أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 42 - صـ 557

جلسة 1 من إبريل سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مقبل شاكر ومجدي منتصر نائبي رئيس المحكمة وحامد عبد الله ومصطفى كامل.

(81)
الطعن رقم 63 لسنة 60 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية إيراد الحكم مضمون التقارير الطبية التي عول عليها في قضائه. عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه. لا يعيبه.
(2) قتل عمد "رابطة السببية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استظهار الحكم قيام علاقة السببية بين إصابات القتيل، وبين وفاته نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية. لا قصور.
(3) إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تحصيل الحكم من أقوال كلاً من الشاهدين بما له صداه وأصله في الأوراق ينتفي معه الخطأ في الإسناد.
العدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(4) قتل عمد. قانون "تفسيره" "تطبيقه". إعدام. إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". و"بطلانه" بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
صدور الحكم بالإجماع واستطلاع رأي المفتي. شرطا الحكم بالإعدام - استقلال كل منهما عن الآخر.
استطلاع رأي المفتي. لا يشترط فيه النص على الإجماع.
(5) نيابة عامة. إعدام. نقض "ميعاده".
قبول عرض النيابة العامة لقضايا الإعدام. ولو تجاوزت الميعاد المقرر لذلك. علة ذلك؟
(6) إعدام. حكم "حكم الإعدام". محكمة النقض "وظيفتها". نيابة عامة.
وظيفة محكمة النقض في شأن الأحكام الصادرة بالإعدام؟
(7) قتل عمد. إعدام. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الحكم بالإعدام. ما يلزم من تسبيب لإقراره؟
1 - لما كان فيما حصله الحكم من التقارير الطبية الشرعية - التي عول عليها في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذه التقارير، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه.
2 - لما كان الحكم قد استظهر قيام علاقة السببية بين إصابة كل من المجني عليهما الأوّلين - التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية - وبين وفاته، فأورد من واقع ذلك التقرير أن وفاة كل منهما حدثت من الإصابات النارية وما أحدثته من تهتك بالأنسجة وما صاحبها من نزيف دموي غزير، ومن ثم تنتفي عن الحكم قالة القصور في هذا المنحى.
3 - لما كان البين من مطالعة المفردات أن ما حصله الحكم من أقوال كل من الشاهدين..... و..... في تحقيق النيابة له صداه وأصله الثابت في الأوراق، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الشأن لا يكون له محل بما تنحل معه منازعته في سلامة الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة ومصادرة لها في عقيدتها وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض.
4 - المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت في فقرتها الثانية على أنه "لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكماً بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأي مفتى الجمهورية"، ويبين من النص المتقدم - وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون بشأنه - أن الشارع إذ استلزم انعقاد الاجتماع عند إصدار الحكم بالإعدام كإجراء منظم لإصدار وشرط لازم لصحته - خروجاً على القاعدة العامة في الأحكام من صدورها بأغلبية الآراء - إنما كان ذلك تقديراً منه لجسامة الجزاء في عقوبة الإعدام، وحرصاً على إحاطتها بضمان إجرائي يكفل أن ينحصر النطق بها في الحالات التي برجع فيها - إلى ما يقرب من اليقين - أن تكون مطابقة للقانون، وقد استوجب الشارع أن يسبق إصدار الحكم مقترناً بشرط الإجماع إجراء آخر هو أخذ رأي مفتي الجمهورية فقطع بذلك استقلال كل من الإجراءين عن الآخر، لما كان ذلك، وكان المقرر أنه لا يجوز الخروج على النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على بيان المراد منه، وكان النص المنوه عنه آنفاً لم يستلزم انعقاد الإجماع إلا عند إصدار الحكم بعقوبة الإعدام فلا يلزم توافره في الإجراء السابق على الحكم وهو أخذ رأي المفتي، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي عليه بالبطلان لهذا السبب غير سديد.
5 - لما كانت النيابة العامة قد عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم - عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - بعد ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليها في المادة 34 من هذا القانون، إلا أن تجاوز الميعاد المذكور لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، ذلك لأن الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمه وعدم ترك الباب مفتوحاً إلى غير نهاية والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على محكمة النقض في جميع الأحوال متى صدر الحكم حضورياً.
