مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 85

(11)
جلسة 23 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1112 لسنة 2 القضائية

مؤهل دراسي - حملة شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان أو شهادة مدرسة التجارة المتوسطة - المرتب المقرر لمن يعين منهم في الدرجة الثامنة الكتابية في ظل كادر سنة 1931 - المرتب المقرر في ظل قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 18/ 9/ 1935 و8/ 7 و24/ 11/ 1943.
إن كادر سنة 1931 الذي أقره مجلس الوزراء في 25 من فبراير سنة 1931 حدد للدرجة الثامنة مربوطاً يبدأ بستة جنيهات وينتهي بخمسة عشر جنيهاً شهرياً، ثم أورد بالبند الثاني عشر استثناءً من هذه القاعدة إذ نص في الفقرة الثانية من هذا البند على أن "المرشح للتعيين في الدرجة الثامنة من حملة شهادة الدراسة الثانوية (قسم ثانٍ) أو شهادة مدرسة التجارة المتوسطة يجوز منحه ماهية أولية سنوية قدرها تسعون جنيهاً في السنة للأول وأربعة وثمانون جنيهاً للثاني تزاد تبعاً لنظام العلاوات في هذه الدرجة". وفي 18 من سبتمبر سنة 1935 أصدر مجلس الوزراء قراراً بتخفيض مرتبات المرشحين للتعيين في وظائف الدرجة الثامنة الكتابية بمقدار 500 م و1 ج في الشهر عن القيم المالية المحددة لمؤهلاتهم الدراسية. وفي 7 من يوليه سنة 1943 رفعت اللجنة المالية بناءً على طلب وزارة المالية مذكرة إلى مجلس الوزراء حاصلها أن بعض حملة الشهادات العالية وشهادة الدراسة الثانوية (قسم ثانٍ) وشهادة التجارة المتوسطة عينوا قبل 18 من سبتمبر سنة 1935 في الدرجة الثامنة بمرتبات تقل عن المقرر لمؤهلاتهم وذلك لعدم كفاية الاعتمادات المالية، واقترحت إنصافاً لهم أن يمنحوا المرتبات المقررة لمؤهلاتهم مع عدم صرف فروق عن الماضي. وقد وافق مجلس الوزراء على هذه المذكرة في 8 من يوليه سنة 1943، كما وافق في 24 من نوفمبر سنة 1943 من ذلك العام على مذكرة أخرى رفعتها إليه اللجنة المالية بشأن تطبيق هذا المبدأ على الموظفين الحاصلين على المؤهلات المشار إليها الذين عينوا باليومية أو في وظائف خارج هيئة العمال قبل 18 من سبتمبر سنة 1935 ولم ينقلوا إلى وظائف من الدرجة الثامنة الكتابية إلا بعد هذا التاريخ، وذلك مع عدم صرف فروق عن الماضي. ويبين من ذلك أن الفقرة الثانية من البند الثاني عشر من كادر سنة 1931 لم تكن تلزم جهة الإدارة بمنح حملة شهادة الدراسة الثانوية (قسم ثانٍ) عند تعيينهم في الدرجة الثامنة راتباً مقداره تسعون جنيهاً في السنة، وإنما جعلت تعيينهم بهذا الراتب الاستثنائي أمراً جوازياً لها تترخص فيه وفق مقتضيات المصلحة العامة وحالة الاعتمادات المالية. كما أن أحكام كادر سنة 1931 معدلة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من سبتمبر سنة 1935 لم تكن تلزم الإدارة بتعيين هذه الفئة من الموظفين عند الالتحاق بالخدمة في الدرجة الثامنة الكتابية ببداية مربوطها، بل جعلت ذلك أمراً جوازياً لها متروكاً لتقديرها، فلا تثريب عليها إذا كانت قد عينت المدعي عند بدء خدمته في وظيفة خارج الهيئة بمرتب قدره ثلاثة جنيهات شهرياً، وبذلك لا يستحق سوى مرتب تلك الوظيفة بحكم مركزه القانوني وقتذاك، وبالتالي فإن قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1943 يكون قد استحدث له مركزاً قانونياً جديداً يسري في حقه من تاريخ نفاذه، لا من تاريخ أسبق. أما النص فيه على عدم صرف فروق عن الماضي فإنه لا يعدو أن يكون ترديداً للأصل العام الذي يقضي بسريان التنظيمات الجديدة التي ترتب أعباءً مالية على الخزانة العامة من تاريخ نفاذها، إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق.


