمتها في هذا الخصوص وإذ كان الثابت مما سطره الحكم المطعون فيه وبما لا يماري فيه الطاعن أن تحقيقات الدعوى الماثلة قد أحيلت إلى النيابة العسكرية فأجابت بكتابها المؤرخ في 1 من ديسمبر سنة 1974 بعدم اختصاص القضاء العسكري بنظرها، وهو ما ينعقد معه الاختصاص بالفصل فيها للقضاء العادي، وكان الحكم المطعون فيه قد ألتزم هذا النظر وأشار إلى أنه ليس في أحكام القانون 100 لسنة 1971 في شأن المخابرات العامة ما يخرج الدعوى المتصلة به من يد النيابة العسكرية التي تباشر بالنسبة لها كافة سلطاتها المخولة لها يوجب قانون الأحكام العسكرية الرقيم 25 لسنة 1966، ومنها حقها في تقرير ما إذا كانت الجريمة تدخل في اختصاصها أم لا طبقاً لنص المادة 48 منه، ومن ثم يكون الحكم قد أصاب صحيح القانون فيما انتهى إليه من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ويكون النعي عليه لذلك في غير محله، ولا تجوز المحاجة من بعد بالتزام ما نص عليه القانون 100 لسنة 1971 المشار إليه في شأن الإذن برفع الدعوى أو تمثيل جهاز المخابرات في تشكيل هيئة المحكمة طالما أن الدعوى قد أقصيت عن مجال تطبيق أحكامه. لما كان ذلك، وكان ما أبداه الدفاع في مرافعته وأكده بما ساقه بأسباب طعنه بشأن الطلبات والدفوع التي أبداها أمام مستشار الإحالة ثم صدور نسخة الحكم الأصلية معنونة باسم محكمة جنايات القاهرة، هو مما يقطع يقيناً بإحالة الدعوى إليها من مستشار الإحالة، ولما كانت العبرة في الكشف عن ماهية الحكم هي بحقيقة الواقع، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر في الواقع من محكمة جنايات القاهرة مشكلة وفق قانون الإجراءات الجنائية وليست باعتبارها محكمة أمن دولة عليا، وهو ما لا يجادل فيه الطاعن، فإن ما يثيره حول ما ورد بديباجة الحكم من أن الدعوى أحيلت إلى المحكمة من النيابة العامة، مردود بأنه مجرد خطأ في الكتابة وزلة قلم لا تخفى ولم يكن نتيجة خطأ من المحكمة في فهمها واقع الدعوى، هذا إلى أن الطعن بالنقض يقصد منه العصمة من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه، لتمكين القانون وإجراء أحكامه لا أن يكون ذريعة إلى تجاوز حدوده. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يبين ماهية الدفاع التي أبداها أمام مستشار الإحالة وأغفلت المحكمة الرد عليها، فإنه لا يقبل منه النعي على الحكم بذلك، لما هو مقرر من أنه يشترط لقبول الطعن أن يكون واضحاً محدداً. لما كان ذلك، وكان ما سطره الحكم من أن التسجيلات الصوتية لبعض الأحاديث التي دارت بين المجني عليه وضابط المخابرات الأمريكي قد ظلت تحت هيئة الأمن القومي منذ 7/ 7/ 1965 حتى 9/ 8/ 1965 وإلى ما بعد تقديم المجني عليه الإقرار المؤرخ 4/ 8/ 1965، له معينه من الأوراق فإن النعي لذلك بدعوى الخطأ في الإسناد تكون ولا محل لها، ولا ينال من الحكم المطعون فيه أن يكون قد استخلص من تراخي تفريغها إلى ما بعد تقديم الإقرار المشار إليه أن ذلك كان بقصد تحصينها مما شابها من البطلان لتسجيلها خلسة وبغير الطريق الذي رسمه القانون، مناقضاً بذلك الاعتداد بتلك التسجيلات ضمن دعائم القضاء بالإدانة في دعوى التخابر رقم 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، ذلك بأنه من المقرر أن تقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى ولانتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفين موضوعاً وسبباً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استدل على أن تعذيب المجني عليه قد ترك آثاراً بجسده مما أثبته المحقق العسكري بمحضره المؤرخ 16/ 3/ 1968 حين عدد شطراً من تلك الآثار، كما أورد الكشف الطبي الموقع عليه في 3/ 4/ 1968 شطراً أخرى منها، وإن يحزم بسببها، ومن ثم فلا تثريب عليه إذا هو التفت عن التقرير الطبي الموقع على المجني عليه عند دخوله السجن في 1/ 12/ 1965، الذي صمت عن الإشارة إلى تلك الآثار، لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن ذلك أمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليه فيه، وأن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما لا يعيب الحكم تناقض أقوال الشاهد - على فرض حصوله - طالما أنه استخلص الإدانة من أقواله بما لا تناقض فيه، وكان لا مانع في القانون من أن تأخذ المحكمة بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر متى اطمأنت إليها ورأت أنها صدرت حقيقة عمن رواها وكانت تمثل الواقع في الدعوى - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة استناد الحكم إلى أقوال المجني عليه والشهود إنما ينحل في حقيقته إلى جدل في تقدير الدليل وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان النعي بأن الحكم قد استدل على التعذيب كذلك برواية فريق انصبت على تعذيبهم هم، وبأقوال من توسطوا للإفراج عن المطعون ضده، وأنه أفاض دون حاجة الدعوى في الحديث عن الحبس بمبنى جهاز المخابرات ومسلكه حينذاك في البطش والتعذيب وما حاق بغير المجني عليه، مردوداً، بما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع الحق في أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث والصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وإذ كان ما ساقه الحكم المطعون فيه وعول عليه من أقوال سائر الشهود - على ما سلف بيانه - ليس إلا استنتاجاً من المقدمات التي استظهرتها المحكمة. وهو ما يدخل في سلطة القاضي الذي له أن يستخلص من وقائع الدعوى، وظروفها، ما يؤيد به اعتقاده في شأن حقيقة الواقعة ما دام ما استخلصه سائغاً متفقاً مع الأدلة المطروحة وليس فيه إنشاء لواقعة جديدة، أو دليل مبتدأ ليس له أصل في الأوراق مما يصح أن يوصف بأنه قضاء بعلم القاضي، ويكون النعي لذلك غير سديد. لما كان ذلك، وكان حديث الحكم من الحبس والتعذيب بمبنى جهاز المخابرات آنذاك ليس إلا عن الدلالات والظروف التي لا بست الحادث أو تلته ومعالجة منه لما أثير في هذا الصدد وانبعاثاً منه في طلب الصورة الصحيحة لما حدث، كما أن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه لا أثر له في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أشار إلى أن ما قرره المجني عليه عند ضبطه في الدعوى 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، بتاريخ 21/ 7/ 1965، أو عند استجوابه لا يرقى إلى مرتبة الاعتراف بجريمة التخابر، ولا يخرج في مجموعة عن إقراره بالتكليف الصادر له من المسئولين بالاتصال بالسفارة الأمريكية وتبليغهم بما يحصل عليه من معلومات، دون ثمة إشارة لما قدمه هو من معلومات إلى ضابط المخابرات الأمريكية حتى يمكن تقويمها من حيث مدى مساسها بمركز البلاد، وذلك على نقيض إقراره الكتابي الذي تضمن باستفاضة كل ما دار بينه وبين الضابط الأمريكي مطابقاً في ذلك فحوى التسجيلات الصوتية التي كانت في حوزة جهاز المخابرات وتراخي تقديمها إلى ما بعد تقديم هذا الإقرار لتحصينها من البطلان، وهو ما يؤكد قالة المجني عليه بأنه كان يدون ما يملى عليه، حتى أصبح هذا الإقرار لا يتفق سواء من حيث مظهره وطريقة كتابته وما حواه بإطناب مع القول بأنه كان تسجيلاً لتوبة أو التماساً لصفح، وقد خلص الحكم مما أسلفه من الظروف والقرائن إلى قوله: "أن الالتماس المذكور ما هو في حقيقته إلا إقرار صريح لا لبس فيه من المجني عليه - المتهم في القضية 10 سنة 1965 جنايات أمن دولة عليا - على نفسه باتصاله بأجنبي ومده بمعلومات اعتبرها الحكم الصادر في القضية المذكورة ضارة بالمركز السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والحربي للبلاد، مما يعتبر نصاً على اقتراف الجريمة ليس قاصراً على واقعة التكليف والعلم دون غيرهما، وقد وصفه الحكم المذكور بأن المجني عليه يعترف فيه صراحة بكل ما حدث بينه وبين...... وهذا دليل قد جاء على لسانه بأنه كان يتخابر...... ولا يعتد في هذا المقام بما قرره المجني عليه من أن السبب في تعذيبه كان يقصد ألا يذكر علم المسئولين باتصالاته طالما أنه قد ثبت للمحكمة أن فكرة تحرير الإقرار لم تنبع أصلاً من المجني عليه وإنما كانت بناء على طلب المتهم الأول "الطاعن" على أن يكون في صورة التماس إلى الرئيس السابق وأن المجني عليه لم يحرره طواعية واختياراً بمطلق إرادته وإنما كان تحريره له رضوخاً منه ودفعاً لما وقع عليه من تعذيب لم يطقه تم بأمر المتهم الأول الذي يعلم بالاتهام المسند إلى المجني عليه. لما كان ذلك، وكان توافر القصد الجنائي مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها، وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، فإن الحكم المطعون فيه يكون - للأسباب السائغة التي أوردها، استخلاصاً من ظروف الدعوى وما توحي به ملابساتها قد أصاب صحيح القانون إذ دان الطاعن بجناية الأمر بتعذيب متهم لحمله على الاعتراف، وهو ما لا محل معه من بعد للتحدي بأن ما اقترفه هو جنحة استعمال القسوة التي سقطت بالتقادم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه على المتهم إذا كانت المحكمة قد فاتها أن تعطيه الكلمة الأخيرة أمامها أن يطالبها بذلك فإذا هو لم يفعل فإنه يعد متنازلاً عن حقه في أن يكون آخر من يتكلم باعتبار أنه لم يكن عنده أو لم يبق لديه ما يقوله في ختام المرافعة وكان الطاعن لا يدعى في أسباب طعنه أنه طلب إلى المحكمة التعقيب على أقوال المدعي بالحق المدني أو أن تكون له الكلمة الأخيرة ولا يدعى أن أحداً منعه من ذلك فلا يحق له النعي على الحكم شيئاً في هذا الصدد إذ أن سكوته عن ذلك دليل على أنه لم يجد فيما شهد به المدعي بالحق المدني - بعد أن أبدى دفاعه من قبل ما يستوجب رداً من جانبه مما لا يبطل المحاكمة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله.