مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 131

(16)
جلسة 30 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1271 لسنة 2 القضائية

( أ ) حكم - صدور حكمين متناقضين في موضوع واحد بين نفس الخصوم ولذات السبب - فوات مواعيد الطعن بالنسبة لأولهما، والطعن أمام المحكمة العليا في ثانيهما وهو الحكم اللاحق - لا مندوحة للمحكمة العليا من إلغاء الحكم اللاحق المطعون فيه ولو كان الحكم الأول هو الذي لم يصب الحق في قضائه، وذلك احتراماً لقوة الشيء المحكوم به - إذا فرض أن الحكم الأول هو المطعون فيه في الميعاد أمام المحكمة العليا فإنها تنزل حكم القانون عليه، ولا يحول دون ذلك صدور الحكم الآخر اللاحق - دليل ذلك.
(ب) حكم - صدوره من المحكمة العليا - صدور حكم آخر مخالف من المحكمة الأدنى في ذات النزاع - وجوب تنفيذ حكم المحكمة العليا وحده، ولو لم يثر أمامها صدور الحكم الآخر.
1 - إذا صدر في موضوع الخصومة الواحدة حكمان نهائيان، وكان الأخير منهما يخالف الحكم الأول الذي كان قد حاز قوة الشيء المحكوم فيه، ثم طعن في هذا الحكم الأخير أمام المحكمة الإدارية العليا ولم يطعن في الأول وكان قد فات ميعاد الطعن فيه، فلا مندوحة لها من إلغاء هذا الحكم الأخير بالتطبيق للفقرة الثالثة من المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بمجلس الدولة، ولو كان الحكم الأول لم يصب فعلاً الحق في قضائه؛ وذلك احتراماً لقوة الشيء المحكوم به في هذه الصورة، والتي أصبح يعتبر الحكم بمقتضاها عنوان الحقيقة فيما قضى به أياً كانت الحقيقة الموضوعية فيه. أما إذا كان الحكم الأول هو المطعون فيه، فإن المحكمة - بما لها من سلطة التعقيب عليه. تلك السلطة التي تتناول النزاع برمته - تملك أن تنزل حكم القانون فيه، ولا يحول دون ذلك صدور الحكم اللاحق الذي صدر في الخصومة من محكمة أدنى، وإلا لكان مؤدى ذلك أن تغل يد المحكمة العليا من إعمال سلطتها في التعقيب على النزاع وهو مطروح عليها، تلك السلطة التي تتناول الموضوع برمته كما سلف البيان، ولكانت النتيجة العكسية أن يعلو الحكم اللاحق - على ما فيه من مخالفة للقانون لكونه صادراً على خلاف حكم سابق، أياً كان قضاء هذا الحكم - على حكم المحكمة العليا، وهي آخر المطاف في نظام التدرج القضائي، الأمر الذي يتجافى مع طبائع الأشياء ويخل بنظام هذا التدرج في أصله وغايته. ولا جدال في أن هذه الغاية هي وضع الحد لمنع تضارب الأحكام وحسم المنازعات بحكم تكون الكلمة العليا فيه لأعلى درجة من درجات التقاضي في النظام القضائي.
2 - إن حكم المحكمة العليا يجب أن يعلو على حكم المحكمة الأدنى، ما دام كلاهما قد صدر في عين موضوع النزاع، حتى ولو لم يثر أمام المحكمة العليا صدور مثل هذا الحكم، بل يجب أن ينفذ حكم المحكمة العليا وحده.


إجراءات الطعن

في 18 من إبريل سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 20 من فبراير سنة 1956 في القضية رقم 10961 لسنة 8 القضائية المرفوعة من وزارة المواصلات ضد زكي درديري سالم، والقاضي "بإلغاء قرار اللجنة القضائية، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة الطعن - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء كل من قرار اللجنة القضائية ومحكمة القضاء الإداري، والقضاء بتسوية حالة المدعي بالتطبيق لقانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 8 من يوليه سنة 1956 وإلى المدعي في 22 منه، وعين لنظره جلسة 18 من مايو سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجأت إصدار الحكم لجلسة 15 من يونيه سنة 1957، وفيها قررت المحكمة فتح باب المرافعة لجلسة 2 من نوفمبر سنة 1957 للسبب المبين بالمحضر، وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن، وأرجئ الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي قدم تظلماً للجنة القضائية لوزارة المواصلات طالباً استحقاقه لتسوية حالته بالتطبيق لقرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 الخاصة بتعديل تقدير القيم المالية لبعض الشهادات الدراسية واستحقاقه للدرجة السابعة الفنية بمرتب قدره تسعة جنيهات شهرياً اعتباراً من 20 من فبراير سنة 1929 تاريخ إلحاقه بخدمة الحكومة وما يترتب على ذلك من آثار. وقد أجابته اللجنة إلى طلباته بجلسة 27 من إبريل سنة 1953، فطعنت الوزارة في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري طالبة إلغاءه، والقضاء باستحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لأحكام قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، وقيد الطعن برقم 10961 لسنة 8 القضائية، وقد قضت فيه المحكمة بجلسة 20 من فبراير سنة 1956 بإلغاء قرار اللجنة القضائية وإلزام الحكومة بالمصروفات. وأسست قضاءها على أن قرارات مجلس الوزراء المشار إليها أصبحت ملغاة من يوم صدورها، وذلك بالتطبيق لنص المادة الرابعة من قانون المعادلات الدراسية، كما وأن المدعي لا يفيد من أحكام القانون المذكور؛ لأنه موظف غير مثبت ولا يجرى على مرتبه استقطاع احتياطي المعاش.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه في 14 من مارس سنة 1956 صدر القانون رقم 78 لسنة 1956 بتفسير المقصود بالموظفين الذين يفيدون من قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، على أساس إيضاح أن الشارع قصد أن تسري أحكام القانون المشار إليه على جميع الموظفين الشاغلين لوظائف دائمة، سواء كانوا معينين بصفة مؤقتة أو بصفة دائمة، وكذلك الموظفين المعينين على اعتمادات مقسمة إلى درجات. وإذ كان المدعي - وهو حاصل على دبلوم الفنون والصنائع نظام قديم - معيناً في الدرجة السابعة الدائمة ويشغل وظيفة دائمة، فإن أحكام قانون المعادلات تسري عليه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين إلغاؤه، والقضاء بتسوية حالة المدعي بالتطبيق لأحكام قانون المعادلات الدراسية.
ومن حيث إنه بعد إذ تبين للمحكمة من الأوراق أن المدعي كان قد قدم تظلماً آخر أمام اللجنة القضائية قيد برقم 1215 لسنة 1 ق، يطلب عين الطلبات ولنفس الأسباب، وأن تلك اللجنة قضت في 28 من مايو سنة 1953 في موضوع النزاع بطلبات المدعي، فطعنت فيه الوزارة في 23 من أغسطس سنة 1954 أمام محكمة القضاء الإداري وقيد الطعن برقم 13267 لسنة 8 القضائية، فقضت فيه المحكمة المذكورة بجلسة 2 من إبريل سنة 1956 بعدم قبوله شكلاً لرفعه بعد الميعاد - إن المحكمة بعد إذ تبين لها ذلك، وأن ثمة حكمين متناقضين في ذات الموضوع وبين نفس الخصوم ولذات السبب، أمرت بضم ملف الدعوى الأخيرة.
ومن حيث إنه يظهر من ذلك أن الحكم الأخير ولو أنه نهائي ولم يطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، إلا أنه قد صدر على خلاف حكم سابق في ذات الموضوع وبين نفس الخصوم ولذات السبب، وهو الحكم المطعون فيه أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إنه إذا صدر في موضوع الخصومة الواحدة حكمان نهائيان، وكان الأخير منهما يخالف الحكم الأول الذي كان قد حاز قوة الشيء المحكوم فيه، ثم طعن في هذا الحكم الأخير أمام المحكمة الإدارية العليا ولم يطعن في الأول وكان قد فات ميعاد الطعن فيه، فلا مندوحة لها من إلغاء هذا الحكم الأخير بالتطبيق للفقرة الثالثة من المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بمجلس الدولة، ولو كان الحكم الأول لم يصب فعلاً الحق في قضائه، وذلك احتراما لقوة الشيء المحكوم به التي حصنها القانون في هذه الصورة، وأصبح يعتبر الحكم بمقتضاها عنوان الحقيقة فيما قضى به أياً كانت الحقيقة الموضوعية فيه. أما إذا كان الحكم الأول هو المطعون فيه، فإن المحكمة بما لها من سلطة التعقيب عليه، تلك السلطة التي تتناول النزاع برمته، أن تنزل حكم القانون فيه، ولا يحول دون ذلك صدور الحكم اللاحق الذي صدر في الخصومة من محكمة أدنى، وإلا لكان مؤدى ذلك أن تغل يد المحكمة العليا من إعمال سلطتها في التعقيب على النزاع وهو مطروح عليها، تلك السلطة التي تتناول الموضوع برمته كما سلف البيان، ولكانت النتيجة العكسية أن يعلو الحكم اللاحق - على ما فيه من مخالفة للقانون لكونه صادراً على خلاف حكم سابق، أياً كان قضاء هذا الحكم - على حكم المحكمة العليا، وهي آخر المطاف في نظام التدرج القضائي، الأمر الذي يتجافى مع طبائع الأشياء ويخل بنظام هذا التدرج في أصله وغايته. ولا جدال في أن هذه الغاية هي وضع الحد لمنع تضارب الأحكام وحسم المنازعات بحكم تكون الكلمة العليا فيه لأعلى درجة من درجات التقاضي في النظام القضائي. وللأسباب ذاتها يجب أن يعلو كذلك حكم المحكمة العليا على حكم المحكمة الأدنى، ما دام كلاهما قد صدر في عين موضوع النزاع، حتى ولو لم يثر أمام المحكمة العليا صدور مثل هذا الحكم، بل يجب أن ينفذ حكم المحكمة العليا وحده.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه لا يفيد من أحكام قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 إلا الموظفون الشاغلون لوظائف دائمة داخل الهيئة أو على اعتمادات مقسمة إلى درجات، دون الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة والمستخدمين الخارجين عن الهيئة أو عمال اليومية، وذلك طبقاً للتفسير التشريعي الصادر به القانون رقم 78 لسنة 1956 في 14 من مارس سنة 1956.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن المدعي حاصل على دبلوم الفنون والصنائع نظام قديم، والتحق بالخدمة في 20 من فبراير سنة 1929، ومعين على درجة دائمة قبل أول ديسمبر سنة 1952 ويشغل وظيفة دائمة في الميزانية؛ ومن ثم فهو يفيد من قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 مفسراً بالقانون رقم 78 لسنة 1956، وأن الوزارة قد سوت حالته بالفعل طبقاً لقانون المعادلات الدراسية. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف القانون، ويتعين القضاء بإلغائه، وباستحقاق المدعي لتسوية حالته على الوجه المبين بالمنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق للقانون رقم 371 لسنة 1953 والقانون رقم 78 لسنة 1956، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات، ورفض ما عدا ذلك.