مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 24

(3)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 1703 لسنة 2 القضائية

( أ ) استقالة - قرارا مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بتسهيل اعتزال الخدمة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى عند توافر شروط معينة - صدورهما بدافع من المصلحة العامة - اعتزال الخدمة على أساسهما هو عملية إدارية تثار بطلب يقدمه الموظف وتتم بموافقة مجلس الوزراء على أساس تحقيق كافة المزايا المبينة في القرارين سالفي الذكر، لا بمزايا أقل - حق مجلس الوزراء في إنهاء خدمة الموظف، بالتطبيق للمادة 107/ 6 من قانون نظام موظفي الدولة، عملية إدارية أخرى تتم بشروطها وأوضاعها.
(ب) استقالة - مدة الخدمة التي تضاف للموظف المستقيل إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - اعتبارها بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته.
(ج) استقالة - تقديمها إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - قبول مجلس الوزراء لهذه الاستقالة رغم عدم استكمال مقدمها لمدة الخمس عشرة سنة المطلوبة لاستحقاق المعاش - صحيح قانوناً - لمجلس الوزراء منح معاشات استثنائية طبقاً لقانون المعاشات، فلا تثريب عليه في استعمال سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة على أساس القرارين سالفي الذكر.
(د) استقالة - الإكراه المفسد لرضاء المستقيل - وجوب أن يبعث الرهبة بوسائل غير مشروعة ولغاية غير مشروعة.
(هـ) استقالة - قرارا مجلس الوزراء في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، والقانون رقم 600 لسنة 1953 - استهدافها في النهاية غاية واحدة هي إصلاح الأداة الحكومية - تلويح الوزارة بتطبيق هذا القانون على الموظف في مناسبة إقناعه بالاستقالة إعمالاً للقرارين سالفي الذكر - القول بانطوائه على انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها - في غير محله ما دامت تلك التنظيمات الثلاثة تستهدف أغراضاً واحدة.
1 - في 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي: "بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك". وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره وهي "الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية". ثم أصدر المجلس في 25 من نوفمبر سنة 1953 قراراً مكملاً للأول وذلك بالموافقة "على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة، مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش". ويبين من ذلك أن اعتزال الخدمة على مقتضى القرارين سالفي الذكر هو عملية إدارية، تثار بطلب يقدمه موظف من الدرجة الثانية فأعلى، خلال مدة الستين يوماً المشار إليها، وأن رابطة التوظف لا تنقطع إلا بموافقة مجلس الوزراء. وغني عن البيان أن اعتزال الخدمة على هذا الأساس لا يتم إلا إذا كانت موافقة مجلس الوزراء بقبول طلب اعتزال الخدمة تحقق للموظف جميع المزايا المبينة في القرارين الآنف ذكرهما، فلا يملك مجلس الوزراء أن يعزله من الخدمة على أساس القرارين المنوه عنهما بمزايا أقل مما جاء بهما، وإن كان ليس ثمة مانع من أن يوافق على اعتزاله الخدمة بمزايا أكثر إذا كان ذلك من سلطته طبقاً للقوانين واللوائح. كما له من الناحية الأخرى أن ينهي الخدمة على غير الأساس المتقدم ذكره مستعملاً في ذلك سلطاته الأخرى بالتطبيق للقوانين واللوائح، كالمادة 107 فقرة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وتلك عندئذٍ تكون عملية إدارية أخرى بشروطها وأوضاعها الخاصة بها.
2 - إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 صريح في إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، بما لا يترك مجالاً لأي شك في أن هذه المدة تعتبر بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته بالتطبيق لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953؛ ومن ثم فلا وجه لما ينعاه الطعن على قرار مجلس الوزراء الصادر بقبول طلب اعتزال المدعي للخدمة من مخالفته للقانون؛ بمقولة إنه يشترط لتطبيق قراري مجلس الوزراء سالفي الذكر، أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد بغير حساب المدة المضمومة كلها أو بعضها، وهذا المعاش لا يستحق إلا إذا كان قد استكمل خمساً وعشرين سنة في الخدمة، أو بلغ سن الخمسين بعد قضاء خمس عشرة سنة كاملة فيها، وهو ما لم يتوافر في حق المدعي؛ إذ ما كان قد استكمل سوى 1 يوم 11 شهر 24 سنة.
3 - لمجلس الوزراء أن يقرر، لأسباب يكون تقديرها موكولاً إليه، منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاش للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة، وذلك بالتطبيق للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، فلا تثريب عليه إن هو استعمل سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة إعمالاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، بقبول طلب اعتزال الخدمة المقدم على أساسهما، رغم أن مقدمها لم يستكمل مدة الخمس عشرة سنة التي يتطلبها القانون لاستحقاق المعاش.
4 - يجب لكي يكون ثمة إكراه مفسد للرضا أن تبعث الرهبة بغير حق، أي بوسائل غير مشروعة، ولغاية غير مشروعة؛ ومن ثم فلا تثريب على الإدارة - وهي في مقام تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 - إن هي بصرت موظفاً ممن يعنيهم هذان القراران بالمزايا التي يفيد منها لو أنه اعتزل الخدمة بالتطبيق لأحكامهما، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن؛ إذ الإدارة في مسلكها هذا لم تتخذ وسائل غير مشروعة أو تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح وتحقيق المصلحة العامة المقصودة منها، وهي مخاطبة بمقتضى القرارين المذكورين للعمل على تحقيق أغراضهما. فما تتخذه من موقف قبل موظف بمناسبة تطبيقهما يكون - والحالة هذه - مشروعاً في الوسيلة والغاية معاً. ولا يغير من هذا النظر التبصير في الوقت ذاته باحتمال التعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953، الذي ينطوي على مزايا أقل، ويجعل الموظف في مركز أسوأ لو طبق في حقه؛ لأن ذلك لو صح من جانب الإدارة يكون أيضاً في ذاته مسلكاً مشروعاً في وسيلته وغايته، ما دام هو قانوناً من قوانين الدولة الواجبة التطبيق.
5 - إن قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 وكذلك القانون رقم 600 لسنة 1953، هي جميعها من التنظيمات العامة التي استهدفت في النهاية غاية واحدة، هي إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها، وهو ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر؛ إذ ربطت بينها جميعاً في الغاية والغرض؛ ومن ثم فلا يمكن القول بأن تلويح الوزارة لموظف بتطبيق هذا القانون ضده في مناسبة إقناعه بالاستقالة، تطبيقاً لقراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، هو انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها، ما دامت تلك التنظيمات تستهدف في النهاية أغراضاًً واحدة.


إجراءات الطعن

في 29 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1703 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 30 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 7153 لسنة 8 القضائية المقامة من: حليم جرجس رزق الله ضد كل من: (1) رياسة مجلس الوزراء (2) وزارة التجارة والصناعة، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات، ورفض ما عدا ذلك من طلبات". وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من رياسة مجلس الوزراء ووزارة التجارة والصناعة في 20 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 28 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 23 من فبراير سنة 1957. وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة مذكرة مؤرخة 26 من سبتمبر سنة 1956 تمسك فيها بما ورد في مذكراته السابق تقديمها إلى محكمة القضاء الإداري، ولم تقدم الجهة الإدارية مذكرات ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وقد تداول نظر الطعن في عدة جلسات، سمعت المحكمة فيها ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1957 قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 7153 لسنة 8 القضائية ضد كل من رياسة مجلس الوزراء ووزارة التجارة والصناعة أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 4 من مايو سنة 1954، طلب فيها "الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش، مع إلزام المعلن إليهما بصفتهما بأن يدفعا إلى الطالب مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض، وذلك مع إلغاء ما ترتب عليه من آثار ونتائج. واحتياطياً الحكم بإلزام المعلن إليهما بأن يدفعا إلى الطالب مبلغ خمسة عشر ألف جنيه على سبيل التعويض المادي والأدبي، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، مع حفظ حقوق الطالب من مختلف الأنواع". وأورد بياناً لدعواه في عريضتها وفي مذكراته الشارحة والتكميلية والختامية، أنه علم أن مجلس الوزراء أصدر في 30 من ديسمبر سنة 1953 قراراً بإحالته إلى المعاش بناءً على استقالة أكره على تقديمها؛ إذ أنه لم يطلب اعتزاله الخدمة عن رغبة صحيحة ورضاء حر طليق، بل أجبر على ذلك تحت ضغط الإدارة وإرهاب معدم للرضا بدافع إساءة استعمال السلطة، الأمر الذي يجعل قرار إحالته إلى المعاش باطلاً وبمثابة الفصل المخالف للقانون؛ ذلك أنه كان موظفاً مثالياً محسوداً من أقرانه ومنافسيه الذين دبروا له المكائد بعد إذ وصل إلى منصب مدير إدارة التبادل التجاري بالدرجة الثانية الفنية بمصلحة التجارة بوزارة التجارة، وأصبح المرشح الأول لتولي منصب وكيل عام مصلحة التجارة، فبينما كان يقضي إجازته السنوية إذا به يتلقى كتاباً مؤرخاً 3 من ديسمبر سنة 1953 من مدير عام مصلحة التجارة يستدعيه فيه لمقابلته حيث أفهم بأن يضع تحت تصرف السيد وزير التجارة طلباً باعتزال الخدمة أسوة بسائر زملائه موظفي الدرجة الثانية فما فوق حتى لا يحرج المراد إخراجهم من الخدمة، على أن يكون هذا الطلب غير مشروط بشرط سوى التماس المعاملة بأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 بتيسير اعتزال كبار الموظفين الخدمة مع ضم سنتين لمدة خدمتهم. وقد رفض بادئ ذي بدء الانصياع إلى هذا الأمر لكون تيسير الإحالة إلى المعاش بمقتضى هذين القرارين اختيارياً، بيد أنه لم يسعه إلا الإذعان له كارهاً، بعد إذ لوح له المسئولون بالوزارة بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 عليه إذا مضى في رفضه، وتحت تأثير هذا الوعيد قدم إلى السيد الوزير في 29 من ديسمبر سنة 1953 طلباً باعتزاله الخدمة، وافق عليه مجلس الوزراء في 30 منه بعد أن شفعته مراقبة الإدارة العامة بالوزارة بمذكرة للمجلس أوصت فيها بقبول هذا الطلب ولو أنه لا تنطبق عليه الشروط الواردة في قراري مجلس الوزراء الخاصين بتيسير اعتزال كبار الموظفين الخدمة، الأمر الذي ينبئ عن رغبة الوزارة في التنكيل به. وقد تظلم إلى الجهات الرئيسية وإلى السيد الوزير من قرار الموافقة على اعتزاله الخدمة ملتمساًً إعادة عرض الأمر على مجلس الوزراء للنظر في إلغاء هذا القرار، فردت عليه الوزارة في 6 من مارس سنة 1954 بأن طلب اعتزاله الخدمة لم يشمل اعتراضاً صريحاً أو ضمنياً يستفاد منه أن إكراهاً قد حمله على تقديمه؛ ومن ثم فإنه يكون قد صدر طواعية تحقيقاً لرغبته؛ إذ لم يكن هناك ما يحول بينه وبين الامتناع عن التقدم به. وقد اعترض على هذا الرد بكتاب في 12 من إبريل سنة 1954 فصل فيه وقائع الإكراه وبواعثه الصادرة عن الرغبة في حرمانه من الترقية إلى الدرجة الأولى المخصصة لوكيل مصلحة التجارة والتي كانت شاغرة وقتذاك بتقاعد صاحبها. ومجمل القول إن الإدارة تذرعت بالحيلة والإكراه حتى حملته جبراً على تقديم طلب باعتزال الخدمة، انتزعته منه في وقت غير ملائم وهو في سن السابعة والأربعين، مع اتصافه بالكفاية والجدارة والصلاحية التامة في ولاية وظيفته وسنوح الفرصة أمامه في الفترة الطويلة الباقية على بلوغه سن التقاعد للتقدم في مدارج الترقي إلى أعلى الدرجات. ثم صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 بإحالته إلى المعاش بناءً على تلك الاستقالة المغتصبة، دون باعث من الصالح العام، بل بوحي من إساءة استعمال السلطة وكيد من حساده والطامعين في مركزه ودرجته بعد أن عجزوا عن إلغاء ترقيته إلى الدرجة الثانية وهالهم ترشيحه لمنصب وكيل عام مصلحة التجارة الذي كان سيخلو وشيكاً والمخصصة له الدرجة الأولى. وقد عمدت الجهة الإدارية إلى إدخال الغش على مجلس الوزراء حتى أصدر قراره هذا بقبول طلب غير مستوف للشروط؛ إذ لم يكن المدعي ممن يسري عليهم اعتزال الخدمة على الصورة الواردة في قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 لعدم بلوغه