أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 507

جلسة 15 من مايو سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، ومحمد عبد الحميد صادق، ومحمد يونس ثابت.

(94)
الطعن رقم 1292 لسنة 47 القضائية

(1) تفتيش. "التفتيش بإذن". دفوع. "الدفع ببطلان إذن التفتيش". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان إذن التفتيش من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته.
وجوب بيان الدفع ببطلان إذن التفتيش في عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". تفتيش. "التفتيش بإذن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي. عدم جواز المجادلة فيه أمام النقض.
(3) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "معاينة". حكم. "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
الخطأ غير المؤثر في عقيدة المحكمة. لا يتوافر به وجه الخطأ في الإسناد.
إيراد الحكم ما يفيد إجراء المعاينة في ظروف مشابهة وإثباته إمكان الرؤية على ضوء المصابيح التي تثير المكان - لا على ضوء الطبيعة - لا ينال منه عبارة إجراء المعاينة في وقت مماثل.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بطلب ضم قضايا بقصد إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة. أساس ذلك؟
(5) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الطلب الجازم. ماهيته.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "أوراق". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة في الالتفات عن دليل النفي. ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي أدلة الدعوى.
(7) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "خبرة". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اطمئنان المحكمة إلى أن العينة المضبوطة هي التي أرسلت إلى التحليل وأخذها بالنتيجة التي انتهى إليها. عدم جواز مجادلتها فيه. طالما قد أقامت اقتناعها على ما ينتجه.
1 - لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إذن التفتيش، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة، ولا يقدح في ذلك أن يكون الدفاع عن الطاعن قد ضمن مرافعته نعياً على مسلك الشاهد في استقاء تحرياته ولهفته في استصدار إذن التفتيش وصدوره بناء على ذلك، إذ هو قول مرسل على إطلاقه لا يحمل على الدفع الصريح ببطلان إذن التفتيش الذي يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه.
2 - إن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وإذ كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إجرائه فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ومن، ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون ولا محل له، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه.
3 - لما كان الحكم قد أوضح أنه: "تبين من المعاينة التي أجريت في وقت مماثل لوقت الضبط أن حالة الضوء في مكان الضبط كانت تسمح بتمييز الأشخاص ونوع السيارة التي كان يستقلها المتهم قبل ضبطه"، وإذ كانت المعاينة المشار إليها - على ما يبين من المفردات - هي تلك التي أجرتها النيابة في الساعة 11 و40 دقيقة من مساء يوم 7/ 7/ 1966 لاستجلاء مدى رؤية الشاهد للطاعن على ضوء المصابيح التي تضئ مكان الحادث وقت ضبطه، وكان مفاد ما سطره الحكم فيما تقدم وحسبما يستدل عليه من سياقه هو أن المعاينة التي استدل بها قد أجريت في ظرف مشابه لوقت الضبط فأثبتت إمكان رؤية الطاعن على ضوء المصابيح التي تنير مكان الحادث - لا على ضوء الطبيعة، ومن ثم فإنه يستوي في ذلك ولا يؤثر في عقيدة المحكمة أن تكون تلك المعاينة قد أجريت في ظرف مشابه أو وقت مماثل، ولا يجدي الطاعن من بعد التحدي باقتطاع هذه العبارة الأخيرة "وقت مماثل" من سياقها الذي وردت فيه وصرفها إلى غير معناها الذي تصدى له الحكم بدعوى فساد التحصيل لما هو مقرر من أنه خطأ غير مؤثر في عقيدة المحكمة لا يتوافر به وجه الخطأ في الإسناد.
4 - لما كان الدفاع عن الطاعن قد أثار أن إذن التفتيش قد صدر بعد إجرائه وأشار في غضون مرافعته إلى أن دفتر القسم وإن أثبت قيام شاهد الإثبات بضبط الدعوى الماثلة والدعويين 55، 56 لسنة 1966 مخدرات الساحل في ذات الليلة إلا أنه قد خلا من بيان وقت قيامه وعودته في كل منهما وطلب ضم ملف الجنايتين لاستجلاء وقت ضبط القضايا الثلاث، وانتهى في مرافعته إلى طلب الحكم بالبراءة، وقد انتهى الحكم المطعون فيه سائغاً إلى رفض الدفع ببطلان الإذن بالتفتيش لصدوره بعد إجرائه، وهو من الموضوع الذي تملك المحكمة الفصل فيه بغير معقب، ثم استطرد الحكم إلى رفض طلب ضم الجنايتين سالفتي الذكر لانتفاء الصلة بينهما وبين الدعوى المنظورة ولأن من المنطقي أن يكون هناك فاصل زمني في وقت الضبط. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن طلب ضم قضية بقصد إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة - فضلاً عن أن الحكم قد رد عليه بما يبرر إطراحه - هو طلب لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة , فلا على المحكمة إن هي أعرضت عنه والتفتت عن إجابته وما يثيره الطاعن في شأنه إنما ينحل في حقيقته إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع.
