مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 74

(10)
جلسة 23 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 969 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - ترقية - تحديد القانون نسبة للأقدمية ونسبة للاختيار - استنفاد نسبة الأقدمية في إحدى حركات الترقية، وعدم ترقية أحد بالاختيار - استعمال نسبة الاختيار في حركة ترقيات تالية خلال السنة - صحة ذلك.
(ب) قرار إداري - بطلانه شكلاً لإغفال إجراء معين - وجوب أن يكون البطلان منصوصاً عليه في التشريع، أو أن يكون الإجراء جوهرياً.
(ج) لجنة شئون الموظفين - المادة 32 من قانون نظام موظفي الدولة التي كانت تنص على انعقاد اللجنة في شهر مارس من كل عام لتقدير كفاية الموظفين - لا بطلان إن لم تنعقد اللجنة في هذا التاريخ - حجة ذلك.
(د) لجان قضائية - نص القانون على صدور قرارها في ميعاد لا يجاوز أربعة أشهر من تاريخ تقديم التظلم إليها - لا بطلان على مخالفة هذا الميعاد.
(هـ) لجنة شئون الموظفين - لا إلزام عليها بتسبيب قراراتها - دليل ذلك.
1 - إذا كان الثابت أن مجموع الدرجات الثانية التي كانت محلاً للترقية في قرارات (سبتمبر سنة 1952 وفبراير وأبريل سنة 1953) هي تسع درجات، يخص نسبة الأقدمية فيها - بالتطبيق لأحكام المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قبل تعديلها بالقانون رقم 94 لسنة 1953 - الثلثان، أي ست درجات، ونسبة الاختيار فيها الثلث، أي ثلاث درجات، بشرط ألا يزيد نصيب ذوي المؤهلات المتوسطة على أربعين في المائة منها طبقاً للمادة 39 منه، وأنه لم يتم في القرارين المذكورين الأولين (سبتمبر وفبراير) أية ترقية بالاختيار وإنما تمت الترقيات فيهما بترتيب الأقدمية وحدها، فيكون من حق الإدارة - والحالة هذه - أن تستدرك إعمال حقها في الترقية بالاختيار، أي في غير الدور في حدود نسبتها المقررة، في قرار الترقية الصادر في 30 من إبريل سنة 1953، ما دامت قرارات الترقية جميعها قد صدرت خلال السنة.
2 - إن القرار الإداري لا يبطل لعيب شكلي، إلا إذا نص القانون على البطلان عند إغفال هذا الإجراء، أو كان هذا الإجراء جوهرياً في ذاته، بحيث يترتب على إغفاله بطلان القرار بحسب مقصود الشارع.
3 - نصت المادة 32 من قانون نظام موظفي الدولة قبل تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 على أن "تعد لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة في شهر مارس من كل عام كشفاً بأسماء موظفي كل درجة مالية فيها، وتقرر اللجنة من واقع ملف كل موظف - وبعد الاطلاع على الملاحظات التي يكون قد قدمها الموظف الذي قدم عنه تقرير بدرجة متوسط أو ضعيف - درجة الكفاية التي يستحقها كل موظف على الأساس المبين في المادة 30، ويؤشر بذلك في ملف الخدمة وفي سجل الموظفين". وواضح من عبارة هذه المادة أنها لم تنص على بطلان قرار اللجنة إن لم يصدر في هذا الشهر المذكور بالذات، كما أن الشارع بحسب مقصوده لا يعتبر ذلك إجراءً جوهرياً، فيرتب على عدم إمكان التقدير في الشهر المذكور بطلان العمل في ذاته، بل لا يعدو الأمر أن يكون مجرد توجيه من الشارع لتنظيم العمل في تلك المواعيد، وحثاً على إتمامه فيها بقدر الإمكان.
4 - إن الشارع - حين نص في المادة الثامنة من القانون رقم 160 لسنة 1952 الخاص باللجان القضائية على أنه "تفصل اللجنة في التظلم في ميعاد لا يجاوز أربعة أشهر من وقت تقديمه، وتبلغ قرارها مسبباً إلى كل من الطرفين، ويعتبر في حكم قرار بالرفض فوات الميعاد المذكور دون فصل في التظلم" - لم يقصد أن يكون قرار اللجنة باطلاً إن هو صدر بعد هذا الميعاد، وإنما يرمي إلى سرعة الفصل في المنازعات خلال الميعاد المذكور بقدر الإمكان.
5 - ليس في نصوص قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 ما يوجب على لجنة شئون الموظفين أن تسبب قرارها، أما ما جاء بلائحته التنفيذية في هذا الشأن فلا يعدو أن يكون من قبيل التوصية لتنظيم العمل، دون أن يكون المقصود هو ترتيب البطلان عند إغفاله، هذا فضلاً عن أن هذه اللائحة لا تملك أية إضافة في التشريع من شأنها ترتيب بطلان لم يقرره القانون.


إجراءات الطعن

في 28 من مارس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 2 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 8509 لسنة 8 القضائية المرفوعة من وزارة المالية والاقتصاد ضد السيد/ أحمد كامل، القاضي "بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء قرار اللجنة القضائية، ورفض التظلم، وإلزام المتظلم بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 24 من يونيه سنة 1956 وللخصم في 20 من يونيه سنة 1956، وعين لنظره جلسة أول يونيه سنة 1957، وفيها وفي الجلسة التالية سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الإيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن السيد/ أحمد كامل قدم تظلماً إلى اللجنة لوزارة المالية والاقتصاد قيد برقم 4307 لسنة 1 ق قال فيه إن لجنة شئون الموظفين بديوان الموظفين نظرت في 29 من إبريل سنة 1953 في التقرير السنوي المقدم عنه من رئيسه المباشر وقدرت له درجة متوسط متخطية بذلك تقرير رئيسه الذي قدر له درجة جيد في جميع نواحي العمل ففوتت بذلك على المدعي فرصة الترقية إلى الدرجة الثانية التي رقي إليها من كان يليه في ترتيب الأقدمية في 30 من إبريل سنة 1953. ولما كان المدعي يقوم بجميع أعماله خير قيام طوال مدة خدمته بالإدارة بشهادة رئيسه المباشر، فقد التمس من اللجنة النظر في ظلامته ورد الحق إلى نصابه. وقد رد ديوان الموظفين على التظلم بأنه عندما شرع الديوان في إجراء حركة الترقيات إلى الدرجة الثانية في إبريل سنة 1953 اجتمعت لجنة شئون الموظفين في 27 من إبريل سنة 1953 لتقدير درجة كفاية موظفي الدرجة الثالثة بالديوان المرشحين للترقية إلى الدرجة الثانية، وبعد الاطلاع على ملف خدمة المتظلم والمناقشة انتهت إلى تعديل درجة كفايته من جيد إلى متوسط بإجماع الآراء، واللجنة في هذا لم تتعد حدود اختصاصها؛ فإن من مقتضى نص المادة 32 من قانون موظفي الدولة أن اللجنة ليست ملزمة في تقدير الكفاية بما يرد في التقارير المقدمة إليها من الرؤساء المباشرين، وإلا كان رفع التقارير إلى اللجنة عبثاً، ولا شك أن من حق اللجنة أن ترفع من درجة الكفاية، كما أن من حقها أن تخفض منها، طبقاً لما يتبين من ملف خدمة الموظف وبعد استعراض حالته والظروف الخاصة بعمله مستهدفة المصلحة العامة. وقد رأت اللجنة بعد الاطلاع على التقارير