أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 661

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد عبد الواحد الديب، وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الدين الرشيدي، وشرف الدين خيري، ومحمد وهبه، ومصطفى جميل مرسى.

(128)
الطعن رقم 458 لسنة 48 القضائية

(1) شيك بدون رصيد. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحرير الشيك بخط الساحب. غير لازم. كفاية توقيعه منه.
توقيع الساحب على بياض. لا يؤثر على سلامة الشيك متى كان مستوفياً بياناته عند تقديمه للصرف.
(2) شيك بدون رصيد. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إصدار الشيك على بياض. مفاده: تفويض المستفيد في تحرير بياناته. افتراض هذا التفويض ما لم يقم الدليل على خلافه.
(3) شيك بدور رصيد. جريمة. أركانها". عقوبة. "تطبيقها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحقق جريمة إعطاء شيك بدون رصيد بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علم الساحب بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب.
(4) شيك بدون رصيد. جريمة. "أركانها". باعث. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم الاعتداد بالأسباب التي دعت إلى إصدار الشيك.
(5) شيك بدون رصيد. جريمة. "أركانها". "أسباب الإباحة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الحالات التي تبيح للساحب الحق في الأمر بعدم صرف قيمة الشيك؟
1 - لما كان لا يوجد في القانون ما يلزم أن تكون بيانات الشيك محرره بخط الساحب وفقط يتعين أن يحمل الشيك توقيع هذا الأخير. لأن خلوه من هذا التوقيع يجعله ورقة لا قيمة لها ولا يؤبه بها في التعامل، فإن توقيع الساحب على الشيك على بياض دون أن يدرج فيه القيمة التي يحق للمستفيد تسلمها من المسحوب عليه أو دون إثبات تاريخ به لا يؤثر على صحة الشيك ما دام قد استوفى تلك البيانات.
2 - أن إعطاء الشيك الصادر لمصلحته بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد في وضع هذين البيانين قبل تقديمه إلى المسحوب عليه وينحسر عنه بالضرورة عبء إثبات وجود هذا التفويض وطبيعته ومداه وينتقل هذا العبء إلى من يدعي خلاف الظاهر.
3 - من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات.
4 - لا عبرة بالأسباب التي دفعت لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية ما دام الشارع لم يستلزم نية خاصة لقيام الجريمة.
5 - لا يجدي الطاعن تسانده إلى أن المدعية بالحقوق المدنية قد ملأت بيانات الشيكات على خلاف الواقع بما كان يتعين معه أن تمتد إليها أسباب الإباحة، إذ أن هذه الحالة لا تدخل في حالات الاستثناء التي تندرج تحت مفهوم حالة ضياع الشيك وهي الحالات التي يتحصل فيها على الشيك عن طريق جرائم سلب المال كالسرقة البسيطة والسرقة بظروف والنصب والتبديد وأيضاً الحصول عليه بطريق التهديد - فحالة الضياع وما في حكمها هي التي أبيح فيها للساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ما له بغير توقف على حكم القضاء تقديراً من الشارع بعلو بحق الساحب في تلك الحال على حق المستفيد استناداً إلى سبب من أسباب الإباحة وهو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التي لا بد لحمايتها من دعوى ولا تصلح مجردة سبباً للإباحة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أصدر بسوء نية شيكاً للشركة المصرية لتجارة الأدوية لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب. وطلبت عقابه بالمادة 337 من قانون العقوبات. وادعت الشركة المصرية لتجارة الأدوية قبل المتهم بمبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة الرمل الجزئية قضت في الدعوى حضورياً. (أولاً) برفض الدعوى بعدم قبول الدعويين المدنية والجنائية وبقبولها. (ثانياً) بمعاقبة المتهم بالحبس شهراً واحداً مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات. (ثالثاً) بإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدني مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وألزمته المصاريف - فاستأنف المحكوم عليه الحكم. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت في الدعوى حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بشقيه الجنائي والمدني مع إيقاف تنفيذ العقوبة مدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إعطاء شيك بدون رصيد قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب، ذلك بأن الطاعن دفع أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعويين المدنية والجنائية استناداً إلى أن العلاقة بينه وبين الشركة المدعية بالحقوق المدنية اتخذت شكل الحساب الجاري، ولذلك تكون الشيكات موضوع الاتهام - بفرض صحتها - قد فقدت ذاتيتها واندمجت في بعضها وأصبحت أحد عناصر هذا الحساب فلا تصلح للمطالبة بقيمتها على استقلال، مما تضحى معه الدعوى المدنية والدعوى الجنائية بالتالي غير مقبولتين، هذا إلى أنه قد تمسك أمام محكمة الموضوع بقيام سبب من أسباب الإباحة تنتفي معه مسئوليته عن الجريمة المسندة إليه، إذ دأبت الشركة المدعية بالحقوق المدنية في التعامل معه على أن تتسلم منه لحسابها وباسمها شيكات تحمل توقيعه فقط وتملأ هي باقي بياناتها وحصلت منه بموجب هذه الشيكات على مبالغ لم تصدر بها، إلا أن المحكمة قد أطرحت دفعه ودفاعه بما لا يبرر رفضها، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى الجنائية بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إعطاء شيكات لا يقابلها رصيد قائم وقابل للسحب التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم أن الشركة المدعية بالحقوق المدنية - المستفيدة - لم تؤسس دعواها على المطالبة بقيمة الدين المثبت بالشيكات موضوع الاتهام وإنما أسسها على المطالبة بتعويض الضرر الناتج من عدم قابلية الشيكات للصرف، وأن الحكم انتهى إلى القضاء بالتعويض المؤقت الذي طلبته - 51 جنيهاً - باعتباره ناشئاً عن الجريمة التي دان الطاعن بها فإنه يكون قد توافر للدعوى المدنية - بدورها - كافة أركانها القانونية من خطأ وضرر ورابطة سببية، ومن ثم تكون مقبولة، ويكون منعي الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يوجد في القانون ما يلزم أن تكون بيانات الشيك محررة بخط الساحب وفقط يتعين أن يحمل الشيك توقيع هذا الأخير، لأن خلوه من هذا التوقيع يجعله ورقة لا قيمة لها ولا يؤبه بها في التعامل، كان توقيع الساحب على الشيك على بياض دون أن يدرج فيه القيمة التي يحق للمستفيد تسلمها من المسحوب عليه أو دون إثبات تاريخ به لا يؤثر على صحة الشيك ما دام قد استوفى تلك البيانات قبل تقديمه للمسحوب عليه، إذ أن إعطاء الشيك للصادر لمصلحته بغير إثبات القيمة أو التاريخ يفيد أن مصدره قد فوض المستفيد في وضع هذين البيانين قبل تقديمه إلى المسحوب عليه وينحسر عنه بالضرورة عبء إثبات وجود هذا التفويض وطبيعته ومداه وينتقل هذا العبء إلى من يدعى خلاف الظاهر. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع في صحة توقيعه على الشيكات موضوع الاتهام ولا يجادل في واقعة قيامه بتسليمها للمدعية بالحقوق المدنية - المستفيدة - تسليماً صحيحاً فإنه لا يجديه قوله أنه ما سلم الشيكات إلى المدعية - موقعاً عليها على بياض - إلا لتكون ضماناً لحقوقها، ذلك أنه من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دفعت لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية ما دام الشارع لم يستلزم نية خاصة لقيام هذه الجريمة، كما لا يجدي الطاعن كذلك تسانده إلى أن المدعية بالحقوق المدنية قد ملأت بيانات الشيكات على خلاف الواقع بما كان يتعين معه أن تمتد إليها أسباب الإباحة، إذ أن هذه الحالة لا تدخل في حالات الاستثناء التي تندرج تحت مفهوم حالة ضياع الشيك - وهي الحالات التي يتحصل فيها على الشيك عن طريق جرائم سلب المال كالسرقة البسيطة والسرقة بظروف والنصب والتبديد وأيضاً الحصول عليه بطريق التهديد، فحالة الضياع وما في حكمها هي التي أبيح فيها للساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ما له بغير توقف على حكم القضاء تقديراً من الشارع بعلو بحق الساحب في تلك الحال على حق المستفيد استناداً إلى سبب من أسباب الإباحة وهو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التي لا بد لحمايتها من دعوى ولا تصلح مجردة سبباً للإباحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر بما يبرأ به من قالة الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.