مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 66

(8)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 906 لسنة 3 القضائية

جزاء تأديبي - للإدارة ملاءمة تقديره في حدود النصاب القانوني - تقدير الجزاء على أساس ثبوت تهمتين أو عدة تهم - ثبوت انتفاء إحدى هذه التهم أو بعضها - عدم قيام الجزاء على كامل سببه - إلغاؤه ولو كانت الأفعال المنسوبة للموظف لا تقبل التجزئة.
لئن كان للإدارة تقدير الجزاء التأديبي في حدود النصاب القانوني، إلا أن مناط ذلك أن يكون التقدير على أساس قيام سببه بجميع أشطاره، فإذا تبين أنه قدر على أساس تهمتين أو تهم عدة، لم يقم في حق الموظف سوى بعضها دون البعض الآخر؛ فإن الجزاء - والحالة هذه - لا يقوم على كامل سببه، ويتعين إذن إلغاؤه؛ لإعادة التقدير على أساس استبعاد ما لم يقم في حق الموظف وبما يتناسب صدقاً وعدلاً مع ما قام في حقه، حتى ولو كانت جميع الأفعال المنسوبة للموظف مرتبطة بعضها مع البعض الآخر ارتباطاً لا يقبل التجزئة؛ إذ ليس من شك في أنه إذا تبين أن بعض هذه الأفعال لا تقوم في حق الموظف، وكان ذلك ملحوظاً عند تقدير الجزاء، لكان للإدارة رأي آخر في هذا التقدير، فلا يجوز أن يكون الموظف ضحية الخطأ في تطبيق القانون.


إجراءات الطعن

في 4 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة عريضة الطعن في الحكم الصادر في 5 من يونيه سنة 1957 من محكمة القضاء الإداري (هيئة ثانية) في القضية رقم 141 لسنة 11 القضائية المرفوعة من الدكتور أرميا رزق الله عبد المسيح ضد وزارة الزراعة، القاضي بإلغاء الأمر الإداري رقم 88 الصادر في 24 من يوليه سنة 1956 من مصلحة الطب البيطري بمجازاة المدعي بخصم يومين من راتبه وألزمت الحكومة بالمصروفات، وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب الواردة بعريضة الطعن: الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات. وأعلن هذا الطعن للحكومة في 12/ 8/ 1957 وللمطعون عليه في 20/ 8/ 1957، وبعد فوات المواعيد القانونية عين لنظره جلسة 19 من أكتوبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما هو مستفاد من الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه بوصفه مفتش بيطري مديرية أسيوط قد صدر قرار في 24 من شهر يوليه سنة 1956 بمجازاته بخصم يومين من راتبه عن شهر يوليه سنة 1956؛ لما نسب إليه من أنه لم يبادر إلى إجراء الصفة التشريحية على جثة فرس نافقة ملك السيد الشافعي عيسى في ذات يوم الإبلاغ، وأثبت في محضر التعويض أن سبب النفوق هو رد الفعل، على حين أنه ثابت من المحضر أنه لم يستطع معرفة سبب النفوق؛ لتهتك جميع الأحشاء الداخلية للحيوان.
ومن حيث إن المطعون عليه قد استند في دعواه إلى أمرين: أولهما، أنه لم يتسلم الإشارة التليفونية الخاصة بنفوق الفرس إلا حوالي الساعة الخامسة والنصف مساءً، وأنه نظراً لبعد المسافة بين أسيوط ودير الجنادلة (مكان وجود الفرس النافقة)، لم يكن في استطاعته الوصول إلا نحو الساعة الثامنة مساءً ويتعذر عليه إجراء العملية التشريحية، علاوة على خطورة العودة لمقر عمله بعد إنهائها. والأمر الثاني، أن ما أثبته في محضره من أن الأحشاء كانت متهتكة ومتعفنة لا يتعارض مع ما ذكر في أورنيك التعويض بأن النفوق من رد الفعل؛ لأن رأيه هذا ليس قراراً نهائياً في الموضوع.
ومن حيث إن وزارة الزراعة ردت على الدعوى بأنه كان في وسع المدعي القيام من أسيوط إلى دير الجنادلة وإجراء الصفة التشريحية عليها في الساعة السادسة مساءً، أي قبل غروب الشمس وقتذاك (في يونيه)، وهو يقع حوالي الساعة السابعة مساءً، كما كان في وسعه أن يتصل ببندر أسيوط لتهيئة الحراسة اللازمة إذا كان يستشعر خطراًً عليه؛ وبذلك كان يستطيع أن يحافظ على الميعاد الذي نص عليه القانون رقم 102 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 56 لسنة 1955 من وجوب إجراء التشريح يوم التبليغ، وأن ما أقدم عليه من إثبات أن النفوق بسبب رد الفعل، في حين أثبت في ذات المحضر أنه لم يتمكن من معرفة سبب النفوق، هو تناقض وخطأ ترتب عليه صرف التعويض لصاحب الفرس النافقة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقر عذر المطعون ضده كسبب خارج عن إرادته في عدم الانتقال مساء يوم التبليغ؛ لأن الثابت أن الإشارة التليفونية بالنفوق لم تصل إلى علم المدعي إلا في الساعة الخامسة من مساء يوم 28 من يونيه سنة 1955، أي بعد نفوق الفرس بيوم، وأنه بسبب طول المسافة لمكان جثة تلك الفرس، فقد اضطر للانتظار إلى اليوم التالي، فلا محل إذن لمؤاخذته على عدم انتقاله لسبب خارج عن إرادته.
ومن حيث إن المحكمة رأت - بالنسبة لما أثبته الطبيب المذكور في محضر التعويض من أن النفوق يرجع إلى رد الفعل الذي أحدثه حقن تلك الفرس في يوم 6 من يونيه سنة 1955 بلقاح طاعون الخيل، وأن النفوق حدث خلال الواحد والعشرين يوماً التالية، الأمر الذي ترتب عليه أن دفع لصاحب الفرس مبلغ 35 جنيهاً تعويضاً له عن تنفيذه الأمر الصادر بتحصين الفصيلة الخيلية وجوباً في تلك المنطقة، بينما عاد المدعي وقرر في المحضر ذاته (أورنيك 107 زراعة بيطري) أنه لم يتمكن من إجراء الصفة التشريحية على جثة تلك الفرس لتهتك أعضائها الداخلية وتعفنها الشديد - رأت المحكمة في حكمها المطعون فيه، بالنسبة إلى ما تقدم، أن هذا تخبط من المدعي في محضره، وأنه كافٍ لأن يبلغ حد الإخلال بالواجب لما ينطوي عليه من خطأ جسيم في العمل واستهتار به. غير أنه لما كان الجزاء قد قام على تهمتين، وكانت إحداهما غير صحيحة، فقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى أنه يتعين إلغاء القرار لإعادة النظر في توقيع العقوبة بما يتناسب مع التهمة الوحيدة التي ارتكبها المدعي.
ومن حيث إن رئيس هيئة المفوضين قد أقام طعنه على أن التهمتين مرتبطتان ارتباطاً غير قابل للتجزئة تدوران حول إهمال المدعي في القيام بتأدية وظيفته مما ترتب عليه تعرض الوزارة لخسارة مالية سببها عدم مراعاته الذمة في أداء الواجب والجهل بمقتضياته، فإن صح أن للمدعي عذره في التراخي في الانتقال لمكان الحادث فور وقوعه لإجراء الصفة التشريحية، فإنه لا عذر له في الاتهام الثاني وهو في ذاته يعد سبباً كافياً يمكن أن يحمل عليه القرار المطعون فيه. وطلب رئيس المفوضين إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى.
ومن حيث إنه ولئن كان للإدارة تقدير الجزاء التأديبي في حدود النصاب القانوني، إلا أن مناط ذلك أن يكون التقدير على أساس قيام سببه بجميع أشطاره، فإذا تبين أنه قدر على أساس تهمتين أو تهم عدة، لم يقم في حق الموظف سوى بعضها دون البعض الآخر، فإن الجزاء - والحالة هذه - لا يقوم على كامل سببه، ويتعين إذن إلغاؤه لإعادة التقدير على أساس استبعاد ما لم يقم في حق الموظف وبما يتناسب صدقاً وعدلاً مع ما قام في حقه، حتى ولو كانت جميع الأفعال المنسوبة للموظف مرتبطة بعضها مع البعض الآخر ارتباطاً لا يقبل التجزئة؛ إذ ليس من شك في أنه إذا تبين أن بعض هذه الأفعال لا تقوم في حق الموظف، وكان ذلك ملحوظاً عند تقدير الجزاء، لكان للإدارة رأي آخر في هذا التقدير، فلا يجوز أن يكون الموظف ضحية الخطأ في تطبيق القانون. ومن ثم يكون الطعن قائماً على غير أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في قضائه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.