السنوية وعلى ملفات الخدمة تعديل تقدير درجة كفاية بعض موظفي الدرجة الثالثة المرشحين للترقية، وكان المتظلم من بين من عدل تقدير درجة كفايته من جيد إلى متوسط، هذا وليس في مواد قانون نظام موظفي الدولة أي نص يلزم اللجنة بذكر الأسباب والمبررات التي تستند إليها في تقدير درجة الكفاية، ومع ذلك فإن اللجنة لدى بحثها في تقدير درجة كفاية المتظلم عقدت مقارنة بين جميع موظفي الدرجة الثالثة المرشحين للترقية وبنت تقديرها على أساس الاستعداد الشخصي لكل من المرشحين وكفاية كل منهم في عمله وماضيه في حياته الوظيفية والمناصب التي تقلدها ومدى استعداده لتحمل أعباء الوظيفة المقرر لها الدرجة التي سيرقى إليها، وما إلى ذلك من العناصر التي لم تتوافر في المتظلم، خصوصاً من ناحية المؤهلات والثقافة؛ حيث لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية فقط، هذا فضلاً عن أن تقدير درجة الكفاية مسألة تقديرية بحتة تباشرها لجنة شئون الموظفين في حدود سلطتها بلا معقب عليها، متى خلت من إساءة استعمال السلطة، واللجنة إذ قدرت درجة كفاية المتظلم بمتوسط - تأسيساًً على الأسباب المتقدمة - لم تكن متعسفة أو متجنية عليه؛ فقد أعطته درجة الكفاية العادية التي لا تمنع من ترقيته بالأقدمية المطلقة، أما الدرجات المطلوب الترقية إليها فإنها اثنتان تدخلان في نسبة الاختيار. وبجلسة 26 من فبراير سنة 1954 قررت اللجنة القضائية "إلغاء القرار الصادر في 30 من إبريل سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المتظلم في الترقية إلى الدرجة الثانية"، واستندت اللجنة في قرارها إلى أنه طبقاً للمادتين 30 و32 من قانون نظام موظفي الدولة كان يتعين على لجنة شئون الموظفين أن تعد في شهر مارس من كل عام كشفاً بأسماء موظفي كل درجة مالية فيها وتقرر درجة الكفاية التي يستحقها كل موظف من واقع ملف خدمته، الأمر الذي لم تتبعه اللجنة، والذي قامت به في 27 من إبريل سنة 1953، أي يوم إجراء حركة الترقيات المطعون فيها بالذات، وفي هذا ما يخالف النص الآمر بالقانون مما يجعل قرارها محل مظنة وشبهة خاصة. وأن قرار لجنة شئون الموظفين بتقدير درجة كفاية الموظف - شأنه في ذلك شأن كل قرار إداري آخر - يجب أن يكون مطابقاً للقانون وغير مشوب بأي عيب أو انحراف أو إساءة استعمال السلطة وأن يكون مبنياً على أسباب وأسس متفقة مع ما ينتهي إليه هذا القرار في نتيجته حتى يمكن لجهة القضاء أن تستشف أسباب القرار، وما إذا كانت اللجنة قد جاوزت حدود سلطتها أم التزمت هذه الحدود، وأن لجنة شئون الموظفين لم تبين الأسباب التي اقتضت تخفيض درجة كفاية المتظلم من درجة جيد إلى درجة متوسط؛ فقرارها في هذا الشأن يعتبر باطلاً، كما لم يثبت من ملف خدمة المتظلم أن هناك ما يدعو إلى تخفيض درجة كفايته مما يجعل قرار اللجنة مشوباً بإساءة استعمال السلطة. وبصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 9 من يونيه سنة 1954 طعنت الحكومة في قرار اللجنة القضائية سالف الذكر للأسباب التي استندت إليها في صحيفة الطعن. وبجلسة 2 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة "بقبول الطعن شكلاًً، ورفضه موضوعاً، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها - أولاً، بالنسبة لما دفعت به الحكومة من عدم اختصاص اللجنة القضائية بإصدار قرارها المطعون فيه استناداً إلى صدوره بعد أكثر من أربعة أشهر من تاريخ رفع التظلم إليها - على أن "المادة الثامنة من القانون رقم 160 لسنة 1952 بإنشاء وتنظيم اللجان القضائية قد نصت على أن تفصل اللجنة في التظلم في ميعاد لا يتجاوز أربعة أشهر من وقت تقديمه، إلا أنها لم ترتب على مخالفة هذا النص جزاء هو بطلان قرار اللجنة إذا ما صدر بعد هذا الميعاد، ولا بطلان إلا بنص، أو زوال اختصاص اللجنة؛ إذ أن الولاية لا تتقادم، و إنما تقوم قرينة قانونية على أن فوات الميعاد المذكور دون فصل في التظلم يعد في حكم قرار سلبي بالرفض يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري...."؛ وأنه لذلك يكون الدفع في غير محله - وبالنسبة للموضوع، على أنه يبين من مراجعة المواد 30 و32 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 "أن المشرع قيد لجنة شئون الموظفين بقيدين: أولهما أن تضع تقديرها في شهر مارس من كل عام، وثانيهما أن يكون تقديرها من واقع ملف الموظف....."، وأنه "من كل ذلك يكون ما استندت إليه اللجنة في تبرير تخطي المتظلم من أنها قدرته وقت اجتماعها للترقية المطعون فيها بدرجة متوسط أمراً مخالفاً للقانون ولا أثر له قانوناً؛ إذ أنه فضلاً عن أنها لا تملك هذا التقدير في ذلك الوقت وأنها لم تنته إليه من واقع ملف خدمته كما يوجب القانون، فليس في ملف خدمته ما يؤيد ذلك التقدير، بل إن ملفه على العكس والنقيض من ذلك ينطق بكفايته وجدارته، وقد قدرته في التقرير السنوي بدرجة جيد، وأيد ذلك التقرير وكيل الديوان، الأمر الذي يجعل تقدير اللجنة باطلاً لمخالفته للقانون ولما هو ثابت من ملف خدمته"، وأنه "متى كان الأمر كذلك كان تقرير المتظلم ضده بدرجة جيد ما زال قائماً ومحدثاً أثره القانوني ومن حقه وهو الأقدم في الدرجة الثالثة بالنسبة للمطعون في ترقيته (وهو الذي يليه في الأقدمية) أن يرقى بالاختيار دونه، ويكون قرار ترقية المطعون في ترقيته صدر مخالفاً للقانون ومشوباً بإساءة استعمال السلطة مما يجعله واجب الإلغاء فيما تضمنه من تخطي المتظلم في الترقية"، وأنه "لذلك يكون من حق المتظلم أن يطالب بإلغاء قرار الترقية المطعون فيه، ويكون قرار اللجنة القضائية بإجابته إلى ذلك جاء سليماً....".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن لجنة شئون الموظفين - وهي في صدد إعداد التقارير عن الموظفين - صاحبة اختصاص أصيل، فقراراتها عن كفاية الموظفين ليست عنصراً غريباً عن هذه التقارير، وإنما هي من معدنها، بل هي المرحلة الأخيرة لها، ويبين ذلك بوضوح من مراجعة المواد 30 و31 و32 من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953. وتحرر لجنة شئون الموظفين في التقدير ليس عبثاً، بل المقصود به تحقيق المساواة بمعناها الكامل وتجريد التقدير من الطابع الشخصي؛ ذلك أن الرئيس المباشر، وهو يزن كفاية الموظف؛ إنما يزنها في دائرة مرءوسيه وهم محدودو العدد بالنسبة لسائر موظفي المصلحة أو الوزارة، وبتعدد الرؤساء المباشرين تختلف الاتجاهات في تقدير كفاية المرءوسين؛ ومن ثم كان لا بد من أن توزن هذه الاتجاهات جميعاً بميزان واحد، وهذا لا يكون إلا إذا تولت الميزان هيئة واحدة تضم مجموعة من الرؤساء هي لجنة شئون الموظفين، وهي لا تزن كفاية الموظف