مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 3

(1)
جلسة 2 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 878 لسنة 3 القضائية

( أ ) اختصاص - القانون المعدل للاختصاص يسري على الدعاوى المنظورة التي لم يقفل باب المرافعة فيها ما لم يتضمن حكماً خاصاً، إما صراحة أو ضمناً، يشير إلى عدم سريانه على تلك الدعاوى - مثال.
(ب) اختصاص - القانون رقم 73 لسنة 1957 الذي ألغى اختصاص القضاء الإداري في التعقيب على التخطي في الترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها - انطواؤه على أحكام تفيد عدم سريانه على الدعاوى المنظورة وقت العمل به - عدم سريانه إلا على قرارات التخطي التي تصدر على مقتضى أحكامه.
(ج) ترقية بالاختيار - عدم جواز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان الأخير هو الأصلح - من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بعضهم مقام بعض إلا إذا توافر ذلك فيهم جميعاً.
(د) ديوان المحاسبة - اصطباغ وظائفه الإدارية بطبيعة متميزة - عدم شغل ما يخلو منها إلا بمن يحمل بكالوريوس التجارة أو ليسانس الحقوق - تخطي من لا يتوافر فيه هذا الشرط أياً كانت كفايته - صحيح قانوناً.
1 - لئن كان الأصل - طبقاً للفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية - أن القوانين المعدلة للاختصاص تسري على الدعاوى المنظورة ما دام لم يقفل باب المرافعة فيها، إلا أن هذه القوانين قد تتضمن حكماً خاصاً، إما صراحة أو ضمناً، يتخصص به هذا الأثر؛ وعندئذٍ يجب النزول عليه: كما لو نقل الاختصاص بالنسبة إلى دعاوى معينة من جهة إلى أخرى ولكن قضى في الوقت ذاته أن تستمر الجهة الأولى في نظر الدعاوى التي كانت منظورة لديها حتى يتم الفصل فيها؛ فيتخصص الحكم المعدل للاختصاص - والحالة هذه - بالدعاوى الجديدة التي ترفع أمام الجهة الأخيرة بعد نفاذ القانون الجديد، أو كما لو استحدث القانون تنظيماً جديداً للقرارات الإدارية يكفل لذوي الشأن بمقتضاه ضمانات معينة أمام السلطات الإدارية واستغنى بهذه الضمانات عن تعقيب السلطات القضائية، وكان ظاهراً أن قصد الشارع هو ألا يسري إلغاء هذا التعقيب إلا بالنسبة لما يصدر من قرارات في ظل التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها؛ فعندئذٍ يسري القانون الجديد المعدل للاختصاص بالنسبة للقرارات الجديدة دون القرارات السابقة على نفاذه، ما دام الشارع قد خصص أثر القانون الجديد على هذا النحو؛ إذ أن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة، وهو ذات الأصل الدستوري المسلم من أن القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويحدد نطاق ولايتها ويوزع الاختصاص بينها بالشروط والأوضاع والقيود التي يقررها.
2 - إن الفقرة الأخيرة من المادة 38 من قانون نظام موظفي الدولة (معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957) تنص على أنه "أما الترقيات من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات فكلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية. وعلى الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية بالاختيار من هؤلاء الموظفين، ولهم التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم، وتكون قرارات الوزير في هذا الشأن نهائية وغير قابلة للطعن أمام أية جهة كانت، وذلك استثناءً من أحكام المواد 8 و12 و15 و16 و18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة". ويبين من هذه المادة ومما جاء عنها بالمذكرة الإيضاحية أن الشارع - إذ ألغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957 التعقيب القضائي على قرارات الوزير في الترشيح للترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها للاعتبارات التي ارتآها - قد قرن ذلك في الوقت ذاته باستحداث تنظيم جديد يكفل لذوي الشأن عدم حرمانهم من الضمانات الكافية؛ بأن أوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية؛ كي يستطيعوا التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم، على أن تكون قرارات الوزير في شأنهم بعد ذلك نهائية غير قابلة للتعقيب عليها من القضاء الإداري. وواضح من ذلك بما لا يدع مجالاً لأي شك هو ألا يمتنع التعقيب القضائي إلا بالنسبة للقرارات التي تصدر على مقتضى التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها، دون القرارات السابقة عليه. فإذا كان الثابت أن قرار التخطي من الدرجة الثانية إلى الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها كان سابقاً على العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 المعدل لاختصاص مجلس الدولة بتلك القرارات التي تصدر في ظل التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها على الوجه السالف إيضاحه، فإن الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى يكون في غير محله متعيناً رفضه.
3 - إن الترقية بالاختيار هي في الأصل من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة بما لا معقب عليها من القضاء الإداري، ما دام خلا هذا التقدير من إساءة استعمال السلطة، وهذا الاختيار يجد حده الطبعي في أنه لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان هذا الأخير هو الأصلح - إلا أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة، بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن إلا إذا توافر ذلك فيهم جميعاً؛ فلا يرقى مثلاً مهندس حيث تتطلب الوظيفة قانونياً أو محاسباً، أو يرقى كيميائي حيث تتطلب الوظيفة مهندساً، أو مجرد مهندس حيث تتطلب الوظيفة تخصيصاً في نوع معين من الهندسة وهكذا؛ ذلك أن تخصيص الوظائف وتمييزها إنما يقوم على أساس من المصلحة العامة بما يكفل سير المرفق على الوجه الأمثل، وقد يستفاد هذا التخصيص والتمييز من تحديد الميزانية وأوصافها أو من قاعدة تنظيمية عامة مقررة في هذا الشأن.
4 - إذا كان الثابت أن أعمال ديوان المحاسبة بحسب قانون إنشائه ولائحته الداخلية يغلب عليها إما الطابع الحسابي أو الطابع القانوني، وأن التأهيل الطبعي لوظائفه هو الثقافة القانونية أو الحسابية فقط، وأن اللجنة المالية بناءً على توصية ديوان الموظفين في مذكرتها لمجلس الوزراء عند إعداد مشروع ميزانية الدولة سنة 1953/ 1954، قد اقترحت بألا تشغل درجات الكادر الإداري بديوان المحاسبة سواء بالنقل أو بالتعيين إلا بالحاصلين على المؤهلات المتفقة وطبيعة عمل الديوان وهي بكالوريوس التجارة وليسانس الحقوق والعمل على إحلال حملة هذين المؤهلين محل الموجودين بالفعل من ذوي المؤهلات الأخرى التي لا تتفق مع أعمال الديوان ومن غير ذوي المؤهلات، وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك - إذا كان الثابت هو ما تقدم، فإن هذا يشير إلى أن الوظائف الإدارية بالديوان قد اصطبغت بطبيعة متميزة منذئذٍ، بحيث أصبح لا يجوز شغل ما يخلو منها بعد ذلك إلا بمن كان حاملاً لبكالوريوس التجارة أو ليسانس الحقوق. ومن ثم فإن المحكمة إذ أغفلت هذا الاعتبار وقضت بإلغاء قرار الترقية، مستندة إلى أنه لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان الأخير هو الأصلح - يكون حكمها قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وتأويله.


إجراءات الطعن

في 3 من يوليه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 878 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 16 من مايو سنة 1957 في الدعوى رقم 1903 لسنة 10 القضائية المقامة من المهندس محمود زكي إبراهيم ضد رياسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة، والذي قضى "بإلغاء القرار الصادر في 25 من إبريل سنة 1956 بتعيين وكيلين مساعدين بديوان المحاسبة وذلك فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى إحدى هاتين الوظيفتين وبإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى ديوان المحاسبة في 28/ 7/ 1957 وإلى رياسة مجلس الوزراء في 30/ 7/ 1957 وإلى المطعون عليه في 10/ 8/ 1957، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 5 من أكتوبر سنة 1957، وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بالمحضر، ثم حجزت القضية للحكم لجلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات، وقد أودع كل من ديوان المحاسبة والمدعي مذكرة صمم فيها على طلباته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أنه بعد إذ أعيدت القضية إلى المرافعة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 16 من مايو سنة 1957 كان قد صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة وأصبح معمولاً به من تاريخ نشره في 4 من إبريل سنة 1957، ومن تلك الأحكام ما تضمنته الفقرة الأخيرة من المادة 38 من تعديل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وذلك بإلغاء تعقيبه على قرارات الترقية من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات، فكان يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تنزل على حكم القانون الجديد وتقضي بعدم الاختصاص بالتطبيق للفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي مفادها أن يسري القانون الجديد المعدل للاختصاص على الدعاوى المنظورة ما دام لم يقفل باب المرافعة فيها.
