أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 980

جلسة 28 من ديسمبر سنة 1978

برياسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عثمان الزيني، وعبد الخالق بغدادي، ويعيش رشدي، ومحمد علي بليغ.

(203)
الطعن رقم 1452 لسنة 48 القضائية

(1) إجراءات. "إجراءات المحاكمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
المحاكمات الجنائية. قيامها على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة. وتسمع فيه الشهود. عدم جواز الخروج عن هذا الأصل. إلا إذا تعذر سماع الشهود أو قبل المتهم ذلك.
(2 و3) إجراءات. "إجراءات التحقيق". "إجراءات المحاكمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". إثبات. "شهود". "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
(2) حق المتهم في إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق. ما دامت جارية. نزوله عن سماع شاهد إثبات. لا يسلبه حق العودة إلى التمسك بسماعه.
(3) اختتام المرافعة بطلب البراءة أصلياً. وسماع ضابط المباحث بصفة احتياطية. طلب جازم. التزام المحكمة بإجابته. إذا لم تنته إلى البراءة. مخالفة ذلك. إخلال بحق الدفاع.
(4) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إثبات. "خبرة". "بوجه عام". إجراءات. "إجراءات المحاكمة". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". قتل عمد.
التمسك بحدوث الوفاة. في وقت سابق على ذلك الذي أثبت الضابط سؤاله للمجني عليه فيه. دفاع جوهري. وجوب تحقيقه عن طريق خبير. أو الرد عليه بأسباب سائغة. مثال لتسبيب معيب في هذا الخصوص.
1 - الأصل في المحاكمات أنها تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة - في مواجهة المتهم - بالجلسة وتسمع فيه الشهود لإثبات التهمة أو نفيها. ولا يسوغ الخروج على هذا الأصل إلا إذا تعذر سماعهم لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، قبولاً صريحاً أو ضمنياً.
2 - إن حق الدفاع - الذي يتمتع به المتهم - يخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق ما دام باب المرافعة لم يزل مفتوحاً، ومن ثم فإن نزول المدافع عن الطاعنين - بادئ الأمر - عن سماع ضابط المباحث، بمثابته أحد شهود الإثبات، واسترساله في المرافعة، لا يحرمه من العدول عن هذا النزول ولا يسلبه حقه في العودة إلى التمسك بطلب سماع هذا الشاهد طالما كانت المرافعة ما زالت دائرة لم تتم بعد.
3 - متى كان ما أختتم به المدافع عن الطاعنين مرافعته من طلبه أصلياً القضاء ببراءتهما واحتياطياً استدعاء ضابط المباحث لمناقشة يعد - على هذه الصورة - بمثابة طلب جازم تلتزم المحكمة بإجابته عند الاتجاه إلى القضاء بغير البراءة، فإن الحكم إذ قضى بإدانة الطاعنين اكتفاء باستناده إلى أقوال الضابط في التحقيقات وما أثبته في محضره - دون الاستجابة إلى طلب سماعه - يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع. ولا يشفع له في ذلك كونه قد عول في قضائه - علاوة على ما سلف - على أدلة أخرى، ذلك بأن الأصل في الأدلة في المواد الجنائية أنها متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها متجمعة تتكون عقيدة المحكمة فليس من المستطاع - والحال كذلك - أن يعرف مصير قضاء محكمة الموضوع فيما لو استمعت بنفسها إلى شهادة الشاهد المذكور التي كانت عنصراً من عناصر عقيدتها في الدعوى.
4 - متى كان ما أثاره المدافع عن الطاعنين من دلالة حالة التيبس الرمي على حدوث الوفاة قبل الوقت الذي أثبت فيه ضابط المباحث بمحضره سؤاله للمجني عليه، إنما يعد دفاعاً جوهرياً لتعلقه بالدليل المقدم في الدعوى - المستمد من أقوال هذا الضابط ومحضره - ولأنه دفاع قد ينبني عليه ولو صح تغير وجه الرأي في الدعوى، مما كان يقتضي من المحكمة وهي تواجه مسألة تحديد وقت الوفاة، باعتبارها من المسائل الفنية البحت، أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها - عن طريق المختص فنياً - بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، أما وهي لم يفعل ورفضت طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في هذا الصدد بحجة أن ما جاء بتقريره - من مضى مدة أقل من يوم على الوفاة - يتلاءم مع إخطار المستشفى بإحضار المجني عليه إليها متوفياً ومع محضر ضابط المباحث المتضمن سؤاله للمجني عليه شفوياً، في حين أن إخطار المستشفى لا يغنى عما هو مطلوب من تحديد وقت الوفاة وأن ما تضمنه محضر الضابط من سؤاله للمجني عليه إنما هو بذاته الأمر المراد نفي حصوله عن طريق تلك المناقشة، ومن ثم يكون ما جاء بحكمها في هذا الخصوص من قبيل المصادرة على المطلوب والحكم على الدليل قبل تحقيقه، فإن الحكم - فوق إخلاله بحق الدفاع - يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما (أولاً) المتهمان قتلا....... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم المصمم على قتله وأعدا لهذا الغرض آلتين حادتين "سكينا ومديه" وتعقباه عدوا وهو في سبيله لشكايتهما وما أن ظفرا به حتى انقضا عليه بضربات قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانياً) المتهم الأول أيضاً أحدث عمداً...... الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوماً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر ذلك. وادعت السيدة/ ...... زوجة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائتان وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً في 16 ديسمبر سنة 1976 عملاً بالمادتين 236/ 1، 242/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبتهما بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحق المدني مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً تعويضاً مؤقتاًَ. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة ضرب أفضى إلى الموت، قد شابه إخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال، ذلك بأن المدافع عنهما اختتم مرافعته طالباً أصلياً القضاء ببراءتهما واحتياطياً استدعاء كل من ضابط المباحث والطبيب الشرعي لسماع شهادة الأول في النقاط التي حددها، ولمناقشة الآخر في دلالة حالة التيبس الرمي التي وجدت عليه جثة المجني عليه وقت التشريح - وصولاً لتحديد وقت الوفاة - بيد أن الحكم عول، فيما عول عليه، على أقوال الضابط في التحقيقات - وما أثبته بمحضره من سؤاله للمجني عليه - دون أن يعرض البتة إلى طلب سماع شهادته، ورد على طلب مناقشة الطبيب الشرعي بما لا يصلح رداً.
وحيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين، وإن اكتفى - بعد سماع الشاهدين الأولى والثانية - بمناقشة أقوال باقي الشهود كما وردت بالأوراق، إلا أنه عاد فاختتم مرافعته طالباً أصلياً القضاء ببراءة الطاعنين واحتياطياً استدعاء كل من ضابط المباحث والطبيب الشرعي لسماع شهادة الأول في النقاط التي حددها ولمناقشة الآخر في دلالة حالة التيبس الرمي التي وجدت عليها جثة المجني عليه وقت التشريح - وصولاً لتحديد وقت الوفاة - ويبين من الحكم المطعون فيه أنه عول، فيما عول عليه، على أقوال الضابط في التحقيقات - وما أثبته بمحضره من سؤاله للمجني عليه - دون أن يعرض البتة إلى طلب سماع شهادته، بينما عرض إلى طلب مناقشة الطبيب الشرعي - بأن أثبات أن الدفاع طلب ذلك للتحقق من أن الوفاة قد حدثت قبل وصول ضابط المباحث إلى مكان الحادث خلافاً لما أثبته بمحضره عن سؤاله