مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 184

(22)
جلسة 30 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 1829 لسنة 2 القضائية

قواعد الإنصاف - إنصافها بعض الموظفين ذوي المؤهلات ممن كانوا في الخدمة حتى 9/ 12/ 1944 بمنحهم الدرجات والمرتبات المقررة لمؤهلاتهم في حدود معينة - قصر منح الدرجات على من كانوا في سلك الدرجات سواء داخل الهيئة أو خارجها - عدم منح الدرجة المقررة للمؤهل لمن يعملون باليومية - منحهم أجراً موازياً للمرتب المقرر لمؤهلهم - قرار مجلس الوزراء في 30/ 1/ 1944 وكتاب المالية الدوري في 6/ 9/ 1944.
في 30 من يناير سنة 1944 صدر قرار مجلس الوزراء متضمناً قواعد الإنصاف. ويبين من استقراء هذه القواعد، في ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بها، أنها رمت إلى إنصاف بعض الموظفين ذوي المؤهلات الدراسية ممن كانوا في الخدمة حتى 9 من ديسمبر سنة 1944 بمنحهم الدرجات والمرتبات المقررة لمؤهلاتهم وما يترتب على ذلك في الحدود والأوضاع التي بينتها، واقتصر منح الدرجات على من كانوا في سلك الدرجات سواء داخل الهيئة أو خارجها، أما من لم يكن في سلك الدرجات وإنما كان باليومية، فهؤلاء يمنحون أجراً موازياً للمرتب المقرر لمؤهلهم، كما يتضح من كتاب المالية الدوري الصادر في 6 من سبتمبر سنة 1944 بتنفيذ قواعد الإنصاف. وعلى هذه الأسس - في شأن هؤلاء وأولئك - دبرت الاعتمادات المالية التي يقتضيها تنفيذ تلك القواعد؛ ومن ثم إذا بان للمحكمة أن المدعي لم يكن عند تطبيق قواعد الإنصاف في سلك الدرجات، سواء داخل الهيئة أو خارجها، وإنما كان معيناً باليومية؛ فهو بهذه المثابة لا يستحق أن يمنح الدرجة المقررة لمؤهله، وإنما يستحق أجراً يوازي المرتب المقرر لمؤهله وهو الشهادة الابتدائية.


إجراءات الطعن

في 13 من سبتمبر سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1829 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) بجلسة 22 من يوليه سنة 1956 في الدعوى رقم 1447 لسنة 8 القضائية المرفوعة من وزارة الشئون البلدية والقروية ضد محمد فتحي تهامي، القاضي "برفض الطعن، وبإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وقرار اللجنة القضائية، والقضاء برفض التظلم، وإلزام المتظلم المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 24 من سبتمبر سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 27 من سبتمبر سنة 1956، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 2 من نوفمبر سنة 1957. وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة في 24 من أكتوبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته طلب فيها الحكم "بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وإلزام الحكومة بالمصروفات والأتعاب". ولم تقدم الحكومة مذكرات ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وفي 18 من مايو سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت النطق بالحكم بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه رفع إلى اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية التظلم رقم 3408 لسنة 1 القضائية بعريضة مؤرخة 7 من يوليه سنة 1953 طلب فيها أحقيته في الدرجة التاسعة من بدء التعيين في أول يوليه سنة 1937. وقال شرحاً لموضوع تظلمه إنه عين بمصلحة صحة مدينة القاهرة في أول يوليه سنة 1937 بوظيفة خفير حنفية بأجر يومي قدره ستون مليماً مع كونه حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية عام 1928، وأنه بتاريخ أول يوليه سنة 1942 عين في وظيفة كاتب حصر بأجر يومي قدره مائة مليم زيد إلى مائة وعشرين مليماً اعتباراً من 15 من فبراير سنة 1944. ولما صدرت قواعد الإنصاف طبقت عليه تطبيقاً خاطئاً رغم حصوله على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية؛ إذ منح أجراً يومياً قدره 200 م وهو ما يعادل المرتب المقرر لمؤهله، دون أن يمنح الدرجة المقررة للمؤهل المذكور وهي الدرجة التاسعة، كما يقضي بذلك القانون، وأنه لذلك يطلب اعتباره في الدرجة التاسعة منذ بدء تعيينه، ما دام يحمل المؤهل المذكور منذ بدء تعيينه، كما طلب تطبيق المادة 40 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ومقتضاها اعتباره منسياً واستحقاقه للدرجة الثامنة اعتباراً من أول يوليه سنة 1952، على أساس استحقاقه عند صدور قواعد الإنصاف الدرجة التاسعة للأسباب السالف إيضاحها. وقد دفعت المصلحة هذا التظلم بالقول بأن قواعد الإنصاف قد طبقت تطبيقاً صحيحاً في حق المتظلم؛ إذ منح أجراً يومياً مقداره 200 م عند صدور قواعد الإنصاف، أي ما يعادل خمسة جنيهات شهرياً، وهو المرتب المقرر لمؤهله، وأن هذا الأجر قد زيد بالعلاوات حتى بلغ 240 م يومياً وهو أقصى مربوط الدرجة المقررة لمؤهله، أما عن استحقاق المتظلم للدرجة التاسعة فقد ردت عليه المصلحة بالقول بأن قواعد الإنصاف لم تحظر تعيين حملة الشهادة الابتدائية في أقل من الدرجة التاسعة. وبجلسة 19 من سبتمبر سنة 1953 قررت اللجنة "منح المتظلم الدرجة التاسعة بماهية شهرية قدرها خمسة جنيهات من بدء التعيين طبقاً لقواعد الإنصاف الصادرة في سنة 1944، مع ما يترتب على ذلك من آثار". واستندت في قرارها إلى أن قواعد الإنصاف قد نصت على إنصاف حملة الشهادة الابتدائية الموجودين في الخدمة وقت صدورها في درجة أقل من التاسعة، وأن هذه القاعدة من العموم والإطلاق بحيث يجب سريانها على من كان في وظيفة خارج الهيئة أو باليومية. وأضاف قرار اللجنة إلى ما تقدم أن المدعي ومن على شاكلته لم يرتضوا الخضوع لكادر العمال، وخلصت اللجنة من ذلك إلى أحقيته في الدرجة التاسعة من تاريخ تعيينه. وبعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 9 من ديسمبر سنة 1953 طعنت الحكومة في قرار اللجنة القضائية المشار إليه؛ مستندة إلى أن التطبيق الصحيح لقواعد الإنصاف هو زيادة أجر المتظلم بما يوازي الماهية المقررة لمؤهله دون منحه الدرجة، وأن القواعد المذكورة لم تنص على منح المعين باليومية درجة المؤهل، وهذا ما نص عليه في البند 14 من كتاب المالية رقم ف 234 - 1/ 302. وبجلسة 22 من يونيه سنة 1956 حكمت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) "برفض الطعن، وبإلزام الحكومة بالمصروفات". وأسست قضاءها على أن قواعد الإنصاف التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 وما تلاه من كتب دورية منفذة له قد استهدفت إنصاف ذوي المؤهلات من الموظفين الذين كانوا في الخدمة فعلاً قبل 9 من ديسمبر سنة 1944، وذلك بتحديد درجة كل منهم وراتبه وفقاً لما قدر لمؤهلاتهم في قواعد الإنصاف بعد حصر عددهم وتقدير الاعتمادات اللازمة لهذا الغرض، وعلى أن هؤلاء الموظفين قد تحقق لهم في ظل هذه القرارات التنظيمية العامة مراكز ذاتية يجب احترامها، وأنه لما كان المطعون عليه في خدمة الحكومة عند صدور قواعد الإنصاف وقبل 9 من ديسمبر سنة 1944 ويعمل في وظيفة كاتب حصر باليومية وهو حاصل على الشهادة الابتدائية التي قدرت لحاملها الدرجة التاسعة براتب شهري قدره خمسة جنيهات، فإن أحقيته في الدرجة التاسعة الشخصية بهذا المرتب من بدء التعيين غير قابلة للجدل، وانتهت المحكمة إلى رفض الطعن.
ومن حيث إن الطعن قد بني على ما رجحته هيئة المفوضين من أن القرار التنظيمي العام الصادر في 30 من يناير سنة 1944 إنما خص بمزايا الإنصاف الموظفين المعينين على درجة أقل من الدرجة المقررة للمؤهل، ومقتضى هذا أن قواعد الإنصاف مقصورة التطبيق على طائفة الموظفين الداخلين في هيئة العمال والخارجين عنها، ولا يتعدى إلى عمال اليومية من أصحاب المؤهلات الذين تعرض لأوضاعهم كتاب المالية الدوري في بنده الرابع عشر، وهو الكتاب الصادر في 6 من سبتمبر سنة 1944 بزيادة أجورهم اليومية بما يجعلها موازية للمرتب الشهري المقرر لمؤهلاتهم، وأن إنزال هذا الحكم على وقائع الدعوى من حيث عدم تطبيق قواعد الإنصاف في حق المطعون عليه لا يضعف من حجته أن المطعون عليه قد تم له فعلاً في 7 من أكتوبر سنة 1954 قرار بتسوية حالته وفقاً لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 بمنحه الدرجة التاسعة من بدء التعيين مع ما يترتب على ذلك من آثار؛ "ذلك أن التسويات الإدارية النهائية التي تكتسب الحصانة وفقاً للقانون رقم 78 لسنة 1956 هي التسويات التلقائية التي لا يقوم بشأنها منازعة قضائية منظورة في أية درجة من درجات التقاضي، أما التسوية الحالية فهي ليست تلقائية؛ لأنها صدرت تحت تأثير منازعة قضائية أمام اللجنة القضائية على اعتبار أن قواعد الإنصاف هي قواعد متكاملة"، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المطعون عليه أنه عين بمصلحة الصحة العمومية التابعة حينذاك لوزارة الداخلية في وظيفة خفير حنفية في أول يوليه سنة 1937 بأجر يومي قدره ستون مليماً، وأنه كان حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في يونيه سنة 1928، وأنه عين بعد ذلك في أول يوليه سنة 1942 في وظيفة كاتب حصر بأجر يومي قدره مائة مليم زيد إلى مائة وعشرين مليماً يومياً اعتباراً من 15 من فبراير سنة 1944. ولما صدرت قرارات الإنصاف طبقت عليه بحكم حصوله على المؤهل المذكور، ولذلك منح أجراً يومياً قدره 200 م زيد بالعلاوات حتى بلغ في أول مايو سنة 1943 240 م، وأن الجهة الإدارية أجرت له - بعد صدور قرار اللجنة القضائية لصالحه في 19 من سبتمبر سنة 1953 وطعنها في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري - التسوية رقم 1409 لسنة 1954 بالتطبيق للقانون رقم 371 لسنة 1953 بشأن المعادلات الدراسية، منح بمقتضاها الدرجة التاسعة اعتباراً من أول يوليه سنة 1937، ثم رقي على هذا الأساس إلى الدرجة الثامنة من 7 من مارس سنة 1953.
ومن حيث إن مثار المنازعة هو ما إذا كانت قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 تسري في حق المدعي على اعتبار أنه كان في الخدمة مؤهلاً قبل صدورها، أم أنه لا يفيد من هذه القواعد بوصفه من عمال اليومية غير المعينين على درجة من الدرجات الواردة في كادر سنة 1939، وهل تعلق حق المدعي بالتسوية الإدارية التي تمت له قبل نفاذ القانون رقم 151 لسنة 1955، بحيث يحق له أن يتمسك بحصانتها دون قيد أو شرط.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الأول، فلا شبهة في أن المطعون عليه كان من عمال اليومية بمصلحة الصحة العمومية التابعة حينذاك لوزارة الداخلية عندما صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 متضمناً قواعد الإنصاف، وأنه ظل على وضعه حتى أجريت له التسوية الإدارية في 9 من أكتوبر سنة 1954 بالتطبيق لقانون المعادلات، بينما يصر المدعي على استحقاقه لتطبيق قرار الإنصاف عليه بمنحه الدرجة التاسعة المقررة لمؤهله وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
ومن حيث إنه باستقراء هذه القواعد، في ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بها، يبين أنها رمت إلى إنصاف بعض الموظفين ذوي المؤهلات الدراسية ممن كانوا في الخدمة حتى 9 من ديسمبر سنة 1944 بمنحهم الدرجات والمرتبات المقررة لمؤهلاتهم وما يترتب على ذلك في الحدود والأوضاع التي بينتها، واقتصر منح الدرجات على من كانوا في سلك الدرجات سواء داخل الهيئة أو خارجها، أما من لم يكن في سلك الدرجات، وإنما كان باليومية، فهؤلاء يمنحون أجراً موازياً للمرتب المقرر لمؤهلهم، كما يتضح من كتاب المالية الدوري الصادر في 6 من سبتمبر سنة 1944 بتنفيذ قواعد الإنصاف، وعلى هذه الأسس - في شأن هؤلاء وأولئك - دبرت الاعتمادات المالية التي يقتضيها تنفيذ تلك القواعد.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من ملف خدمة المدعي لم يكن عند تطبيق قواعد الإنصاف في سلك الدرجات سواء داخل الهيئة أو خارجها، وإنما كان معيناً باليومية، وبهذه المثابة لا يستحق أن يمنح الدرجة المقررة لمؤهله، وإنما يستحق أجراً يوازي المرتب المقرر لمؤهله وهو الشهادة الابتدائية، وهو ما نفذته الوزارة فعلاً في حقه.
ومن حيث إنه ولئن كان المدعي لا يفيد من قواعد الإنصاف، حسبما سلف البيان، كما لا يفيد في الأصل من قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 مفسراً ومعدلاً بالقانونين رقمي 151 لسنة 1955 و78 لسنة 1956؛ لأنه ليس من الموظفين الشاغلين لوظائف دائمة، سواء أكانوا معينين بصفة دائمة أو مؤقتة، ولا على اعتمادات مقسمة إلى درجات، بل كان عاملاً باليومية، إلا أنه كانت قد تمت في حقه تسوية تلقائية في 7 من أكتوبر سنة 1954 بوضعه في الدرجة التاسعة منذ بدء تعيينه في الخدمة، وذلك قبل نفاذ القانون رقم 151 لسنة 1955، فإن هذه التسوية تكتسب الحصانة المعنية بالقانون رقم 78 لسنة 1956 على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين إلغاؤه، وتسوية حالة المدعي على الوجه المبين بالمنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق للقانون رقم 371 لسنة 1953 والقانون رقم 78 لسنة 1956، وألزمت الحكومة بالمصروفات، ورفض ما عدا ذلك.