مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 18

(2)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 648 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً أن يقوم بعمل دائم، في خدمة مرفق عام، يدار بطريق الاستغلال المباشر.
(ب) اختصاص - مطالبة المدعي بتطبيق قواعد الإنصاف عليه - ثبوت أنه يقبض مرتبه من وزارة الأوقاف بحسبانها حارساً قضائياً على أعيان الأوقاف الأهلية لا من موارد ميزانية الوزارة - اعتبار العلاقة بينهما من علاقات القانون الخاص لا العام - خروج الدعوى عن اختصاص القضاء الإداري.
1 - لكي يعتبر الشخص موظفاً عاماً، خاضعاً لأحكام الوظيفة العامة، التي مردها إلى القوانين واللوائح، يجب أن تكون علاقته بالحكومة لها صفة الاستقرار والدوام في خدمة مرفق عام تديره الدولة بالطريق المباشر أو بالخضوع لإشرافها، وليست علاقة عارضة تعتبر، في حقيقتها، عقد عمل يندرج في مجالات القانون الخاص. فالموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم، في خدمة مرفق عام، تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق؛ ومن ثم يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً توافر شرطين: أن يكون قائماً بعمل دائم، وأن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة. ويقابل تنوع المرافق العامة من حيث الطبيعة، تنوع من حيث طرق الإدارة، ولطريقة الإدارة أثرها في التعرف على المركز القانوني لعمال المرافق العامة، ولكي يكتسب عمال المرافق العامة صفة الموظف العمومي يجب أن يدار المرفق العام عن طريق الاستغلال المباشر.
2 - إن ولاية وزارة الأوقاف على أعيان الأوقاف الأهلية ولاية موقوتة، فما هي إلا حارس قضائي يدير أعيان هذه الأوقاف لوقت قد يطول أو يقصر في بعض الأحيان حسب الأحوال. فمتى ثبت أن المركز القانوني للمطعون عليه مرده إلى عقد اتفاق خاص بينه وبين وزارة الأوقاف بحسبانها متولية إدارة الوقف الأهلي وتحصيل ريع الأعيان الموقوفة، وليس إلى موارد ميزانية الوزارة العامة ومزايا الوظيفة فيها حسبما تنظمه القوانين واللوائح، فإن العلاقة بينهما لا تعدو مجال القانون الخاص، ويكون بمثابة أجير، لا يدخل وصفه في مجال القانون العام، ولا يعتبر بالتالي من الموظفين العامين الذين يحق لهم الإفادة من قواعد الإنصاف، التي شرعت ليفيد منها فقط الموظفون والخدمة الخارجون عن هيئة العمال؛ ومن ثم لا يختص مجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، بالمنازعة التي يطلب فيها إفادته من قواعد الإنصاف.