للمجني عليه - ثم رد على هذا الطلب بقوله: "لا تجد المحكمة جدوى من هذا الطلب" في نطاق ما طلبه الدفاع عن إجراء المناقشة لتحديد وقت الوفاة. ذلك أن جثمان المجني عليه قد شرح في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم 27/ 8/ 1975 وجاء بالتقرير أنه قد مضى على الوفاة لحين الكشف والتشريح مدة أقل من يوم وهذا التحديد يتلاءم مع الثابت بإخطار المستشفى الأميري في شأن وفاة المجني عليه إذ الأخطار كان في الساعة الثانية والنصف من صباح يوم 27/ 8/ 1975 بأن المجني عليه قد أحضر إلى المستشفى متوفياً ويتلاءم أيضاً مع محضر الاستدلالات المحرر بمعرفة ضابط المباحث الساعة الثانية عشرة والنصف صباح يوم 27/ 8/ 1975 متضمناً سؤال المجني عليه شفوياً. "لما كان ذلك، وكان من المقرر - وفق المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - أن الأصل في المحاكمات أنها تقوم على التحقيق الشفوي، الذي تجريه المحكمة - في مواجهة المتهم - بالجلسة وتسمع فيه الشهود لإثبات التهمة أو نفيها، ولا يسوغ الخروج على هذا الأصل إلا إذا تعذر سماعهم لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك - قبولاً صريحاً أو ضمنياً - وإذ كان ذلك، وكان أن حق الدفاع - الذي يتمتع به المتهم - يخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق ما دام باب المرافعة لم يزل مفتوحاً، فإن نزول المدافع عن الطاعنين - بادئ الأمر - عن سماع ضابط المباحث، بمثابة أحد شهود الإثبات، واسترساله في المرافعة، لا يحرمه من العدول عن هذا النزول، ولا يسلبه حقه في العودة إلى التمسك بطلب سماع هذا الشاهد طالما كانت المرافعة ما زالت دائرة لم تتم بعد. لما كان ذلك، وكان ما اختتم به المدافع عن الطاعنين مرافعته من طلبه أصلياً القضاء ببراءتهما واحتياطياً استدعاء ضابط المباحث لسماع شهادته يعد على هذه الصورة - بمثابة طلب جازم تلتزم المحكمة بإجابته عند الاتجاه إلى القضاء بغير البراءة - فإن الحكم إذ قضي بإدانة الطاعنين اكتفاء باستناده إلى أقوال الضابط في التحقيقات وما أثبته بمحضره - دون الاستجابة إلى طلب سماعه - يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع. ولا يشفع له في ذلك كونه قد عول في قضائه - علاوة على ما سلف - على أدلة أخرى، ذلك بأن الأصل في الأدلة في المواد الجنائية أنها متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها متجمعة تتكون عقيدة المحكمة فليس من المستطاع - والحال كذلك - أن يعرف مصير قضاء محكمة الموضوع فيما لو استمعت بنفسها إلى شهادة الشاهد المذكور التي كانت عنصراً من عناصر عقيدتها في الدعوى. لما كان ذلك، وكان أثاره المدافع عن الطاعنين من دلالة حالة التيبس الرمي على حدوث الوفاة قبل الوقت الذي أثبت فيه ضابط المباحث بمحضره سؤاله للمجني عليه، إنما يعد دفاعاً جوهرياً لتعلقه بالدليل المقدم في الدعوى - المستمد من أقوال هذا الضابط ومحضره - ولأنه دفاع قد ينبني عليه لو صح تغير وجه الرأي في الدعوى، مما كان يقتضي من المحكمة وهي تواجه مسألة تحديد وقت الوفاة، باعتبارها من المسائل الفنية البحث، أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها - عن طريق المختص فنياً - بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، أما وهي لم يفعل ورفضت طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في هذا الصدد بحجة أن ما جاء بتقريره - من مضي مدة أقل من يوم على الوفاة - يتلاءم مع إخطار المستشفى بإحضار المجني عليه إليها متوفياً ومع محضر ضابط المباحث المتضمن سؤاله للمجني عليه شفوياً، في حين أن إخطار المستشفى لا يغني عما هو مطلوب من تحديد وقت الوفاة وأن ما تضمنه محضر الضابط من سؤاله للمجني عليه إنما هو بذاته الأمر المراد نفي حصوله عن طريق تلك المناقشة، ومن ثم يكون ما جاء بحكمها في هذا الخصوص من قبيل المصادرة على المطلوب والحكم على الدليل قبل تحقيقه، فإن الحكم - فوق إخلاله بحق الدفاع - يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.