أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 42 - صـ 515

جلسة 14 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم البنا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد الوهاب الخياط وعبد اللطيف أبو النيل نائبي رئيس المحكمة وعمار إبراهيم وأحمد جمال.

(75)
الطعن رقم 288 لسنة 60 القضائية

(1) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر نية القتل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. إدراك توافره. موضوعي.
محاولة الطاعن تقبيل المجني عليها بمجرد دخوله منزلها. لا يتعارض مع شروعه بعد ذلك في قتلها.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم تقيد المحكمة بالأدلة المباشرة دون غيرها.
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الواقعة المراد إثباتها. كفاية استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج وترتيب النتائج على المقدمات.
(3) شروع. قتل عمد. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير أسباب عدم إتمام الجريمة وما إذا كانت راجعة لإرادة الجاني أم لا. موضوعي.
(4) قتل عمد. ظروف مشددة. سبق إصرار. عقوبة "العقوبة المبررة". شروع. نقض "المصلحة في الطعن".
لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم قصوره في استظهار سبق الإصرار. متى كانت العقوبة المقضى بها تدخل في الحدود المقررة لجناية الشروع في القتل العمد مجردة من أي ظرف مشدد.
1 - لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وكان استخلاص هذه النية موكولاً إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه - بعد أن أثبت استناداً إلى التقرير الطبي الشرعي أن الطاعن وجه إلى المجني عليها إحدى عشرة طعنة بالسكين شقت أحدها قفصها الصدري، ونفذت أخرى إلى الفص الأيسر للرئة - قد عرض لنية القتل واستظهرها في قوله: "ومن حيث إنه عن نية القتل، فالثابت أن المتهم كان موغر الصدر من المجني عليها لعدم مجاراته في محاولته الارتباط بها عاطفياً دون التقدم لخطبتها ولسخريتها منه وأنه توجه إليها في مسكنها منتهزاً فرصة وجودها بمفردها ومعه سكين خبأه في طيات ملابسه ثم اقتحم باب المسكن رغم أن المجني عليها ردته عنه وبادر بطعنها في صدرها طعنة قاتلة وظل يطعنها رغم صراخها حتى بلغت طعناته لها إحدى عشرة طعنة، ولم يتوقف إلا عند حضور الجيران الأمر الذي يؤكد أن المتهم كان يقصد إزهاق روح المجني عليها وليس مجرد الإيذاء والتعدي". وكان ما أورده الحكم - فيما تقدم - كافياً وسائغاً في إثبات توافر نية القتل لدى الطاعن، وكان ما حاوله الطاعن من تقبيل المجني عليها بمجرد دخوله منزلها لا يتعارض مع شروعه بعد ذلك في قتلها، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.
2 - لما كان من المقرر أن المحكمة غير مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة وحدها، وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يستخلص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن المجني عليها أنها كانت تصد محاولات الطاعن للارتباط بها عاطفياً وأنه اتصل بها هاتفياً في مساء يوم الحادث طالباً مقابلتها، ولكنها رفضت ذلك وأنهت المكالمة، كما نقل الحكم عن الطاعن أن المجني عليها سخرت منه عند اتصاله الهاتفي بها فتوجه إلى مسكنها حيث حدثت بينهما مشادة، وكان الطاعن لا ينازع في أن لهذه الأقوال مأخذها الصحيح من الأوراق، فإن ما استخلصه منها الحكم من أن الطاعن حضر إلى مسكن المجني عليها وهو موغر الصدر منها لرفضها الارتباط به عاطفياً يكون استخلاصاً سائغاً لا خروج فيه عن الاقتضاء العقلي والمنطقي مما لا محل معه لما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص.
3 - لما كان تقدير الأسباب التي من أجلها لم تتم الجريمة، وما إذا كانت هذه الأسباب راجعة إلى إرادة الجاني أم أنه لا دخل لإرادته فيه هو أمر يتعلق بالوقائع التي يفصل فيها قاضي الموضوع بغير رقابة عليه من محكمة النقض، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من القرائن وسائر أدلة الثبوت القائمة في الدعوى أن الطاعن استنفد نشاطه الإجرامي كاملاً بما وجه إلى المجني عليها من طعنات في مقتل من جسمها بقصد الإجهاز عليها، وأن الجريمة إنما خاب أثرها لسبب خارج عن إرادته هو مداركة المجني عليها بالعلاج، فإن الحكم يكون قد فصل في أمر موضوعي لا معقب عليه فيه، ويكون ما انتهى إليه من إدانة الطاعن بوصف الشروع في ارتكاب جناية قتل عمد صحيحاً في القانون مما لا محل معه لما يثيره الطاعن من أنه كف باختياره عن مواصلة الاعتداء.
4 - لما كانت العقوبة المقضى بها على الطاعن وهي السجن لمدة خمس سنوات تدخل في الحدود المقررة لجناية الشروع في القتل العمد مجردة من أي ظروف مشدد فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره من فساد استدلال الحكم وقصوره في استظهار سبق الإصرار.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: شرع في قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها وأعد العدة لذلك فحمل سكيناً وما أن ظفر بالمجني عليها حتى انهال عليها طعناً بالسكين قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مداركة المجني عليها بالعلاج وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت المجني عليها ووالدها مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46، 230، 231 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 30/ 1، 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات ومصادرة السلاح المضبوط. وإلزامه بأن يؤدي للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الشروع في القتل عمداً مع سبق الإصرار قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه لم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار، وأورد في صدد التدليل على نية القتل أن الطاعن حضر إلى مسكن المجني عليها وهو موغر الصدر منها لرفضها الارتباط به عاطفياً، وأنه ظل يطعنها بالسكين إلى أن حضر الجيران دون أن يبين الحكم من أين استقى هاتين الواقعتين، فضلا ًعن أن ما أورده الحكم في هذا الصدد يتعارض مع ما حصله من أقوال المجني عليها من أن الطاعن حاول تقبيلها بمجرد دخوله مسكنها، هذا إلى أن الحكم لم يلتفت إلى ما هو ثابت من أن الطاعن كف من تلقاء نفسه عن الاعتداء على المجني عليها وتركها تفتح الباب الذي دخل منه الجيران، وذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال المجني عليها وشهود الإثبات الآخرين ومن أقوال المتهم بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة وما ورد بالتقرير الطبي الشرعي. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وكان استخلاص هذه النية موكولاً إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه - بعد أن أثبت استناداً إلى التقرير الطبي الشرعي أن الطاعن وجه إلى المجني عليها إحدى عشرة طعنة بالسكين شقت أحدها قفصها الصدري، ونفذت أخرى إلى الفص الأيسر للرئة - قد عرض لنية القتل واستظهرها في قوله: "ومن حيث إنه عن نية القتل، فالثابت أن المتهم كان موغر الصدر من المجني عليها لعدم مجاراته في محاولته الارتباط بها عاطفياً دون التقدم لخطبتها ولسخريتها منه وأنه توجه إليها في مسكنها منتهزاً فرصة وجودها بمفردها ومعه سكين خبأه في طيات ملابسه ثم اقتحم باب المسكن رغم أن المجني عليها ردته عنه وبادر بطعنها في صدرها طعنة قاتلة وظل يطعنها رغم صراخها حتى بلغت طعناته لها إحدى عشرة طعنة، ولم يتوقف إلا عند حضور الجيران الأمر الذي يؤكد أن المتهم كان يقصد إزهاق روح المجني عليها وليس مجرد الإيذاء والتعدي". وكان ما أورده الحكم - فيما تقدم - كافياً وسائغاً في إثبات توافر نية القتل لدى الطاعن، وكان ما حاوله الطاعن من تقبيل المجني عليها بمجرد دخوله منزلها لا يتعارض مع شروعه بعد ذلك في قتلها، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة غير مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة وحدها، وإنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يستخلص ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن المجني عليها أنها كانت تصد محاولات الطاعن للارتباط بها عاطفياً، وأنه اتصل بها هاتفياً في مساء يوم الحادث طالباً مقابلتها، ولكنها رفضت ذلك وأنهت المكالمة، كما نقل الحكم عن الطاعن أن المجني عليها سخرت منه عند اتصاله الهاتفي بها فتوجه إلى مسكنها حيث حدثت بينهما مشادة، وكان الطاعن لا ينازع في أن لهذه الأقوال مأخذها الصحيح من الأوراق، فإن ما استخلصه منها الحكم من أن الطاعن حضر إلى مسكن المجني عليها وهو موغر الصدر منها لرفضها الارتباط به عاطفياً يكون استخلاصاً سائغاً لا خروج فيه عن الاقتضاء العقلي والمنطقي مما لا محل معه لما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد أيضاًً فيما حصله من أقوال المجني عليها أن الطاعن تابع اعتداءه عليها حتى سقطت على الأرض بيد أنها تمكنت من فتح الباب فدخل منه الجيران، فإن ما يثيره الطاعن من أن الحكم لم يبين المصدر الذي استقى منه تلك الواقعة يكون غير صحيح. لما كان ذلك، وكان تقدير الأسباب التي من أجلها لم تتم الجريمة، وما إذا كانت هذه الأسباب راجعة إلى إرادة الجاني أم أنه لا دخل لإرادته فيها هو أمر يتعلق بالوقائع التي يفصل فيها قاضي الموضوع بغير رقابة عليه من محكمة النقض، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من القرائن وسائر أدلة الثبوت القائمة في الدعوى أن الطاعن استنفد نشاطه الإجرامي كاملاً بما وجهه إلى المجني عليها من طعنات في مقتل من جسمها بقصد الإجهاز عليها، وأن الجريمة إنما خاب أثرها لسبب خارج عن إرادته هو مداركة المجني عليها بالعلاج، فإن الحكم يكون قد فصل في أمر موضوعي لا معقب عليه فيه، ويكون ما انتهى إليه من إدانة الطاعن بوصف الشروع في ارتكاب جناية قتل عمد صحيحاً في القانون مما لا محل معه لما يثيره الطاعن من أنه كف باختياره عن مواصلة الاعتداء. لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقضى بها على الطاعن - وهي السجن لمدة خمس سنوات - تدخل في الحدود المقررة لجناية الشروع في القتل العمد مجردة من أي ظرف مشدد فإنه لا يكون للطاعن مصلحة فيما يثيره من فساد استدلال الحكم وقصوره في استظهار سبق الإصرار. لما كان ما تقدم، فإن النعي برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصاريف المدنية.