أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 42 - صـ 635

جلسة 11 من إبريل سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم البنا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعمار إبراهيم وأحمد جمال عبد اللطيف ومحمد حسين مصطفى.

(93)
الطعن رقم 369 لسنة 60 القضائية

(1) إثبات "شهود". إكراه. دفوع "الدفع بإكراه الشاهد". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" نقض "أسباب. الطعن. ما لا يقبل منها".
- دفاع الطاعن بأن رواية الشاهد من تلفيق ضابط المباحث، لا يعد دفعاً بالإكراه. طالما لم يدع أن الشاهد أدلى بأقواله تحت تأثير الإكراه أو التهديد أو أن سلطان الضابط قد استطال إليه بالأذى مادياً أو معنوياً.
حق محكمة الموضوع وزن أقوال الشهود وتقديرها. لها أن تأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات ولو خالفت قوله أمامها.
الدفع بأن أقوال الشاهد كانت وليدة إكراه لأول مرة أمام النقض. لا يقبل.
(2) دفوع "الدفع بعدم قدرة المجني عليه على الكلام بتعقل". إثبات "شهود". "خبرة" حكم "تسبيبه، تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بعدم قدرة المجني عليه على الكلام بتعقل..
(3) إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
- تناقض الشهود لا يعيب الحكم متى استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال متى كان الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(4) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي ظروف مشددة. سبق إصرار. ترصد. إثبات "بوجه عام" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قصد القتل أمر خفي إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاصه. موضوعي.
سبق الإصرار حالة ذهنية. استفادتها من وقائع خارجية يستخلصها القاضي.
ظرف الترصد. متى يتحقق؟
البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ لاستظهار. نية القتل وتوافر ظرفي سبق الإصرار والترصد.
(5) قتل عمد. ظروف مشددة. سبق إصرار. ترصد. عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن".
النعي على الحكم بالقصور في استظهار ظرفي سبق الإصرار والترصد. غير مجد. متى كانت العقوبة الموقعة على الطاعن تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل العمد مجردة من أي ظرف مشدد.
6 - أمر بألا وجه "حجيته". إثبات "قرائن قانونية". قوة الأمر المقضي. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية. المبنى على أسباب عينية. امتداده لجميع المساهمين في الفعل ابتناؤه على أحوال خاصة بأحد المساهمين. اقتصار حجيته على من صدر لصالحه.
مثال.
1 - لما كان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن تمسك بأن رواية الشاهد - والتي عدل عنها بالجلسة - هي من تلفيق ضابط المباحث وكان دفاع الطاعن على هذه الصورة لا يعد دفعاً بالإكراه طالما أنه لم يدع بأن الشاهد أدلى بأقواله في التحقيقات تحت تأثير الإكراه والتهديد والضغط، ولم يذهب إلى حد القول بأن سلطان الضابط قد استطال إلى الشاهد بالأذى مادياً أو معنوياً فأثر في إرادته، وحمله على الإدلاء بما أدلى به، وإذ كان من المقرر أن تقدير أقوال الشهود ووزنها مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب، وأن لها أن تأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات ولو خالفت قوله أمامها، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه على صحة أقوال الشاهد..... في التحقيقات ومطابقتها للحقيقة التي استخلصتها المحكمة من سائر الأدلة القائمة في الدعوى فإنه لا يكون ثمة محل لتعييبه في هذا الخصوص، كما لا يقبل من الطاعن ما يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض من أن أقوال الشاهد كانت وليدة إكراه.
