أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 42 - صـ 539

جلسة 28 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ الدكتور علي فاضل حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف أبو النيل نائب رئيس المحكمة وأحمد جمال ومحمد حسين وبهيج القصبجي.

(79)
الطعن رقم 2597 لسنة 59 القضائية

(1) تزوير "تزوير الأوراق الرسمية". جريمة "أركانها". موظفون عموميون".
مناط رسمية الورقة. أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بتحريرها بمقتضى وظيفته.
المحرر الرسمي بالنسبة لجريمة التزوير. اكتساب بياناته جميعاً الصفة الرسمية سواء ما أثبتها الموظف في المحرر ونسبها إلى نفسه أو سواء ما تلقاه الموظف من ذوي الشأن من أقوال وبيانات وتقريرات في شأن التصرف القانوني الذي تشهد به الورقة لا يحتاج إثبات عكسها إلى الطعن بالتزوير.
صفة المحرر تختلف عن حجيته في الإثبات.
(2) تزوير "تزوير الأوراق الرسمية". جريمة "أركانها". موظفون عموميون.
أحوال شخصية. نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
عدم اكتمال أركان التزوير في المحررات. إلا إذا كان تغيير الحقيقة قد وقع في بيان مما أعد المحرر لإثباته.
عقد الزواج وثيقة رسمية. مناط التزوير فيها أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك. علة ذلك؟
تغيير الحقيقة في البيانات غير الجوهرية لعقد الزواج. لا يعد من قبيل التزوير وإن خضعت للتأثيم طبقًا لنصوص أخرى.
القول بأن الطاعن ليس في عصمته زوجة أخرى يلتقي في النتيجة مع القول بأنه تزوج من أخرى. أساس ذلك؟
خلط الحكم بين صفة المحرر ومناط العقاب على التزوير في المحرر الرسمي. خطأ في القانون.
(3) أحوال شخصية. عقوبة "تطبيقها".
تقديم الزوج إقراراً كتابياً للموثق يتضمن حالته الاجتماعية واسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته وقت العقد الجديد. واجب. مخالفة ذلك. عقابه الحبس، مدة لا تجاوز ستة أشهر والغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه أو إحداها. المادتان 6 مكرر و23 مكرراً من القرار بقانون 44 لسنة 1979.
(4) دستور. حكم "حجيته". محكمة دستورية. قانون "تطبيقه". أحوال شخصية.
أحكام المحكمة الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة.
الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة. عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم.
تعلق الحكم بعدم الدستورية بنص جنائي. أثره: اعتبار الأحكام الصادرة بالإدانة استناداً إليه كأن لم تكن. أساس ذلك؟
مثال.
(5) أحوال شخصية. دستور. قانون "سريانه".
العقاب لا يكون إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذي ينص عليه. تأثيم الفعل بقانون لاحق غير جائز. أساس ذلك؟
واقعة إدلاء الطاعن ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية للمأذون. جريمة وقتية. وقوعها قبل نفاذ القانون رقم 100 لسنة 1985. أثره: عدم جواز مساءلته عنها.
(6) دعوى جنائية "علاقتها بالدعوى المدنية". دعوى مدنية "اختصاص المحكمة الجنائية بنظرها" "الحكم بالبراءة وأثره على الدعوى المدنية".
كون الفعل محل الدعوى الجنائية ومناط التعويض في الدعوى المدنية التبعية غير معاقب عليه. وجوب القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية.
(7) نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون". نقض "نظر الطعن والحكم فيه".
اقتصار العيب الذي شاب الحكم على الخطأ في تأويل القانون وتطبيقه. يوجب القضاء بتصحيح الخطأ والحكم بمقتضى القانون.
1 - لئن كان قانون العقوبات لم يضع تعريفاً محدداً للورقة الرسمية، إلا أنه أورد في المادة 211 منه على سبيل المثال بعض أنواع من هذه المحررات، وقد جرى قضاء محكمة النقض - على هدي الأمثلة التي ضربها القانون - بأن مناط رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بتحريرها بمقتضى وظيفته، وقد قنن المشرع هذه القاعدة القانونية في المادة العاشرة من قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 فعرف الورقة الرسمية بأنها هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه، ومفاد ذلك أن المحرر الرسمي بالنسبة لجريمة التزوير يعتبر رسمياً في جميع أجزائه، وتكتسب بياناته جميعاً الصفة الرسمية سواء ما أثبتها الموظف في المحرر ونسبها إلى نفسه باعتبار أنها حصلت منه أو وقعت بين يديه، أو سواء ما تلقاه الموظف من ذوي الشأن من أقوال وبيانات وتقريرات في شأن التصرف القانوني الذي تشهد به الورقة والتي لا يحتاج في إثبات عكسها إلى الطعن بالتزوير، ذلك أن صفة المحرر تختلف عن حجيته في الإثبات.
2 - لما كان من المقرر أن التزوير في المحررات لا تكتمل أركانه إلا إذا كان تغيير الحقيقة قد وقع في بيان مما أعد المحرر لإثباته، وكان عقد الزواج هو وثيقة رسمية يختص بتحريرها موظف مختص هو المأذون الشرعي، وهذه الورقة أسبغ عليها القانون الصفة الرسمية لأنه بمقتضاها تقوم الزوجية قانوناً بين المتعاقدين وتكون للآثار المترتبة عليها - متى تمت صحيحة - قيمتها إذا ما جد النزاع بشأنها، ومن ثم فإن مناط التزوير في وثيقة الزواج، هو أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك، باعتبار أن ذلك هو من قبيل البيانات الجوهرية التي أعد عقد الزواج لإثباتها وأن كل تغيير للحقيقة في ذلك يعتبر من قبيل التزوير المعاقب عليه. بعكس البيانات التي ليست من هذا القبيل أي البيانات غير الجوهرية فلا يعد تغيير الحقيقة فيها من قبيل التزوير وإن خضعت للتأثيم طبقاً لنصوص أخرى غير النصوص التي تعاقب على جريمة التزوير ذلك لحكمة خاصة ارتآها المشرع. لما كان ذلك، وكانت وثيقة الزواج أعدت فقط لإثبات الزواج ولم تعد لإثبات وجود زوجة أخرى في عصمة الزوج، ذلك لأن القول بأن الطاعن ليس في عصمته زوجة أخرى كما جاء في وثيقة زواجه يستوي في النتيجة مع القول بأنه متزوج من أخرى وهو ما يحل به العقد الجديد ما دام الأمران يلتقيان مع الواقع في الدلالة على خلو الزوج من الموانع الشرعية عند العقد، وما دام أنه لم يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات، مما يجعله مطابقاً للواقع في نتيجته ويجعل بالتالي انعقاد العقد صحيحاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وخلط بين صفة المحرر وبين مناط العقاب على التزوير في المحرر الرسمي فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، ومن ثم يكون ما ارتكبه الطاعن من تغيير للحقيقة في وثيقة الزواج بشأن حالته الاجتماعية لا تتحقق به جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي المؤثمة بالمواد 40، 41، 42، 213 من قانون العقوبات.
3 - إن المادة السادسة مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية والمضافة بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 قد نصت في فقرتها الأولى على أنه "على الزوج أن يقدم للموثق إقراراً كتابياً يتضمن حالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجاً فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته وقت العقد الجديد ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب موصى عليه". وأورد نص المادة 23 مكرراً من ذات القانون والمضافة بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 عقوبة مخالفة نص المادة السادسة مكرراً سالفة الإشارة بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
4 - لما كانت وثيقة زواج الطاعن بالمدعية بالحقوق المدنية قد حررت بتاريخ 6 من فبراير سنة 1985 - أي في ظل سريان أحكام المادتين 6 مكرراً، 23 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمضافتين بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 - وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت بتاريخ 4 من مايو سنة 1985 حكمها في الدعوى رقم 28 لسنة 2 قضائية - دستورية - القاضي بعدم دستورية القرار بقانون رقم 4 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وجرى نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 من مايو سنة 1985. لما كان ذلك، وكانت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد نصت على أن "أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ صدورها، ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه". وإذ كان نص كل من المادتين 6 مكرراً، 23 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمضافتين بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 والذي قضى بعدم دستوريته - من النصوص الجنائية، فإن الفعل الذي قارفه الطاعن بعدم إقراره للمأذون في عقد زواجه باسم زوجته السابقة التي في عصمته ومحل إقامتها، يعتبر وكأنه لم يؤثم.
5 - لما كان قد صدر بتاريخ 3 من يونيه سنة 1985 القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية وأضاف إلى القانون رقم 25 لسنة 1929 نصاً يجرم إدلاء الزوج للموثق ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية أو محال إقامة زوجته أو زوجاته، وعمل بهذا النص في 5 من يوليه من 1985 - في اليوم التالي لنشره - وكان من المقرر طبقاً لنص المادة 66 من الدستور والمادة الخامسة من قانون العقوبات، أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذي ينص عليها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها وذلك طبقاً للقواعد الأساسية لمشروعية العقاب من أنه لا يجوز تأثيم الفعل بقانون لاحق، إذ أن القوانين الجنائية لا ينسحب أثرها إلى الأفعال التي لم تكن مؤثمة قبل إصدارها. لما كان ذلك، وكان عقد الزواج قد حرر في 6 من فبراير سنة 1985 - أي في تاريخ سابق لنفاذ القانون رقم 100 لسنة 1985 - فإنه لا يمكن مساءلة الطاعن عن الفعل المسند إليه طبقاً لأحكام هذا القانون، ذلك أن واقعة إدلاء الزوج ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية للمأذون هي بطبيعتها من الجرائم الوقتية التي يتم وجودها قانوناً في تاريخ تحرير المأذون لوثيقة الزواج وليست من الجرائم المستمرة حتى يقال بسريان القانون الجديد عليها. لما كان ما تقدم، وإذ كان الفعل المسند إلى الطاعن ارتكابه غير معاقب عليها قانوناً في تاريخ حدوثه مما كان يتعين معه القضاء ببراءة الطاعن عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية.
6 - لما كان الفعل محل الدعوى الجنائية ومناط التعويض في الدعوى المدنية المرفوعة تبعاً لها غير معاقب عليه فإنه كان يتعين على المحكمة أيضاً أن تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية.
7 - لما كان العيب الذي شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم فإنه يتعين طبقاً لنص المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 - القضاء بتصحيح الخطأ والحكم بمقتضى القانون.


الوقائع

أقامت المدعية بالحقوق المدنية دعواها بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح الوايلي ضد الطاعن بوصف أنه قام بتطليقها غيابياً دون أن يعلنها بذلك الطلاق. وطلبت عقابه بالمادة 23 مكرراً من القانون 100 لسنة 1985 وإلزامه بأن يؤدي إليها مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت ثم عدلت المدعية بالحقوق المدنية وصف التهمة بإضافة تهمة الإدلاء بمعلومات غير حقيقية في وثيقة الزواج عن حالته الاجتماعية حالة كونه متزوج من أخرى قبل زواجه منها. وطلبت عقابه بالمادة رقم 6 مكرراً من القانون رقم 44 لسنة 1979. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم ثلاث أشهر مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً لإيقاف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت استأنف المحكوم عليه ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية قضت حضورياً بعد أن عدلت وصف التهمة إلى اشتراك في تزوير محرر عرفي (وثيقة زواجه بالمدعية بالحقوق المدنية في بيان غير جوهري). بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس المقضى بها لمدة ثلاث سنوات.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاشتراك في تزوير محرر عرفي هو وثيقة زواجه بالمدعية بالحقوق المدنية، قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، ذلك بأنه اعتبر إقرار الطاعن - على خلاف الحقيقة - أمام المأذون بأنه ليس في عصمته زوجة أخرى، فعل مؤثم قانوناً، رغم أنه لم يكن مؤثماً وقت تحرير العقد. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه - وعلى ما يبين من مدوناته - بين واقعة الدعوى بما مفاده أنه عقد قران الطاعن والمدعية بالحقوق المدنية بتاريخ 6 من فبراير سنة 1985، وأقر الطاعن أمام المأذون بأنه لا يجمع في عصمته زوجة أخرى وذلك على خلاف الحقيقة، ثم خلص الحكم إلى القول بأن التزوير الواقع في بيانات وثيقة الزواج الجوهرية والتي تتعلق بخلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية يعد من قبيل التزوير في المحررات الرسمية أما ما دون ذلك من بيانات - كما هو الأمر في الدعوى المطروحة - فإنه يعد من قبيل التزوير في المحررات العرفية، ثم انتهى - بعد هذه التفرقة - إلى إدانة الطاعن بجريمة الاشتراك في تزوير محرر عرفي وعاقبه طبقاً لنص المادة 21 من قانون العقوبات، لما كان ذلك، ولئن كان قانون العقوبات لم يضع تعريفاً محدداً للورقة الرسمية، إلا أنه أورد في المادة 211 منه على سبيل المثال بعض أنواع من هذه المحررات، وقد جرى قضاء محكمة النقض - على هدي الأمثلة التي ضربها القانون - بأن مناط رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بتحريرها بمقتضى وظيفته، وقد قنن المشرع هذه القاعدة القانونية في المادة العاشرة من قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 فعرف الورقة الرسمية بأنها هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه، ومفاد ذلك أن المحرر الرسمي بالنسبة لجريمة التزوير يعتبر رسمياً في جميع أجزائه، وتكتسب بياناته جميعاً الصفة الرسمية سواء ما أثبتها الموظف في المحرر ونسبها إلى نفسه باعتبار أنها حصلت منه أو وقعت بين يديه، أو سواء ما تلقاه الموظف من ذوي الشأن من أقوال وبيانات وتقريرات في شأن التصرف القانوني الذي تشهد به الورقة والتي لا يحتاج في إثبات عكسها إلى الطعن بالتزوير، ذلك أن صفة المحرر تختلف عن حجيته في الإثبات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التزوير في المحررات لا تكتمل أركانه إلا إذا كان تغيير الحقيقة قد وقع في بيان مما أعد المحرر لإثباته، وكان عقد الزواج هو وثيقة رسمية يختص بتحريرها موظف مختص هو المأذون الشرعي، وهذه الورقة أسبغ عليها القانون الصفة الرسمية لأنه بمقتضاها تقوم الزوجية قانوناً بين المتعاقدين وتكون للآثار المترتبة عليها - متى تمت صحيحة - قيمتها إذا ما جد النزاع بشأنها، ومن ثم فإن مناط التزوير في وثيقة الزواج، هو أن يقع تغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية مع العلم بذلك، باعتبار أن ذلك هو من قبيل البيانات الجوهرية التي أعد عقد الزواج لإثباتها وأن كل تغيير للحقيقة في ذلك يعتبر من قبيل التزوير المعاقب عليه. بعكس البيانات التي ليست من هذا القبيل أي البيانات غير الجوهرية فلا يعد تغيير الحقيقة فيها من قبيل التزوير وإن خضعت للتأثيم طبقاً لنصوص أخرى غير النصوص التي تعاقب على جريمة التزوير وذلك لحكمة خاصة ارتآها المشرع. لما كان ذلك، وكانت وثيقة الزواج أعدت فقط لإثبات الزواج ولم تعد لإثبات وجود زوجة أخرى في عصمة الزوج، ذلك لأن القول بأن الطاعن ليس في عصمته زوجة أخرى كما جاء في وثيقة زواجه يستوي في النتيجة مع القول بأنه متزوج من أخرى وهو ما يحل به العقد الجديد ما دام الأمران يلتقيان مع الواقع في الدلالة على خلو الزوج من الموانع الشرعية عند العقد، وما دام أنه لم يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات، مما يجعله مطابقاً للواقع في نتيجته ويجعل بالتالي انعقاد العقد صحيحاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وخلط بين صفة المحرر وبين مناط العقاب على التزوير في المحرر الرسمي فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، ومن ثم يكون ما ارتكبه الطاعن من تغيير للحقيقة في وثيقة الزواج بشأن حالته الاجتماعية لا تتحقق به جريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي المؤثمة بالمواد 40، 41، 42، 213 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكانت المادة السادسة مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية والمضافة بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 قد نصت في فقرتها الأولى على أنه "على الزوج أن يقدم للموثق إقراراً كتابياً يتضمن حالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجاً فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته وقت العقد الجديد ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب موصى عليه". وأورد نص المادة 23 مكرراً من ذات القانون والمضافة بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 عقوبة مخالفة نص المادة السادسة مكرراً سالفة الإشارة بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا كانت وثيقة زواج الطاعن بالمدعية بالحقوق المدنية قد حررت بتاريخ 6 من فبراير سنة 1985 - أي في ظل سريان أحكام المادتين 6 مكرراً، 23 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمضافتين بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 - وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت بتاريخ 4 من مايو سنة 1985 حكم في الدعوى رقم 28 لسنة 2 قضائية - دستورية - القاضي بعدم دستورية القرار بقانون رقم 4 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وجرى نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 من مايو سنة 1985. لما كان ذلك، وكانت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 قد نصت على أن "أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ صدورها، ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النقض به لإجراء مقتضاه". وإذا كان نص كل من المادتين 6 مكرراً، 23 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمضافتين بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 والذي قضى بعدم دستوريته - من النصوص الجنائية، فإن الفعل الذي قارفه الطاعن بعدم إقراره للمأذون في عقد زواجه باسم زوجته السابقة التي في عصمته ومحل إقامتها، يعتبر وكأن لم يؤثم. لما كان ذلك، وكان قد صدر بتاريخ 3 من يونيه سنة 1985 القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية وأضاف إلى القانون رقم 25 لسنة 1929 نصاً يجرم إدلاء الزوج للموثق ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية أو محال إقامة زوجته أو زوجاته وعمل بهذا النص في 5 من يوليه سنة 1985 - في اليوم التالي لنشره - وكان من المقرر طبقاً لنص المادة 66 من الدستور والمادة الخامسة من قانون العقوبات، أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذي ينص عليها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها وذلك طبقاً للقواعد الأساسية لمشروعية العقاب من أنه لا يجوز تأثيم الفعل بقانون لاحق، إذ أن القوانين الجنائية لا ينسحب أثرها إلى الأفعال التي لم تكن مؤثمة قبل إصدارها. لما كان ذلك، وكان عقد الزواج قد حرر في 6 من فبراير سنة 1985 - أي في تاريخ سابق لنفاذ القانون رقم 100 لسنة 1985 - فإنه لا يمكن مساءلة الطاعن عن الفعل المسند إليه طبقاً لأحكام هذا القانون، ذلك أن واقعة إدلاء الزوج ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية للمأذون هي بطبيعتها من الجرائم الوقتية التي يتم وجودها قانوناً في تاريخ تحرير المأذون لوثيقة الزواج وليست من الجرائم المستمرة حتى يقال بسريان القانون الجديد عليها. لما كان ما تقدم، وإذ كان الفعل المسند إلى الطاعن ارتكابه غير معاقب عليه قانوناً في تاريخ حدوثه مما كان يتعين معه القضاء ببراءة الطاعن عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ كان الفعل محل الدعوى الجنائية ومناط التعويض في الدعوى المدنية المرفوعة تبعاً لها غير معاقب عليه فإنه كان يتعين على المحكمة أيضاً أن تقضي بعد اختصاصها بنظر الدعوى المدنية. لما كان ذلك، وكان العيب الذي شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم فإنه يتعين طبقاً لنص المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 - القضاء بتصحيح الخطأ والحكم بمقتضى القانون ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة الطاعن مما أسند إليه وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية المرفوعة من المطعون ضدها - المدعية بالحقوق المدنية - مع إلزامها مصاريفها.