في الدائرة المحدودة التي وزنها فيها رئيسه المباشر، وإنما هي تزن كفاية الموظف في دائرة سائر الموظفين، وأنه ولئن كانت المادة 32 تنص على أن يكون تقدير كفاية الموظف من واقع ملفه، إلا أنه ينبغي ألا يغيب عن البال أن هناك عناصر للتقدير لا تثبت في الأوراق مثل ضعف أو قوة شخصية الموظف ومدى تحمله للمسئولية ومدى صلاحيته للمناصب الرئيسية واستعداده الذهني، إلى غير ذلك من العناصر التي تستمد من الواقع ولا يكون لها في الغالب صدى في الأوراق، وهي تدخل مع ذلك في حساب التقدير، والذي يعيب تقدير لجنة شئون الموظفين إذن هو انحرافها في التقدير عن المصلحة العامة؛ كأن تكون قد قصدت به الانتقام أو إفادة شخص معين بذاته وما إلى ذلك من الأغراض التي تجانب المصلحة العامة، وفي هذه الحالة يجب أن يقيم المدعي الدليل على ذلك. هذا وليس في نصوص المواد 30 و31 و32 من قانون موظفي الدولة ما يلزم لجنة شئون الموظفين بتسبيب تقديراتها لكفاية الموظفين، ومن المسلم أن الإدارة ليست ملزمة بتسبيب قراراتها إلا حيث يحتم القانون عليها ذلك. ولما كان الثابت من الأوراق أن تقارير الرؤساء المباشرين في ديوان الموظفين، والتي كان من بينها التقرير الخاص بالمتظلم عن سنة 1952، لم تعد إلا في إبريل سنة 1953؛ لأن هذا العام كان أول عام بدأ فيه تنفيذ القانون رقم 210 لسنة 1951؛ ومن ثم فقد استحال على لجنة شئون الموظفين أن تقوم بتقديراتها لكفاية الموظفين عن سنة 1952 في شهر مارس سنة 1953. وقد أفصح ديوان الموظفين في دره على الدعوى عن أسباب تعديل تقدير درجة كفاية المدعي، وهي أسباب لا تجانب المصلحة العامة، ولم يدع المدعي أن اللجنة قد قصدت من ذلك الانتقام أو إفادة شخص معين بذاته، وما إلى ذلك من الأغراض التي تجانب المصلحة العامة. ومن ثم فإن تقدير لجنة شئون الموظفين لكفاية المتظلم بدرجة متوسط غير معيب، وبالتالي لا يكون قرار الترقية المطعون فيه معيباً إذ استند إلى هذا التقدير. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من ملف خدمة المدعي أنه حصل على الشهادة الابتدائية سنة 1911 والتحق بالخدمة سنة 1913، وقد تقلب في مختلف الوظائف بوزارة المالية، إلى أن نقل اعتباراً من أول أغسطس سنة 1943 إلى إدارة مستخدمي الحكومة، وأسندت إليه "رياسة القسم المختص بأعمال وزارات العدل والدفاع الوطني والشئون الاجتماعية والقوات المرابطة ومساكن الحكومة"، ورقي إلى الدرجة الخامسة في أكتوبر سنة 1943، وإلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 11 من أغسطس سنة 1947، وإلى الثالثة في 12 من إبريل سنة 1951، ثم نقل إلى ديوان الموظفين اعتباراً من أول يوليه سنة 1952، وقد قدرت كفايته في سنة 1952 بدرجة جيد، وكان ترتيبه في كشف أقدمية موظفي الدرجة الثالثة بالديوان قبل حركة الترقيات الصادرة في 30 من إبريل سنة 1953 الرابع، يسبقه السيد/ عبد العزيز محمد مطر، والسيد/ عباس منصور عابد - وقد رقيا إلى الدرجة الثانية في 30 من سبتمبر سنة 1952، ثم السيد/ عبد الحميد عبد الموجود مازن - وقد رقي إلى الدرجة الثانية في حركة 30 من إبريل سنة 1953، ويليه في الأقدمية السيد/ محمد إبراهيم منصور - وقد رقي إلى الدرجة الثانية أيضاً في حركة 30 من إبريل سنة 1953. وفي 27 من إبريل سنة 1953 اجتمعت لجنة شئون الموظفين بديوان