إجراءات الطعن

في 11 من إبريل سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم تحت رقم 1112 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") بجلسة 13 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 518 لسنة 2 القضائية المقامة من وزارة المالية ضد علي كمال إسماعيل فهمي، القاضي "بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وألزمت المستأنف ضده المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، والقضاء بعدم قبول الاستئناف، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 2 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 9 منه، وعين نظره أمام هذه المحكمة جلسة أول يونيه سنة 1957، وقد انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 19 من مايو سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها وفي جلسة 26 من أكتوبر سنة 1957 التي أجل إليها نظر الطعن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الاستئناف:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي أقام الدعوى رقم 206 لسنة 1 القضائية ضد مصلحة الجمارك المصرية أمام المحكمة الإدارية لجميع الوزارات بالإسكندرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 18 من سبتمبر سنة 1954 ذكر فيها أنه حصل على شهادة البكالوريا في سنة 1933، وعين بخدمة مصلحة الجمارك في وظيفة استفجى خارج الهيئة بمرتب شهري قدره ثلاثة جنيهات اعتباراً من أول يونيه سنة 1935، مع أنه مقرر لهذا المؤهل الدرجة الثامنة من بدء التعيين بمرتب شهري قدره 500 م و7 ج طبقاً لكادر سنة 1931، ثم تدرج إلى ملاحظ بمرتب خمسة جنيهات شهرياً اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1936، ومنح الدرجة الثامنة بمرتب ستة جنيهات شهرياً ابتداءً من 25 من سبتمبر سنة 1937، بلغ سبعة جنيهات شهرياً من أول مايو سنة 1943. ولما كان مجلس الوزراء قد أصدر قراراً في سنة 1943 بتسوية حالة أمثاله على أساس تعيينه بمرتب شهري قدره 500 م و7 ج مع تدرجه تبعاً لذلك وعدم صرف الفروق المالية إلا من 24 من نوفمبر سنة 1943، فإنه يطلب تسوية حالته وصرف الفروق المالية التي ترتبت على إرجاع أقدميته في الدرجة الثامنة إلى تاريخ تعيينه الأول في أول يونيه سنة 1935، وما يترتب على ذلك من آثار بالنسبة إلى إعانة غلاء المعيشة، حيث إنه عين في ظل كادر سنة 1931، وقبل 18 من سبتمبر سنة 1935. وبجلسة 10 من نوفمبر سنة 1954 قضت المحكمة الإدارية في هذه الدعوى "حضورياً: أولاً - باستحقاق المدعي تسوية حالته على أساس مرتب 500 م و7 ج شهرياً المقرر لمؤهله بكادر سنة 1931، من تاريخ دخوله الخدمة، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق. ثانياً - استحقاق المدعي لأن يعامل طبقاً لقراري مجلس الوزراء الصادرين في 11 من يوليه سنة 1944 و23 من نوفمبر سنة 1944، على أساس أنه لم ينل إنصافاً وصرف الفروق مع إلزام المدعى عليها المصاريف". وقد طعنت وزارة المالية في هذا الحكم أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 518 لسنة 2 القضائية (استئناف) بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 25 من ديسمبر سنة 1954، طلبت فيها "الحكم بقبول هذا الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء حكم المحكمة الإدارية لوزارة المالية في القضية المقدمة من المستأنف ضده، والمقيدة تحت رقم 206 لسنة 1 قضائية مع إلزامه بالمصاريف ومقابل الأتعاب". وقد عقب المدعي على ذلك بمذكرة طلب فيها تأييد الحكم المطعون فيه الصادر لصالحه مع إلزام الوزارة بالمصروفات. وبجلسة 13 من فبراير سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") "بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وألزمت المستأنف ضده المصروفات". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بقبول الاستئناف شكلاً على أن الطلب الثاني من طلبات المدعي، وهو الخاص باستحقاقه كافة الآثار المترتبة على كونه لم ينل إنصافاً، هو طلب غير قابل للتقدير؛ لأن آثاره المالية لا تقف عند الماضي المعلوم وإنما تمتد إلى المستقبل، ولما كان طلبا المدعي ناشئين عن سبب قانوني واحد، فإنه يتعين تقدير قيمة الدعوى باعتبارها جملة طبقاً لحكم المادة 41 من قانون المرافعات. وإذ كان أحد الطلبين مجهول القيمة على هذا النحو، فإن الدعوى تكون قابلة للاستئناف طبقاً لنص المادة 44 من القانون المذكور، ويتعين لذلك قبول الاستئناف شكلاً. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 11 من إبريل سنة 1956 طلب فيها "قبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، والقضاء بعدم قبول الاستئناف، وإلزام الحكومة بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه قد فصل في طلبين مختلفين في سببهما أو مصدرهما القانوني، وهما فرق المرتب ومصدره القاعدة المنظمة لأجر المؤهل الحاصل عليه المدعي، وفرق إعانة غلاء المعيشة ومصدره القاعدة المنظمة لهذه الإعانة، وهو مصدر آخر قائم بذاته، وكلاهما مستقل عن الآخر لا يتبع ثانيهما الأول، وتتحدد انتهائية الحكم في كل منهما على حدة، وفقاً لحكم المادة التاسعة من القانون رقم 147 لسنة 1954 بإنشاء وتنظيم المحاكم الإدارية. وكلا الطلبين يمكن بحسب الظروف المحيطة به تقديره من تاريخ التعيين حتى صدور قرار مجلس الوزراء في 24 من نوفمبر سنة 1943 بالنسبة للأول منهما، ومن أول يوليه سنة 1944 و23 من نوفمبر سنة 1944 حتى أول مارس سنة 1950 تاريخ رفع القيد الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة بالنسبة للثاني. ولما كان كل من الطلبين لا تجاوز قيمته على حدة 250 جنيهاً، فإن قضاء المحكمة الإدارية يكون في حدود النصاب النهائي. وكان يتعين - والحالة هذه - على محكمة القضاء الإداري أن تقضي بعدم قبول الاستئناف شكلاً. أما وقد قضت بقبوله فإن حكمها يكون قد صدر مخالفاً للقانون، وتكون قد قامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه لما كان الثابت أن المدعي يطالب باستحقاقه لفرق المرتب الناتج من إعادة تسوية ماهيته من بدء تعيينه وما يترتب على ذلك من آثار بالنسبة إلى إعانة غلاء المعيشة، وكان النزاع المطروح على هذا الوجه يتناول أصل استحقاق كل من فرق المرتب وإعانة الغلاء، فلا حجة في القول بأن قيمة هذا النزاع قد تحددت نهائياً بفرق نقدي لا يتجاوز 250 جنيهاً بالنسبة إلى كل طلب على حدة في فترة زمنية لم يعد الراتب أو علاوة غلاء المعيشة بعدها محل منازعة؛ إذ أن هذا النظر مردود بما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أن قيمة النزاع الحقيقي لا تنحصر فقط في مقدار الرقم الناتج من حساب المتجمد النقدي من فرق المرتب وعلاوة الغلاء في الفترة المتنازع عليها - كما يلوح للرأي البادي - بل تترتب على شمول النزاع لأصل الاستحقاق، أي لسببه وأساسه القانوني، وسواء شملت المنازعة قيام الاستحقاق أو حدوده ومداه فإنه تترتب على ذلك نتائج أبعد مدى لا يمكن التكهن بها أو تقديرها مقدماً؛ ذلك أن فرق المرتب إذا استحق للموظف أصبح جزءاً من المرتب يضاف إليه ويندمج فيه. ولما كان يترتب على مقدار هذا المرتب آثار عدة في شتى الروابط القانونية بين الموظف والحكومة سواء في تحديد المرتبات الإضافية التي تقدر بفئات معينة تنسب إلى المرتب الأصلي كإعانة غلاء المعيشة والعلاوة الاجتماعية وسائر الإعانات والعلاوات بمختلف أنواعها، وكبدل التخصص وبدل التفرغ وبدل الانتقال وبدل السفر وبدل التمثيل، وكالمكافآت عن الأعمال الإضافية، أو من حيث تدرج المرتب، أو استقطاع احتياطي المعاش وربطه، أو تقدير المكافآت عن مدة الخدمة، أو الخصم من الراتب عند التأديب، وغير ذلك مما