أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 727

جلسة 26 من أكتوبر سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عثمان الزيني. ويعيش رشدي. وفاروق راتب. ومحمد علي بليغ.

(146)
الطعن رقم 768 لسنة 48 القضائية

(1) تلبس. قبض. تفتيش. مأمور الضبط القضائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". مواد مخدرة. دفوع. "الدفع ببطلان القبض والتفتيش". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
دخول الضابط. كشخص عادى. مع مرشد سري. مسكن المتهم بناء على إذن الأخير. إلقاء الضابط القبض على المتهم. من بعد. لتوافر التلبس. ببيع المخدر للضابط وإحرازه. صحيح.
(2) إثبات. "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إكراه. دفوع. "الدفع ببطلان الاعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إجراءات. "إجراءات التحقيق". بطلان. استجواب.
(2) تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
انتهاء المحكمة إلى سلامة اعتراف المتهم. لانتفاء الصلة بين إصابته. وبين الاعتراف. حق لها. لا ينال منه. تمام الاستجواب في حضور مخبر المباحث. علة ذلك؟
(3) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. عدم جواز إثارته. لأول مرة. أمام النقض.
(4) مواد مخدرة. قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
توافر قصد الاتجار في المواد المخدرة. تستقل به محكمة الموضوع. إثبات الحكم قيام الطاعن ببيع المخدر. دلالته بذاته. على توافر قصد الاتجار. بغض النظر عن ضآلة الكمية المضبوطة. كفايته رداً على دفاع الطاعن باستعماله المخدر بالعلاج وبقصد الاستعمال الشخصي.
1 - متى كان دخول الضباط، كشخص عادى، مع المرشد السري - الذي سبق تردده على الطاعن - في مسكن الأخير قد حصل بناء على إذن منه بالدخول غير مشوب بما يبطله، إذ لم يعقبه قبض ولا تفتيش ولم يكن أيهما هو المقصود بالدخول، وإنما وقع القبض على الطاعن وضبط المضبوطات - التي عثر بها على آثار المخدر - بعد ما كانت جناية بيع المخدر متلبساً بها، بتمام التعاقد الذي تظاهر فيه الضابط بشرائه من الطاعن كمية من مخدر - الذي علم من المرشد أن الطاعن يحرزه بقصد بيعه وحقن بعض المدمنين به، بل وحين صارت جناية إحراز ذلك المخدر متلبساً بها كذلك، حال ارتكاب الطاعن إياها بمحض إرادته لتسليم المبيع - طوامية - فإن الحكم يكون سليماً فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش.
2 - الاعتراف في المواد الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها دون غيرها - البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على ما أثاره المدافع عن الطاعن من بطلان الاعتراف في قوله: "والمحكمة تطمئن إلى سلامة الاعتراف الذي أدلى به المتهم - الطاعن - سواء في محضر الضبط أو بتحقيقات النيابة وإلى أنه صدر عن طواعية وإرادة حرة دون إكراه أو ضغط وإن الإصابة التي حدثت به لا علاقة لها بالاعتراف الذي أدلى به وتأخذ المحكمة في هذا الصدد بأقوال ضابط الواقعة الذي قرر بأن تلك الإصابة قد حدثت بالمتهم أثناء مقاومته لإجراء الضبط الذي تم صحيحاً ووفقاً للقانون". فإن المحكمة إذ تحققت، للأسباب السائغة التي ساقتها على النحو المتقدم - من أن إصابة الطاعن منبتة الصلة تماماً باعترافه الذي أدلى به في كل من محضر جمع الاستدلالات وتحقيق النيابة، واطمأنت إلى أن هذا الاعتراف سليم مما يشوبه، تكون قد مارست السلطة المخولة لها بغير معقب - ولو صح ما يثيره الطاعن من أن استجوابه قد تم في حضرة مخبري المباحث المكلفين بحراسته، لأن مجرد حضورهم وخشيته منهم لا يعد قرين الإكراه المبطل لاعترافه لا معنى ولا حكماً.
