مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 221

(28)
جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 788 لسنة 2 القضائية

( أ ) حكم - عدم بطلانه إذا قام بكاتب الجلسة سبب من الأسباب التي لو وجدت بالقاضي لأدت إلى عدم صلاحيته أو إلى رده - كاتب الجلسة ليس من هيئة القضاة سواء الجالس منهم أو الواقف - اقتصار مهمته على المعاونة في العمل الكتابي - إذا ثبت قيام سبب بكاتب الجلسة من أسباب عدم الصلاحية أو أسباب الرد فلا مانع قانوناً من حضوره ككاتب للجلسة وإن كان من المندوب إليه استبدال غيره به.
(ب) قرار إداري - ترتيبه أعباء مالية على الخزانة - عدم تحقق أثره الحال والمباشر إلا بقيام الاعتماد المالي اللازم - ليس للوزارات والمصالح الارتباط بمكافأة إضافية لموظفيها عند انعدام الاعتماد المالي قبل الحصول على الترخيص مقدماً من وزارة المالية - قيام الموظف بهذه الأعمال بتكليف من الإدارة لا ينشئ له مركزاً ذاتياً قانونياً في شأن المكافأة ما لم يصدر إذن الصرف في حدود الاعتمادات المقررة ممن يملكه، وهو أمر جوازي للإدارة.
1 - لئن كان كاتب الجلسة من أعوان القضاء إلا أنه ليس من هيئة القضاة، سواء الجالس منهم أو الواقف، الذين يمتنع عليهم نظر الدعوى إن قام بهم سبب من أسباب عدم الصلاحية، أو يجوز ردهم إن قام بهم سبب من أسباب الرد، المنصوص على هذه الأسباب وتلك في الباب المعقود لذلك في قانون المرافعات، وإنما تقتصر مهمة كاتب الجلسة على المعاونة في العمل الكتابي، وبهذه المثابة لا يمتنع عليه قانوناً الحضور ككاتب جلسة، كما لا يجوز رده إذا كانت له مصلحة شخصية في الدعوى لو أنها قامت بالقاضي جالساً أو واقفاً لأصبح معزولاً عن أن يحكم فيها أو جاز رده عنها بحسب الأحوال؛ ومن ثم لا يبطل الحكم لو قام بكاتب الجلسة مثل هذا السبب، وإن كان من المندوب إليه استبدال غيره به، دفعاً لكل مظنة بخصوص العمل الكتابي.
2 - متى كان القرار الإداري من شأنه ترتيب أعباءً مالية على الخزانة العامة، فإن أثره لا يكون حالاً ومباشرة إلا بقيام الاعتماد المالي اللازم لمواجهة هذه الأعباء، فإن لم يوجد الاعتماد كان تحقيق هذا الأثر غير ممكن قانوناً. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للوزارات والمصالح الارتباط بشأن مكافآت إضافية للموظفين قبل الحصول على الترخيص مقدماً من وزارة المالية. وتكليف الإدارة للموظف بأداء أعمال إضافية وقيامه بهذه الأعمال لا ينشئ له مركزاً قانونياً ذاتياً في شأن المكافأة عن هذه الأعمال، ما لم يصدر الإذن بالصرف في حدود الاعتمادات المقررة ممن يملكه، وهذا أمر جوازي للإدارة متروك لتقديرها.


إجراءات الطعن

في 11 من مارس سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 18 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 1067 لسنة 7 ق المرفوعة من وزارة العدل ضد يوسف فرج فهمي، والذي يقضي "برفض الطعن، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء قرار اللجنة القضائية، ورفض التظلم، مع إلزام المتظلم بالمصروفات". وقد أعلن الطعن إلى وزارة العدل في 2 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 25 من يوليه سنة 1956، وعين لنظره جلسة 24 من نوفمبر سنة 1956، وفيها وفي الجلسات التالية سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بمحاضرها، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه تقدم في 8 من نوفمبر سنة 1953 بتظلم رقم 81 لسنة 1 قضائية إلى اللجنة القضائية لوزارة العدل، قال فيه إنه انتدب في شهر سبتمبر سنة 1951 من رياسة محكمة القاهرة الابتدائية بناءً على طلب وكيل وزارة العدل للعمل بمحكمة استئناف القاهرة للقيام بنسخ قضية الأسلحة الفاسدة على الآلة الكاتبة وذلك بعد الظهر من الساعة الرابعة والنصف مساءً حتى الساعة الثامنة والنصف، نظير أجر إضافي يصرف من اعتماد يخصص لذلك الغرض، وبما أن ذلك العمل قد استمر في تلك القضية ثلاثة أشهر حتى انتهى في أوائل ديسمبر سنة 1951، فقد تقدم بطلب صرف المكافأة التي يستحقها عن تلك المدة وقدرها ثمانية عشر جنيهاً مصرياً. وقد ردت وزارة العدل على التظلم بأن محكمة استئناف القاهرة طلبت من الوزارة بكتابها الرقيم 262 المؤرخ 23 من إبريل سنة 1952 منح بعض الموظفين ومن بينهم المتظلم أجوراً إضافية لاشتغالهم في غير أوقات العمل الرسمية في نسخ أوراق الجناية رقم 581 لسنة 1951 الوايلي المعروفة بقضية الجيش. فكتبت الوزارة إلى وزارة المالية في 31 من مايو سنة 1952 برقم 6 - 1/ 118 بطلب الموافقة على صرف مبلغ 633 م و295 ج بصفة مكافأة لأولئك الموظفين، ولم يصل رد وزارة المالية إلى وزارة العدل. وفي 18 من يناير سنة 1953 أصدرت اللجنة القضائية قراراً "بأحقية المتظلم في المكافأة المستحقة، وإلزام وزارة العدل بصرفها إليه". واستند القرار إلى أن وزارة العدل "لا تنازع في طلبات المتظلم وأنها شرعت فعلاً بالكتابة إلى وزارة المالية في هذا الصدد بتاريخ 31 من مايو سنة 1952 بطلب الموافقة على صرف مبلغ 633 م و295 ج بصفة مكافأة للموظفين الذين قاموا بهذا العمل ولم يصل رد وزارة المالية بعد. ولما كان ليس بين المتظلم ووزارة المالية علاقة ما، بل إن العلاقة قائمة بينه وبين وزارة العدل التي ندبته وأصبحت ملزمة بصرف المكافأة المستحقة له دون تقيد بأحقيته في هذا الصرف بموافقة وزارة المالية". وبعريضة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 16 من إبريل سنة 1953 طعنت وزارة العدل في قرار اللجنة القضائية، وأقامت طعنها على الأوجه الآتية: (1) إن قرار اللجنة قد شابه البطلان لأن سكرتير اللجنة القضائية وهو عضو مكمل لها كان هو المتظلم نفسه، ولا يجوز له أن يكون في لجنة قضائية تقضى في دعوى خاصة به. (2) جاء في حيثيات قرار اللجنة القضائية أنه ليس بين المتظلم وبين وزارة المالية علاقة ما، والواقع أن مسألة الأجور الإضافية والمكافآت عن الأعمال الإضافية تحكمها قواعد تنظيمية معينة، فقد نصت المادة 135 من قانون المصلحة المالية على أنه: "لا تعطى مكافأة على غير أعمال عادية إلا بقرار خصوصي من مجلس النظار بناءً على رأي اللجنة المالية". وقد صدر قرار مجلس الوزراء في 5 من سبتمبر سنة 1937 متضمناًً استمرار اختصاص اللجنة المالية ومجلس الوزراء في البت في منح هذه المكافآت والقواعد التي تصرف بمقتضاها. وفي 4 من أغسطس سنة 1943 صدر قرار مجلس الوزراء يخول وزير المالية الفصل في هذه المكافآت. ولما كانت العلاقة بين الموظف والحكومة علاقة تنظيمية لا علاقة تعاقدية؛ فمن ثم يكون عمل الموظف في أوقات العمل غير الرسمية محكوماً بالقواعد التنظيمية التي تعالج هذه المرتبات والمكافآت، وبالتالي فلا ارتباط - كما رأت اللجنة القضائية - بين تكليف وزارة العدل للمتظلم وبين استحقاقه للمرتب الإضافي؛ إذ أن ذلك كله كما سلف البيان يرجع إلى القواعد التنظيمية التي تعالج هذه المسائل، وهي طبقاً لآخر قرار مجلس الوزراء من اختصاص وزير المالية وحده. ثم قد صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من مارس سنة 1946 بخفض الاعتمادات التي كانت مدرجة في مشروع ميزانيات الوزارات والمصالح عن السنة المالية 1946 - 1947 للمكافآت عن الأعمال الإضافية، باعتبار أن وقت الموظف وجهده ينبغي أن يكرسا لخدمة المصلحة العامة بغير مقابل إضافي. ثم أذاعت وزارة المالية في 4 من يناير سنة 1951 بكتابها الرقيم ف 151/ 1/ 1 أعادت فيه إلى الوزارات الطلبات الخاصة بصرف المرتبات والمكافآت الإضافية ببحثها من جديد على ضوء تكريس وقت الموظف وجهوده لخدمة الحكومة والاقتصاد في المصروفات إلى أقصى حد، وطلبت عدم عرض حالات إلا التي يكون فيها حاجة ملحة وتسندها مبررات كافية. وفي يونيه سنة 1951 أذاعت وزارة المالية كتابها رقم ف 151/ 1/ 1، وقد جاء فيه (إنه لما كانت وزارة المالية غير مستعدة للنظر في صرف مكافآت إضافية للموظفين نظير اشتغالهم في غير ساعات العمل الرسمية لنهو الأعمال المتأخرة بمصالحهم وطلبت مراعاة عدم عرض مثل هذه الطلبات). واسترسلت وزارة العدل في دفاعها قائلة إن وزارة المالية، وهي الجهة المختصة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من أغسطس سنة 1942 بالفصل في المكافآت عن الأعمال الإضافية، رأت - تمشياً مع سياستها المالية العامة والاقتصاد في المصروفات إلى أقصى حد - عدم عرض مثل هذه الطلبات، وأن لا إلزام على وزارة المالية في المنح؛ ذلك لأن هذا المنح مسألة جوازية. وخلصت الوزارة إلى أنه لا توجد قاعدة تنظيمية بصرف المكافأة. وقد صدر قرار مجلس الوزراء في 11 من أغسطس سنة 1952 وفي 5 من نوفمبر سنة 1952 بشأن المكافآت، وجعل الاختصاص فيها لديوان الموظفين، فهو صاحب الحق في المنح أو المنع، وذلك بالتطبيق لأحكام المادة 45 من القانون رقم 210 لسنة 1951، التي تتحدث عن المكافآت عن الأعمال الإضافية، وصدرتها بلفظ (يجوز)؛ مما يؤكد أن هذه المكافآت جوازية. كما أن المادة 73 من القانون المذكور نصت على أنه يجوز تكليف الموظف بأداء عمل حتى في غير الأوقات الرسمية، مما يدل على أنه ليس للموظف الحق في طلب المكافأة عن أداء عمله، ولو استدعى الأمر أن يعمل في غير المواعيد المقررة. وانتهت وزارة العدل إلى أن قرار اللجنة القضائية قد جاء مخالفاً للقانون، متعيناً إلغاؤه، مع إلزام المتظلم بالمصاريف ومقابل الأتعاب. وفي 18 من يناير سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري في الطعن المقدم من وزارة العدل "برفضه، وتأييد قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت الحكومة بالمصروفات"؛ مستندة إلى أسباب قرار اللجنة القضائية وإلى ما جاء بتقرير السيد مفوض الدولة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على وجهين: الأول، أن المتظلم يعتبر - بحكم الواقع وبحكم القانون - مكملاً للجنة القضائية التي أصدرت القرار الفاصل في شأن تظلمه؛ وبذلك يكون قرارها باطلاً لتجرده من طابع الحيدة الذي يجب أن يتسم به عمل اللجنة القضائية. والثاني، أن القواعد التنظيمية التي كانت سارية المفعول لا تنشئ للمتظلم أي مركز قانوني ذاتي في شأن المكافأة عن الأعمال التي قام بها، ولو ارتبطت معه جهة الإدارة، ما دامت وزارة المالية لم ترخص مبدئياً بصرف هذه المكافأة.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول، فإنه ولئن كان كاتب الجلسة من أعوان القضاء، إلا أنه ليس من هيئة القضاة، سواء الجالس منهم أو الواقف، الذين يمتنع عليهم نظر الدعوى إن قام بهم سبب من أسباب عدم الصلاحية، أو يجوز ردهم إن قام بهم سبب من أسباب الرد، المنصوص على هذه الأسباب وتلك في الباب المعقود لذلك في قانون المرافعات، وإنما تقتصر مهمة كاتب الجلسة على المعاونة في العمل الكتابي؛ وبهذه المثابة لا يمتنع عليه قانوناً الحضور ككاتب جلسة، كما لا يجوز رده إذا كانت له مصلحة شخصية في الدعوى، لو أنها قامت بالقاضي -جالساً أو واقفاً - لأصبح معزولاً عن الحكم فيها أو جاز رده عنها بحسب الأحوال؛ ومن ثم لا يبطل الحكم لو قام بكاتب الجلسة مثل هذا السبب، وإن كان من المندوب إليه استبدال غيره به، دفعاً لكل مظنة بخصوص العمل الكتابي.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني، فإن القواعد التنظيمية التي تحكم المنازعة إنما هي تلك التي كانت سارية المفعول في شأن المكافأة عن الأعمال الإضافية التي تم أداؤها قبل أول يوليه سنة 1952 تاريخ العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ ذلك أن الأعمال الإضافية التي يطالب المطعون عليه بالمكافأة عنها تمت في المدة ما بين اليوم الثاني من سبتمبر سنة 1951 واليوم الأول من ديسمبر سنة 1951. وقد أجمل قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من يوليه سنة 1936 القواعد التي يجب مراعاتها في هذا الصدد، فقال "تنفيذاً لخطة الاقتصاد التي اعتزمت الحكومة أن تنتهجها وتخفيفاً لأعباء الميزانية من جراء اعتمادات الموظفين، قد قامت وزارة المالية ببحث شامل في المرتبات والمكافآت التي تمنح للموظفين من اعتمادات الميزانية علاوة على ماهياتهم، إما في مقابل أعمال إضافية وإما لظروف تلابس الوظيفة. وهي تتشرف بأن تعرض على مجلس الوزراء في الكشوف المرفقة نتيجة هذا البحث الذي استرشدت فيه بالاعتبارات الآتية: 1 - المرتبات المقررة لأعمال إضافية: لوحظ أن كثيراً من الموظفين يتقاضون مرتبات ومكافآت تتفاوت قلة وكثرة عن أعمال هي بطبيعتها من مهام وظائفهم أو مما يتصل بها اتصالاً وثيقاً كما لوحظ أن بعض الموظفين يندبون أحياناً بسبب مركزهم أو خبرتهم للعمل في بعض اللجان الحكومية ويمنحون في مقابل ذلك مكافآت خاصة، ولما كان المفروض أن الموظف مطالب بأن يضع في الحدود المعقولة وقته وخبرته فيما يتعلق بمهام وظيفته تحت تصرف الحكومة، فقد رؤي أنه لا محل للمكافأة على مثل هذه الأعمال الإضافية وإن اقتضت تأديتها الاشتغال في غير أوقات العمل الرسمية، غير أنه يجوز من باب الاستثناء البحث في حالة ما إذا كانت الحكومة تتقاضى من الهيئات أو الأفراد مقابلاً خاصاً لهذا العمل الإضافي، أن تصرف للموظف من هذا المقابل مكافأة تقدر بحسب الحالة مع مراعاة احتساب جانب منها لمصلحة الخزانة في نظير المصاريف الإدارية. 2 - المرتبات المقررة لظروف تلابس الوظيفة، كبدل عدم مزاولة المهنة أو بدل الإقامة: لوحظ أن الظروف قد تغيرت تغيراً كلياً منذ تقرير كثير من هذه المرتبات فأصبح من الحق إعادة النظر فيها لتخفيضها أو حذفها بما يطابق الظروف الجديدة. 3 - بصرف النظر عن الاعتبارات الخاصة التي تسوغ حذف بعض المرتبات أو تخفيضها، فإن الحاجة ماسة إلى الاقتصاد في اعتمادات الموظفين مما يبرر إجراء تخفيض عام في هذه الموارد الإضافية التي لا تدخل في صلب الماهية، ولا ينبغي أن يكون لها حساب دائم في تدبير معاش الموظف. غير أنه قد رؤي أن يستثنى من ذلك بعض المرتبات المقررة لصغار الموظفين والخدمة تمشياً مع خطة الحكومة في التخفيف عن هذه الطبقة. 4 - لم تر وزارة المالية أن تتعرض للمرتبات والمكافآت المقررة للموظفين الأجانب عن الأعمال الإضافية. وذلك على اعتبار أن هؤلاء الموظفين معينون، بعقود لأعمال معينة، فلا يجوز - احتراماً لهذه العقود - تكليفهم بأعمال إضافية إلا إذا أجروا عليها، أما المرتبات المقررة لظروف تلابس الوظيفة فتسري عليها أحكام الحذف أو التخفيض المقترحة ما لم يكن منصوصاً عليها في عقودهم. على أن هذا لا يمنع من إعادة النظر فيما يتقاضون من مرتبات ومكافآت لأعمال إضافية أو لظروف تلابس الوظيفة ابتغاء حذفها أو تخفيضها عند تجديد عقودهم. 5 - لم يتناول البحث أيضاً المرتبات العسكرية، مع العلم بأن اعتماداتها تبلغ نحو مائة ألف جنيه، أي حوالي ربع اعتمادات المرتبات والمكافآت في جملتها. 6 - يبلغ الوفر الناتج عن الاقتراحات الواردة في الكشوف المرفقة نحو 63000 جنيهاً مصرياً في السنة، وقد راعت وزارة المالية تخفيض هذا المبلغ ضمن التعديلات التي أدخلت على مشروع ميزانية 1936 - 1937 الذي سيعرض على مجلس الوزراء".
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأن الأصل أن يخصص الموظف وقته وجهده في الحدود المعقولة لأداء واجبات وظيفته، وأن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به في أوقات العمل الرسمية أو الذي يكلف بأدائه ولو في غير هذه الأوقات علاوة على الوقت المعين لها متى اقتضت مصلحة العمل ذلك، وهذا هو ما نص عليه قرار مجلس الوزراء السالف ذكر أحكامه، وهو ما أوردته المادة 73 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الواردة في الفصل السادس الخاص بواجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم. كما أن المفروض في الموظف أن يؤدي عملاً إيجابياً في خدمة المصلحة العامة طوال ساعات العمل الرسمية بتمامها، فليس يكفي أن يوجد بمقر وظيفته في أوقات العمل الرسمية دون أن يؤدي عملاً ما. كما لا يكفي أن يقوم في هذه الأوقات بأي قدر من العمل ولو يسير، بل إنه مكلف بإنجاز القدر من العمل المطلوب منه أداؤه في الوقت المخصص لذلك. أما العمل الإضافي فهو ما جاوز ذلك، سواء أكان من ذات طبيعة العمل الأصلي أم من طبيعة مغايرة، وهو ما يجوز أن يمنح عنه مكافأة. كما أن منحه مكافأة عن الأعمال الإضافية التي يطلب إليه تأديتها في غير أوقات العمل الرسمية ليس حقاً أصيلاً له، وإنما هو أمر جعل جوازياً للإدارة لاعتبارات مردها إلى صالح العمل وإلى العدالة معاً.
ومن حيث إن القاعدة الأساسية التي تحكم صرف المكافآت عن الأعمال الإضافية في نطاق الأوضاع التي رسمها قرار مجلس الوزراء آنف الذكر والقرارات المعدلة له هي وجوب التزام حدود اعتمادات الميزانية المقررة في جميع الأحوال؛ ذلك أن الأصل في هذه المكافأة أنها منحة تخييرية للإدارة، وهي مقيدة في هذا المنح بالاعتمادات المالية التي لا سلطان لها في تقريرها، بل مرجع الأمر فيها إلى جهة أخرى هي السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص في ذلك [(1)]. ومتى كان القرار الإداري من شأنه ترتيب أعباء مالية على الخزانة العامة، فإن أثره لا يكون حالاً ومباشرة إلا بقيام الاعتماد المالي اللازم لمواجهة هذه الأعباء، فإن لم يوجد الاعتماد كان تحقيق هذا الأثر غير ممكن قانوناً. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للوزارات والمصالح الارتباط بشأن مثل هذه المكافآت قبل الحصول على الترخيص مقدماً من وزارة المالية. وتكليف الإدارة للموظف بأداء أعمال إضافية وقيامه بهذه الأعمال لا ينشئ له مركزاً قانونياً ذاتياً في شأن المكافأة عن هذه الأعمال، ما لم يصدر الإذن بالصرف في حدود الاعتمادات المقررة ممن يملكه، وهذا أمر جوازي للإدارة متروك لتقديرها؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه؛ ولهذا يتعين الحكم بإلغائه، وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] يراجع حكم المحكمة الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1955، المنشور بالسنة الأولى من هذه المجموعة، بند 23، صفحة 182 وما بعدها.