لا سبيل إلى معرفة مداه أو مقداره سلفاً؛ لتوقفه على ظروف مستقبلة واحتمالات ليس في الوسع التنبؤ بها. ولما كان تحديد مقدار إعانة غلاء المعيشة يرتبط بإجمالي المرتب بما يكمله من فروق ارتباطاً لا يقبل التجزئة بحكم اللزوم لتوقف استحقاق فرق الإعانة المطالب به على ثبوت أصل استحقاق فرق المرتب المتنازع عليه لكونه يتبعه وجوداً وعدماً باعتباره فرعاً من ذلك الأصل، فإنه يجري مجراه ويأخذ حكمه. ولما كانت حجية الحكم في أصل النزاع ستشمل ذلك كله ولا تقتصر على القدر من فرق المرتب أو الإعانة موضوع المنازعة، فإن النزاع في أصل الاستحقاق - كما هو الشأن في خصوصية هذه الدعوى - يجعلها غير قابلة للتقدير مقدماً في كلا شطريها المرتبطين ببعضهما على حد سواء. ومن ثم فإن ما ذهب إليه طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة من عدم قبول الاستئناف يكون في غير محله، ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من قبول الاستئناف شكلاً.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن دفاع مصلحة الجمارك المصرية في موضوع الدعوى يتحصل في أن المدعي التحق بخدمتها في وظيفة استفجى خارج الهيئة بماهية قدرها ثلاثة جنيهات شهرياً من أول يونيه سنة 1935 وهو حاصل على شهادة البكالوريا في سنة 1933، ثم نقل إلى وظيفة ملاحظ أولي بماهية قدرها خمسة جنيهات من أول أكتوبر سنة 1936، وعين في وظيفة معاون مؤقت في الدرجة الثامنة المؤقتة ذات المربوط الثابت بعقد قابل للتجديد بمرتب شهري قدره ستة جنيهات من 25 من سبتمبر سنة 1937، ثم نقل إلى الدرجة الثامنة بالسلك الدائم بمرتبه وقتئذٍ اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1938. وطبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1943 سويت حالته بوضعه في الدرجة الثامنة بماهية شهرية قدرها 500 م و7 ج من أول يونيه سنة 1935، وتدرجت ماهيته تبعاً لذلك، مع عدم صرف فرق إلا من 24 من نوفمبر سنة 1943، ورقي بعد ذلك إلى الدرجة السابعة في 12 من أغسطس سنة 1947، ثم إلى الدرجة السادسة الكاملة من 29 من مايو سنة 1954. ولما كان المذكور قد عين قبل أول يوليه سنة 1952، فإن أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية هي التي تنطبق على حالته لورود مؤهله الدراسي بالجدول المرافق لهذا القانون؛ ومن ثم فلا يستحق أية فروق مالية عن الماضي وفقاً لنص المادة الثالثة من القانون المذكور الذي يسري بأثر رجعي والذي نسخ جميع القرارات السابقة المتعارضة مع أحكامه ومن بينها قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1943 والذي هو أدنى منه درجة.
من حيث إن حكم المحكمة الإدارية بني على أن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية لم يلغ ضمناً أحكام كادر سنة 1931، وما كان ليمس الحقوق المكتسبة التي ثبتت لأربابها إلا بنص صريح خاص يقضي بذلك، وقد خلا من أي نص من هذا القبيل. أما ما نصت عليه المادة الثالثة من هذا القانون من عدم صرف فروق مالية عن الماضي فلا ينصرف إلا إلى الفروق المستحقة نتيجة لتطبيق أحكامه دون ما يستحق منها تنفيذاً لقواعد تنظيمية أخرى سابقة. وقد جاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من يوليه سنة 1943 مردداً للقاعدة التنظيمية العامة التي وردت في كادر سنة 1931 والتي ولدت لمن عين في ظلها مركزاً قانونياً عاماً لا يجوز المساس به؛ ومن ثم فإن القرار المشار إليه يكون قد جاء كاشف الأثر وقضى برد الفروق المستحقة لذويها. وبذلك لم يتضمن لا هو ولا قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1943 أي تحسين في مرتب المدعي، بل الحال لا يعدو أن يكون تصحيحاً لوضع خاطئ بالنسبة إليه. وعليه فإن طلبيه يكونان قد قاما على أساس سليم من القانون، ويكون حقه في اقتضاء الفروق لا يزال قائماً لم يسقط بمضي المدة القانونية.
