مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 627

(100)
جلسة 7 من فبراير سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أنور محفوظ وعلي السيد علي وطارق عبد الفتاح البشري وعبد اللطيف أحمد أبو الخير - المستشارين.

الطعن رقم 282 لسنة 26 القضائية

( أ ) دعوى الإلغاء - ميعاد رفعها - تظلم.
ميعاد رفع الدعوى ستون يوماً من تاريخ انقضاء ستون يوماً على تقديم التظلم دون البت فيه - انقضاء هذه المدة يعتبر قرينة قانونية على رفض التظلم يجري منه ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء الجزاء - انتفاء هذه القرينة متى ثبت أن الجهة الإدارية قد استشعرت حقاً للمتظلم واتخذت مسلكاً إيجابياً نحو الاستجابة لتظلمه - يستفاد هذا المسلك من إجابة المتظلم جزئياً في شق من القرار المتظلم منه وهو الخاص بالتحميل - يعتبر هذا القرار الأخير في التظلم رفضاً للشق الثاني من القرار وهو الخاص بالجزاء - ميعاد رفع الدعوى للطعن في قرار الجزاء هو ستون يوماً من تاريخ علم المدعي نتيجة مسلك جهة الإدارة برفض الشق الخاص بالجزاء - تطبيق.
(ب) دعوى الإلغاء - ميعاد رفعها.
طلب إلغاء قرار التحميل بالأجر للتغيب بدون إذن - هذا الطلب في حقيقته منازعة في التعويض الذي يتحمل به. أساس ذلك: المادة 50 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 58 لسنة 1971 بحرمان العامل من أجره عن غيابه بدون إذن - المنازعة في التحميل وإن كانت مرتبطة بقرار الجزاء إلا أنها تتقيد بالميعاد المقرر قانوناً لرفع دعوى الإلغاء - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق العاشر من يناير سنة 1980 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 282 لسنة 26 القضائية - في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصناعة بجلسة 24/ 11/ 1979 في الدعوى رقم 12 لسنة 13 القضائية لصالح السيد/ ..... ضد الهيئة العامة للطيران المدني والذي قضي بإلغاء قرار الهيئة بمجازاته بخصم أربعة أيام من راتبه وحرمانه من أجره عن سبعة عشر يوماً وما يترتب على ذلك من آثار، وطلبت الهيئة الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بعدم قبول الدعوى رقم 12 لسنة 13 القضائية، وقد أعلن تقرير الطعن إلى السيد/ ....... في 19/ 10/ 1983 وإلى الهيئة العامة للطيران المدني في 26/ 1/ 1980، وأودع مفوض الدولة تقريراً برأيه في الطعن انتهى إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الطعن التأديبي لإقامته بعد الميعاد.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالهيئة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 16 من نوفمبر سنة 1983 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 13/ 12/ 1983 وفيها قدم السيد/ ....... مذكرة بدفاعه جاء بها أنه لا مصلحة لهيئة المفوضين في الطعن في أمر المواعيد طالما أنها لم تشر للموضوع من قريب أو بعيد وأن غاية كل إجراء هو الوصول إلى الحقيقة والعدالة، وقد ناقش الحكم المطعون فيه قبول الدعوى شكلاً وانتهى إلى قبولها، ومن جهة أخرى فإن القرار لا يتحصن ضد الجهة الإدارية لأن حياة القرار في يدها فكيف يقال أن فوات المواعيد يمنع مناقشتها للتظلم حتى لو تكرر، وفيها أيضاً قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما تبين من الأوراق تخلص في أن السيد/ ....... كان قد أقام الدعوى رقم 12 لسنة 13 القضائية أمام المحكمة التأديبية لوزارة الصناعة بطلب إلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة للطيران المدني في 10/ 11/ 1976 بخصم أربعة أيام من مرتبه وحرمانه من أجره عن مدة سبعة عشر يوماً، وقال شرحاً لدعواه إنه يعمل رئيساً لمخازن المطارات والمناورات الخارجية بمراقبة الخدمات الهندسية والمطارات بالهيئة بالدرجة الخامسة المستوى الثالث، وأن القرار المطعون فيه صدر بسبب ما نسب إليه من خروج على مقتضى الواجب الوظيفي بعدم توقيعه بالحضور والانصراف خلال الفترة من إبريل حتى يونيه سنة 1975، وقد تضمن القرار احتساب 75 يوماً غياب بدون مرتب خلال الفترة المشار إليها وبعد تظلمه في 23/ 11/ 1976 صدر قرار آخر في 7/ 4/ 1977 بالإبقاء على قرار الجزاء مع تعديل المدة التي تحتسب غياباً بدون مرتب من 75 يوماً إلى 17 يوماً، فتظلم من هذا القرار الأخير في 24/ 4/ 1977 وقررت الهيئة حفظ هذا التظلم وأخطرته بذلك في 14/ 5/ 1977. وفي 6/ 7/ 1977 تظلم من جديد وأخطر في 3/ 8/ 1977 بحفظ تظلمه فأعاد التظلم في 26/ 9/ 1977 وتقرر حفظ تظلمه في 21/ 9/ 1978 ولم يعلم بقرار الحفظ إلا في 8/ 10/ 1978 فبادر إلى إقامة دعواه أمام المحكمة التأديبية في 20/ 11/ 1978 بطلب إلغاء قرار الجزاء بكافة أشطاره، مؤسساً طلبه على أنه بالنسبة لما هو منسوب إليه من غيابه دون إذن مدة 17 يوماً غير صحيح وأن هذه المدة قضاها في العمل مدللاً على ذلك بأن الموظف المختص للحضور والانصراف أشر أمام اسمه بما يفيد ذلك، وبجلسة 24/ 11/ 1979 قضت المحكمة التأديبية بإلغاء القرار رقم 59 لسنة 1977 الصادر في 7/ 4/ 1977 بمجازاة الطاعن بخصم أربعة أيام من مرتبه وحرمانه من أجره عن مدة 17 يوماً. وأسست المحكمة قضاءها بقبول الدعوى شكلاً على أن التظلمات المتتابعة تقطع ميعاد رفع الدعوى وبحساب هذا الميعاد من التظلم الأخير تعتبر الدعوى مقامة في الميعاد القانوني.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الرأي استقر في تفسير المادتين 12 و24 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 على أنه في حالة التظلم الوجوبي يعتبر فوات ستين يوماً على التظلم دون الرد عليه بمثابة رفضه ويجري ميعاد الطعن من تاريخ هذا الرفض الحكمي، أما في حالة رفض التظلم قبل انقضاء المدة المذكورة فيحسب ميعاد الطعن من تاريخ الرفض، وإذا تكرر التظلم فالعبرة في حساب ميعاد الطعن هي بأول تظلم دون الاعتداد بما يعقبه من تظلمات مكررة لاحقة، وبتطبيق ذلك في الطعن الماثل فإن المدعي في الدعوى رقم 12 لسنة 13 القضائية تقدم بأول تظلم من القرار في 23/ 11/ 1976 وانقضت ستون يوماً على تقديمه دون الرد عليه فكان عليه إقامة دعواه خلال ميعاد ينتهي في 23/ 2/ 1977 ولكنه تراخى حتى 20/ 11/ 1978 فتعتبر دعواه غير مقبولة شكلاً ولا يعتد في هذا الشأن بالقرار الصادر في 7/ 4/ 1977 بالإبقاء على الجزاء وتعديل مدة الخصم لأنه في حقيقته قرار صريح برفض التظلم بالنسبة للجزاء صدر بعد قرينة الرفض الحكمي ولا أثر له في جريان ميعاد الطعن ولا يصح أن يكون محلاً لتظلم جديد لأن التظلم القاطع لميعاد الدعوى هو التظلم من القرار الأصلي وليس من القرار الصادر في التظلم ثم إن هذا القرار الأخير أبقى على الجزاء وعدل مدة الخصم وهي ليست بجزاء وإنما تطبيق لقاعدة الأجر مقابل العمل، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بقبول الدعوى شكلاً على أساس تتابع التظلمات فإنه يكون قد خالف القانون مستوجباً للإلغاء.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه بالدعوى التأديبية رقم 12 لسنة 13 القضائية هو القرار الصادر من الهيئة العامة للطيران المدني برقم 59 لسنة 1977 في 7/ 4/ 1977 بالإبقاء على جزاء الخصم من المرتب لمدة أربعة أيام والاقتصار على خصم 17 يوماً من أجره لغيابه فيها بدون إذن، وقد صدر هذا القرار في التظلم المقدم من المدعي في 23/ 11/ 1976 من قرار الجزاء رقم 279 لسنة 1976 الصادر في 10/ 11/ 1976 بمجازاة المدعي بخصم أربعة أيام من مرتبه وحرمانه من أجر 75 يوماً تغيب فيها بدون إذن.
ومن حيث إنه لما كان المدعي قد تظلم في 23/ 11/ 1976 من القرار الصادر في 10/ 11/ 1976 وانقضت ستون يوماً على تاريخ تظلمه دون البت فيه، وكان انقضاء هذه المدة قرينة قانونية على رفض التظلم يجري منه حساب ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء الجزاء الموقع عليه إلا أن قضاء هذه المحكمة جرى على أن القرينة المشار إليها تنتفي إذا ثبت أن الجهة الإدارية قد استشعرت حقاً للمتظلم واتخذت مسلكاً إيجابياً نحو الاستجابة لتظلمه، وإذ ثبت من الأوراق أن هيئة الطيران المدني لم تهمل التظلم المقدم من المدعي وإنما سلكت مسلكاً إيجابياً نحو الاستجابة لتظلمه وتجلى ذلك في قرارها المطعون فيه الصادر في 7/ 4/ 1977 بإجابة المتظلم جزئياً في شق القرار الخاص بتحميل المدعي أجر 75 يوماً والتي تغيبها بدون إذن وقصر هذا التحميل 17 يوماً فقط، فإن هذا القرار الأخير الصادر في التظلم يعتبر رفضاً للتظلم بالنظر إلى قرار الجزاء ويبدأ سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء في هذا القرار من تاريخ علم المدعي به ولا ينقطع بأي تظلم آخر، وبافتراض علم المدعي بالقرار الأخير في تاريخ تظلمه منه في 24/ 4/ 1977 فقد كان عليه أن يقيم دعواه في ميعاد لا يجاوز 24/ 6/ 1977 وما دام قد تراخى في ذلك حتى 20/ 11/ 1978 فإن دعواه أمام المحكمة التأديبية تكون مقامة بعد الميعاد القانوني وغير مقبولة شكلاً بالنسبة لطلب إلغاء قرار الجزاء وهو خصم أربعة أيام من مرتبه.
ومن حيث إنه عن طلب المدعي إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميله بأجر 17 يوماً تغيبها بدون إذن، فإن هذا الطلب في حقيقته منازعة في التعويض الذي يتحمل به وفقاً للمادة 50 من القانون رقم 58 لسنة 1971 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة، وهي تقضي بحرمان العامل من أجره عن مدة غيابه بدون إذن، وهي منازعة وإن كانت مرتبطة بقرار الجزاء المطلوب إلغاؤه، إلا أنها لا تتقيد بالميعاد المقرر قانوناً لدعوى الإلغاء، وما دامت المحكمة التأديبية قد انتهت إلى قبولها شكلاً وإلى إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل المدعي بأجر 17 يوماً غابها بدون إذن تأسيساً على أن ثمة خللاً إدارياً بقسم السكرتارية المختص بعمليات تسجيل الحضور والانصراف ولا يمكن أن يؤخذ هذا الخلل ضد الطاعن طالما أن الموظف المختص بإثبات الحضور والانصراف وقع أمام اسم المدعي في أيام غيابه بما يفيد وجود مبرر للانصراف، فإن قضاءها يكون قائماً على أسباب سائغة ومتفقاً وصحيح حكم القانون، لما هو مسلم به من أن الموظف يسأل مدنياً عن خطئه الشخصي ولا يسأل عن الخطأ المرفقي طبقاً للمادة 55 من القانون رقم 58 لسنة 1971 المشار إليه آنفاً وهو القانون النافذ وقت صدور القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون فيما تضمنه من إلغاء قرار الجزاء الموقع على المدعي وهو خصم أربعة أيام من مرتبه، ويتعين لذلك تعديل الحكم المطعون فيه في هذا النطاق بحيث يكون عدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة لطلب إلغاء الجزاء وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل المدعي بأجر 17 يوماً تغيبها بدون إذن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً بالنسبة إلى طلب إلغاء الجزاء وبعدم قبول الدعوى في شأن هذا الطلب وبرفض الطعن فيما عدا ذلك من طلبات.