أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 889

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ قيس الرأي عطية نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حمدي نائب رئيس المحكمة، محمد عبد المنعم البنا، محمد حسين لبيب ومقبل شاكر.

(196)
الطعن رقم 818 لسنة 54 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها" جريمة "أركانها".
إزهاق روح المجني عليه. استخلاص هذا القصد. موضوعي. بشرط أن يكون ما أثبته الحكم كافياً بذاته للكشف عن قيام ذلك القصد الخاص.
إيراد الحكم المطعون فيه للاستدلال على ثبوت نية قتل المجني عليه الأول في حق الطاعن أن الطاعن لم يكن قد استبد به الغضب إلى الحد الذي يدفعه إلى القتل بالنسبة لواقعة الاعتداء على المجني عليه الأول دون أن يبين ما الذي طرأ بعد ذلك وجعل قصد الطاعن يتجه إلى غير ما كان قد اتجه إليه في البداية من مجرد الإيذاء بحيث إنه يعمد إلى قتل المجني عليه الأول الذي لم يكن طرفاً في المشاجرة كما لم يكن - على ما أثبته الحكم - قد بدر منه ما يدعو إلى قتله. قصور.
(2) اختصاص "الاختصاص الولائي". قضاء عسكري.
اختصاص المحاكم العادية بكافة المنازعات والجرائم. إلا ما نص على انفراد غيرها بها القضاء العسكري يشاركه الاختصاص في جرائم من نوع معين ومحاكمته فئة خاصة من المتهمين. دون أن يسلبه الاختصاص.
1 - لما كانت جناية القتل العمد تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه، وهذا العنصر الخاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر تلك الجرائم، وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه فلا يدرك بالحس الظاهر وإنما هو يستخلص من الأمارات والمظاهر الخارجية التي تدل عليه، واستخلاصه من هذه الأمارات والمظاهر وإن كان من شأن محكمة الموضوع إلا أنه يتعين أن يكون ما أثبته الحكم منها كافياً بذاته للكشف عن قيام ذلك القصد الخاص، ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه واستدل به على ثبوت نية قتل المجني عليه الأول في حق الطاعن لا يكشف عن قيام هذه النية إذ هو لا يعدو أن يكون سرداً للفعل المادي في الجريمة. ذلك أن إطلاق عيار ناري على المجني عليه من مسافة قريبة، وإصابته في مقتل لا يفيد حتماً أن الطاعن كان ينوي إزهاق روحه خاصة وأن الحكم حين نفى نية القتل عن الطاعن بالنسبة لواقعة الاعتداء على المجني عليه الثاني التي سبقت مباشرة واقعة الاعتداء على المجني عليه الأول قد ذهب إلى أن الطاعن لم يكن قد استبد به الغضب إلى الحد الذي يدفعه إلى القتل، ولم يبين الحكم ما الذي طرأ بعد ذلك وجعل قصد الطاعن يتجه إلى غير ما كان قد اتجه إليه في البداية من مجرد الإيذاء والتعدي بحيث إنه يعمد إلى قتل المجني عليه الأول الذي لم يكن طرفاً في المشاجرة، كما لم يكن - وفق ما أثبته الحكم - قد بدر منه ما يدعو إلى قتله، ومن ثم فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور في التسبيب مما يعيبه ويوجب نقضه.
2 - لما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى - طبقاً لنص المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 - على أن القضاء العادي هو الأصل، وأن للمحاكم العادية ولاية الفصل في كافة الجرائم أياً كان شخص مرتكبها إلا ما استثنى بنص خاص، في حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها، وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه، وإنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نص على انفراد القضاء العسكري بذلك الاختصاص مما مفاده أن القضاء العسكري يشارك المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة في ذلك الاختصاص دون أن يسلبها إياه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل..... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من سلاحه الحكومي قاصداً من ذلك إزهاق روحه، فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وقد تقدمت هذه جناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر شرع في قتل...... عمداً - بأن أطلق عليه عيارين ناريين قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابتين الموصوفتين بتقرير الطب الشرعي، وقد خاب أثر هذه الجريمة بسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج.