2 - لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بشأن عدم قدرة المجني عليه على النطق عقب نقله إلى المستشفى وأطرحه بقوله "كما تطمئن المحكمة إلى ما قرره كل من...... المدرس بمدرسة..... والذي بادر بنقل المجني عليه إلى المستشفى والذي قرر بصدق محاولته سؤال المجني عليه حال نقله إلا أن الأخير لم يتمكن من الإجابة عليه إلا بعد وصوله إلى المستشفى وفي حضور...... الذي لم يسمع سوى اسم المتهم فقط دون نطق اسمه وتوضيح واقعة نقل المجني عليه إلى المستشفى عما سمع به بالإضافة إلى تبين الممرضتين المتواجدتين في ذلك الوقت وقد قطع السيد الطبيب الشرعي لدى سؤاله أمام هذه المحكمة بأنه في مكنة المجني عليه التحدث بتعقل بعد الحادث ولفترة لا يمكن تحديدها ولم يقطع الطبيب المعالج بأن المجني عليه كان في غيبوبة وقت الكشف عليه حينما قرر أنه لم يسأله لأنه كان في شبه غيبوبة، وإذ كان ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - سائغاً في العقل والمنطق وكافياً في الرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن، ويكشف عن اقتناع المحكمة بصدق ما رواه الشاهدان..... و...... من أن المجني عليه أفضى إليهما عقب نقله إلى المستشفى بأن الطاعن هو الضارب له مما يتسق مع الدليل الفني المستمد مما شهد به الطبيب الشرعي بالجلسة من أن إصابات المجني عليه لم تكن تحول بينه وبين التحدث بتعقل إلى ما قبل دخوله مرحلة الغيبوبة التي لم يقطع الطبيب المعالج بدخوله فيها إثر وصوله إلى المستشفى، ومن ثم تنتفي عن الحكم ما يرميه به الطاعن من فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب في هذا الصدد ويكون هذا الوجه من الطعن في غير محله.
3 - لما كان تناقض الشهود لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه كما هو الحال في الدعوى المطروحة، وكانت المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ما دام الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن ما يثيره الطاعن بشأن تناقض الشهود واستبعاد بعضهم من قائمة الشهود ومحاولة أهل المجني عليه إخفاء الفاعل الحقيقي لا يكون له محل.
4 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض على استقلال لنية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد واستظهر توافرها في حق الطاعن في قوله "وحيث إنه عن نية القتل العمد وليد الإصرار السابق والترصد فهي ثابتة في حق المتهم ثبوتاً قاطعاً مما تكشف عنه ظروف الدعوى وملابساتها، وما استقر في يقين المحكمة عن صورتها وأسلوب وكيفية تنفيذ مخططها، فضلاً عن السبب الدافع للمتهم إلى مقارفة ذلك الجرم، ومما استظهرته من أوراقها عما اعتمل في نفسه وما أضمره للإجهاز على المجني عليه انتقاماً منه وإشفاء لغليل الثأر الذي ملك عليه نفسه وسيطر على جنانه بعد اقتناعه بشائعات مريضة عن اشتراك المجني عليه في قتل شقيقه وإفلاته من العقاب فدبر لقتله وسعى إلى مكمن في طريق عودة المجني عليه من حفل عرس علم بتواجده فيه متزوداً بسلاحه القاتل حتى إذا ما لاح له وظفر به اتجه إليه وهم به وانقض عليه بمطواته طاعناً إياه عدة طعنات قوية نفذت إلى تجويف صدره وأخريين في بطنه ويده فأرداه صريعاً مثخناً بجراحه وإذ تحقق له مقصده وما كان قد صمم عليه، وتأكد من وفاة المجني عليه لا محالة خلى عنه وتركه وفر هارباً". وإذ كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وكان استخلاص هذا القصد موكولاً إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة، بل هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها منها القاضي، كما أن ظرف الترصد يتحقق بتربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أم قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء، وكان البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب هذه الظروف والعناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه على السياق سالف البيان كافياً في استظهار نية القتل وثبوت قيامها في حق الطاعن كما يسوغ به استخلاص توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
5 - لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعن - وهي الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات - تدخل في الحدود المقررة لجريمة القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة، فإنه لا تكون له مصلحة فيما يثيره من قصور الحكم في استظهار ظرفي سبق الإصرار والترصد.
