مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 622

(99)
جلسة 7 من فبراير سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أنور محفوظ وعلي السيد علي ومحمد كمال سليمان أيوب وعبد اللطيف أحمد أبو الخير - المستشارين.

الطعن رقم 1271 لسنة 25 القضائية

( أ ) عامل بالقطاع العام - ندبه - المنازعة في قرار الندب - اختصاص القضاء العادي:
إقامة العامل دعواه بالطعن على قرار الندب أمام محكمة القضاء الإداري - صدور حكم محكمة القضاء الإداري بعدم الاختصاص وإحالة الدعوى إلى المحكمة التأديبية - أنه وإن كانت المنازعة تدخل أساساً في اختصاص القضاء العادي إلا أن حكم عدم الاختصاص يقيد المحكمة التأديبية ويلزمها بالفصل في الدعوى - أساس ذلك: المادة 110 مرافعات - تطبيق.
(ب) عامل بالقطاع العام - ندب:
المادتان 26، 27 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام - صدور قرار الندب ممن يملك إصداره قانوناً وهو الوزير المختص - متى ثبت استناد القرار إلى سبب صحيح يبرره وهو تقرير لجنة تقصي الحقائق وإلى غاية مشروعة وهي تحقيق المصلحة العامة فإنه يكون بمنأى عن الطعن فيه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق الثامن عشر من شهر أغسطس سنة 1979 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير النقل البحري قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد أمامها تحت رقم 1271 لسنة 25 القضائية - في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية العليا بالإسكندرية بجلسة 30 من يونيه سنة 1979 في الدعوى رقم 1 لسنة 4 القضائية الذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار رقم 155 لسنة 1976 الصادر من وزير النقل البحري بندب السيد/ حسين زاهر ياقوت من وظيفته كرئيس لمجلس إدارة الشركة المصرية للملاحة البحرية (قطاع عام) للعمل بوزارة النقل البحري وما يترتب على ذلك من آثار، وطلبت إدارة قضايا الحكومة الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإلغاء هذا الحكم وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 22/ 10/ 1983، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وذلك للأسباب الواردة بتقريرها.
وتم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 16/ 11/ 1983 وفيها حكمت الدائرة برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وأمرت بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 13/ 12/ 1983 وفيها حضر المطعون ضده وقدم مذكرة بدفاعه، وقررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما تبين من الأوراق تخلص في أن المطعون ضده كان يشغل وظيفة رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للملاحة البحرية (قطاع عام) وصدر قرار وزير النقل البحري رقم 155 لسنة 1976 في 31/ 7/ 1976 بندبه للعمل بوزارة النقل البحري، فأقام الدعوى رقم 688 لسنة 30 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بطلب إلغاء القرار المشار إليه، وبجلسة 8/ 6/ 1977 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى المحكمة التأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا بالإسكندرية للاختصاص، وقيدت الدعوى بالمحكمة التأديبية المشار إليها بناء على هذه الإحالة برقم 1 لسنة 4 قضائية وقضت فيها بجلسة 30/ 6/ 1979 بإلغاء قرار الندب المطعون فيه وأسست قضاءها على أن القرار أشار في ديباجته إلى تقرير لجنة تقص الحقائق الذي انتهى إلى أن الطاعن لم يكن على مستوى المسئولية في إدارته لأعمال لجنة الشراء وأورد بعض المآخذ المنسوبة إليه، وهذه الإشارة تكشف أن نية مصدر القرار اتجهت إلى عقاب المطعون ضده عن غير طريق التأديب بإبعاده عن وظيفته إلى وظيفة غير محددة ولمدة غير محددة مما ترتب عليه حرمانه من البدلات المقررة لوظيفته بالشركة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على سببين، أولهما أن الحكم المطعون فيه خالف قواعد الاختصاص فقرار ندب المطعون ضده من الشركة التي يرأس مجلس إدارتها إلى وزارة النقل البحري لا يعتبر قراراً إدارياً لتعلقه بعامل من العاملين بشركات القطاع العام الذين يختص بشئونهم القضاء العمالي، والندب ليس من بين الجزاءات التأديبية الصريحة أو المقنعة طالما أن السبب فيه على ما يقول المطعون ضده ليس ماساً بسلوكه الوظيفي، وإنما هو من مقتضيات تنظيم العمل وثانيهما أن قرار ندب المطعون ضده لم يصدر بقصد معاقبته وإنما ابتغى تحقيق المصلحة العامة، وهي إبعاده عن عمله بعد أن أحيل إلى التحقيق أمام النيابة الإدارية وأحيل إلى المحاكمة التأديبية فعلاً بالدعوى رقم 1 لسنة 8 القضائية وذلك كي يجرى التحقيق بعيداً عن تأثيره بحسبانه رئيس مجلس إدارة الشركة، وبعد أن ثبت على الأقل عدم حنكته كقيادة إدارية في موقع اقتصادي وتجاري هام وذلك مع عدم المساس بكفايته الفنية التي رؤى الاستفادة بها في وزارة النقل البحري، وإذ صدر القرار ممن يملكه قائماً على سببه وهو تقرير لجنة تقصي الحقائق وقد صدر إبان ندبه قرار بإعارته إلى المملكة العربية السعودية مما يدل على أن الوزير لم يصدر قرار الندب عن هوى أو غرض يجافي المصلحة العامة، وقد تم الندب إلى وظيفة من درجة وظيفته بمراعاة أن الهيكل الوظيفي للوزارة لم يكن قد استوفى بعد.
ومن حيث إن السبب الأول للطعن مردود بأنه ولئن كانت المنازعة في قرار ندب المطعون ضده تدخل في اختصاص القضاء العادي باعتباره من العاملين بشركات القطاع العام وهي شركات خاصة حسبما جرى على ذلك قضاء هذه المحكمة، وباعتبار أن الندب ليس من الجزاءات التأديبية المقررة صراحة في نظام العاملين بالقطاع العام ويخرج تبعاً لذلك من اختصاص القضاء التأديبي، إلا أنه وقد أقام المطعون ضده دعواه بطلب إلغاء قرار الندب أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية وقضت هذه المحكمة بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة التأديبية المختصة، وحاز هذا الحكم قوة الشيء المقضي بعدم الطعن فيه، وكان هذا الحكم ينطوي على قضاء ضمني باختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر المنازعة، لأن الاختصاص الولائي سابق على الاختصاص النوعي، فإن المحكمة التأديبية المحالة إليها الدعوى تكون ملزمة بالفصل فيها وفقاً للمادة 110 من قانون المرافعات ويكون الدفع بعدم اختصاصها ولائياً غير قائم على سند من القانون.
ومن حيث إنه عن السبب الثاني للطعن، فإن المادة 27 من القانون رقم 61 لسنة 1971 بنظام العاملين بالقطاع العام، وهو القانون المنطبق على قرار ندب المطعون ضده، تنص على أنه "يجوز ندب العامل للقيام مؤقتاً في إحدى الجهات المشار إليها في المادة السابقة بعمل وظيفة أخرى في نفس مستوى وظيفته أو في وظيفة تعلوها مباشرة. ويتم الندب بقرار من الرئيس المختص المشار إليه في المادة السابقة. وتكون مدة الندب سنة قابلة للتجديد" ولما كان قرار ندب المطعون ضده صادراً من وزير النقل البحري وهو الوزير الذي تتبعه الشركة المصرية للملاحة البحرية التي يرأس المطعون ضده مجلس إدارتها، فإنه يكون صادراً ممن يملكه وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون المشار إليه التي تنص على أنه (وفي جميع الأحوال لا يجوز نقل أعضاء مجلس الإدارة المعينين إلا بقرار من الوزير المختص)، وحيث إن هذا القرار أفصح في ديباجته عن سبب إصداره وهو تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أسند إليه بعض المآخذ وشكك في كفايته الإدارية، وهو سبب يبرر تنحيته مؤقتاً عن وظيفته القيادية كرئيس لمجلس إدارة الشركة وقد استهدف الوزير بقراره تحقيق مصلحة عامة واضحة وهي توفير قيادة قادرة على إدارة الشركة لتتمكن من الحفاظ على أموالها ومواصلة السير نحو غاياتها المنشودة، هذا بالإضافة إلى ما أوضحته وزارة النقل البحري من أن القرار استهدف مصلحة عامة أخرى هي إبعاد المطعون ضده عن موقعه القيادي كرئيس لمجلس إدارة الشركة مؤقتاً لحين البت في الاتهامات الموجهة ضده من النيابة الإدارية والتي أحيل من أجلها إلى المحاكمة التأديبية، وإذا كانت هذه المحاكمة قد انتهت ببراءة المطعون ضده فإن ذلك لا ينال من صحة السبب والغاية اللذين قام عليهما قرار الندب وقت صدوره، فهو مثل أي قرار يعتد بمشروعيته وقت صدوره دون نظر لما يستجد من ظروف أو وقائع أخرى تالية، واقتران الندب أو معاصرته لإحالة المطعون ضده إلى النيابة الإدارية ثم إلى المحاكمة التأديبية، لا يكفي بذاته لوصم القرار بالجزاء التأديبي المقنع خاصة أن الوزير الذي أصدره ليس من السلطات التي تملك توقيع الجزاء على العاملين بالقطاع العام وفقاً لأحكام القانون رقم 61 لسنة 1971، ومن ثم يظل الندب محتفظاً بطبيعته كقرار تنظيمي تمارسه جهة العمل بما لها من سلطة تقديرية في استبعاد من قامت في حقه أسباب تؤثر في أهليته بشغل أعلى وظيفة قيادية بالشركة دون نظر لما يترتب عليه من حرمان من بعض المزايا الوظيفية لأن هذا الحرمان إنما يجئ عرضاً دون أن يكون مقصوداً لذاته ولا يكون قرار الندب عرضه للإلغاء إلا إذا شابه عيب من العيوب التي قد تشوب القرارات الإدارية بصفة عامة ويعزز هذا النظر موافقة الوزارة على إعارة المطعون ضده بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية لأنها لو كانت قصدت بندبه مجرد عقابه لأمعنت في عقابها بعدم الموافقة على إعارته، ولم تكتف بما تم في شأنه من إحالة إلى النيابة الإدارية ثم إلى المحاكمة التأديبية، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين لذلك الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 4 قضائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى.