مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والعشرون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1983 إلى آخر فبراير سنة 1984) - صـ 749

(120)
جلسة 28 من فبراير سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح صالح الدهري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أنور محفوظ وطارق عبد الفتاح البشري والدكتور وليم سليمان قلادة ومحمد محمود البيار - المستشارين.

الطعن رقم 1028 لسنة 28 القضائية

عاملون بالقطاع العام - تأديب.
خضوع الجزاءات التأديبية للعاملين بالشركة المصرية لمصايد أعالي البحار للمحاكم التأديبية - قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 يسري على أفراد الطاقم البحري من العاملين في سفن الشركة - أساس ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 16 من مايو سنة 1982 أودع الأستاذ محمد الدفراوي المحامي بصفته وكيلاً عن الشركة المصرية لمصايد أعالي البحار قلم كتاب هذه المحكمة، تقرير الطعن المثبت بسجلاتها برقم 1028 لسنة 28 القضائية ضد السيد/ ........ وذلك طعناً في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 20 من مارس سنة 1982، في الطعن رقم 4 لسنة 24 القضائية والذي قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعن وباختصاصها، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 17 من يناير سنة 1980 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن وما يترتب على ذلك من آثار.
وطلبت الشركة الطاعنة في تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقبول الطعن شكلاً وإلغاء حكم المحكمة التأديبية المشار إليه وبرفض دعوى المطعون ضده وما يترتب على ذلك من آثار.
وقدم مفوض الدولة تقريراً انتهى رأيه فيه إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً بشقيه وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة التي قررت بجلسة 22 من يونيه سنة 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) لنظره بجلسة 15 من أكتوبر سنة 1983، وبتلك الجلسة قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة. وبجلسة 27 من ديسمبر سنة 1983 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم لجلسة 14 من فبراير سنة 1983، ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة النزاع محل هذا الطعن تتحصل - حسبما يستفاد من الأوراق - في أن السيد/ ....... أقام طعنه أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية ضد الشركة المصرية لمصايد أعالي البحار برقم 4 لسنة 24 القضائية طالباً الحكم بوقف قرار إنهاء خدمته بكافة أجزائه، وفي الموضوع بإلغاء القرار 22 لسنة 1980 الصادر في 13 من يناير سنة 1980 بكافة أجزائه وذلك بحكم مشمول بالنفاذ المعجل. وشرح طعنه قائلاً إنه كان ضمن العاملين بأطقم السفن المملوكة للشركة، وفوجئ أثناء قيامه بإحدى الرحلات البحرية للمواني الإنجليزية، أن امتنعت الشركة عن تقديم الخدمات المتعارف عليها لمواجهة الظروف الجوية القاسية فاعترض العاملون بأطقم المراكب على ذلك، وفوجئوا بعد عودتهم بصدور القرار المطعون فيه بإنهاء خدمتهم لعدم الأهلية واستطرد قائلاً إن هذا القرار منعدم لعدم عرضه على اللجنة الثلاثية طبقاً لنص المادتين 81، 85 من نظام العاملين الصادر به القانون رقم 48 لسنة 1978 فضلاً عن افتقاده ركني السبب والمحل لعدم قيام سبب قانوني لإنهاء الخدمة لعدم الأهلية.
وبجلسة العشرين من مارس سنة 1982 حكمت المحكمة التأديبية "برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الطعن وباختصاصها وبرفض الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً وبقبوله وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من المطعون ضده بتاريخ 13/ 1/ 1980 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن اعتباراً من 10/ 1/ 1980 وما يترتب على ذلك من آثار.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن اختصاصها بنظر الطعن مستمد من أن الطاعن من العاملين بإحدى شركات القطاع العام التي تخضع لقانون العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978، ويسري بشأنه قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بالنسبة للطعن على قرارات الجزاء وذلك سواء كانوا من عمال البحر أو من غيرهم وقد استندت المادة 84 من نظام العاملين بالقطاع العام الاختصاص بتوقيع الجزاءات للسلطات التأديبية المبينة بها. ولا سند لما تذهب إليه الشركة من تطبيق قانون التجارة البحري الصادر سنة 1883، وأن القرار المطعون فيه جاء من رئيس مجلس إدارة الشركة متضمناً إنهاء خدمة الطاعن وهو جزء ينعقد الاختصاص بتوقيعه للمحكمة التأديبية طبقاً للمادة 84 سالفة الذكر، بعد استيفاء الإجراءات الجوهرية التي أوجبها القانون ومنها العرض على اللجنة الثلاثية المشار إليها - المادة 85 منه وخرجت المحكمة من ذلك إلى اعتبار القرار المطعون فيه باطلاً بطلاناً مطلقاً مما يجيز الطعن عليه دون التقيد بمواعيد الطعن بالإلغاء. وأن القانون 167 لسنة 1960 في شأن الأمن والنظام والتأديب في السفن إنما يتعلق بالسلطات الفورية الممنوحة للربان على جميع الموجودين بالسفن سواء مسافرين أو من أفراد طاقمها، وفيما عدا هذه المخالفات المحدودة نوعاً ومكاناً تظل سلطة التأديب للعاملين بالبحر في شركات القطاع العام خاضعة للقانون 48 لسنة 1978.
واستند قرار الشركة بالطعن في هذا الحكم إلى أن قانون التجارة البحري الصادر سنة 1883 هو ما ينطبق على ملاحي السفن دون نظام العاملين بالقطاع العام بحسبان أن عمال البحر كانوا مستثنيين أصلاً من قانون العمل رقم 81 لسنة 1959، وأن المادة 86 من قانون التجارة البحري تقضي بأن من أسباب رفع الملاحين عدم الأهلية للخدمة، بمعنى أن عدم الأهلية سبب لانتهاء الخدمة وليس جزاء تأديبياً وأن عمال السفن يعينون على مسميات وظيفية لا على درجات. وفصلت في دفاعها وقدمت حافظة مستندات ضمنتها صورة من فتوى إدارة الفتوى للمصالح العامة بالإسكندرية صادرة في 5 من يوليه سنة 1963 إلى الشركة المصرية لمصايد أعالي البحار وصورة من حكم المحكمة التأديبية بالإسكندرية صادر في 21 من ديسمبر سنة 1969 وكلا المستندين ينتهي إلى عدم انطباق نظام القطاع العام على أفراد الطاقم البحري العاملين على سفن الشركة للأسباب التي وردت بتقرير الطعن.
ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل ينحصر في بيان ما إذا كان نظام العاملين بالقطاع العام ينطبق على أفراد الطاقم البحري العاملين في سفن الشركة أم ينحسر عنهم. ووجه استدلال الشركة الطاعنة على رأيها في هذا الشأن، أن قانون التجارة البحري الصادر في سنة 1883 اشتمل أحكاماً تنظم شئون أفراد طاقم السفينة، وهي نصوص واجبة الاتباع... وأن المشرع عني بتنظيم علاقة العمل في القانون الصادر عام 1944 ثم في القانون المدني الصادر في 1948، ثم في قوانين العمل الصادرة بعد ذلك.. وآخرها القانون رقم 91 لسنة 1959 الذي كان معمولاً به وقت صدور القرار المطعون فيه، واستثنى من تطبيق أحكامه أفراد الطاقم البحري بموجب المادة 88 منه وأن نظم العاملين بالقطاع العام وآخرها القانون رقم 48 لسنة 1978 لم تورد ما يفيد العدول عن هذا الاستثناء مما يجعل علاقة العمل على السفن خارجة عن نطاق تطبيق تشريعات العاملين بالقطاع العام.
ومن حيث إن البيان التشريعي لا يؤيد الشركة الطاعنة فيما تذهب إليه ذلك وأن قانون العمل الموحد الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 الذي كان سارياً وقت صدور القرار المطعون فيه، هذا القانون نص في الفقرة (جـ) من المادة 88 فيه على أن يستثنى من تطبيق أحكام الفصل الثاني من الباب الثاني منه، وهو الخاص بعقد العمل الفردي يستثنى منه "ضباط السفن البحرية ومهندسوها على حدها وغيرهم ممن يسري عليهم قانون التجارة البحري" ثم صدر القانون رقم 158 لسنة 1959 في شأن عقد العمل البحري، الذي يسري بموجب المادة 1 منه "على كل عقد يلتزم شخص بمقتضاه أن يعمل لقاء أجر تحت إدارة أو إشراف ربان سفينة تجارية بحرية من سفن الجمهورية العربية المتحدة. وكذلك على العقد الذي يلتزم به الربان بأن يعمل في سفينة ثم نص في المادة 6 منه: "تسري على الملاحين كافة الأحكام الواردة في القانون المدني وقانون التجارة البحري والقوانين الملحقة به، وكافة التشريعات الخاصة بالعمل وبالتأمينات الاجتماعية، وذلك بالقدر الذي لا يتعارض فيه صراحة أو ضمناً مع أحكام هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذاً له. وورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون، لما كانت هناك أحكام مشتركة بين عمال البر والبحر، فقد رؤى ألا مسوغ لإعادة النص عليها في التشريع الخاص بالآخرين".
ومن حيث إن مفاد ذلك أنه وإن استبعد قانون العمل الموحد عمال البحر من أحكام عقد العمل الفردي ثم لبث قانون عقد العمل البحري أن أعاد عمال البحر إلى حوزة قانون العمل الموحد فيما لا يتعارض مع أحكام القانون الخاص بهم، وذلك بحسبان أن قانون العمل الموحد هو من تشريعات العمل وأنه مما يشكل النظام القانوني العام الموضوع الذي يرجع إليه، فيما لا يتعارض مع النظام القانوني الخاص بعمال البحر الوارد بالقانون رقم 158 لسنة 1959 سالف البيان، وذلك طبقاً لصريح نص المادة السادسة من هذا القانون وشأن قانون العمل الموحد هنا شأن الأحكام العامة الواردة بالقانون المدني عن علاقات العمل ونظام الالتزام، الأحكام الواردة بقانون التجارة البحري. ومن ثم لا يقوم على أساس سليم من القانون بالنظر للشركة الطاعنة في تفريقها القاطع بين مجال تطبيق قانون العمل. وبين مجال تطبيق قانون العمل البحري سواء ما ورد من أحكامه في قانون التجارة البحري، أو ما ورد منها في قانون عقد العمل البحري ويصير التمييز بين مجالي التطبيق تميزاً بين العموم والخصوص وليس فارقاً بين مجالين منفصلين ومستقلين تماماً من مجالات تطبيق القوانين.
ومن حيث إن نظام العاملين بالقطاع العام الصادر به القانون رقم 48 لسنة 1978 وهو القانون الساري عند صدور القرار المطعون فيه نص في المادة 1 منه على أن "تسري أحكام هذا القانون على العاملين في شركات القطاع العام وتسري أحكام قانون العمل فيما لم يرد به نص في هذا القانون" ووفقاً لذلك فإن نظام العاملين بالقطاع العام يسري في إطار دائرة خاصة في الإطار العام للدائرة الأوسع التي يهيمن عليها القانون العام للعمل، بما يشمل هذا الإطار العام من تنظيم لعلاقات العمل عامة ومن تنظيم لعلاقات عمال البحر. وحيث يوجد القطاع العام ينطبق نظام العاملين به في إطار القانون العام للعمل، وفي إطار قوانين أعمال البحر بالنسبة للعاملين بالقطاع العام منهم.
ومن حيث إنه بالنظر للسياق التشريعي المتقدم، فإن الشركة الطاعنة بحسبانها من شركات القطاع العام يخضع نظم علاقات العاملين بها لإطار النظامين الخاصين للعاملين بالقطاع العام ولعمال البحر، وفي ظل الهيئة العامة للقانون العام للعمل، حيث لا توجد أحكام خاصة. والحال أن النظام التأديبي الوارد بنظام العاملين بالقطاع العام، لم يتضمن قانون عقد العمل البحري تنظيماً يعارضه أو أحكاماً تجافيه، فضلاً عن أن المادة 16 من قانون عقد العمل البحري التي قضت ببطلان كل شرط في عقد العمل يخالف أحكام هذا القانون، قد استثنت من البطلان الشرط الأكثر فائدة للملاح. بما يفيد إقراراً تشريعياً باحترام هذا القانون أي شرط أو نظام يكون أكثر فائدة للعامل. ولا شك أن أحكام التأديب الواردة بنظام العاملين بالقطاع العام تحقق من الضمانات للعامل ما تقوم به صلاحيتها المطلقة المأذون بها في المادة 16 من قانون عقد العمل البحري، بما يقوم معه التناسق بين أحكام القانون دون ظهور شبهة للتعارض بينهما في هذا الشأن، وهي تقوم قانوناً في مواجهة ما عسى أن يكون متضمناً في قانون التجارة البحري الصادر سنة 1883، امتثالاً لمعيار الصلاحية للعامل المعترف به قانوناً في النظم القانونية للعمل عامة واستجابة لروح التطور في علاقات العمل عبر عشرات السنين منذ صدور قانون التجارة البحري حتى صدرت قوانين العمل الحديثة، ومراعاة لمنهج الناسخ والمنسوخ من الأحكام، ونسخ الحكم اللاحق للحكم السابق إذا لم يمكن التوفيق بينهما.
ومن حيث إنه فضلاً عن ذلك جميعاً، فإن المادة 86 من قانون التجارة البحري تورد "الأسباب المعتبرة قانوناً لرفع الملاحين" ومنها عدم الأهلية للخدمة. وقد ورد حكمها بطرفيه، سبباً ونتيجة بصيغة من العموم البعيد عن البيان والتفصيل، بما يسع دون تعارض جدي ما ورد في نظم العمل اللاحقة من ضوابط وقيود للتحقق من توافر السبب وأسلوب ترتيب النتيجة. وليس من دليل يقوم به قول الشركة الطاعنة، من أن "الرفع" كمصطلح استخدمه ذلك القانون يقصر عن معنى الفصل التأديبي أو يفيد فقط غير الفصل من طرق إنهاء الخدمة وفسخ علاقة العمل. وغني عن البيان أن خضوع عمال البحر في شركات القطاع العام لنظام العاملين بالقطاع العام، لا يتعارض مع ما للربان من سلطات فورية يمنحها له القانون رقم 167 لسنة 1960 على جميع الموجودين بالسفن سواء مسافرين أو من أفراد طاقمها وذلك في نطاق المخالفات المحددة بهذا القانون نوعاً ومكاناً.
ومن حيث إنه من كل ذلك يثبت للمحكمة خضوع الشركة الطاعنة لنظام العاملين بالقطاع العام بالنسبة لموضوع الطعن الماثل، ومن ثم يصح قانوناً ما بناه الحكم المطعون فيه على ذلك، جرحاً للقرار المطعون فيه من حيث صدوره من رئيس مجلس الإدارة غير المختص، عدواناً على اختصاص المحكمة التأديبية في توقيع جزاء الفصل طبقاً للمادة 84، ومن حيث مخالفته لإجراء جوهري أوجبته بطريق اللزوم المادة 85 وهو العرض على اللجنة الثلاثية، ويترتب على مخالفته أن يكون قرار الفصل "باطلاً بحكم القانون دون حاجة لاتخاذ أي إجراء آخر" الأمر الذي ينعدم به القرار المطعون فيه تطبيقاً لصريح ما قضى به القانون" ومن حيث اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعن في القرار التأديبي المطعون فيه، ومن ثم يكون الطعن الماثل غير قائم على سند من القانون حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.