الموظفين للنظر في الترقيات إلى الدرجات الخالية بالديوان، فرشحت للترقية إلى الدرجة الأولى، وعند الترشيح للدرجة الثانية رأت اللجنة إعادة تقدير درجة كفاية موظفي الدرجة الثالثة، فعدلت تقدير درجة كفاية كل من عبد العزيز محمد مطر وعباس منصور عابد والمدعي من درجة جيد إلى درجة متوسط، وأبقت تقدير درجة كفاية كل من عبد الحميد عبد الموجود مازن ومحمد إبراهيم منصور، وقد قدرت بدرجة جيد، وبناءً على ذلك رشحت اللجنة كليهما للترقية إلى الدرجة الثانية، ووافق رئيس الديوان على ترشيحات اللجنة في 30 من إبريل سنة 1953، فتظلم المدعي إلى اللجنة القضائية. وقد قدرت درجة كفاية المدعي في سنة 1953 بواقع 90 درجة، ورقي إلى الدرجة الثانية اعتباراً من 29 إبريل سنة 1954، وفي 4 من مارس سنة 1955 أحيل إلى المعاش لبلوغه سن الستين. وبتاريخ 8 من إبريل سنة 1956 قام ديوان الموظفين بتسوية حالته على مقتضى حكم محكمة القضاء الإداري الصادر لصالحه، فأصدر الديوان القرار رقم 40 لسنة 1956 بتعديل أقدميته في الترقية إلى الدرجة الثانية من تاريخ القرار المطعون فيه وهو 30 من إبريل سنة 1953 بدلاً من 30 من إبريل سنة 1954 مع صرف الفروق المستحقة له ترتيباً على هذا التعديل، وقد تمت هذه التسوية في مقابل ما تعهد به المطعون عليه من تنازله عن كل حق له قبل ديوان الموظفين.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مثار هذه المنازعة ينحصر فيما يلي: 1 - هل الدرجات موضوع الترقية المتنازع عليها، هي من النسبة المخصصة للترقية بالأقدمية أم من تلك المخصصة للترقية بالاختيار؟ 2 - هل لجنة شئون الموظفين، إذ انعقدت في 27 من إبريل سنة 1953 أي بعد شهر مارس من تلك السنة وذلك للتعقيب على تقدير درجات كفاية ذوي الشأن، قد خالفت القانون بما يبطل قرارها في هذا الخصوص، وهل يترتب على انعقادها بعد هذا التاريخ اعتبار تقدير الرئيس المباشر نهائياً لا معقب عليه في خصوص الترقية محل النزاع؟ 3 - هل لجنة شئون الموظفين، إذ أصدرت قرارها بالتعقيب على درجات الكفاية التي كانت محل نظر عند الترقية، كانت قد استنفدت وقتذاك سلطتها في هذا التعقيب على درجات التقدير بما يمنعها من إعادة النظر فيه عند الترقية؟ 4 - هل كان يتعين على لجنة شئون الموظفين أن تسبب قرارها؛ بحيث إن عدم تسبيبه يترتب عليه بطلانه؟.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد بان للمحكمة من الأوراق أن مجموع الدرجات الثانية التي كانت محلاً للترقية في قرارات (سبتمبر سنة 1952، وفبراير وأبريل سنة 1953) هي تسع درجات يخص نسبة الأقدمية فيها، بالتطبيق لأحكام المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة قبل تعديلها بالقانون رقم 94 لسنة 1953، الثلثان، أي ست درجات، ونسبة الاختيار فيها الثلث، أي ثلاث درجات، بشرط ألا يزيد نصيب ذوي المؤهلات المتوسطة على 40% منها طبقاً للمادة 39. والذي يبين من الاطلاع على محاضر لجنة شئون الموظفين الخاصة بالقرارات المذكورة وأنه لم يتم في القرارين الأولين (سبتمبر وفبراير) أية ترقية بالاختيار، وإنما تمت الترقيات فيهما بترتيب الأقدمية وحدها، فيكون من حق الإدارة - والحالة هذه - أن تستدرك إعمال حقها في الترقية بالاختيار، أي في غير الدور في حدود نسبتها المقررة، وذلك في قرار الترقية