مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 230

(29)
جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 1106 لسنة 2 القضائية

( أ ) قرار إداري - تعريفه - ثبوت أنه يرتب أعباء مالية على الخزانة - وجوب أن يعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء حتى يصبح القرار ممكناً وجائزاً قانوناً - إذا كان واضحاً من الاعتماد أنه قصد أن ينفذ من تاريخ سابق لتسوية حالات سابقة تعين نفاذه على هذا الوجه - مثال - حالات الإنصاف.
(ب) مستخدم خارج الهيئة - ثبوت أن المدعي عين بواباً لعمارة وقف من الأوقاف الخيرية التي تقوم عليها وزارة الأوقاف بسلطتها العامة في إدارة مرفق الخيرات - اعتباره من المستخدمين الخارجين عن الهيئة - إفادته من قواعد الإنصاف الواردة في شأن هذه الفئة.
1 - إن القرار الإداري، باعتباره إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة - إن القرار الإداري بهذه المثابة لا يتولد عنه أثره حالاً ومباشرة إلا إذا كان ممكناً وجائزاً قانوناً، أو متى أصبح كذلك. فإن كان القرار من شأنه أن يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة وجب لكي يصبح جائزاً وممكناً قانوناً أن يعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء من الجهة المختصة بحسب الأوضاع الدستورية. فإذا كان ظاهر الاعتماد أنه لا يفيد منه الموظف إلا من تاريخ تقريره، فيعمل بذلك من التاريخ المذكور، أما إذا كان واضحاً أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق لتسوية حالات سابقة، كحالات الإنصاف، تعين نفاذه على هذا الوجه.
2 - إذا ثبت أن المدعي عين منذ سنة 1932 بواباً لعمارة وقف من الأوقاف الخيرية التي تقوم عليها وزارة الأوقاف بسلطتها العامة في إدارة مرفق الخيرات طبقاً للقوانين واللوائح في هذا الشأن، فإنه يعتبر من الموظفين العموميين ومن فئة المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال، ويحق له الإفادة من الحكم الوارد بقواعد الإنصاف في شأن هذه الفئة من المستخدمين، وقد قرر حداً أدنى لمرتباتهم لا يقل عن ثلاثة جنيهات شهرياً عند توافر الاعتماد المالي اللازم، بتقريره ممن يملكه، وتكون الإفادة منه من التاريخ المعين لذلك.