6 - من المقرر أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها - طبقاً للمادة 46 سالفة الذكر - وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم، وسواء قدمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده.
7 - لما كان البين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان بها المحكوم عليه بالإعدام وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - على ما سلف بيانه في معرض التصدي لأوجه الطعن المقدمة من المحكوم عليه - كما إن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية من استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم بالإعدام وصدوره بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد خلا الحكم من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فيتعين لذلك قبول عرض النيابة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: ( أ ) قتل كلاً من........ ونجلته..... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم على الخلاص منهما وتنفيذاًً لهذا المشروع الإجرامي أعد سلاحاً نارياً "بندقية" وقصد محلهما وقتما أيقن وجودها به وما أن رآهما حتى أطلق النيران عليهما قاصداً قتلهما فأحدث بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهما. وقد تقدمت هاتين الجنايتين جناية أخرى هي أن المتهم في ذات الزمان والمكان شرع في قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وعندما علم بمجيئه إلى مسكنه أعد السلاح الناري سالف الذكر وما أن شاهده حتى أطلق عليه النيران قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج. (ب) أحرز بدون ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "بندقية". (جـ) أحرز ذخائر "عدة طلقات" مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحراز سلاح ناري. (د) أتلف عمداً أجزاء السيارة المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق المملوكة للمجني عليه...... وذلك على النحو المبين بالأوراق. وأحالته إلى محكمة جنايات الجيزة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قررت حضورياً بجلسة...... إرسال أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي فيها وحددت جلسة........ للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت المحكمة المذكورة حضورياً عمل بالمواد 230، 234/ 1، 2، 361/ 1، 2، 3 من قانون العقوبات وبالمواد 1/ 1، 6، 26/ 2، 5، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والقسم الأول من الجدول رقم (3) المحلق مع إعمال المادة 32/ 2 من قانون العقوبات وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً عما أسند إليه والمصادرة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض كما عرضت النيابة العامة القضية مشفوعة بمذكرة بالرأي..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بالشروع في القتل، وإحراز سلاح ناري وذخيرة بدون ترخيص والإتلاف العمدي قد شابه القصور في التسبيب واعتوره الخطأ في الإسناد وران عليه البطلان ذلك بأنه اكتفى بإيراد نتيجة التقارير الطبية الشرعية التي عول عليها كدليل إثبات دون بيان مضمونها من وصف الإصابات التي نسب إلى الطاعن إحداثها بالمجني عليهم ومواضعها من جسد كل منهم وكيفية حدوثها والصلة بين تلك الإصابات والوفاة، وأورد في تحصيله لشهادة كل من الشاهدين...... و....... أن المتهم مر عليه بسيارته حالة أن أقوال كل منهما بالتحقيقات لم يرد بها أن من شاهداه يقود السيارة هو المتهم، فضلاً عن أن قرار المحكمة بإحالة أوراق القضية إلى فضيلة المفتي لم يصدر بإجماع الآراء، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مفاده أن المتهم دأب على إساءة معاملة زوجته (.......) مما أدى إلى تكرار هربها منه وإبلاغها بضربه لها في الجنحة رقم...... الأهرام التي قضى فيها بحبسه شهراً مع الشغل ولما عادت إليه خوفاً من تهديده لوالدها - جردها من مصاغها واستمر في الإساءة إليها مما دفعها إلى اللجوء إلى منزل أسرتها، وتوسط البعض وعقدوا - بتاريخ....... مجلساً للصلح، ألا أن تماسك المتهم مع والد زوجته اضطرهم إلى تأجيل الاجتماع أسبوعاً لتهدأ النفوس، وفي الموعد المحدد للقاء امتنع المتهم عن الذهاب إلى منزل أسرة زوجته بعد أن انتوى تنفيذ ما بيت النية عليه منذ عشرة أيام سابقة من ضرورة التخلص من والد زوجته....... ومن شقيقتها...... التي كان يعتقد أنها تحرض زوجته ضده، وانتظر بمسكنه - بعد أن أعد بندقية عبأها بالطلقات - مترصداً من يحضر إليه من أهل زوجته، وفي الساعة الأولى من صباح يوم...... شاهد شقيق زوجته....... قادماً بسيارته، فبادر يحمل سلاحه واتجه إلى حديقة مجاورة ليحيط بالسيارة من الخلف وأطلق عليه - إثر نزوله من السيارة - عياراً أصابه في فخذه الأيسر، وإذ عاد المجني عليه إلى السيارة محاولاً الابتعاد بها غاصت عجلاتها في الرمال بينما قام المتهم بإحضار سيارته وسلط أضواءها على المجني عليه المذكور وأطلق عليه عياراً نارياً ثانياً. أصابه في صدره، ولكن المجني عليه تمكن من الفرار مترجلاً وتوجه إلى القسم مبلغاً بالواقعة، وبعد أن قام المتهم بإشعال النار في السيارة التي تركها المجني عليها أعاد تعبئة البندقية وأخذ معه خمسة طلقات إضافية، واستقل سيارته إلى حيث زودها بالوقود من بلدة شبرامنت، ثم توجه إلى محل بيع الفاكهة الخاص بوالد زوجته بمنطقة المنصورية - سالكاً طريق المريوطية ثم شارع الملك فيصل - وأوقف السيارة في مواجهة المحل وأطلق إثر ترجله منها عياراً في الهواء، فأسرعت نحوه شقيقة زوجته مستعطفة ولكنه عاجلها بعيار أصابها أسفل الصدر ثم أطلق على والدها عياراً اخترق ساعده الأيسر ونفذ إلى صدره محدثاً تهتكاً بالقلب والرئة اليسرى فسقط جثة هامدة، ثم اتجه إلى حيث كانت شقيقة زوجته ملقاة على ظهرها تلفظ أنفاسها الأخيرة وأطلق عليها عياراً ثانياً أصابها في يسار الصدر إشفاء لغليله منها، ثم استقل سيارته وانطلق بها، وتم بعد ذلك ضبطه واعترف تفصيلاً بما ارتكبه وأرشد عن السلاح المستعمل في الحادث، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة وصحة إسنادها إلى الطاعن - على الصورة آنفة البيان. أدلة مستمدة من أقوال كل....... و....... و....... و....... و........ و....... و........ و...... و.......، ومن اعتراف المتهم ومن تقرير الأدلة الجنائية بفصح السيارة المحترقة ومن التقارير الطبية الشرعية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل مؤدى التقارير الطبية الشرعية في قوله "كما ثبت من تقرير الصفة التشريحية بالنسبة لـ...... أن الإصابة الموصوفة بالساعد الأيسر نارية حيوية حديثة تحدث من عيار ناري واحد معمر بمقذوف مفرد، وأن الإصابة الموصوفة بيسار مقدم الصدر نارية حيوية حديثة حدثت من عيار ناري واحد معمر بمقذوف داخل الجسم في الوضع الطبيعي والقائم له من الأمام إلى الخلف وباتجاه أفقي تقريباً، وأن الساعد الأيسر من الأعضاء المتحركة ومن الجائز حدوث إصابتي المجني عليه من عيار ناري واحد في حالة وجود الساعد الأيسر أمام موضع الإصابة بالصدر وأن مسافة الإطلاق قد جاوزت المدى القريب، وأن الوفاة حدثت من إصابته النارية لما أحدثته من تهتك بالرئة اليسرى والقلب وكسر بعظمة الكعبرة بالساعد الأيسر وما صاحبها من نزيف دموي غزير، وثبت من تقرير الصفة التشريحية بالنسبة لـ....... أن إصابتيها الموصوفتين بيسار الصدر وأعلى يسار مقدم البطن ناريتان حيويتان حديثتان، حدثتا من عيارين ناريين كل منهما معمر بمقذوف مفرد، والمقذوف الذي أصابها بيسار الصدر قد نفذ دون أن يستقر أو أي جزء منه بالجسم، أما المقذوف الذي أصابها بأعلى يسار مقدم البطن فقد استقر بالجسم وتم استخراجه وهو من عيار 7.62 مم، ومسافة الإطلاق جاوزت المدى القريب، والوفاة حدثت من إصابتيها الناريتين لما أحدثتاه من تهتك بالأحشاء البطنية والصدرية وما صاحبهما من نزيف دموي غزير، وثبت من التقرير الطبي الشرعي أن...... أصيب بعيار ناري مطلق عن قرب بالصدر مر سطحياً دون أن يستقر وأصيب كذلك بعيار ناري بالفخذ الأيسر باتجاه أساس من الخلف للأمام مطلق عن قرب، وحكماً على شكل المقذوف المستقر فإنه من عيار ناري واحد معمر بمقذوف مفرد يشبه شكله المتطور المقذوفات المستعملة في الأسلحة الروسية من عيار 7.62 مم." لما كان ذلك، ولما كان فيما حصله الحكم من التقارير الطبية الشرعية - التي عول عليها في قضائه - ما يكفي بياناً لمضمون هذه التقارير، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه، كما أن الحكم قد استظهر قيام علاقة السببية بين إصابة كل من المجني عليهما الأوّلين - التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية - وبين وفاته، فأورد من واقع ذلك التقرير أن وفاة كل منهما حدثت من الإصابات النارية وما أحدثته من تهتك بالأنسجة وما صاحبها من نزيف دموي غزير، ومن ثم تنتفي عن الحكم قالة القصور في هذا المنحى، لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة المفردات أن ما حصله الحكم من أقوال كل من الشاهدين...... و..... في تحقيق النيابة له صداه وأصله الثابت في الأوراق، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الشأن لا يكون له محل بما تنحل معه منازعته في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة ومصادرة لها في عقيدتها وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض، لما كان ذلك وكانت المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت في فقرتها الثانية على أنه "لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكماً بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأي مفتى الجمهورية"، ويبين من النص المتقدم - وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون بشأنه - أن الشارع إذ استلزم انعقاد الإجماع عند إصدار الحكم بالإعدام كإجراء اجتماعي منظم لإصدار وشرط لازم لصحته - خروجاً على القاعدة العامة في الأحكام من صدورها بأغلبية الآراء - إنما كان ذلك تقديراً منه لجسامة الجزاء في عقوبة الإعدام، وحرصاً على إحاطتها بضمان إجرائي يكفل أن ينحصر النطق بها في الحالات التي يرجح فيها - إلى ما يقرب من اليقين - أن تكون مطابقة للقانون، وقد استوجب الشارع أن يسبق إصدار الحكم مقترناً بشرط الإجماع إجراء آخر هو أخذ رأي مفتي الجمهورية فقطع بذلك استقلال كل من الإجراءين عن الآخر، لما كان ذلك، وكان المقرر أنه لا يجوز الخروج على النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على بيان المراد منه، وكان النص المنوه عنه آنفا لم يستلزم انعقاد الإجماع إلا عند إصدار الحكم بعقوبة الإعدام فلا يلزم توافره في الإجراء السابق على الحكم وهو أخذ رأي المفتي، إذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي عليه بالبطلان لهذا السبب غير سديد، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة كانت قد عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم - عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات إجراءات الطعن أمام محكمة النقض - بعد ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليها في المادة 34 من هذا القانون، إلا أن تجاوز الميعاد المذكور لا يترتب عليه قبول عرض النيابة، ذلك لأن الشارع إنما أراد بتحديده مجرد وضع قاعدة تنظيمه وعدم ترك الباب مفتوحاً إلى غير نهاية والتعجيل بعرض الأحكام الصادرة بالإعدام على محكمة النقض في جميع الأحوال متى صدر الحكم حضورياً وعلى أي الأحوال فإن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها - طبقاً للمادة 46 سالفة الذكر - وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها سواء قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها أو لم تقدم، وسواء قدمت هذه المذكر قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده، لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على أوراق القضية أن الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان بها المحكوم عليه بالإعدام وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - على ما سلف بيانه في معرض التصدي لأوجه الطعن المقدمة من المحكوم عليه - كما إن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية من استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم بالإعدام وصدوره بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد خلا الحكم من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن يستفيد منه المحكوم عليه على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فيتعين لذلك قبول عرض النيابة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.