5 - إن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية.
6 - لا ينال من سلامة الحكم إطراحه الشهادة الصادرة من إدارة الكهرباء بالمنطقة والتي تساند إليها للتدليل على أن مصابيح الشارع بمكان الضبط كانت عاطلة حينئذ, ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى.
7 - إن قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد استقر على أنه متى كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن العينة المضبوطة هي التي أرسلت للتحليل وصار تحليلها واطمأنت كذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها التحليل - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك، ويكون ما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في الرد على ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص والذي لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في مسألة واقعية يستقل قاضي الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه 1 - أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1/ 1 و2 و34/ 1 و36 و42 من القانون رقم 181 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق فقرر ذلك في 11 يناير سنة 1968. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 1 و2 و34/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق لهذا القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة سبع سنين وتغريمه مبلغ أربعة آلاف جنيه ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقضى بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. أعيدت الدعوى ثانية إلى المحكمة المشار إليها وقضت فيها حضورياً بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة خمسة آلاف جنيهاً ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد انطوى على قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد، وشابه إخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال، ذلك بأن المحكمة أغفلت الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات إيراداً له ورداً عليه، وأخطأت في الإسناد حين ذهبت إلى أن المعاينة التي أجرتها النيابة في الساعة 11 و40 دقيقة مساء كانت في وقت مماثل لوقت ضبط الطاعن في الساعة 3 و45 دقيقة صباحاً، كما التفتت المحكمة عن إجابة الدفاع إلى طلب ضم الجنايتين 55 و56 سنة 1966 مخدرات الساحل رغم جوهريته لاستجلاء مدى صدق شاهد الإثبات لاتصال وتداخل وقت ضبطهما مع الدعوى المماثلة، وردت على هذا الطلب بما لا يدفعه، وأعرضت عما تضمنته شهادة إدارة كهرباء بالمنطقة من أن مصابيح الشارع ليلة الحادث كانت عاطلة، وعما يضفيه تكرار وزن المخدر موضوع الدعوى بصيدلية واحدة في تاريخين متباعدين من الشك في نسبته للطاعن، كل ذلك يعيب الحكم مما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز المخدر بغير قصدي الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من أقوال شاهد الإثبات والمعاينة وتقرير التحليل، ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إذن التفتيش، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة، ولا يقدح في ذلك أن يكون الدفاع عن الطاعن قد ضمن مرافعته نعياً على مسلك الشاهد في استقاء تحرياته ولهفته في استصدار إذن التفتيش وصدوره بناء على ذلك، إذ هو قول مرسل على إطلاقه لا يحمل على الدفع الصريح ببطلان إذن التفتيش الذي يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه، هذا فضلاً عن أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وإذ كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إجرائه فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون ولا محل له، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استخلص واقعة الدعوى وحصل أقوال شاهد الإثبات بما مؤداه........ أنه عقب صدور الإذن بالتفتيش كمن الشاهد للطاعن بشارع كورنيش النيل في مواجهة شارع عبد القادر طه، لعمله أنه سوف يحضر محرزاً المخدر عن طريقه في ساعة متأخرة من الليل وإذ حضر في الساعة 3 و45 دقيقة صباحاً مستقلاً سيارة أجرة مرسيدس انصرفت مسرعة عقب مغادرته لها عند التقاء هذين الشارعين حاملاً بيده صندوقاً عابراً به شارع الكورنيش نحو السور، قام بمداهمته والقبض عليه وضبط الصندوق الذي كان يحوى ستة أكياس بكل منها طربة من مخدر الحشيش - حسبما جاء بتقرير التحليل - زنتها 1.725 جراماً، ثم استطرد الحكم إلى قوله: "وتبين من المعاينة التي أجريت في وقت مماثل لوقت الضبط أن حالة الضوء في مكان الضبط