3 - من المقرر أن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، كما أنه لا يحق للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يعيب التحقيقات بوجود نقض فيها - سواء لعدم عرضه على الطبيب لفحص إصابته أو لعدم سماع شهادة الرائد الذي انتقل وانتظر خارج العقار قبل الضبط - كما أنه لم يطلب من المحكمة استدعاء هذا الشاهد لمناقشته فإنه لا يقبل منه إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن إحراز المخدر بقصد الاتجار واقعة مادية تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ما دامت تقييمها على ما ينتجها. ولما كانت واقعة الدعوى - وفق تحصيل الحكم - دالة بذاتها على توفر قصد الاتجار في حق الطاعن، بغض النظر عن كمية المخدر التي كان يحرزها، وذلك لما أثبته الحكم في حقه من قيامه ببيع المخدر للضابط الذي تظاهر بالشراء، فإن في ذلك ما يكفي للرد على طلبه عرضه على الطبيب الشرعي للتحقق من مرضه وحاجته إلى العلاج بمثل المخدر المضبوط ولدحض دفاعه القائم على إحرازه المخدر بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز مخدراً (أحد مشتقات الأمفيتامين) وكان ذلك بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته لمحكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمواد الواردة بقرار الاتهام، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/ 1 و2/ 1 و42 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 40 لسنة 1966 والبند 50 من الجدول رقم 1 المرافق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة ثلاث سنوات وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المضبوطات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز مخدر بقصد الاتجار، قد انطوى على فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتيش - لإجرائهما في مسكن الطاعن بدون أمر من النيابة العامة وفي غير أحوال التلبس - وببطلان الاعتراف المعزو إليه، لأنه وليد إكراه وقع عليه، بيد أن الحكم رفض هذا الدفع بشقيه بالرغم من اقتحام الضابط للمسكن ومن إثبات وجود إصابة بالطاعن لدى مناظرته في تحقيق النيابة فضلاً عن استجوابه في حضرة مخبري المباحث المكلفين بحراسته - ورد على الدفع بما لا يصلح رداً، ثم إن الحكم التفت عن الدفع ببطلان التحقيقات - لعدم عرض الطاعن على الطبيب لفحص إصابته ولعدم سماع شهادة الرائد الذي انتقل مع الضابط المشار إليه - كما أنه أغفل طلب استدعاء هذا الشاهد لمناقشته، ولم يرد على طلب عرض الطاعن على الطبيب الشرعي للتحقق من مرضه بالربو وحاجته إلى العلاج بمثل المخدر المضبوط. هذا إلى أن المستندات التي قدمت إلى المحكمة للتدليل على ذلك المرض، بالإضافة إلى ضآلة الكمية المضبوطة، كل ذلك من شأنه أن ينفي عن الطاعن قصد الاتجار الذي آخذ الحكم الطاعن على أساس توافره في حقه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه أثناء وجود أحد الضابط بحجرة رائد القسم، حضر مرشد سري وأبلغ الرائد أن الطاعن يحرز مادة الماكستون فورت بقصد بيعها وحقن المدمنين بها، فأنتقل الجميع إلى العقار - الذي يسكن الطاعن في حجرة بأسفله ويعمل بواباً به - وانتظر الرائد في الخارج بينما دخل الضابط الآخر والمرشد من باب الحجرة الذي كان مفتوحاً بعد ما أذن لهما الطاعن بالدخول، وإذ زعم المرشد - الذي سبق تردده على الطاعن - أن الضابط صديق له ومن مدمني تعاطي المادة المخدرة المذكورة، وطلب الضابط شراء كمية منها، فقد تقاضى الثمن الذي حدده، من الضابط ثم غادر الحجرة وما لبث أن عاد بعد قليل ومعه زجاجة ومخدر ومحقن وزجاجة أخرى فارغة بدأ يفرغ فيها كمية من سائل المخدر بالمحقن، ولما أحس بأنه على وشك إلقاء القبض عليه قام بكسر زجاجة المخدر والمحقن وتمكن الضابط من ضبط الزجاجة الأخرى والتقاط ما بقى من المحقن حيث ثبت العثور بهما على آثار لأحد مشتقات الأمفيتامين المدرج بجدول المخدرات. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه - على هذه الصورة - في حق الطاعن أدلة مستمدة من شهادة الضابط الذي قام بضبط الواقعة ونتيجة التحليل ومن اعتراف الطاعن. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به المدافع عن الطاعن من بطلان القبض والتفتيش ورد عليه بقوله: "وأما عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش فمردود بما ثبت من أقوال ضابط الشرطة...... من دخوله والمرشد السري إلى حجرة المتهم - الطاعن - بعد أن أذن الأخير لهما أي أن دخولهما كان بموافقته وهو أمر تستخلصه المحكمة أيضاً من عدم اعتراضه على دخولهما الحجرة والتي كان يتواجد بها وبابها مفتوح ومن مبادلة الحديث معهما وإبدائه الاستعداد لتلبية طلب الضابط وأنه قام بضبط المتهم بعد أن أقر له ببيعه إياه المادة المخدرة وتقاضي ثمنها وإحضاره فعلاً زجاجة محتوية لها وأخرى فارغة ومحقن. كل هذا تتوافر فيه حالة التلبس التي تبيح لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم الحاضر وتفتيشه" وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على الدفع مفاده أن المحكمة قد استخلصت - في حدود سلطتها الموضوعية ومن الأدلة السائغة التي أوردتها - أن دخول الضباط كشخص عادي، ومعه المرشد السري - الذي سبق تردده على الطاعن - في مسكن الأخير قد حصل بناء على إذن منه بالدخول غير مشوب بما يبطله، إذ لم يعقبه قبض ولا تفتيش ولم يكن أيهما هو المقصود بالدخول، وإنما وقع القبض على الطاعن وضبط المضبوطات - التي عثر بها على آثار المخدر - بعد ما كانت جناية بيع هذا المخدر متلبساً بها، بتمام التعاقد الذي تظاهر فيه الضابط بشرائه من الطاعن كمية من مخدر - الذي علم من المرشد أن الطاعن يحرزه بقصد بيعه وحقن بعض المدمنين به - بل وحين صارت جناية إحراز ذلك المخدر متلبساً بها كذلك، حال ارتكاب الطاعن إياها بمحض إرادته لتسليم المبيع - طواعية - فإن الحكم يكون سليماً فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على ما أثاره المدافع عن الطاعن من بطلان الاعتراف في قوله: "والمحكمة تطمئن إلى سلامة الاعتراف الذي أدلى به المتهم - الطاعن - سواء في محضر الضبط أو بتحقيقات النيابة وإلى أنه صدر عن طواعية وإرادة حرة دون إكراه أو ضغط وأن الإصابة التي حدثت به لا علاقة لها بالاعتراف الذي أدلى به وتأخذ المحكمة في هذا الصدد بأقوال ضابط الواقعة الذي قرر بأن تلك الإصابة قد حدثت بالمتهم أثناء مقاومته لإجراء الضبط الذي تم صحيحاً ووفقاً للقانون". ولما كان الاعتراف في المواد الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها - دون غيرها - البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، فإن المحكمة إذ تحققت - للأسباب السائغة التي ساقتها على النحو المتقدم - من أن إصابة الطاعن منبتة الصلة تماماً باعتراف الذي أدلى به في كل من محضر جمع الاستدلالات وتحقيق النيابة، واطمأنت إلى أن هذا الاعتراف سليم مما يشوبه، تكون قد مارست السلطة المخولة لها بغير معقب عليها، ولو صح ما يثيره الطاعن من أن استجوابه قد تم في حضرة مخبري المباحث - المكلفين بحراسته - لأن مجرد حضورهم وخشيته منهم لا يعد قرين الإكراه المبطل لاعترافه لا معني ولا حكماً، لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يعيب التحقيقات بوجود نقض فيها - سواء لعدم عرضه على الطبيب لفحص إصابته أو لعدم سماع شهادة الرائد الذي انتقل وانتظر خارج العقار قبل الضبط - كما أنه لم يطلب من المحكمة استدعاء هذا الشاهد لمناقشته، فإنه لا يقبل منه إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم، ولأنه لا يحق للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر قصد الاتجار في حق الطاعن بقوله: "وحيث إنه عن قصد المتهم - الطاعن - من حيازة المخدر المضبوط فإن الثابت بيقين أن حيازته كانت بقصد الاتجار وقد أفصح المتهم عن هذا القصد من قيامه ببيع عشرة سنتيمترات منه إلى شاهد الإثبات مقابل خمسة جنيهات قبضها فعلاً وفقاً لما شهد به الأخير مما يقطع بأن الحيازة كانت بقصد الاتجار ولا تعول المحكمة في ذلك على ما ذهب إليه المتهم في اعترافه من أنه يجوزه بقصد التعاطي وترى أن هذا الدفاع لم يقصد منه إلا التخفيف من مسئوليته "وإذ كان إحراز المخدر بقصد الاتجار واقعة مادية تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ما دامت تقيمها على ما ينتجها، وكانت واقعة الدعوى - وفق تحصيل الحكم - دالة بذاتها على توافر قصد الاتجار في حق الطاعن، بغض النظر عن كمية المخدر التي كان يحرزها، وذلك لما أثبته الحكم في حقه - على النحو السالف بيانه - من قيامه ببيع المخدر للضابط الذي تظاهر بالشراء، فإن في ذلك ما يكفي للرد على طلب عرضه على الطبيب الشرعي للتحقق من مرضه وحاجته إلى العلاج بمثل المخدر المضبوط ولدحض دفاعه القائم على إحرازه المخدر بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.