الصادر في 30 من إبريل سنة 1953، ما دامت قرارات الترقية جميعها قد صدرت خلال السنة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الثانية، فإنه يجب التنبيه إلى أن القرار الإداري لا يبطل لعيب شكلي، إلا إذا نص القانون على البطلان، عند إغفال هذا الإجراء، أو كان هذا الإجراء جوهرياً في ذاته بحيث يترتب على إغفاله بطلان القرار، وذلك بحسب مقصود الشارع. وظاهر من المادة 32 من قانون موظفي الدولة قبل تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 أنها، إذ نصت على أن "تعد لجنة شئون الموظفين بالوزارة أو المصلحة في شهر مارس من كل عام كشفاً بأسماء موظفي كل درجة مالية فيها وتقرر اللجنة من واقع ملف كل موظف - وبعد الاطلاع على الملاحظات التي يكون قد قدمها الموظف الذي قدم عنه تقرير بدرجة متوسط أو ضعيف - درجة الكفاية التي يستحقها كل موظف على الأساس المبين في المادة 30، ويؤشر بذلك في ملف الخدمة وفي سجل الموظفين"، فإنها لم تنص على بطلان قرار اللجنة إن لم يصدر في هذا الشهر المذكور بالذات، كما أن الشارع بحسب مقصوده لا يعتبر ذلك إجراءً جوهرياً بحيث يترتب على عدم إمكان التقدير في الشهر المذكور بطلان العمل في ذاته، بل لا يعدو الأمر أن يكون مجرد توجيه من الشارع لتنظيم العمل في تلك المواعيد وحثاً على إتمامه فيها بقدر الإمكان. والشأن في ذلك شأن ما نص عليه القانون رقم 160 لسنة 1952 الخاص باللجان القضائية في مادته الثامنة التي تنص على أنه "تفصل اللجنة في التظلم في ميعاد لا يجاوز أربعة أشهر من وقت تقديمه. وتبلغ قرارها مسبباً إلى كل من الطرفين. ويعتبر في حكم قرار بالرفض فوات الميعاد المذكور دون فصل في التظلم". فلم يقصد الشارع أن يكون قرار اللجنة باطلاً إن هو صدر بعد هذا الميعاد، وإنما يرمي إلى سرعة الفصل في المنازعات خلال الميعاد المذكور بقدر الإمكان.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الثالثة، فإنه يبين من الأوراق أن لجنة شئون الموظفين لم يسبق لها التعقيب على تقدير درجات كفاية أصحاب الشأن، بل وقفت المراحل في هذا الخصوص عند تقدير الرؤساء فقط، فما كانت اللجنة - والحالة هذه - قد استنفدت سلطتها في هذا التعقيب، وإنما انعقدت لأول مرة لمباشرة اختصاصها في هذا الشأن يوم 27 من إبريل سنة 1953 قبل انعقادها للنظر في الترقيات يوم 29 من إبريل سنة 1953، فلا وجه للتحدي إذن بأن اللجنة وهي تنظر في الترقية قد أطرحت تقديراً سابقاً لها في تقدير درجات الكفايات كان قد أصبح نهائياً بالنسبة إلى السنة التي حصل عنها التقدير.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، فليس في نصوص القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة ما يوجب على اللجنة أن تسبب قرارها، وأن ما جاء باللائحة التنفيذية في هذا الشأن لا يعدو أن يكون من قبيل التوصية لتنظيم العمل، دون أن يكون المقصود هو ترتيب البطلان عند إغفاله. ومع ذلك فغني عن البيان أن اللائحة التنفيذية لا تملك أية إضافة في التشريع من شأنها ترتيب بطلان لم يقرره القانون، هذا إلى أن اللائحة ذاتها لم تقصد إلى ترتيب البطلان في هذا الشأن كما سلف الإيضاح.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون، فيتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.