كانت تسمح بتمييز الأشخاص ونوع السيارة التي كان يستقلها المتهم قبل ضبطه". وإذ كانت المعاينة المشار إليها - على ما يبين من المفردات - هي تلك التي أجرتها النيابة في الساعة 11 و40 دقيقة من مساء يوم 7/ 7/ 1966 لاستجلاء مدى رؤية الشاهد للطاعن على ضوء المصابيح التي تضئ مكان الحادث وقت ضبطه، وكان مفاد ما سطره الحكم فيما تقدم وحسبما يستدل عليه من سياقه هو أن المعاينة التي استدل بها قد أجريت في ظرف مشابه لوقت الضبط فأثبتت إمكان رؤية الطاعن على ضوء المصابيح التي تنير مكان الحادث - لا على ضوء الطبيعة ومن ثم فإنه يستوي في ذلك ولا يؤثر في عقيدة المحكمة أن تكون تلك المعاينة قد أجريت في ظرف مشابه أو وقت مماثل، ولا يجدي الطاعن بعد التحدي باقتطاع هذه العبارة الأخيرة "وقت مماثل" من مساقها الذي وردت فيه وصرفها إلى غير معناها الذي قصده الحكم بدعوى فساد التحصيل لما هو مقرر من أنه خطأ غير المؤثر في عقيدة المحكمة لا يتوافر به وجه الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك. وكان يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن قد أثار أن إذن التفتيش قد صدر بعد إجرائه وأشار في غضون مرافعته إلى أن دفتر القسم وإن أثبت قيام شاهد الإثبات بضبط الدعوى الماثلة والدعويين 55 و56 لسنة 1966 مخدرات الساحل في ذات الليلة إلا أنه قد خلا من بيان وقت قيامه وعودته في كل منها وطلب ضم ملف الجنايتين الأخيرتين لاستجلاء وقت ضبط القضايا الثلاث، وانتهى في مرافعته إلى طلب الحكم بالبراءة، وقد انتهى الحكم المطعون فيه سائغاً إلى رفض الدفع ببطلان الإذن بالتفتيش لصدوره بعد إجرائه، وهو من الموضوع الذي تملك المحكمة الفصل فيه بغير معقب، ثم استطرداً الحكم إلى رفض طلب ضم الجنايتين سالفتي الذكر لانتفاء الصلة بينهما وبين الدعوى المنظورة ولأن من المنطقي أن يكون هناك فاصل زمني في وقت الضبط. لما كان ذلك، وكان قضاء المحكمة قد جرى بأن طلب ضم قضية بقصد إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة - فضلاً عن أن الحكم قد رد عليه بما يبرر إطراحه - هو طلب لا يتجه مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة, فلا على المحكمة إن هي أعرضت عنه والتفتت عن إجابته وما يثيره الطاعن في شأنه إنما ينحل في حقيقته إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب - هذا إلى ما هو مقرر من أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد من أن المحكمة أخلت بحقه في الدفاع لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان لا ينال من سلامة الحكم إطراحه الشهادة الصادرة من إدارة الكهرباء بالمنطقة والتي يتساند إليها للتدليل على أن مصابيح الشارع بمكان الضبط كانت عاطلة حينئذ, ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فبحسب المحكمة إن أقامت الأدلة على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها بما يحمل قضائها وهو ما يفيد ضمناً أنها لم تأخذ بدفاعه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن تكرار وزن المخدر موضوع الدعوى بصيدلية واحدة في تاريخين يشكك في نسبته للطاعن مردوداً بما انتهى إليه الحكم في هذا الشأن بقوله: "والمحكمة تطمئن إلى أن المخدر الذي ضبط مع المتهم هو بذاته الذي أجرى وزنه بصيدلية شافعي وتأشر على شهادة الوزن الخاصة به بالنظر والإرفاق في 5/ 5/ 1966 - يوم الضبط - وأنه وإن كان قد أثبت أسفل توقيع المدير المسئول تاريخ 5/ 5/ 1965 فظاهر أنه خطأ مادي في تاريخ السنة وقيد شهد الدكتور..... صاحب الصيدلية أمام المحكمة بهيئة سابقة بأن الشهادة محررة على ورق الصيدلية وإن الخاتم الذي عليها هو خاتم الصيدلية ومن ثم فإن المحكمة لا تعول على ما يحاول أن يثيره الدفاع من غبار حول إجراءات الوزن والتحرير اطمئناناً منها إلى سلامة الإجراءات وأن المخدر الذي وزن وحلل هو بذاته الذي ضبط مع المتهم". ذلك بأن قضاء هذه المحكمة استقر على أنه متى كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن العينة المضبوطة هي التي أرسلت للتحليل وصار تحليلها واطمأنت كذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها التحليل - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك ويكون ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في الرد على ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص والذي لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في مسألة واقعية يستقل قاضي الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها. ولما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.