ومن حيث إن استئناف الحكومة لحكم المحكمة الإدارية المتقدم ذكره قام على أن من عين من حملة شهادة البكالوريا في ظل أحكام كادر سنة 1931 في وظائف خارج الهيئة أو باليومية مثل المدعي لا يكون له حق نشأ وتعلق بالكادر المذكور؛ إذ أن النص الوارد به هو نص جوازي لا إلزامي. كما أنه يتعين على الجهة الإدارية أن تراعي أحكام قانون الميزانية، فلا تعين في الدرجة الثامنة إلا في حدود العدد المقرر في ميزانيتها. وعلى هذا الأساس يكون قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1943 ليس بمثابة إقرار بحق تعلق بأحكام الكادر المشار إليه، بل هو إنشاء لحق جديد لهذه الطائفة من الموظفين طبقاً للأحكام الواردة به. ولما كان القرار المذكور قد نص على تسوية حالة الموظفين الذين شملتهم أحكامه مع عدم صرف فروق الراتب المترتبة على هذه التسوية إلا اعتباراً من تاريخ صدوره، فإنه يتعين النزول على أحكامه باعتباره قراراً منشئاً وعدم صرف فروق التسوية عن الماضي. ولما كان المدعي حاصلاً على مؤهل دراسي مدرج بالجدول المرافق للقانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، فإنه يتعين إعمال حكم المادة الثالثة من هذا القانون، وعدم صرف الفروق المالية عن الماضي. هذا إلى أن هذه الفروق قد سقط الحق في المطالبة بها بالتقادم الخمسي، طبقاً لحكم المادة 375 من القانون المدني.
ومن حيث إن المدعي انتهى في مذكرته المقدمة إلى محكمة القضاء الإداري إلى طلب تأييد حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه والصادر لصالحه، وذلك استناداً إلى الأسباب التي بني عليها وإلى أن التقادم الخمسي لا يلحق الفروق المطالب بها، ما دامت لا تزال محل نزاع قائم؛ إذ لا تسقط في هذه الحالة إلا بعد مضي خمس عشرة سنة من تاريخ الفصل النهائي في هذا النزاع.
ومن حيث إن حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه أقام قضاءه برفض الدعوى موضوعاً على أن أحكام كادر سنة 1931 المعدل بقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من سبتمبر سنة 1935 لم تكن تلزم الإدارة بتعيين حملة شهادة البكالوريا عند التحاقهم بالخدمة في الدرجة الثامنة الكتابية ببداية مربوطها، بل جعلت ذلك أمراً جوازياً متروكاً لتقديرها، وأن تسوية حالة المدعي التي تمت بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1943 هي إنصاف فعلي ناله.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف هو مركز قانوني عام يجوز تعديله وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بقرار تنظيمي جديد يسري بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به. وإذا تضمن التنظيم الجديد مزايا جديدة للوظيفة ترتب أعباءً مالية على الخزانة العامة، فالأصل أنها تسري من تاريخ نفاذه، إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق - وأن كادر سنة 1931 الذي أقره مجلس الوزراء في 25 من فبراير سنة 1931 حدد للدرجة الثامنة مربوطاً يبدأ بستة جنيهات وينتهي بخمسة عشر جنيهاً، ثم أورد بالبند الثاني عشر استثناءً من هذه القاعدة؛ إذ نص في الفقرة الثانية من هذا البند على أن "المرشح للتعيين في الدرجة الثامنة من حملة شهادة الدراسة الثانوية (قسم ثانٍ) أو شهادة مدرسة التجارة المتوسطة يجوز منحه ماهية أولية سنوية قدرها تسعون جنيهاً في السنة للأول وأربعة وثمانون جنيهاً