ومن حيث إنه ولئن كان الأصل - طبقاً للفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية - أن القوانين المعدلة للاختصاص تسري على الدعاوى المنظورة ما دام لم يقفل باب المرافعة فيها - إلا أن هذه القوانين قد تتضمن حكماً خاصاً، إما صراحة أو ضمناً، يتخصص به هذا الأثر، وعندئذٍ يجب النزول عليه؛ كما لو نقل الاختصاص بالنسبة إلى دعاوى معينة من جهة إلى أخرى، ولكن قضي في الوقت ذاته أن تستمر الجهة الأولى في نظر الدعاوى التي كانت منظورة لديها حتى يتم الفصل فيها، فيتخصص الحكم المعدل للاختصاص - والحالة هذه - بالدعاوى الجديدة التي ترفع أمام الجهة الأخيرة بعد نفاذ القانون الجديد، أو كما لو استحدث القانون تنظيماً جديداً للقرارات الإدارية يكفل لذوي الشأن بمقتضاه ضمانات معينة أمام السلطات الإدارية واستغنى بهذه الضمانات عن تعقيب السلطات القضائية، وكان ظاهراً أن قصد الشارع هو ألا يسري إلغاء هذا التعقيب إلا بالنسبة لما يصدر من قرارات في ظل التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها؛ فعندئذٍ يسري القانون الجديد المعدل للاختصاص بالنسبة للقرارات الجديدة، دون القرارات السابقة على نفاذه، ما دام الشارع قد خصص أثر القانون الجديد على هذا النحو. وقديماً قالوا إن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة، وهو ذات الأصل الدستوري المسلم من أن القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويحدد نطاق ولايتها ويوزع الاختصاص بينها بالشروط والأوضاع والقيود التي يقررها.
ومن حيث إن الفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 73 لسنة 1957 تنص على أنه "أما الترقيات من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات فكلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية. وعلى الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية بالاختيار من هؤلاء الموظفين، ولهم التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم، وتكون قرارات الوزير في هذا الشأن نهائية وغير قابلة للطعن أمام أية جهة كانت، وذلك استثناءً من أحكام المواد 8 و12 و15 و16 و18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة". وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون في هذا الخصوص ما يلي "تقضي المادة 38 بأن الترقيات إلى الدرجة الثانية فصاعداً تكون كلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية. ولما كانت هذه الطائفة من الموظفين لا تخضع لنظام التقارير السرية وإنما يتصل أفرادها بحكم مناصبهم في درجات الوظائف العليا أوثق صلات العمل برؤساء الجهات الإدارية التابعين لها وبذلك يجتمع لهذه الجهات أقرب الحقائق والمعلومات عن كفايتهم وأهليتهم مما يجعل من الملائم أن يكون القول الفصل في ترقياتهم إلى جهات الإدارة المذكورة دون تعقيب عليها من سلطة القضاء. ورؤي لذلك، وتحقيقاً لاستقرار الأوضاع في الوظائف ذات الدرجات العليا مع عدم حرمان شاغليها من الضمانات الكافية، استحداث حكم جديد يوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية بالاختيار من الموظفين المذكورين، مع فتح الباب أمامهم للتظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم، على أن تكون قرارات الوزير في شأنهم بعد ذلك نهائية وغير قابلة للطعن أمام الجهات القضائية". ويظهر من ذلك أن الشارع - إذ ألغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957 التعقيب القضائي على قرارات الوزير في الترشيح للترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها للاعتبارات التي ارتآها - قد قرن ذلك في الوقت ذاته باستحداث تنظيم جديد يكفل لذوي الشأن عدم حرمانهم من الضمانات الكافية؛ بأن أوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية كي يستطيعوا التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم، على أن تكون قرارات الوزير في شأنهم بعد ذلك نهائية غير قابلة للتعقيب عليها من القضاء الإداري، وواضح من ذلك بما لا يدع مجالاً لأي شك هو ألا يمتنع التعقيب القضائي إلا بالنسبة للقرارات التي تصدر على مقتضى التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها دون القرارات السابقة عليه.