وطلبت معاقبته بالمادة 234/ 1 - 2 من قانون العقوبات. وادعى ورثة المجني عليه الأول مدنياً قبل المتهم ووزير الداخلية بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية بمبلغ خمسين ألف جنيه على سبيل التعويض. كما ادعى المجني عليه الثاني قبلهما بمبلغ عشرين ألف جنيه. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمواد 234/ 1، 241/ 1، 2، 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وألزمته والمسئول عن الحق المدني بصفته بأن يدفعا متضامنين لورثة المجني عليه الأول مبلغ خمسة عشر ألف جنيه وبأن يدفعا إلى...... عن نفسه مبلغ ألفي جنيه باعتبار أن التهمة الثانية هي إحداث إصابات المجني عليه أعجزته عن أعماله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل العمد، وإحداث جرح عمداً، قد شابه قصور في التسبيب, وانبنى على مخالفة للقانون، ذلك أن الحكم لم يدلل تدليلاً كافياً على انصراف نية الطاعن إلى قتل المجني عليه الأول, خاصة وأنه قد نفى عنه هذه النية بالنسبة لواقعة اعتدائه على المجني عليه الثاني الذي كان - دون المجني عليه الأول - طرفاً أصلياً في المشاجرة, كما أن محكمة الجنايات فصلت في الدعوى وهي غير مختصة بنظرها، إذ الطاعن من أفراد هيئة الشرطة, وقد ارتكب الحادث أثناء تأدية وظيفته مما يجعل أمر محاكمته موكولاً إلى جهة القضاء العسكري طبقاً لقانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971، وذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة بما يجمل في أن الطاعن وهو رقيب سري بقسم شرطة مينا البصل أمر المجني عليه الثاني بغلق محله الذي كان مفتوحاً حتى حوالي الحادية عشرة مساء, وإذ لم يستجب له فقد نشبت بينهما مشادة تبادلا فيها السباب ولطم الطاعن المجني عليه الثاني على وجهه ثم أطلق عليه عيارين ناريين من مسدسه أصابه أحدهما في قدمه اليمنى والآخر في فخذه الأيسر, وإذ وصل نبأ إطلاق النار على المجني عليه الثاني إلى والده المجني عليه الأول الذي كان موجوداً بمحله القريب من محل ابنه، فقد خف إلى مكان الحادث، ولدى وصوله إليه أطلق عليه الطاعن عياراً نارياً من المسدس أصابه في بطنه فأودى بحياته، وبعد أن أورد الحكم الأدلة التي استخلص منها وقوع الحادث على الصورة سالفة البيان، ورد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي، عرض لنية القتل فاستبعد قيامها في حق الطاعن بالنسبة لواقعة اعتدائه على المجني عليه الثاني (الابن) تأسيساً على ما قاله من (أن هذا الاعتداء كان وليد الدفعة الأولى من نفس جاشت بالرغبة في الانتقام ولم يكن قد جمح بها الغضب بعد إلى الحد الذي يدفعه إلى الخلاص من المجني عليه..... وآية ذلك أنه أطلق عليه عيارين من مسافة قصيرة قاربت المترين دون أن يتعمد إصابته في مقتل.....) ثم تحدث الحكم عن نية القتل بالنسبة لواقعة الاعتداء على المجني عليه الأول (الأب) في وقوله (وحيث إن نية قتل المجني عليه...... متوافرة وثابتة في حق المتهم بدليل ما تبين للمحكمة من أن نفسه كانت قد اعتملت بالضغن والغضب فبادر المجني عليه فور وصوله إلى محل الحادث بإطلاق عيار ناري عليه بعد أن عمد إلى تصويبه تجاه بطنه من مكان قريب بعزم الخلاص منه فأصابه في بطنه وهي مقتل من جسمه مما يؤكد في يقين المحكمة توافر قصده إزهاق روح المجني عليه المذكور...... عندما أطلق عليه النار وترتيباً على ذلك يكون مسئولاً عن قتله عمداً.) لما كان ذلك، وكانت جناية القتل العمد تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه، وهذا العنصر الخاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر تلك، الجرائم، وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه فلا يدرك بالحس الظاهر وإنما هو يستخلص من الأمارات والمظاهر الخارجية التي تدل عليه، واستخلاصه من هذه الأمارات والمظاهر وإن كان من شأن محكمة الموضوع إلا أنه يتعين أن يكون ما أثبته الحكم منها كافياً بذاته للكشف عن قيام ذلك القصد الخاص، ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه واستدل به على ثبوت نية قتل المجني عليه الأول في حق الطاعن لا يكشف عن قيام هذه النية إذ هو لا يعدو أن يكون سرداً للفعل المادي في الجريمة. ذلك أن إطلاق عيار ناري على المجني عليه من مسافة قريبة، وإصابته في مقتل لا يفيد حتماً أن الطاعن كان ينوي إزهاق روحه خاصة وأن الحكم حين نفى نية القتل عن الطاعن بالنسبة لواقعة الاعتداء على المجني عليه الثاني التي سبقت مباشرة واقعة الاعتداء على المجني عليه الأول قد ذهب إلى أن الطاعن لم يكن قد استبد به الغضب إلى الحد الذي يدفعه إلى القتل، ولم يبين الحكم ما الذي طرأ بعد ذلك وجعل قصد الطاعن يتجه إلى غير ما كان قد اتجه إليه في البداية من مجرد الإيذاء والتعدي بحيث إنه يعمد إلى قتل المجني عليه الأول الذي لم يكن طرفاً في المشاجرة، كما لم يكن - وفق ما أثبته الحكم - قد بدر منه ما يدعو إلى قتله، ومن ثم فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور في التسبيب مما يعيبه ويوجب نقضه. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى - طبقاً لنص المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 - على أن القضاء العادي هو الأصل، وأن للمحاكم العادية ولاية الفصل في كافة الجرائم أياً كان شخص مرتكبها إلا ما استثنى بنص خاص، في حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها، وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه، وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نص على انفراد القضاء العسكري بذلك الاختصاص مما مفاده أن القضاء العسكري يشارك المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة في ذلك الاختصاص دون أن يسلبها إياه، لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن من عدم اختصاص محكمة الجنايات بنظر الدعوى يكون غير سديد فيتعين - إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - أن يكون النقض مقروناً بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين.