أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 625

جلسة 19 من يونيه سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عبد الواحد الديب، وعضوية السادة المستشارين دكتور رفعت خفاجي، ومحمد صفوت القاضي، ومحمد عبد الحميد صادق، ومحمد يونس ثابت.

(121)
الطعن رقم 301 لسنة 48 القضائية

1 - إجراءات. "إجراءات المحاكمة". محضر الجلسة. إثبات "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الطلب الجازم. ماهيته؟
حق المحكمة في الاستغناء عن سماع الشهود. إذا قبل المتهم أو المدافع عند ذلك صراحة أو ضمناً.
2 - محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. مرجعه محكمة الموضوع.
3 - محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة في الالتفات عن الطلب المجهل. متى اطمأنت إلى أدلة الثبوت في الدعوى. مثال.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب. غير معيب".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
(5) إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم. متى استخلص الحقيقة من أقواله. بما لا تناقض فيه.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة. حسبما أن تورد من أقواله ما تطمئن إليه في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة.
(7) إثبات. "شهود". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود والدليل الفني. ليس بلازم. كفاية أن يكون الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق.
(8) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. من سلطة محكمة الموضوع. حقها في الأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه.
1 - لما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن الدفاع عن الطاعن طلب التأجيل لسماع شاهد الإثبات الغائب، وبعد أن سمعت المحكمة أقوال شاهدي الإثبات الحاضرين وناقشهما الدفاع، وأشارت النيابة إلى اكتفائها بتلاوة أقوال الشاهد الغائب وتليت، ترافع المدافع عن الطاعن دون أن يصر - ضمن طلباته الأخرى - بصدر مرافعته أو بختامها على سماع هذا الشاهد، مما مفاده أنه عدل عنه، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به، والإصرار عليه في طلباته الختامية، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - بعد تعديلها بالقانون رقم 113 لسنة 1957، قد خولت المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوي في ذلك أن يكون هذا القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً.
2 - لما كان يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب مناقشة الطبيب الشرعي فيما جاء بتقريره من أن إصابة المجني عليه رضية خلافاً لما قرره الشاهد من أنها حدثت من سن الفأس، وفي تحديد عدد الضربات وموقف الضارب من المضروب وما إذا كانت الإصابة الواحدة الموصوفة بالتقرير تحدث من ضربتين، وكان الحكم المطعون فيه نقل عن أوراق علاج المجني عليه وتقرير الصفة التشريحية أن إصابة المجني عليه عبارة عن جرح رضي طوله 15 سم مصحوب بكسر كبير مضاعف بأعلا الجمجمة وأنها تحدث من المصادمة بجسم صلب محدود السطح، وليس ما يمنع من حصولها نتيجة الضرب بمثل البلطة المضبوطة، وتعزى الوفاة إلى هذه الإصابة وما صاحبها من كسور بعظام القبوة وتهتك ونزيف بأنسجة المخ وصدمة عصبية شديدة، وإذ رفضت المحكمة طلب مناقشة الطبيب الشرعي استناداً إلى دقة ووضح تقريره في كيفية حدوث الإصابة ومكانها والآلة المستعملة فيها، بما يتفق وأقوال شهود الإثبات، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه التقرير الطبي الشرعي الذي لا ينازع الطاعن في صحة ما نقله الحكم عنه - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد مجرد جدل في تقدير الدليل مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض وما يبرأ به الحكم من قالتي الإخلال بحق الدفاع وقصور التسبيب.
3 - لما كان الدفاع عن الطاعن لم يوضح في مرافعته - بل وبأسباب طعنه - عندما طلب ضم التقرير الخاص بالبلطة وملابس المجني عليه، سبب هذا الطلب ومرماه فإنه يغدو طلباً مجهلاً لا تثريب على المحكمة إن هي سكتت عنه إيراداً له أو رداً عليه ما دامت قد اطمأنت إلى ما أوردته من أدلة الثبوت في الدعوى.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - إن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 - إن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان أخذها بما اقتنعت به بل حسبما أن تورد منها، ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها في ذلك أن تأخذ بأقواله في أي مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك.
7 - استقر قضاء هذه المحكمة على أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق - لما كان ذلك - وكان يبين مما سلف أن ما حصله الحكم من أقوال شاهدي الإثبات لا يتناقض مع ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية بل يتلاءم معه فإن دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني تكون ولا محل لها.
8 - لما كان الحكم المطعون فيه قد نفى أن الاعتراف المنسوب إلى الطاعن كان وليد إكراه استناداً إلى أنه قول مرسل لا دليل عليه فضلاً عما قرره الطاعن حين نفى في التحقيقات حصول أي إيعاز له أو ضغط عليه للتقرير بهذا الاعتراف وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها فيه، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن هذا الاعتراف إنما كان عن طواعية واختيار ولم يكن نتيجة أي إكراه - واقتنعت بسلامته وصحته فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية على قتل....... لوجود خصومة بينهما وأعد لذلك الغرض آلة حادة قاطعة "بلطة" وانتظره في المكان الذي أيقن سلفاً مروره فيه وما أن شاهده يسير بصحبة المجني عليه حتى انهال عليه ضرباً بالآلة التي معه قاصداً من ذلك قتله فأخطأه وأصاب المجني عليه بالإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات أسيوط قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمواد الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب، ذلك بأن المدافع عنه تمسك بضرورة سماع شاهد الإثبات الغائب، ومناقشة الطبيب الشرعي في عدد الضربات التي حاقت بالمجني عليه وما إذا كانت تحدث من سن البلطة غير أن المحكمة التفتت عن إجابته لأسباب غير سائغة، وأغفلت طلب ضم التقرير الخاص بالبطلة وملابس المجني عليه، إيراداً له ورداً عليه، وقد أقام الحكم قضاءه على سند من القول بمطابقة أقوال شاهدي الإثبات لمضمون الدليل الفني رغم تناقض رواية كل منهما فيما بينها في عدد الضربات التي شاهدها، كما أطرح الحكم دون مبرر مقبول ما دفع به الطاعن من أن الاعتراف المنسوب إليه كان وليد إكراه، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعن بها، وأقام عليها في حقه أدلة مستقاة من أقوال الشهود واعتراف الطاعن وتقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن الدفاع عن الطاعن طلب التأجيل لسماع شاهد الإثبات الغائب، وبعد أن سمعت المحكمة أقوال شاهدي الإثبات الحاضرين وناقشهما الدفاع، وأشارت النيابة إلى اكتفائها بتلاوة أقوال الشاهد الغائب وتليت، ترافع المدافع عن الطاعن دون أن يصر - ضمن طلباته الأخرى - بصدر مرافعته أو بختامها على سماع هذا الشاهد، مما مفاده أنه عدل عنه، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به، والإصرار عليه في طلباته الختامية، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - بعد تعديلها بالقانون رقم 113 لسنة 1957 - قد خولت المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوي في ذلك أن يكون هذا القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن طلب مناقشة الطبيب الشرعي فيما جاء بتقريره من أن إصابة المجني عليه رضية خلافاً لما قرره الشاهد من أنها حدثت من سن الفأس، وفي تحديد عدد الضربات وموقف الضارب من المضروب وما إذا كانت الإصابة الواحدة الموصوفة بالتقرير تحدث من ضربتين، وكان الحكم المطعون فيه نقل عن أوراق علاج المجني عليه وتقرير الصفة التشريحية، أن إصابة المجني عليه عبارة عن جرح رضي طوله 15 سم مصحوب بكسر كبير مضاعف بأعلا الجمجمة وأنها تحدث من المصادمة بجسم صلب محدود السطح، وليس ما يمنع من حصولها نتيجة الضرب بمثل البلطة المضبوطة، وتعزى الوفاة إلى هذه الإصابة وما صاحبها من كسور بعظام القبوة وتهتك ونزيف بأنسجة المخ وصدمة عصبية شديدة، وإذ رفضت المحكمة طلب مناقشة الطبيب الشرعي استناداً إلى دقة ووضح تقريره في كيفية حدوث الإصابة ومكانها والآلة المستعملة فيها، بما يتفق وأقوال شهود الإثبات، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه التقرير الطبي الشرعي الذي لا ينازع الطاعن في صحة ما نقله الحكم عنه وهو الحال في الدعوى المطروحة، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد مجرد جدل في تقدير الدليل مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض وما يبرأ به الحكم من قالتي الإخلال بحق الدفاع وقصور التسبيب. لما كان ذلك، وكان الدفاع عن الطاعن لم يوضح في مرافعته - بل وبأسباب طعنه - عندما طلب ضم التقرير الخاص بالبلطة وملابس المجني عليه، سبب هذا الطلب ومرماه فإنه يغدو طلباً مجهلاً لا تثريب على المحكمة إن هي سكتت عنه إيراداً له أو رداً عليه ما دامت قد اطمأنت إلى ما أوردته من أدلة الثبوت في الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال شاهدي الإثبات الأولين - محل النعي - بما مؤداه أن الطاعن ضرب المجني عليه بالبلطة في رأسه، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكانت المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان أخذها بما اقتنعت به بل حسبما أن تورد منها، ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها في ذلك أن تأخذ بأقواله في أي مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الضرب مرتين على الرأس لا يستتبع بالضرورة أن تترك كل ضربة إصابة متميزة إذ يصح أن تقع الضربتان في مكان واحد من الرأس، وأن الاعتداء بالبلطة لا يستتبع حتماً أن تكون الإصابة الناتجة عنها قطعية بل يصح ما انتهى إليه تقرير الصفة التشريحية والحكم أن تكون رضية تأويلاً لإمكان حصولها من الجزء غير الحاد منها - وإذ استقر قضاء هذه المحكمة على أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان يبين مما سلف أن ما حصله الحكم من أقوال شاهدي الإثبات لا يتناقض مع ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية، بل يتلاءم معه فإن دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني تكون ولا محل لها لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد نفى أن الاعتراف المنسوب إلى الطاعن كان وليد إكراه استناداً إلى أنه قول مرسل لا دليل عليه فضلاً عما قرره الطاعن حين نفى في التحقيقات حصول أي إيعاز له أو ضغط عليه للتقرير بهذا الاعتراف، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشويه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن هذا الاعتراف إنما كان عن طواعية واختيار ولم يكن نتيجة أي إكراه واقتنعت بسلامته وصحته فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون محاولاً لإعادة الجدل في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. ولما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.