إجراءات الطعن

في 4 من مارس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الحكومة بالإسكندرية بجلسة 7 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 240 لسنة 3 القضائية المقامة من علي عبد المنعم أحمد ضد وزارة الأوقاف، والذي قضى: "باستحقاق المدعي لمرتب 3 ج شهرياً من تاريخ العمل بقواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف فروق المرتب وإعانة الغلاء من هذا التاريخ، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم، وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن لوزارة الأوقاف في 24 من مايو سنة 1956، وللمطعون عليه في 28 من مايو سنة 1956، ولم يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وقد أبلغا في 7 من أكتوبر سنة 1957 بتاريخ جلسة المرافعة في 19 من أكتوبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي أقام دعواه بصحيفة أودعت سكرتارية المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 10 من يناير سنة 1956، وطلب فيها الحكم باستحقاقه لمرتب قدره ثلاثة جنيهات شهرياً ابتداءً من 30 من يناير سنة 1944، تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في هذا التاريخ مع صرف الفروق المستحقة له، وتثبيت إعانة الغلاء على مرتب الثلاثة الجنيهات من 5/ 8/ 1947 تاريخ قرار مجلس الوزراء إلى الآن. وقال شرحاً لدعواه إنه عين بواباً بوزارة الأوقاف عام 1934 بمرتب قدره 1 ج و250 م شهرياً، ثم ارتفع أجره بالعلاوات الدورية حتى بلغ الآن ثلاثة جنيهات. ولكن وزارة الأوقاف لم تطبق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 بإنصاف المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال واعتبار مرتبه ثلاثة جنيهات من تاريخ قرار الإنصاف، بالرغم من أن الوزارة لم تنفذ قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 الخاص بمنح المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال إعانة غلاء وتثبيتها على مرتب 3 ج من أول مارس سنة 1950، وكان على وزارة الأوقاف تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/ 8/ 1947 بإعفاء جميع الخدم الخارجين عن هيئة العمال من قيود تثبيت إعانة الغلاء بالنسبة فقط لمن اقتصر انتفاعهم من قواعد الإنصاف على تكملة المرتب إلى ثلاثة جنيهات، وذلك بمنح إعانة الغلاء الخاصة بهم على أساس هذه الماهية بالفئات الجديدة, ويكون الصرف من تاريخ 5/ 8/ 1947. وقالت وزارة الأوقاف رداً على صحيفة الدعوى إن المدعي عين في خدمة الوزارة بوظيفة بواب خارج الهيئة وبلا درجة بربط ثابت، حيث إن وظائف البوابين مرتبة بالميزانية بلا درجات بربط ثابت قدر حسب نوع العمل الذي يقومون به، وذلك من 2/ 10/ 1933 بماهية شهرية قدرها 2 ج، ومنح علاوة استثنائية فبلغت ماهيته 2 ج و250 م من أول نوفمبر سنة 1942، ثم زيدت ماهيته بمقدار الربع، ثم منح علاوة استثنائية من أول مايو سنة 1948 فبلغت ماهيته 12 م و3 ج. وبجلسة 7 من فبراير سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية بالإسكندرية: "باستحقاق المدعي لمرتب ثلاثة جنيهات شهرياً من تاريخ العمل بقواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف فروق المرتب وإعانة الغلاء من هذا التاريخ، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات". وأسست قضاءها على أن البند التاسع عشر من كتاب وزارة المالية الدوري رقم ف 234 - 1/ 302 المؤرخ 6/ 9/ 1944 بشأن تنفيذ قواعد الإنصاف لبعض طوائف الموظفين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال قد نص فيما يتعلق بالخدمة الخارجين عن هيئة العمال على أن الموجودين منهم الآن بالخدمة بماهية تقل عن ثلاثة جنيهات ترفع ماهياتهم إلى هذا القدر. وما دام أن المدعي قد التحق بالخدمة في 20/ 10/ 1933 فإنه يفيد من هذه القواعد ويتعين الحكم له بما طلب.
ومن حيث إن الذي جاء بأسباب هذا الطعن أنه لا شبهة في أن من حق المدعي، بوصف أنه من المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال، الإفادة من الحكم الوارد بقواعد الإنصاف في شأن هذه الفئة من المستخدمين، والذي قرر حداً أدنى لمرتباتهم لا يقل عن ثلاثة جنيهات، على أن ذلك منوط بطبيعة الحال بتوفر الاعتماد المالي اللازم لمواجهة تكاليف تنفيذ هذا الحكم، ومن ثم يكون طلب المدعي برفع راتبه إلى الحد السالف ذكره، مع ما يترتب على ذلك من فروق مالية عن المدة السالفة لتاريخ تقرير الاعتماد المذكور، لا أساس له من القانون.
ومن حيث إن هذه المنازعة تثير، بادئ ذي بدء، بحث ما إذا كانت العلاقة بين الحكومة والمطعون عليه هي علاقة تنظيمية عامة تحكمها القوانين واللوائح مما يدخل في روابط القانون العام، فيحق له بهذه المثابة الإفادة من قواعد الإنصاف، ويختص مجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، بالمنازعة الخاصة بذلك طبقاً للمادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955، أم أن تلك العلاقة ليست كذلك، بل هي عقد عمل، مما يندرج في روابط القانون الخاص؛ ومن ثم لا تنطبق في شأنه هذه القواعد كما لا يختص المجلس بنظرها.
ومن حيث إنه لكي يعتبر الشخص موظفاً عاماً، خاضعاً لأحكام الوظيفة العامة، التي مردها إلى القوانين واللوائح، يجب أن تكون علاقته بالحكومة لها صفة الاستقرار والدوام, في خدمة مرفق عام, تديره الدولة بالطريق المباشر أو بالخضوع لإشرافها، وليست علاقة عارضة تعتبر، في حقيقتها، عقد عمل يندرج في مجالات القانون الخاص. فالموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم، في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق؛ ومن ثم يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً توافر شرطين: أن يكون قائماً بعمل دائم، وأن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة. ويقابل تنوع المرافق العامة من حيث الطبيعة، تنوع من حيث طرق الإدارة، ولطريقة الإدارة أثرها في التعرف على المركز القانوني لعمال المرافق العامة، ولكي يكتسب عمال المرافق العامة صفة الموظف العمومي, يجب أن يدار المرفق العام عن طريق الاستغلال المباشر.
ومن حيث إنه بان للمحكمة من الاطلاع على الأوراق أن المطعون عليه قد عين في 5 من أكتوبر سنة 1933 بواباً بعمارة وقف ممتاز الأهلي بمرتب 125 قرشاً في الشهر، وذلك على حساب الوقف المذكور من تاريخ التحاقه بالعمل، ثم نقل في شهر أكتوبر سنة 1935 إلى وقف الخازندارة بمصر بمرتب 2 ج شهرياً، ثم عاد في نوفمبر سنة 1935 إلى وظيفة بواب بالمنزل رقم 17 وقف حسن بك عبد الله بالإسكندرية، وزادت العلاوات من قدر المرتب حتى بلغ 3 ج و12 م من أول مايو سنة 1948. وعلى ضوء هذه البيانات المستقاة من ملف خدمة المطعون عليه يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا تربطه بالوزارة صلة استخدام، ولا يشغل وظيفة داخلة في الهيئة أي تندرج في التنظيم الإداري الخاص بوزارة الأوقاف. ومن المسلم به أن ولاية الوزارة على أعيان الأوقاف الأهلية ولاية موقوتة، فما هي إلا حارس قضائي يدير أعيان هذه الأوقاف لوقت قد يطول أو يقصر في بعض الأحيان حسب الأحوال.
ومن حيث إن المركز القانوني للمطعون عليه مرده إلى عقد اتفاق خاص بين هذا الأخير ومن يتولى إدارة الوقف الأهلي وتحصيل ريع الأعيان الموقوفة، وليس إلى موارد ميزانية الوزارة العامة ومزايا الوظيفة فيها حسبما تنظمه القوانين واللوائح، والعلاقة بينهما لا تعدو مجال القانون الخاص، فهو بمثابة أجير، لا يدخل وصفه في مجال القانون العام. فلا يعتبر المطعون عليه من الموظفين العامين الذين يحق لهم الإفادة من قواعد الإنصاف، وقد شرعت ليفيد منها فقط الموظفون والخدمة الخارجون عن هيئة العمال، حتى يختص مجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، بالمنازعات الخاصة بذلك.
ومن حيث إنه لما تقدم، يكون الحكم المطعون فيه، إذا قضى بتطبيق قواعد الإنصاف على المطعون عليه بوصفه موظفاً عاماً، قد جاء مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه، والقضاء بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وألزمت المدعي بمصروفاتها.