ومن حيث إن القرار موضوع النزاع لم يصدر في ظل التنظيم الجديد، وإنما كان سابقاً عليه، وإذ خصص القانون رقم 73 لسنة 1957 حكمه المعدل لاختصاص مجلس الدولة بتلك القرارات التي تصدر في ظل التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها على الوجه السالف إيضاحه فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون - والحالة هذه - في غير محله متعيناً رفضه.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1903 لسنة 10 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد رياسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة في 9 من سبتمبر سنة 1956 طالباً الحكم بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من إبريل سنة 1956 بتعيين السيدين حسين فيضي وعلي محمد التمتامي في درجتي الوكيلين المساعدين بديوان المحاسبة وذلك فيما تضمنه هذا القرار من تخطي المدعي في الترقية إلى أولى هاتين الدرجتين، وأحقيته في الترقية إلى هذه الدرجة من تاريخ صدور القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال شرحاً لدعواه إنه التحق بخدمة الحكومة في الدرجة السادسة سنة 1925، وألحق بالبعثة بقصد تمصير الإدارة المصرية بمصلحة المساحة وحصل على شهاداته العالية من إنجلترا سنة 1927، ثم عين مساعداً لمدير أقسام الرسم والمطابع بمصلحة المساحة، وهو عمل إداري وفني خطير الشأن، حتى نقل مجنداً لإصلاح المطبعة الأميرية مديراً لها، وكان إنتاجه أرقاماً قياسية في تاريخ المطبعة، وزاد الإنتاج على ضعف المعدل بذات عدد العمال وعين الاعتمادات، وكان ما قام به لخدمة العمل والعمال والبعد بهم عن السياسة الحزبية وتوجيههم وجهة صالحة موضع تنويه وثناء رئيس الوزراء وقتئذٍ من فوق منبر البرلمان، ثم ندب بعد ذلك للعمل بمصلحة الضرائب مساعداً لكبير المفتشين، ثم نقل سنة 1943 إلى ديوان المحاسبة، وعين مراقباً للمراقبة السادسة، وأهله للقيام بعمله على الوجه الأكمل سابق خبرته في الوظائف الكبيرة ذات المسئولية الإدارية والفنية التي تقلدها، فضلاً عن إخلاصه ومرانه. وكان موضع تقدير رئيس الديوان الأسبق لرضائه عن عمله؛ فمنحه علاوتين استثنائيتين بعد فترة قصيرة من اشتغاله معه، كما طالب له رئيس الديوان بعد ذلك بإنشاء درجة مدير عام (ب) في الميزانية، وأنشئت الدرجة فعلاً ورقي إليها، ثم رقي بعد ذلك إلى درجة مدير عام ( أ )، وكان يترقب ترقيته إلى درجة وكيل الديوان التي خلت بوفاة شاغلها، ولكنها شغلت بموظف من وزارة المالية بطريق النقل. ويقول المدعي إنه عندما خلت درجتا الوكيلين المساعدين بالديوان كان يعتقد أنه سيكون أول المرشحين لإحداهما؛ فهو أقدم الموظفين وأرقاهم درجة وأكبرهم مرتباً، ولكن الديوان استصدر قراراً من مجلس الوزراء في 25 من إبريل سنة 1956 بتعيين السيدين حسين فيضي وعلي محمد التمتامي في درجتي الوكيلين المساعدين، على الرغم من أن كلاً منهما كان في درجة مدير عام (ب) ولم يقض فيها غير ثلاث سنوات، وحرم المدعي من الترقية إلى هذه الدرجة، وهو الذي شغل درجة مدير عام ( أ ) منذ خمس سنوات. وقد تظلم المدعي في 22 من مايو سنة 1956 من هذا القرار فأخطر في 24 من يوليه سنة 1956 بأن السيد مفوض الدولة رأى قبول التظلم شكلاً ورفضه موضوعاً. كما أعيد إخطاره في 5 من أغسطس سنة 1956 برفض تظلمه. وينعى المدعي على قرار مجلس الوزراء الذي تخطاه في الترقية إلى وظيفة وكيل مساعد مخالفته للقانون، وذلك للأسباب الآتية: (1) إذا كان ديوان المحاسبة قد استعمل سلطته التقديرية في الترقية بالاختيار إلى الدرجات العليا فإنه يرد على هذه السلطة قيدان: أحدهما شكلي والآخر موضوعي. أما عن القيد الشكلي فهو التزام