للثاني تزاد تبعاً لنظام العلاوات في هذه الدرجة". وفي 18 من سبتمبر سنة 1935 أصدر مجلس الوزراء قراراً بتخفيض مرتبات المرشحين للتعيين في وظائف الدرجة الثامنة الكتابية بمقدار 500 م و1 ج في الشهر عن القيم المالية المحددة لمؤهلاتهم الدراسية. وفي 7 من يوليه سنة 1943 رفعت اللجنة المالية بناءً على طلب وزارة المالية مذكرة إلى مجلس الوزراء حاصلها أن بعض حملة الشهادات العالية وشهادة الدراسة الثانوية قسم ثانٍ وشهادة التجارة المتوسطة عينوا قبل 18 من سبتمبر سنة 1935 في الدرجة الثامنة بمرتبات تقل عن المقرر لمؤهلاتهم، وذلك لعدم كفاية الاعتمادات المالية، واقترحت إنصافاً لهم أن يمنحوا المرتبات المقررة لمؤهلاتهم مع عدم صرف فروق عن الماضي، وقد وافق مجلس الوزراء على هذه المذكرة في 8 من يوليه سنة 1943، كما وافق في 24 من نوفمبر من ذلك العام على مذكرة أخرى رفعتها إليه اللجنة المالية بشأن تطبيق هذا المبدأ على الموظفين الحاصلين على المؤهلات المشار إليها الذين عينوا باليومية أو في وظائف خارج هيئة العمال قبل 18 من سبتمبر سنة 1935 ولم ينقلوا إلى وظائف من الدرجة الثامنة الكتابية إلا بعد هذا التاريخ، وذلك مع عدم صرف فروق عن الماضي. ويبين من ذلك أن الفقرة الثانية من البند الثاني عشر من كادر سنة 1931 لم تكن تلزم جهة الإدارة بمنح حملة شهادة الدراسة الثانوية (قسم ثانٍ) عند تعيينهم في الدرجة الثامنة راتباً مقداره تسعون جنيهاً في السنة وإنما جعلت تعيينهم بهذا الراتب الاستثنائي أمراً جوازياً لها تترخص فيه وفق مقتضيات المصلحة العامة وحالة الاعتمادات المالية. كما أن أحكام كادر سنة 1931 معدلة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من سبتمبر سنة 1935 لم تكن تلزم الإدارة بتعيين هذه الفئة من الموظفين عند الالتحاق بالخدمة في الدرجة الثامنة الكتابية ببداية مربوطها، بل جعلت ذلك أمراً جوازياً لها متروكاً لتقديرها، فلا تثريب عليها إذا كانت قد عينت المدعي عند بدء خدمته في وظيفة خارج الهيئة بمرتب قدره ثلاثة جنيهات شهرياً، وبذلك لا يستحق سوى مرتب تلك الوظيفة بحكم مركزه القانوني وقتذاك؛ ومن ثم فإن قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من نوفمبر سنة 1943 يكون قد استحدث له مركزاً قانونياً جديداً يسري في حقه من تاريخ نفاذه لا من تاريخ أسبق. أما النص على عدم صرف فروق عن الماضي فإنه لا يعدو أن يكون ترديداً للأصل العام الذي يقضي بسريان التنظيمات الجديدة التي ترتب أعباءً مالية على الخزانة العامة من تاريخ نفاذها إلا إذا نص على الإفادة منها من تاريخ أسبق. ومتى كان الأمر كذلك، فلا يغير من هذا النظر في شيء كون المدعي قد عين قبل 18 من سبتمبر سنة 1935. ولما كان قرارا مجلس الوزراء الصادران في 8 من يوليه سنة 1943 و24 من نوفمبر سنة 1943 إنما قصد بهما إنصاف الموظفين الذين تصدق عليهم أحكامهما بزيادة مرتباتهم تحسيناً لحالهم، وذلك بمقتضى قاعدة منشئة لا كاشفة، فإن المدعي لا يستحق فرق الراتب الذي يطالب به، كما لا يستحق الآثار المترتبة على دعواه أنه لم ينل إنصافاً، وذلك فيما يتعلق بإعانة غلاء المعيشة منعاً من ازدواج الإنصاف. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صادف الصواب فيما قضى به من إلغاء حكم المحكمة الإدارية المستأنف.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.