أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 42 - صـ 475

جلسة 7 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم البنا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعمار إبراهيم وأحمد جمال عبد اللطيف وبهيج حسن القصبجي.

(67)
الطعن رقم 194 لسنة 60 القضائية

(1) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". إجراءات "إجراءات التحقيق". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
خلو محضر الاستدلالات من أوصاف مسكن الطاعن، غير قادح في جدية ما تضمنه من تحريات.
(2) مواد مخدرة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". "حكم" "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير توافر قصد الاتجار في المخدر. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر قصد الاتجار في المخدر.
(3) مواد مخدرة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ لحكم بالإدانة في جريمة إحراز مخدر.
(4) حكم "بيانات حكم الإدانة" "بيانات التسبيب".
بيانات حكم الإدانة؟
صياغة الحكم. لم يرسم لها القانون شكلاً خاصاً.
(5) نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الجدل الموضوعي. غير جائز أمام النقض.
(6) دفوع "الدفع بشيوع التهمة". إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بشيوع التهمة. موضوعي. لا يستأهل رداً خاصاً.
(7) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(8) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
(9) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إعراض الحكم عن قالة شهود النفي. لا يعيبه. قضاؤه بالإدانة لأدلة الثبوت التي بينها. دلالته إطراح شهادتهم.
(10) محكمة الإعادة. إثبات "معاينة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات "إجراءات التحقيق".
نقض الحكم وإعادة المحاكمة. يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. حد ذلك: ألا يتناهى إلى طلبات التحقيق. علة ذلك؟
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير جائز.
مثال: -
(11) إثبات "معاينة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة. دفاع موضوعي. عدم التزام المحكمة بإجابته.
1 - لما كان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع التي متى اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد سوغ الأمر بالتفتيش وأقر النيابة على تصرفها في هذا الشأن، وكان خلو محضر الاستدلال من ذكر أوصاف مسكن الطاعن - لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحريات، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً.
2 - لما كان توافر قصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على قيام هذا القصد في حق الطاعن في قوله "وحيث إن المحكمة تستخلص من ظروف الدعوى وأخصها كبر حجم كمية مخدر الحشيش المضبوطة والتي بلغت سبعة طرب كاملة، ومن سابقة الحكم على المتهم بالإدانة في العديد من قضايا المخدرات فضلاً عن تحريات الشرطة من أن قصد المتهم من حيازة المخدر هو الاتجار" وهو تدليل كاف وسائغ يحمل قضاء الحكم ولا يمارى الطاعن في أصوله الثابتة بأوراق الدعوى، فإن النعي على الحكم بدعوى القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال لا يكون سديداً.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المقدم...... المفتش بمنطقة مكافحة المخدرات الغربية قام بعد استئذان النيابة العامة بتفتيش مسكن الطاعن في حضور الرائد...... فعثر على سبع طرب لمخدر الحشيش أسفل السرير الذي كان الطاعن جالساً عليه وقت مداهمة مسكنه، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة استمدها من شهادة الضابطين سالفي الذكر التي حصلها بما يتفق وما أورده في بيان الواقعة، ومن تقرير المعامل الكيماوية بالطب الشرعي، فإن هذا بحسب الحكم بياناً لواقعة الدعوى والتدليل على ثبوتها في حق الطاعن وكاف لحل قضاء الحكم.
4 - من المقرر أن القانون وإن أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يورد مؤدي الأدلة التي استخلص منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها.
5 - لما كان الحكم قد عرض لما قام عليه دفاع الطاعن من تلفيق الاهتمام وأطرحه بأسباب سائغة أفصح فيها عن اطمئنانه لأدلة الثبوت السائغة التي أوردها فإنه يكون من غير المقبول العودة إلى إثارة مثل هذه الأمور لكونها من قبيل الجدل الموضوعي الذي لا يصح التحدي به أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن الدفاع بشيوع التهمة هو من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها.
7 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
8 - إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب عليها.
9 - لما كان لا يقدح في سلامة الحكم أو ينال من استدلاله إعراضه عن قالة شاهدي النفي وعدم إشارته إليها وتناولها بالرد ذلك أن قضاءه بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينها يفيد دلالة أنه أطرح شهادتهما ولم ير الأخذ بها، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص بدوره غير مقبول.
10 - لما كان نقض الحكم وإعادة المحاكمة وإن كان يعيد الدعوى أمام محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض إلا أن ذلك لا يتناهى إلى طلبات التحقيق التي لا مشاحة في أن ملاك الأمر فيها يرجع إلى المتهم وحده يختار منها - هو أو المدافع عنه - ما يناسبه ويتسق مع خطته في الدفاع ويترك منها ما قد يرى أنه ليس كذلك، وإذ كان الدفاع عن الطاعن قد طلب في المحاكمة السابقة على الطعن بالنقض لأول مرة إجراء معاينة لمسكن الطاعن إلا أنه لا يبين من الأوراق أنه عاد إلى التمسك بهذا الطلب أمام محكمة الإعادة، فلا يكون له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها.
11 - لما كان طلب المعاينة إذا كان لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن مثل هذا الطلب يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ولا يستلزم منها رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من قضاءها بالإدانة. ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن بشأن عدم استجابة المحكمة لطلب إجراء المعاينة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: حاز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيش) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما هو منسوب إليه ومصادرة المخدر المضبوط. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم 4190 لسنة 57 القضائية) وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات كفر الشيخ للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى. ومحكمة الإعادة - بهيئة أخرى - قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 7/ 1، 34/ 2، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي 40 لسنة 60، 61 لسنة 1977 والبند 57 من الجدول الأول والمستبدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشرة سنوات وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة حيازة جوهر مخدر بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان الإذن بالقبض عليه وتفتيشه لابتنائه على تحريات غير جدية، بيد أن الحكم تناول هذا الدفع برد قاصر وغير سائغ، أورد فيه أنه لا ضرورة لوصف مسكن المتهم في محضر التحريات وهو ما لا يتمشى مع ظروف الواقعة موضوع الدعوى وتزامن صدور الإذن مع صدور إذن آخر بتفتيش مسكن شقيق الطاعن المقيم في ذات العقار مما كان يوجب إعطاء وصف محدد لمسكن كل منهما. ولم يدلل الحكم تدليلاً سائغاً وكافياً على توافر قصد الاتجار في حق الطاعن. كما شاب الحكم غموض وإبهام واضطراب وتخاذل في بيان الواقعة والتدليل على توافر أركانها، ورد بما لا يصلح رداً على ما قام عليه دفاع الطاعن من تلفيق الاتهام وشيوعه وعدم معقولية تصوير شاهدي الإثبات للواقعة، ملتفتاً عما ساقه الدفاع من شواهد ذلك وعن أقوال شاهدي النفي المؤيدة لهذا الدفاع، كما أعرض عن طلبه إجراء معاينة لمكان الضبط، كل ذلك بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن نقل عن شاهدي الإثبات أن التحريات التي قام بها بالاشتراك مع آخرين من ضباط الشرطة دلت على أن الطاعن يتاجر في المواد المخدرة ويحتفظ بها معه وبمسكنه بناحية جماجون قد عرض للدفع ببطلان إذن النيابة العامة بالتفتيش لعدم جدية التحريات وأطرحه في قوله: "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة بضبط وتفتيش المتهم على سند من القول بأن التحريات التي بني عليها الإذن غير جدية فإن هذا الدفع مردود وفي غير محله ذلك بأن المحكمة تقتنع بجدية التحريات التي قام عليها إذن الضبط والتفتيش وكفايتها وتقر النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن". لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع التي متى اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد سوغ الأمر بالتفتيش وأقر النيابة على تصرفها في هذا الشأن، وكان خلو محضر الاستدلال من ذكر أوصاف مسكن الطاعن - لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحريات، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان توافر قصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على قيام هذا القصد في حق الطاعن في قوله "وحيث إن المحكمة تستخلص من ظروف الدعوى وأخصها كبر حجم كمية مخدر الحشيش المضبوطة والتي بلغت سبعة طرب كاملة، ومن سابقة الحكم على المتهم بالإدانة في العديد من قضايا المخدرات فضلاً عن تحريات الشرطة من أن قصد المتهم من حيازة المخدر هو الاتجار". وهو تدليل كاف وسائغ يحمل قضاء الحكم ولا يمارى الطاعن في أصوله الثابتة بأوراق الدعوى، فإن النعي على الحكم بدعوة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المقدم....... المفتش بمنطقة مكافحة المخدرات الغربية قام بعد استئذان النيابة العامة بتفتيش مسكن الطاعن في حضور الرائد...... فعثر على سبع طرب لمخدر الحشيش أسفل السرير الذي كان الطاعن جالساً عليه وقت مداهمة مسكنة، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة استمدها من شهادة الضابطين سالفي الذكر التي حصلها بما يتفق وما أورده في بيان الواقعة، ومن تقرير المعامل الكيماوية بالطب الشرعي، فإن هذا بحسب الحكم بياناً لواقعة الدعوى والتدليل على ثبوتها في حق الطاعن وكاف لحمل قضاء الحكم. لما هو مقرر من أن القانون وإن أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة مأخذها إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن من غموض واضطراب الحكم، وتخاذله في بيان الواقعة وأدلة ثبوتها يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما قام عليه دفاع الطاعن من تلفيق الاتهام وأطرحه بأسباب سائغة أفصح فيها عن اطمئنانه لأدلة الثبوت السائغة التي أوردها فإنه يكون من غير المقبول العودة إلى إثارة مثل هذه الأمور لكونها من قبيل الجدل الموضوعي الذي لا يصح التحدي به أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفاع بشيوع التهمة هو من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها. وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما استقر في عقيدة ووجدان المحكمة من انبساط سلطان الطاعن على جوهر الحشيش المضبوط استناداً إلى أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق وتتفق والاقتضاء العقلي، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعة إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب عليها. وكانت المحكمة قد اقتنعت بحصول الواقعة على الصورة التي رواها شاهدا الإثبات اطمئناناً منها إلى صدق أقوالهما مما مفاده أنها أطرحت دفاع الطاعن القائم على عدم معقولية حدوث الضبط على تلك الصورة، وكان لا يقدح في سلامة الحكم أو ينال من استدلاله إعراضه عن قالة شاهدي النفي وعدم إشارته إليها وتناولها بالرد ذلك أن قضاءه بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي بينها يفيد دلالة أنه أطرح شهادتهما ولم ير الأخذ بها، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص بدوره غير مقبول. لما كان ذلك، وكان نقض الحكم وإعادة المحاكمة وإن كان يعيد الدعوى أمام محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض إلا أن ذلك لا يتناهى إلى طلبات التحقيق التي لا مشاحة في أن ملاك الأمر فيها يرجع إلى المتهم وحده يختار منها - هو أو المدافع عنه - ما يناسبه ويستق مع خطته في الدفاع ويترك منها ما قد يرى أنه ليس كذلك، وإذ كان الدفاع عن الطاعن قد طلب في المحاكمة السابقة على الطعن بالنقض لأول مرة إجراء معاينة لمسكن الطاعن إلا أنه لا يبين من الأوراق أنه عاد إلى التمسك بهذا الطلب أمام محكمة الإعادة، فلا يكون له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها. هذا فضلاً عما هو مقرر من أن طلب المعاينة إذا كان لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن مثل هذا طلب يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ولا يستلزم منها رداً صريحاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من قضاءها بالإدانة. ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن بشأن عدم استجابة المحكمة لطلب إجراء المعاينة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.