6 - لما كان ذلك وكان الأصل أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لا تكون له حجية بالنسبة لجميع المساهمين في الفعل إلا إذا كان مبنياً على أسباب عينية كثبوت أن الجريمة لم تقع أصلاً أو أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً، أما إن كان الأمر مبنياً على أحوال خاصة بأحد المساهمين دون الآخرين، فإنه لا يجوز حجية إلا في حق من صدر لصالحه، وإذ كان الطاعن على ما يذهب إليه في وجه نعيه - وبفرض صحته - يقرر أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى إنما صدر لعدم كفاية الأدلة قبل المتهم الآخر فإن الأمر في هذه الحالة يكون قائماً على أسباب خاصة ولا يجوز حجية في حق الطاعن، ومن ثم يكون منعاه في هذا الشأن غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية على قتله وأعد لهذا الغرض آلة حادة "مطواة" وكمن له في الطريق الذي أيقن مروره فيه وما أن ظفر به حتى انهال عليه طعناً في صدره وبطنه قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وأحالته إلى محكمة جنايات طنطا لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعى والد المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما أسند إليه وإثبات ترك المدعي بالحقوق المدنية لدعواه المدنية.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه عول في قضائه على أقوال الشاهد...... رغم بطلانها لصدورها تحت تأثير الإكراه الواقع عليه من ضابط المباحث وأطرح دفاع الطاعن في هذا الشأن بما لا يسوغ إطراحه، كما عول على ما جاء بأقوال شاهدي الإثبات...... و...... من أن المجني عليه أفضى إليهما عقب وصوله إلى المستشفى بأن الطاعن هو الضارب له، ورد بما لا يصلح رداً على ما أثاره الدفاع من عدم قدرة المجني عليه على التحدث بتعقل حينئذٍ بدليل ما أثبته طبيب المستشفى من أنه كان في حالة سيئة وفاقد النطق، وكذلك فقد أخذ الحكم بأقوال سائر شهود الإثبات رغم تناقضها وعدم صحتها بدليل أن ضابط المباحث قدم للنيابة أربعة شهود زعم مشاهدتهم للحادث ألا أن قائمة أدلة الإثبات خلت من إيراد ثلاثة منهم، هذا إلى أن والد المجني عليه ذكر أن الباعث على الجريمة هو الثأر ومن المعلوم أن ذوي المجني عليهم في هذا النوع من الجرائم يخفون الفاعل الحقيقي حتى يثأروا منه بأنفسهم وكما استدل الحكم على توافر نية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد بما لا يسوغ توافرها، وقد كان من بين ما قام عليه دفاع الطاعن أن النيابة العامة أسندت إلى آخر تهمة الاشتراك مع الطاعن في ارتكاب الجريمة ثم أصدرت قرار بعدم وجود لإقامة الدعوى الجنائية قبل هذا الآخر لعدم كافية الأدلة مما كان لازمه أن تقرر بذلك بالنسبة للطاعن أيضاً لوحدة الواقعة غير أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع. كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعن بها وساق على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تحريات الشرطة وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن تمسك بأن رواية الشاهد...... - والتي عدل عنها بالجلسة - هي من تلفيق ضابط المباحث، وكان دفاع الطاعن على هذه الصورة لا يعد دفعاً بالإكراه طالما أنه لم يدع بأن الشاهد أدلى بأقواله في التحقيقات تحت تأثير الإكراه والتهديد والضغط، ولم يذهب إلى حد القول بأن سلطان الضابط قد استطال إلى الشاهد بالأذى مادياً أو معنوياً فأثر في إرادته، وحمله على الإدلاء بما أدلى به، وإذ كان من المقرر أن تقدير أقوال الشهود ووزنها مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب، وأن لها أن تأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات ولو خالفت قوله أمامها، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى صحة أقوال الشاهد....... في التحقيقات ومطابقتها للحقيقة التي استخلصتها المحكمة من سائر الأدلة القائمة في الدعوى فإنه لا يكون ثمة محل لتعييبه في هذا الخصوص، كما لا يقبل من الطاعن ما يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض من أن أقوال الشاهد كانت وليدة إكراه، لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بشأن عدم قدرة المجني عليه على النطق عقب نقله إلى المستشفى وأطرحه بقوله، كما تطمئن المحكمة إلى ما قرره كل من....... المدرس بمدرسة..... والذي بادر بنقل المجني عليه إلى المستشفى والذي قرر بصدق محاولته سؤال المجني عليه حال نقله إلا أن الأخير لم يتمكن من الإجابة عليه إلا بعد وصوله إلى المستشفى وفي حضور...... الذي لم يسمع سوى اسم المتهم فقط دون نطق اسمه وتوضيح واقعة نقل المجني عليه إلى المستشفى عما سمع به بالإضافة إلى تبين الممرضتين المتواجدتين في ذلك الوقت وقد قطع السيد الطبيب الشرعي لدى سؤاله أمام هذه المحكمة بأنه في مكنة المجني عليه التحدث بتعقل بعد الحادث ولفترة لا يمكن تحديدها ولم يقطع الطبيب المعالج بأن المجني عليه كان في غيبوبة وقت الكشف عليه حينما قرر أن لم يسأله لأنه كان في شبه غيبوبة وإذ كان ما أورده الحكم - على السياق المتقدم - سائغاً في العقل والمنطق وكافياً في الرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن، ويكشف عن اقتناع المحكمة يصدق ما رواه الشاهدان........ و........ من أن المجني عليه أفضى إليهما عقب نقله إلى المستشفى بأن الطاعن هو الضارب له مما يتسق مع الدليل الفني المستمد مما شهد به الطبيب الشرعي بالجلسة من أن إصابات المجني عليه لم تكن تحول بينه وبين التحدث بتعقل إلى ما قبل دخوله مرحلة الغيبوبة التي لم يقطع الطبيب المعالج بدخوله فيها إثر وصوله إلى المستشفى، ومن ثم تنتفي عن الحكم ما يرميه به الطاعن من فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب في هذا الصدد ويكون هذا الوجه من الطعن في غير محله. لما كان ذلك، وكان تناقض الشهود لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه كما هو الحال في الدعوى المطروحة، وكانت المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال ما دام الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن بشأن تناقض الشهود واستبعاد بعضهم من قائمة الشهود، ومحاولة أهل المجني عليه إخفاء الفاعل الحقيقي لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض على استقلال لنية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد واستظهر توافرها في حق الطاعن في قوله "وحيث إنه عن نية القتل العمد وليد الإصرار السابق والترصد فهي ثابتة في حق المتهم ثبوتاً قاطعاً مما تكشف عنه ظروف الدعوى وملابساتها، وما استقر في يقين المحكمة عن صورتها وأسلوب وكيفية تنفيذ مخططها، فضلاً عن السبب الدافع للمتهم إلى مقارفة ذلك الجرم، ومما استظهرته من أوراقها عما اعتمل في نفسه وما أضمره للإجهاز على المجني عليه انتقاماً منه وإشفاء لغليل الثأر الذي ملك عليه نفسه وسيطر على جنانه بعد اقتناعه بشائعات مريضة عن اشتراك المجني عليه في قتل شقيقه وإفلاته من العقاب فدبر لقتله وسعى إلى مكمن في طريق عودة المجني عليه من حفل عرس علم بتواجده فيه متزوداً بسلاحه القاتل حتى إذا ما لاح له وظفر به اتجه إليه وهم به وانقض عليه بمطواته طاعناً إياه عدة طعنات قوية نفذت إلى تجويف صدره وآخرين في بطنه ويده فأرداه صريعاً مثخناً بجراحه وإذ تحقق له مقصده وما كان قد صمم عليه، وتأكد من وفاة المجني عليه لا محالة خلى عنه وتركه وفر هارباً". وإذ كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وكان استخلاص هذا القصد موكولاً إلى محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة، بل هي تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها منها القاضي، كما أن ظرف الترصد يتحقق بتربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أم قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء، وكان البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب هذه الظروف والعناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه على السياق سالف البيان كافياً في استظهار نية القتل وثبوت قيامها في حق الطاعن كما يسوغ به استخلاص توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد، هذا إلى أنه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعن - وهي الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات - تدخل في الحدود المقررة لجريمة القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة، فإنه لا تكون له مصلحة فيما يثيره من قصور الحكم في استظهار ظرفي سبق الإصرار والترصد، لما كان ذلك، وكان الأصل أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لا تكون له حجية بالنسبة لجميع المساهمين في الفعل إلا إذا كان مبنياً على أسباب عينية كثبوت أن الجريمة لم تقع أصلاً أو أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً، أما إن كان الأمر مبنياً على أحوال خاصة بأحد المساهمين دون الآخرين، فإنه لا يجوز حجية إلا في حق من صدر لصالحه، وإذ كان الطاعن على ما يذهب إليه في وجه نعيه - وبفرض صحته - يقرر أن الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى إنما صدر لعدم كفاية الأدلة قبل المتهم الآخر فإن الأمر في هذه الحالة يكون قائماً على أسباب خاصة ولا يجوز حجية في حق الطاعن، ومن ثم يكون منعاه في هذا الشأن غير سديد، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.