أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 706

جلسة 19 من أكتوبر سنة 1978

برئاسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: يعيش رشدي، وفاروق راتب، ومحمد علي بليغ، وحسن جمعه.

(140)
الطعن رقم 761 لسنة 48 القضائية

(1) ضرب "أفضى إلى الموت" محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". رابطة السببية. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
رابطة السببية. في جريمة الضرب المفضي إلى الموت. تقدير توافرها. موضوعي.
(2) ضرب "أفضى إلى الموت". إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مساءلة الحكم الطاعن عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت. صحيح. ما دام الطاعن لا ينازع فيما أثبته الحكم. من انحصار إصابات الطاعن في اثنتين. وفي أن تلك التي أحدثها الطاعن. يمكن أن تؤدي إلى الوفاة بينما الأخرى لا دخل لها في إحداث الوفاة. علة ذلك؟
(3) ضرب. "أحداث عاهة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة "أركانها".
العاهة المستديمة. متى تتحقق؟
إثبات الحكم أن إصابة الرأس اقتضت إجراء عملية تربنة ورفع العظام. كفايته لمساءلة محدثها عن جريمة إحداث العاهة.
1 - من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع، ومتى فصلت في شأنها - إثباتاً أو نفياً - فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دامت قد أقامت قضاءها في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهت إليه.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، ومن ثم فإنه لا يقدح في استدلال الحكم أن يكون الطبيب الشرعي لم يجزم بسبب الوفاة، حسبما يقول الطاعن، ما دام هو لا يماري في أن إصابات المجني عليه قد انحصرت في كسر الضلع العاشر الأيمن - الذي أثبت الحكم في حقه إحداثه - وفي إصابة الرأس التي لا دخل لها في إحداث الوفاة، وأن الانسكاب البلوري الذي نتج عن كسر ذلك الضلع يمكن أن يحدث الوفاء، وطالما أنه لا يدعي أن ثمة سبباً آخر قد كشفت الوقائع عن أنه هو الذي أودى بحياة المجني عليه.
3 - يتحقق وجود العاهة - في مفهوم المادة 240 من قانون العقوبات - بفقد أحد الأعضاء أو الأجزاء أو تقليل قوة مقاومته الطبيعية. لما كان ذلك وكان الطاعن الثاني لا يمارى - بدوره - في أن إصابة الرأس قد اقتضت إجراء عملية تربنة ورفع العظام، فإن الحكم إذ ساءله، بعد ما أثبت في حقه إحداث هذه الإصابة، عن نشوء عاهة مستديمة من جرائها لدى المجني عليه، يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما المتهم الأول: ضرب عمداً..... فأحدث به إصابة جانبه الأيمن الموصوفة بالتقرير الطبي ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته. المتهم الثاني: ضرب عمداً المجني عليه سالف الذكر فأحدث به إصابة رأسه الموصوفة بالتقرير الطبي والتي نشأت لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد جزء من عظام الجدارية اليمني وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضورياً عملاً بالمادتين 236/ 1 و240/ 1 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعنين (أولهما) بجريمة ضرب أفضى إلى موت المجني عليه (وثانيهما) بجريمة ضرب نشأت - لدى المجني عليه ذاته - من جرائه عاهة مستديمة، قد انطوى على فساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المجني عليه أدخل المستشفى وبه إصابتان إحداهما كسر بالضلع العاشر الأيمن نتج عنه انسكاب بللوري والأخرى جرح رضي بالجدارية اليمنى اقتضى إجراء عملية تربنة ورفع العظام ثم توفى المجني عليه ولم يوقع الكشف الطبي الشرعي عليه وإنما اكتفى بسؤال الطبيب الشرعي في تحقيق النيابة، ومع أنه لم يجزم بسبب الوفاة أو يذكر أن ثمة عاهة مستديمة قد تخلفت لدى المجني عليه وإنما قصارى ما قرره هو أن الانسكاب البللوري يمكن أن يحدث الوفاة وأن إصابة الرأس لا دخل لها في إحداثها، فقد ساءل الحكم الطاعن الأول الذي أسند إليه إحداث كسر الضلع - عن الوفاة بالرغم من عدم توافر رابطة السببية، كما ساءل الطاعن الثاني - الذي أسند إليه إحداث إصابة الرأس - عن نشوء عاهة مستديمة دون أن يثبت فنياً تخلف هذه العاهة لدى المجني عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما موجزه أن شجاراً نشب بين الطاعنين وبين عائلة المجني عليه - أثناء وجوده في حقله - وإذ اتجه صوبه لاستطلاع الأمر فقد بادره أولهما بالضرب بعصا غليظة على جانبه الأيمن فأحدث كسراً بضلعه العاشر بينما ضربه ثانيهما بكوريك على رأسه، وذلك على مرأى من شاهد كان برفقته في الحقل، وقد نقل المجني عليه إلى المستشفى حيث أجريت له عملية تربنة ورفع العظام ولكنه توفى - بعد قرابة أربعين يوماً متأثراً بهبوط في القلب مرده انسكاب بللوري نتج عن كسر الضلع العاشر الأيمن. وأقام الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعنين أدلة سائغة مستقاة مما قرره في التحقيق كل من المجني عليه - قبل وفاته - والشاهد المرافق له والطبيب الشرعي، ومما جاء بالتقرير الطبي وكتاب المستشفي اللذين أورد الحكم مضمونهما في قوله: "وثبت من التقرير الطبي ومن كتاب مستشفى....... المؤرخ 9/ 11/ 1974 أن المجني عليه أصيب بجرح رضي بالجدارية اليمني تحته كسر مضاعف منخسف بمؤخر الجدارية اليمنى كما أصيب بكسر بسيط بالضلع العاشر الأيمن وإن هذه الإصابات تحدث من جسم صلب راض كعصا غليظة وكان الضارب في مواجهة المضروب وعلى يمينه قليلاً وفي مستواه وعلى مسافة قريبة جداً منه، وقد أجريت للمجني عليه عملية تربنة ورفع العظام المنخسفة ثم توفى المجني عليه بتاريخ 19/ 9/ 1974 نتيجة هبوط في القلب مرده إلى الانسكاب البللوري الأيمن نتيجة الكسر البسيط الحاصل بالضلع العاشر الأيمن". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع ومتى فصلت في شأنها - إثباتاً أو نفياً - فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دامت قد أقامت قضاءها في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهت إليه - كما هي الحال في الدعوى الماثلة - فإنه لا يقدح في استدلال الحكم أن يكون الطبيب الشرعي لم يجزم بسبب الوفاة، حسبما يقول الطاعن الأول، ما دام هو لا يماري في أن إصابات المجني عليه قد انحصرت في كسر الضلع العاشر الأيمن - الذي أثبت الحكم في حقه إحداثه وفي إصابة الرأس التي لا دخل لها في إحداث وفاة المجني عليه، وإن الانسكاب البللوري الذي نتج عن كسر ذلك الضلع يمكن أن يحدث الوفاة، وطالما أنه لا يدعي أن ثمة سبباً آخر قد كشفت الوقائع عن أنه هو الذي أودى بحياة المجني عليه، وذلك لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، ومن ثم يكون الحكم مبرأ مما يعيبه عليه الطاعن الأول. لما كان ذلك، وكان الطاعن الثاني لا يماري - بدوره - في أن إصابة الرأس قد اقتضت إجراء عملية تربنة ورفع العظام، فإن الحكم إذ ساءله - بعد ما أثبت في حقه إحداث هذه الإصابة - عن نشوء عاهة مستديمة من جرائها لدى المجني عليه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً، لما هو مقرر من أن العاهة - في مفهوم المادة 240 من قانون العقوبات - يتحقق وجودها بفقد أحد الأعضاء أو الأجزاء أو تقليل قوة مقاومته الطبيعية. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.