الخمسين من عمره وعدم قضائه خمساً وعشرين سنة كاملة في الخدمة، ولم يكن مستحقاً لمعاش قانوني طبقاً لقانون المعاشات، ولم تكن له مصلحة قط تحمله على اعتزال الخدمة وهو في مقتبل العمر، وتشهد صفحاته في جميع المناصب التي تولاها بما يمتاز به من كفاية وجدارة وأمانة، وأمامه فرص للترقي مفتوحة في بحر الثلاث عشرة سنة الباقية له لبلوغه سن الستين، وإنما هو التهديد الذي سلط عليه فأرهبه وأرغمه على الإذعان لتقديم استقالته إنقاذاً لسمعته ومستقبله بعد إذ صدر القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي لوح له بتطبيقه في حقه، والذي كان ليدمغه بعدم الصلاحية لوظيفته ويحرمه من التقاضي أمام جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها. وقد كان هذا التهديد جدياً ومؤثراً في نفسه لصدوره من المسئولين في الوزارة الذين يملكون الاقتراح والتوصية بفصل الموظفين بالتطبيق للقانون المشار إليه، ولو أن قرار الإحالة إلى المعاش ذاته لا يصدر إلا من مجلس الوزراء. وإزاء هذا لم يكن في وسعه إلا أن يختار أهون الضررين، إلا أن الإرادة التي صدرت عنه في طلب اعتزال الخدمة الذي تقدم به لم تكن حرة مختارة، بل كانت إرادة فاسدة مشوبة بعيب الإكراه، ومنهارة أمام صرامة القانون رقم 600 لسنة 1953. وقد أصابه من جراء ذلك ضرر أدبي وضرر مادي، هو قيمة الفرق بين مرتبه في الخدمة لو بقي بها وتدرج في مراتب الترقي وبين معاشه الذي قرر له.
ومن حيث إن وزارة التجارة ردت على هذه الدعوى بأن اعتزال المدعي للخدمة جاء بناءً على طلبه، وأن القرار الخاص بإحالته إلى المعاش قد بلغ إليه، كما أرسل إليه خطاب مسجل لموافاة الوزارة بالطلب الخاص بربطه معاشه، وأنه لا أساس من الصحة لما يدعيه من وقوع إكراه عليه في تقديم طلب اعتزاله الخدمة.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) قضت بجلسة 30 من مايو سنة 1956 "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات"؛ مؤيدة في ذلك ما انتهى إليه رأي مفوض الدولة أمامها في تقريره الذي ذهب فيه إلى أنه وإن كانت المدة التي قضاها المدعي وقت قبول استقالته تقل عن خمس وعشرين سنة كاملة، إلا أن المادة 38 من قانون المعاشات تخول مجلس الوزراء منح معاشات استثنائية لمن يفصل من الموظفين من الخدمة أو من يحال منهم إلى المعاش. ولما كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، قد قضى بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش، كما أضاف قرار المجلس الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 إدخال ماهيات المدة المضمومة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، فإنه بإعمال أحكام هذين القرارين يصبح مجموع مدة خدمة المدعي ستاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً ويوماً واحداً، وتكون مدة خدمته بالتالي متفقة وأحكام المادة 13 من قانون المعاشات. أما الإكراه فإن عناصره غير متوفرة؛ إذ أن مجرد مطالبة المدعي بتقديم استقالته من الخدمة، والإلحاح في هذا الطلب، أو التلويح بتطبيق أحد قوانين الدولة وهو القانون رقم 600 لسنة 1953، كل ذلك لا يرقى إلى مرتبة الإكراه المفسد للرضا. وأضافت المحكمة أن استدعاء وكيل الوزارة للمدعي من إجازته على فرض ثبوته، وتكليفه تقديم استقالته، واضطرار وكيل الوزارة إزاء رفضه الاستجابة إلى هذا الطلب في بادئ الأمر إلى توسيط رؤساء آخرين للمدعي لمعاودة نصحه بتقديم الاستقالة والتلويح له بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، كل ذلك، بفرض صحته، لا يبلغ منزلة التهديد والإيحاء بخطر محدق وشيك الوقوع على النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ولا يصل إلى الجسامة التي تبعث بدون حق فيمن هو في مثل حالة المدعي وسنه ومركزه رهبة تضغط على إرادته فتفسدها بحيث تجعله مسلوب الحرية لا اختيار له فيما أراد.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من يوليه سنة 1956، طلب فيها الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات، ورفض ما عدا ذلك من طلبات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يتضح من قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 من نوفمبر سنة 1953 و25 من نوفمبر سنة 1953 أن حساب المدة المضافة إلى المعاش لا يتحقق إلا إذا أجاز مجلس الوزراء اعتزال الخدمة بالشروط الواردة في قراره الأول، فلا يصح بداهة أن تدخل في الحساب عند فحص شروط اعتزال الخدمة طبقاً لهذا القرار المدة المضافة؛ إذ أن حسابها أثر لتوافر شروط القرار المذكور؛ ومن ثم يكون في غير محله التحدي في هذا الخصوص بسلطة مجلس الوزراء في منح المعاشات الاستثنائية طبقاً للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929. هذا إلى أن المستفاد من قرار 4 من نوفمبر سنة 1953 المشار إليه أنه يشترط لتطبيقه أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد؛ ذلك أن اعتزال الخدمة مع حفظ الحق في المعاش لا يجوز طبقاً للمادة 58 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 إلا إذا كان الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد، وهو لا يستحق هذا المعاش وفقاً للمادة 13 من هذا المرسوم بقانون إلا بعد مضي خمس وعشرين سنة كاملة في الخدمة أو عند بلوغه الخمسين من عمره مع قضائه خمس عشرة سنة كاملة في الخدمة. ولما كان الثابت أن المدعي وقت قبول طلب اعتزاله الخدمة لم يكن قد استكمل هذه المدد، فإنه لا تكون قد توافرت في طلبه شروط قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، مما يترتب عليه اعتبار استقالته مقترنة بشرط، وبهذا الوصف تعتبر كأن لم تكن بالتطبيق لحكم المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ويكون قرار قبولها مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه؛ ومتى قضي بهذا الإلغاء وما يترتب عليه من آثار فلا يكون ثمة وجه لما يطلبه المدعي من تعويض مع الإلغاء. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المطعون لصالحه أودع سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة مؤرخة 26 من سبتمبر سنة 1956 تمسك فيها بما ورد في أقواله ومذكراته أمام محكمة القضاء الإداري في خصوص الإكراه الذي شاب تقديم استقالته وأبطل قرار مجلس الوزراء الصادر بقبولها، وذلك بالإضافة إلى السبب الوارد في تقرير طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة، وكذا بطلباته السابق إبداؤها أمام المحكمة المشار إليها. وبعد حجز القضية للحكم، قدم مذكرة أخرى ردد فيها دفاعه السابق على نحو مفصل تناول فيه ماضيه في خدمة الحكومة وبيان السر في العمل على إخراجه من الخدمة بعد محاولة عرقلة ترقيته وتصدي منافس له من الخارج في وظيفته، والتجاء هذا المنافس إلى القضاء لإلغاء ترقيته، مما أثار حفيظة منافسيه وحقدهم عليه، ذلك الحقد الذي أذكته شكواه للسيد الوزير من التواء تصرفات مصلحة التشريع ومراقبة الإدارة العامة، ثم بسط الإجراءات التي اتبعت معه لحمله على اعتزال الخدمة، التي بدأت باستدعائه من إجازته السنوية، ورفضه الإذعان لما طلب منه وإصراره على ذلك، إلى أن صدر القانون رقم 600 لسنة 1953، الذي استعمل وسيلة لزيادة الضغط عليه بالتهديد بتطبيقه في حقه وفصله بمقتضاه بغض النظر عن صلاحيته للوظيفة؛ وذلك للخلاص من التحقيق المطلوب إجراؤه بوساطة مجلس الدولة في موضوع شكواه، ولإخلاء درجته للطامعين فيها، وتنحيته عن الدرجة التي كان سيرقى إليها لكي يحل فيها أحد منافسيه. وإزاء ما أوقعته الإدارة في نفسه من رهبة لم يسعه إلا أن يتقدم بطلب اعتزاله الخدمة، بعد إذ خير بين تقديم هذا الطلب وبين أن يقع به المكروه الذي يخشاه بفصله تعسفياً بموجب القانون رقم 600 لسنة 1953 مع حرمانه من التقاضي أمام جميع المحاكم، فاختار أهون الضررين مغلوباً على أمره. واشترط في طلبه أن يعرض على مجلس الوزراء للبت فيه طبقاً للأوضاع المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء ومنشورات ديوان الموظفين الصادرة في هذا الشأن، كما أشار فيه إلى عدم استيفائه المدة، واختتمه بما يدل على شعوره بعد تهديده بالفصل بأن مجال خدمته لبلاده في وظيفته بالحكومة أصبح غير متسع له. ثم علق بعد ذلك على مسلك الحكومة أثناء سير الدعوى بامتناعها عن تنفيذ قرار المحكمة وتراخيها في تقديم بعض الأوراق وتصرفها كخصم مكابر. وناقش أسباب الحكم المطعون فيه مبيناً أن ما اتخذ حياله من إجراءات كان غير قانوني، سواء فيما يتعلق باستدعائه من إجازته وتكليفه تقديم استقالته، أو فيما يختص بالتلويح له بتطبيق أحكام القانون رقم 600 لسنة 1953 عليه، ثم إنذاره صراحة بهذا التطبيق بصرف النظر عن صلاحيته للخدمة إذا استمر في إصراره على رفض تقديم الاستقالة، الأمر الذي حمله على الرضوخ لتقديمها في 29 من ديسمبر سنة 1953، تحت تأثير هذا الوعيد الذي يعد بالنسبة إلى الصالحين من الموظفين تهديداً خطيراً لهم مفسداً لرضاهم، وهو من خيرتهم، كما يشهد بذلك ملف خدمته، وهو الوعاء الصادق لتصوير حالته. وأضاف أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من إمكانه التقاضي لإبطال ما اتخذ قبله من إجراءات، إن كان لذلك وجه، مردود بما نص عليه القانون رقم 600 لسنة 1953 من إغلاق هذا الباب، وأن عنصري الإكراه الموضوعي والنفساني قد توافرا في حالته بيقين، لما انطوى عليه القانون المذكور من خطر جسيم يبعث في النفس الرهبة ويسلبها حرية الاختيار. هذا إلى أن شروط اعتزال الخدمة غير متوافرة فيه، الأمر الذي يجعل قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 غير منطبقين عليه، كما اعترفت بذلك الوزارة في تأشيرتها على الطلب المقدم منه. يؤيد ذلك ما ورد بمذكرة وزارة المالية والاقتصاد التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953، وكذا بكتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 6 لسنة 1954؛ ذلك أن حساب المدة المضافة إلى المعاش لا يتحقق إلا إذا أجاز مجلس الوزراء اعتزال الخدمة بالشروط الواردة في قراره الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، فلا يصح أن تدخل في الحساب عند فحص شروط اعتزال الخدمة طبقاً لهذا القرار المدة المضافة؛ إذ أن حسابها أثر لتوافر شروط اعتزال الخدمة وفقاً لأحكامه؛ ومن ثم فلا وجه للتحدي في هذا الخصوص بسلطة مجلس الوزراء في منح المعاشات الاستثنائية. ولما كان الثابت أنه وقت تقديمه طلب اعتزاله الخدمة لم تكن قد توافرت فيه شروط استحقاقه لمعاش التقاعد، فإنه يكون مفتقداً لشروط تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953، مما يترتب عليه اعتبار طلبه استقالة مقرونة بشرط، وبالتالي كأن لم تكن بالتطبيق للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، الأمر الذي يبطل القرار الصادر من مجلس الوزراء بقبول هذا الطلب وإحالة المدعي إلى المعاش. ولا اعتداد بحق الحكومة المطلق في فصل موظفيها بغير الطريق التأديبي؛ لأن إحالته إلى المعاش لم تكن بناءً على هذا الحق، بل استناداً إلى طلب الاستقالة المقدم منه تحت تأثير الإكراه المفسد للرضا.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر في نقطتين: (الأولى) تكييف ماهية الطلب المقدم من المدعي إلى السيد وزير التجارة والصناعة في 29 من ديسمبر سنة 1953، الذي يرجو فيه عرض أمر اعتزاله للخدمة على مجلس الوزراء طبقاً لقراري المجلس الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 الخاصين بتيسير خروج الموظفين من الخدمة وتسوية معاشهم على هذا الأساس، وهل يعتبر طلباً باعتزال الخدمة بطريق الاستقالة العادية بالمعنى وبالشروط والقيود المبينة في المواد 110 وما بعدها من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، أم أن اعتزال الخدمة على مقتضى قراري مجلس الوزراء المشار إليهما، ولو أنه يتلاقى مع الاستقالة العادية في أن الموضوع في كل منهما يثار بطلب من جانب صاحب الشأن وتنقطع رابطة التوظف بالقرار الإداري الصادر بقبوله، إلا أن اعتزال الخدمة هذا يتميز عن الاستقالة العادية بأحكام وأوضاع خاصة هي المشار إليها في القرارين سالفي الذكر؛ فتتخصص صفته وآثاره بتلك الأحكام والأوضاع الخاصة. و(الثانية) هل شاب إرادة المدعي عند تقديم طلب اعتزال الخدمة إكراه مفسد لرضاه أم لا؟
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد أصدر مجلس الوزراء في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي "بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك"، وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره وهي "الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية". ثم أصدر المجلس في 25 من نوفمبر سنة 1953 قراراً مكملاً للأول، وذلك بالموافقة "على منح الموظفين الذين يعتزلون الخدمة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء والمعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة، مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، هذا مع مراعاة إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش...". ويبين من ذلك أن اعتزال الخدمة على مقتضى القرارين سالفي الذكر هو عملية إدارية، تثار بطلب يقدمه موظف من الدرجة الثانية فأعلى، خلال مدة الستين يوماً المشار إليها، وأن رابطة التوظف لا تنقطع إلا بموافقة مجلس الوزراء. وغني عن البيان أن اعتزال الخدمة على هذا الأساس لا يتم إلا إذا كانت موافقة مجلس الوزراء بقبول طلب اعتزال الخدمة تحقق للموظف جميع المزايا المبينة في القرارين الآنف ذكرهما، فلا يملك مجلس الوزراء أن يعزله من الخدمة على أساس القرارين المنوه عنهما بمزايا أقل مما جاء بهما، وإن كان ليس ثمة مانع من أن يوافق على اعتزاله الخدمة بمزايا أكثر إذا كان ذلك من سلطته طبقاً للقوانين واللوائح. كما له من الناحية الأخرى أن ينهي الخدمة على غير الأساس المتقدم ذكره مستعملاً في ذلك سلطاته الأخرى بالتطبيق للقوانين واللوائح، كالمادة 107 فقرة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وتلك عندئذٍ تكون عملية إدارية أخرى بشروطها وأوضاعها الخاصة بها.
ومن حيث إنه لا وجه لما ينعاه الطعن على قرار مجلس الوزراء الصادر بقبول طلب اعتزال المدعي للخدمة من مخالفته للقانون، بمقولة إنه يشترط لتطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 أن يكون الموظف مستحقاً لمعاش التقاعد بغير حساب المدة المضمومة كلها أو بعضها، وهذا المعاش لا يستحق إلا إذا كان قد استكمل خمساً وعشرين سنة في الخدمة أو بلغ سن الخمسين مع قضاء خمس عشرة سنة كاملة فيها، وهو ما لم يتوافر في حق المدعي؛ إذ ما كان قد استكمل سوى 1 يوم 11 شهر 24 سنة - لا وجه لذلك؛ إذ فضلاً عن أن قرار المجلس الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 صريح في إدخال ماهيات المدة المضافة في حساب المتوسط الذي يتخذ أساساً لتسوية المعاش، بما لا يترك مجالاً لأي شك في أن هذه المدة تعتبر بمثابة مدة خدمة تحسب في المعاش عند تسويته بالتطبيق لقراري مجلس الوزراء المتقدم ذكرهما - فضلاً عن ذلك، فإن من سلطة مجلس الوزراء أن يقرر لأسباب يكون تقديرها موكولاً إليه منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من خدمة الحكومة وذلك بالتطبيق للمادة 38 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، فلا تثريب عليه إن هو استعمل سلطته هذه في مناسبات اعتزال الخدمة على أساس القرارين المذكورين.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الثانية، فإن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن طلب اعتزال الخدمة - باعتباره مظهراً من مظاهر إرادة الموظف - يجب أن يصدر برضاء صحيح، فيفسده ما يفسد الرضا من عيوب، ومنها الإكراه إذا توافرت عناصره وشروطه القانونية؛ وذلك بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطات رهبة بعثتها الإدارة في نفسه دون وجه حق وكانت قائمة على أساس؛ بأن كانت ظروف الحال تصور له أن خطراً جسيماً محدقاً يهدده هو أو غيره في النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، ويراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامته، وأن الإكراه بهذه المثابة يشتمل على عنصرين: عنصر موضوعي، وهو الوسائل التي تولد الإيحاء بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، وعنصر نفساني، وهو الرهبة التي تبعثها تلك الوسائل في النفس بغير حق فتحمل الموظف على تقديم الاستقالة. وأن الإكراه باعتباره مؤثراً في صحة القرار الإداري يخضع لتقدير المحاكم الإدارية في حدود رقابتها لمشروعية القرارات الإدارية، كما يخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا في تعقيبها على أحكام تلك المحاكم.
ومن حيث إن محصل ما ينعاه المدعي من إكراه شاب رضاه عند تقديمه طلب اعتزاله الخدمة أنه كان واقعاً تحت ضغط من أولي الشأن في الوزارة لحمله على تقديمه وإلا تعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 باحتمالاته التي قد تتمخض عن وضع أسوأ له، فلم يكن أمامه إلا أن يختار أخف الضررين، وأن ما اتبعته الوزارة معه يبلغ حد الوسائل غير المشروعة التي بعثت في نفسه بغير حق الرهبة الجدية التي ضغطت على إرادته فأفسدت رضاه.
ومن حيث إن ما ينسبه المدعي إلى الإدارة من مسلك اتخذته حياله بمناسبة تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953، لو صح وقوعه بالصورة التي يدعيها، لما كان إكراهاً مفسداً للرضا؛ لانتفاء ركن عدم المشروعية، سواء في الوسائل أو في الغاية؛ إذ يجب لكي يكون ثمة إكراه مفسد للرضا أن تبعث الرهبة بغير حق، أي بوسائل غير مشروعة ولغاية غير مشروعة، بينما هذا المسلك المزعوم لا يعدو أن يكون من جانب الإدارة تنفيذاً لقراري مجلس الوزراء المشار إليهما، وتحقيقاً لوجه المصلحة العامة التي تغياها هذان القراران، فلا تثريب على الإدارة - والحالة هذه - إن هي بصرت موظفاً ممن يعنيهم هذان القراران بالمزايا التي يفيد منها لو أنه اعتزل الخدمة بالتطبيق لأحكامهما، وبصرته في الوقت ذاته بما قد يتعرض له من احتمال تطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 في حقه، ثم تركت له التقدير في هذا الشأن؛ إذ الإدارة في مسلكها هذا لم تتخذ وسائل غير مشروعة أو تنحرف بسلطتها عن الغاية المشروعة، بل سلكت المسلك الواجب بحكم وظيفتها في القيام على تنفيذ القوانين واللوائح، وتحقيق المصلحة العامة المقصودة منها، وهي مخاطبة بمقتضى القرارين المذكورين للعمل على تحقيق أغراضهما، فما تتخذه من موقف قبل موظف بمناسبة تطبيقهما يكون والحالة هذه مشروعاً في الوسيلة والغاية معاً. ولا يغير من هذا النظر التبصير في الوقت ذاته باحتمال التعرض لتطبيق القانون رقم 600 لسنة 1953 الذي ينطوي على مزايا أقل ويجعل الموظف في مركز أسوأ لو طبق في حقه؛ لأن ذلك لو صح من جانب الإدارة يكون أيضاً في ذاته مسلكاً مشروعاً في وسيلته وغايته، ما دام هو قانوناً من قوانين الدولة الواجبة التطبيق، كما ليس في التلويح به لموظف في مناسبة تطبيق القرارين سالفي الذكر انحراف بالسلطة عن طريق استعمال هذا القانون في غير الغاية التي شرع من أجلها؛ ذلك أن القرارين والقانون جميعها من التنظيمات العامة التي استهدفت في النهاية غاية واحدة هي إصلاح الأداة الحكومية ورفع مستواها. يقطع في ذلك ما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 600 لسنة 1953؛ إذ ربطت بينها جميعاً في الغاية والغرض؛ فبعد أن استهلت بالإشارة إلى القرارين وفحواهما والغرض منهما صرحت بما يلي "... وقد تقدم عدد قليل من الموظفين للإفادة من هذين القرار وبهذا لم ينتجا الأثر المطلوب من استصدارهما، ولهذا أعد مشروع القانون المرافق..."، فلا يمكن القول والحالة هذه بأن التلويح بتطبيق هذا القانون في مناسبة تطبيق قراري 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 هو انحراف بالسلطة باستعمال أداة قانونية لغير الغاية التي أعدت لها، ما دامت تلك التنظيمات تستهدف في النهاية أغراضاً واحدة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.