الإدارة في ممارسة الاختيار بضوابط عملية الاختيار ذاتها؛ بمعنى أن تتجمع لديها عناصر الاختيار، وذلك بفحص ملفات خدمة الموظفين الذين ترشحهم درجاتهم للترقية. ولما كان ملف خدمة المدعي بوزارة التجارة قد أرسل إليها منذ أكثر من سبعة أشهر سابقة على حركة الترقيات بسبب البحث في مسألة ترشيحه وكيلاً مساعداً لتلك الوزارة، وقد بقى الملف بوزارة التجارة حتى 20 من مايو سنة 1956؛ وبذلك لا تكون عناصر عملية الاختيار قد توفرت لدى الديوان؛ إذ أن مبنى الاختيار هو الموازنة المستمدة من واقع ملفات خدمة المرشحين، فإذا لم يعرض ملف خدمة أحد المرشحين فمعنى ذلك أنه لم يدخل نطاق الاختيار أصلاً، وهذا في ذاته مبطل للعملية كلها. وأما عن القيد الموضوعي فهو المستفاد من مجموع نصوص القوانين التي نظمت شئون الوظيفة العمومية، وهذا القيد لا يخرج في صوره المختلفة عن معيار ذي شقين: هما الأقدمية والكفاية. واستند المدعي إلى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم (159) لسنة 2 القضائية الصادر بجلسة 23 من يوليه سنة 1956، واستخلص منه أمرين: (1) أن المحورين اللذين يمكن أن تدور عليهما ترقيات الموظفين بالاختيار هما الأقدمية والكفاية. (2) أنه يجب ترقية الأقدم عند تساويه في الكفاية مع الأحدث. وأضاف المدعي أنه أقدم من المطعون في ترقيتهما. وإذا كان المدعي لم يوجه طعناً إلى السيد/ حسين فيضي فحسبه أن يقول إنه لم يفقه كفاية، فهو على أسوأ الفروض لا يقل عنه في هذه الكفاية بحال. أما عن السيد التمتامي فلا سبيل للمقارنة بينه وبين المدعي من حيث الكفاية، وتفصيل ذلك: (1) أن الديوان لم يستطع أن يطعن في كفاية المدعي، وهو وإن حاول التدليل على كفاية السيد التمتامي إلا أنه لم يحاول التدليل على رجحان كفة التمتامي، ومع التسليم جدلاً بكفاية التمتامي ومع عدم طعن الديوان على كفاية المدعي فإن أقدمية الأخير تكون عنصراً مرجحاً. (2) أن المدعي شغل وظائف رئيسية وذات مسئولية أكسبته خبرة ودراية. وإذا كانت مدة خدمة المدعي بالديوان تتساوى مع مدة خدمة السيد التمتامي إلا أن المدعي التحق بالديوان وهو موظف بالدرجة الثانية الأقرب اتصالاً ومعرفة بدرجة الوكيل المساعد التي كان يجرى عليها الاختيار، بينما السيد التمتامي قضى شطراً كبيراً من مدته في الدرجات الصغرى، وكان عندما نقل إلى الديوان في الدرجة الخامسة في حكم مرءوس للمدعي. (3) مما يقطع بتفوق المدعي، أن جميع ترقياته قبل نقله للديوان ماعدا واحدة منها، ترقيات استثنائية بقرارات من مجلس الوزراء لكفايته، كما كانت كل ترقياته بالديوان بالاختيار من رؤساء مشهود لهم بالحيدة والنزاهة. (4) دلل الديوان في مذكرته على كفاية السيد التمتامي بمذكرة الديوان المرفوعة إلى مجلس الوزراء لتعيينه مدير عام (ب) وبكتاب رئيس مجلس بلدي بور سعيد إلى مدير البلديات كأن لم يكن للمدعي نصيب من مثل هذه التزكيات والصفات في المذكرات التي رفعت من الديوان بشأن ترقية المدعي وفي ثناء اللجنة البرلمانية المرفوع منها في تقاريرها للبرلمان مرات عديدة عنه والتنويه بكفايته الفنية ووصفه بالحكمة والاجتهاد في إنجاز الأعمال. هذا إلى أنه كان العضو الذي يلي وكيل الديوان ورئيس لجنة شئون الموظفين منذ إنشائها إلى مايو سنة 1956. وانتهى المدعي إلى القول بأن قرار الترقية المطعون فيه هو قرار مخالف للقانون، فضلاً عن أنه مشوب بإساءة استعمال السلطة. وقد رد ديوان المحاسبة على أقوال المدعي بأن التعيين في وظيفتي الوكيلين المساعدين غير مقيد بالأقدمية وإنما تم بالاختيار. والكفاية ليست هي كل عناصر الاختيار، وإنما عنصر من شتى العناصر التي يقوم عليها. وقد تم الاختيار للموظفين على أساس الموازنة والمفاضلة بين المرشحين، وما أسفر عنه ذلك من توافر عناصر الاختيار في السيدين حسين فيضي وعلي محمد التمتامي؛ بما جعلهما أصلح وأجدر المرشحين للتعيين فيهما لاعتبارات اقتضتها مصلحة العمل بالديوان. فأما عن وجود ملف خدمة المدعي بوزارة التجارة فإن ذلك لم يحل دون حصول الديوان على كافة البيانات اللازمة لعملية الاختيار. ولا يغير من الأمر شيئاً أن المدعي في درجة مدير عام ( أ ) على حين أن زميليه حسين فيضي وعلي محمد التمتامي في درجة مدير عام (ب)؛ لأن المادة 33 من قانون التوظف لم تشترط بالنسبة للترقية إلى الدرجات العليا أن تكون إلى الدرجة التالية للدرجة المرقى منها. ويقول الديوان إن السيد حسين فيضي حاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة أدنبرة مع درجة الشرف في القانون الدولي العام وعلى تنظيم التجارة والصناعة، وقد تقلد عدة وظائف حكومية هامة تتصل أعمالها أوثق الاتصال بأعمال الديوان واختصاصاته، حتى نقل إلى الديوان في 15 من إبريل سنة 1944، وعين به مراقباً للبحوث الفنية فمراقباً عاماً للحساب الختامي والتفتيش الجاري، ورقي إلى الدرجة الأولى في أول مارس سنة 1948 فمديراً عاماً في 11 من يونيه سنة 1951. ويقول إن ملف خدمته حافل بشهادات التقدير والثناء لكفايته وجهوده في مختلف الوظائف التي تقلدها. وكذلك الحال لدى الديوان بالنسبة للسيد علي التمتامي، فإن كفايته وإخلاصه وتفانيه في العمل لا يرقى إليها أدنى شك، وملف خدمته هو الآخر حافل بما يؤكد ذلك ويثبته. تدل على ذلك المذكرة المرفوعة إلى مجلس الوزراء بشأن تعيينه في وظيفة مدير عام (ب)، ولكفايته وامتيازه وقع عليه الاختيار ليكون عضواً في بعض اللجان التي شكلت بالديوان لتنظيم الأعمال به أو في بعض اللجان الحكومية الأخرى؛ فقد عين عضواً باللجنة المشكلة بقرار من رئيس الديوان في 14 من مارس سنة 1951 لإعادة النظر في اختصاص المراقبات بالديوان وتنظيم العمل بها واقتراح ما تراه كفيلاً بتدعيمها وزيادة كفايتها على ضوء ما أسفرت عنه تجارب السنوات السابقة. ولما أنشئ مكتب للتحقيقات والشكاوى بالديوان انتدب بقرار من رئيس الديوان في 2 من ديسمبر سنة 1952 مديراً لهذا المكتب علاوة على عمله الأصلي كمراقب عام للمراقبة الأولى، وكذلك اختير ليكون عضواً أصلياً في هيئة المجلس التأديبي للمخالفات المالية منذ إنشائه حتى الآن. كما عين عضواً باللجنة التي شكلت بقرار من المؤتمر المشترك في 17 من مارس سنة 1953 لفحص حالات موظفي الديوان ودراسة مؤهلاتهم وكفايتهم وإنتاجهم وما قد ينسب إليهم من مخالفات. وانتهى ديوان المحاسبة إلى القول بأن المؤهل الذي يحمله كل من السيد فيضي والسيد التمتامي هو المؤهل الذي تستلزمه طبيعة الأعمال التي يمارسها الديوان؛ إذ أن هذه الأعمال تقوم على ثقافتين إحداهما حسابية والأخرى قانونية. كما أن أعمال الوظائف التي تقلدها كل منهما قبل نقله إلى الديوان وثيقة الصلة بما يضطلع به الديوان من مهام وفقاً لقانون إنشائه، على حين أن المدعي حاصل على شهادة الهندسة، وهو مؤهل لا يمت من قريب أو بعيد بأية صلة إلى طبيعة العمل بالديوان، وبالمثل غالبية الوظائف التي شغلها قبل نقله إلى الديوان. أما ترقيات المدعي من الدرجة الأولى إلى درجة مدير عام ( أ ) فقد تمت عملاً بقانون التوظف، وكانت ترقياته كلها بالأقدمية، وكانت ترقيته في ذات الوظيفة التي شغلها منذ يناير سنة 1944 والتي لا يزال يشغلها حتى الآن وهي وظيفة المراقب العام لمراقبة الهيئات ذات الميزانيات الملحقة بالميزانية العامة والخارجة عنها، وهي المراقبة التي أطلق عليها فيما بعد اسم المراقبة السادسة. وخلص الديوان إلى القول بأن اختيار المطعون في ترقيتهما لم يراع فيه سوى مصلحة العمل بالديوان. وأن الاختيار قد تم وفقاً لأحكام المادتين 33 و38 من قانون التوظف. وطلب ديوان المحاسبة رفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات. هذا وقد أيد تقرير مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري المدعي فيما ذهب إليه من طلب الحكم بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من إبريل سنة 1956. وبجلسة 16 من مايو سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") في هذه الدعوى: "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 25 من إبريل سنة 1956 بتعيين وكيلين مساعدين بديوان المحاسبة وذلك فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى إحدى هاتين الوظيفتين وبإلزام الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن ديوان المحاسبة وإن لم يورد في قراره أسباباً إلا أنه قد أفصح عن هذه الأسباب في مذكرات دفاعه وهي تتمثل فيما ساقه من أسباب للتدليل بها على ترجيح المطعون في ترقيتهم على المدعي في الكفاية والصلاحية للوظائف المرقى إليها، ثم قالت المحكمة إن المدعي قد تدرج في عدة وظائف حكومية حتى وصل إلى الوظائف الرئيسية بكفاية بعد أن اكتسب فيها تجربة ومراناً طويلاً في النواحي الإدارية والفنية، وقام في سنى خدمته بعدة خدمات للمصلحة العامة، وليس فيما ذكره الديوان عن المطعون في ترقيتهما ما يرجحهما عن المدعي للترقية. كما أنه لا محل للقول بأن المدعي حاصل على شهادة هندسية، وأن هذا المؤهل لا يمكن الاستفادة منه في أعمال الديوان وقد عين المدعي فيه سنة 1943 وكان موظفاً كبيراً بالدرجة الثانية ورقي للأولى ثم لمدير عام (ب) ثم إلى مدير عام ( أ ) ولم ينسب إليه أي تقصير في عمله، ولم يكن مؤهله حائلاً بينه وبين تقلد أي وظيفة يوكل إليه عملها؛ ومن ثم فلا يمكن القول بعد هذا المران الطويل في الديوان والتدرج في وظائفه العليا بأنه لا يصلح للترقية لمجرد أنه حاصل على مؤهل معين. وخلص الحكم المطعون إلى أنه بالتطبيق للقوانين واللوائح التي كان معمولاً بها قبل صدور قانون التوظف، بل وفي ظل هذا القانون ذاته، فإن الترقية إلى الدرجة الأولى فما فوقها غير مقيدة بقيد زمني وتتم كلها بالاختيار، وقد رقي المدعي إلى درجة مدير عام (ب) فمدير عام ( أ ) دون المطعون في ترقيتهما، وهذا الاختيار مفروض فيه أنه يستند إلى كفاية المدعي، فلا محل بعد ذلك إلى أن يرقى ديوان المحاسبة المطعون في ترقيتهما من مدير عام (ب) إلى وكيل مساعد للديوان، في الوقت الذي لم ير ترقيتهما إلى مدير عام ( أ ) بل رقي المدعي من دونهما. وعلى فريضة أن القرار المطعون فيه قد جاء خالياً من الأسباب دون اعتداد بما أفصح عنه الديوان، فإنه يكون مشوباً بإساءة استعمال السلطة لانحرافه عن روح القانون وهدفه، وذلك بإيثار مرشح على آخر دون سبب واضح أو كفاية ظاهرة. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم مؤسساً طعنه أصالة على الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر هذه المنازعة بالتطبيق لما أدخله القانون رقم 73 لسنة 1957 على المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، واحتياطياً برفض الدعوى موضوعاً اتباعاً لما أقره مجلس الوزراء من قاعدة اقترحتها اللجنة المالية وصدرت على مقتضاها ميزانية الدولة عن سنة 1953/ 1954 مفادها أن لا تشغل درجات الكادر الإداري بديوان المحاسبة سواء بالنقل أو بالتعيين إلا بالحاصلين على المؤهلات المتفقة وطبيعة عمل الديوان وهي بكالوريوس التجارة وليسانس الحقوق، والعمل على إحلال حملة هذين المؤهلين محل الموجودين بالفعل من ذوي المؤهلات الأخرى التي لا تتفق مع أعمال الديوان ومن غير ذوي المؤهلات؛ ذلك أن وظيفة الوكيل المساعد للديوان، وهي وظيفة رئيسية هامة ذات إشراف على جميع أعماله، تكون متميزة بطبيعتها حيث تتطلب فيمن يشغلها أن يكون على ثقافة قانونية أو حسابية معينة، أي أن يكون حاصلاً على ليسانس في الحقوق أو على بكالوريوس في التجارة، والمطعون عليه لا يحمل أياً من المؤهلين، بل هو من الحاصلين على مؤهل هندسي، وكان على الديوان بالتالي أن يستبعده من شغل هذه الوظيفة وأن لا يدخله في مجال الاختيار للتعيين فيها عن طريق الترقية. ويكون اختيار الجهة الإدارية للتعيين في وظيفة وكيل مساعد للديوان قد قام على أساس سليم من القانون وفي حدود سلطة الإدارة التقديرية، بما لا معقب عليه من الرقابة القضائية؛ وإذ ذهب الحكم المطعون مذهباً آخر يكون قد أخطأ في تفسير القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم إن الحكم المطعون فيه، إذ قضى بإلغاء القرار محل المنازعة فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة الوكيل المساعد لديوان المحاسبة، قد أقام قضاءه على أساس أنه ولئن كانت الترقية بالاختيار هي في الأصل من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة بما لا معقب عليها من القضاء الإداري، ما دام خلا هذا التقدير من إساءة استعمال السلطة، إلا أن هذا الاختيار يجد حده الطبعي في أنه لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان هذا الأخير هو الأصلح، وعلى ما حصله الحكم بعد المقارنة بين المدعي وزميليه المطعون عليهما من واقع حياتهما الوظيفية، على هدي الأوراق وملفات الخدمة، أنه لا يقل كفاية وصلاحية عنهما لوظيفة الوكيل المساعد للديوان؛ فيكون تركه في الترقية - على ما ذهب إليه الحكم - قد وقع مخالفاً لروح القانون.
ومن حيث إنه قد فات الحكم المطعون فيه أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن إلا إذا توافر ذلك فيهم جميعاً، فلا يرقى مثلاً مهندس حيث تتطلب الوظيفة قانونياً أو محاسباً، أو يرقى كيميائي حيث تتطلب الوظيفة مهندساً، أو مجرد مهندس حيث تتطلب الوظيفة تخصيصاً في نوع معين من الهندسة وهكذا؛ ذلك أن تخصيص الوظائف وتمييزها إنما يقوم على أساس من المصلحة العامة بما يكفل سير المرفق على الوجه الأمثل، وقد يستفاد هذا التخصيص والتمييز من تحديد الميزانية وأوصافها أو من قاعدة تنظيمية عامة مقررة في هذا الشأن. ولما كانت أعمال ديوان المحاسبة بحسب قانون إنشائه ولائحته الداخلية يغلب عليها إما الطابع الحسابي أو الطابع القانوني، وأن التأهيل الطبعي لوظائفه هو الثقافة القانونية أو الحسابية، فقد اقترحت اللجنة المالية بناءً على توصية ديوان الموظفين في مذكرتها لمجلس الوزراء عند إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 1953/ 1954 "بألا تشغل درجات الكادر الإداري بديوان المحاسبة سواء بالنقل أو بالتعيين إلا بالحاصلين على المؤهلات المتفقة وطبيعة عمل الديوان وهي بكالوريوس التجارة وليسانس الحقوق والعمل على إحلال حملة هذين المؤهلين محل الموجودين بالفعل من ذوي المؤهلات الأخرى التي لا تتفق مع أعمال الديوان ومن غير ذوي المؤهلات"، وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك؛ وبهذا اصطبغت الوظائف الإدارية بالديوان بطبيعة متميزة منذئذٍ، بحيث أصبح لا يجوز شغل ما يخلو منها بعد ذلك إلا بمن كان حاملاً لبكالوريوس التجارة أو ليسانس الحقوق, وهو ما ليس متوافراً في المدعي.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، فيتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر هذه الدعوى، وباختصاصه بنظرها، وفي موضوع الطعن بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بمصروفاتها.