إجراءات الطعن

في 7 من إبريل سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الحكومة بالإسكندرية بجلسة 28 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 321 لسنة 3 ق المقامة من محمد والي مصطفى ضد وزارة الأوقاف، والذي قضى "باستحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لقواعد إنصاف الخدمة الخارجين عن هيئة العمال الصادرة في 30 من يناير سنة 1944، واعتبار مرتبه 3 ج شهرياً من هذا التاريخ، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند عليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم، وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن لوزارة الأوقاف في 2 من يوليه سنة 1956، وللمطعون عليه في 12 من يوليه سنة 1956، ولم يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وقد أبلغا في 8 من أكتوبر سنة 1957 بتاريخ جلسة المرافعة في 19 من أكتوبر سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 321 لسنة 3 ق بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 11 من فبراير سنة 1956 يطالب فيها باستحقاقه للفروق المترتبة على تطبيق قواعد الإنصاف عليه وإعانة الغلاء والعلاوات الدورية. وقال شرحاً لدعواه إنه التحق بخدمة وزارة الأوقاف في سنة 1932 بمرتب شهري قدره 200 قرش زيد إلى 300 قرش حتى الآن في زيادات دورية، وقد عين بواباً بإحدى عمارات الوزارة بالإسكندرية. وطالب مراراً بتسوية حالته على أساس قواعد الإنصاف المقررة بكتاب وزارة المالية الدوري رقم 234/ 1 - 302 المؤرخ 6/ 9/ 1944 بمنحه مرتباً شهرياً قدره ثلثمائة قرش، مع ما يترتب على ذلك من آثار، من إعانة غلاء المعيشة، وصرف الفروق عن الماضي. وردت وزارة الأوقاف على ذلك بأن المدعي عين في 6/ 12/ 1931 بواباً بعمارة وقف سنان باشا بمرتب قدره جنيهان، ثم صدر أمر المأمورية في 10 من إبريل سنة 1932 بنقله إلى العمارة رقم 43 بشارع الفراعنة لوقف سيدنا الحسين الخيري (وقف الحرمين الشريفين)، فهو يشغل وظيفة بواب خارج الهيئة بلا درجة بمربوط ثابت حسب ترتيب وظائف البوابين بالميزانية، ثم تدرج مرتبه حتى بلغ ثلثمائة قرش في 25/ 12/ 1952 تنفيذاً لقرار عام صدر من الوزارة برفع مرتبات خدم العمارات إلى هذا القدر. وبجلسة 28 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة الإدارية بالإسكندرية "باستحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لقواعد إنصاف الخدمة الخارجين عن هيئة العمال المؤرخة 30 من يناير سنة 1944، واعتبار مرتبه ثلاثة جنيهات شهرياً من هذا التاريخ، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات". وأسست قضاءها على أن المدعي عين قبل العمل بقواعد الإنصاف؛ ومن ثم يكون محقاً في طلب إنصافه برفع راتبه إلى الحد المقرر بتلك القواعد. وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة في 7 من أبريل سنة 1956؛ مؤسساً طعنه على أنه من حق المدعي، بوصف كونه من المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال، الإفادة من الحكم الوارد بقواعد الإنصاف في شأن هذه الفئة من المستخدمين الذي قرر حداً أدنى لمرتباتهم لا يقل عن ثلاثة جنيهات، ولكن هذا منوط بطبيعة الحال بتقرير الاعتماد المالي اللازم لمواجهة تكاليف ذلك ممن يملكه. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وبمحضر جلسة السيد مفوض الدولة في 18 من مارس سنة 1957 قرر مندوب وزارة الأوقاف بأن المطعون عليه يعمل بواباً في العمارة التابعة لوقف سيدنا الحسين وهو وقف خيري. وقال إن الوزارة سوت حالة المطعون عليه وفقاً لمبدأ المحكمة الإدارية العليا، أي اعتباراً من تاريخ فتح الاعتماد المالي الذي تقرر لإنصاف أفراد طائفة البوابين، وأن الاعتماد الخاص بإنصافهم لم يفتح إلا في ديسمبر سنة 1952.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن القرار الإداري، باعتباره إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة - إن القرار الإداري بهذه المثابة لا يتولد عنه أثره حالاً ومباشرة إلا إذا كان ممكناً وجائزاً قانوناً، أو متى أصبح كذلك. فإن كان القرار من شأنه أن يرتب أعباءً مالية على الخزانة العامة وجب لكي يصبح جائزاً وممكناً قانوناً أن يعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء من الجهة المختصة بحسب الأوضاع الدستورية. فإذا كان ظاهر الاعتماد أنه لا يفيد منه الموظف إلا من تاريخ تقريره فيعمل بذلك من التاريخ المذكور، أما إذا كان واضحاً أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق لتسوية حالات سابقة كحالات الإنصاف، تعين نفاذه على هذا الوجه.
ومن حيث إن المدعي عين منذ سنة 1932 بواباً لعمارة وقف سيدنا الحسين الخيري، وهو من الأوقاف الخيرية التي تقوم عليها وزارة الأوقاف بسلطتها العامة في إدارة مرفق الخيرات طبقاً للقوانين واللوائح في هذا الشأن؛ وبهذه المثابة يكون المدعي من الموظفين العموميين ومن فئة المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال، ويحق له الإفادة من الحكم الوارد بقواعد الإنصاف في شأن هذه الفئة من المستخدمين، وقد قرر حداً أدنى لمرتباتهم لا يقل عن ثلاثة جنيهات شهرياً عند توافر الاعتماد المالي اللازم، بتقريره ممن يملكه، وتكون الإفادة منه من التاريخ المعين لذلك حسبما سلف إيضاحه. والثابت من الأوراق أن الاعتماد الخاص بإنصاف البوابين لم يفتح إلا في ديسمبر سنة 1952، وقد سوت الوزارة حالة المطعون ضده وفقاً للقاعدة التي قررتها هذه المحكمة في هذا الشأن، أي اعتباراً من تاريخ فتح الاعتماد المالي الذي تقرر لإنصاف طائفة البوابين بوزارة الأوقاف.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون، ويتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بمصروفاتها.