مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 246

(31)
جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 495 لسنة 3 القضائية

( أ ) مؤهل دراسي - مدرسة الصيارفة والمحصلين - القانون رقم 449 لسنة 1953 - اعتباره شهادة تلك المدرسة مؤهلاً دراسياً له تقويم مستقل ولحامله وضع خاص ومركز قانوني معين - تقديره للتعيين بوظائف الصيارفة والمحصلين الدرجة الثامنة الكتابية بأول مربوطها.
(ب) مؤهل دراسي - شهادة مدرسة الصيارفة والمحصلين - عدم الاعتراف بها كشهادة مستقلة قبل العمل بالقانون رقم 449 لسنة 1953؛ إذ كان حاملها يمنح علاوة إضافية بغير تحديد راتب معين لهذا المؤهل - القانون المذكور لا يعتبر تعديلاً لتسعير سابق، بل إنشاء لوضع جديد - أثر ذلك في تطبيق قراري مجلس الوزراء الصادرين في 3/ 12/ 1950 و6/ 1/ 1952 في شأن إعانة غلاء المعيشة.
1 - في 17 من مايو سنة 1938 أقر مجلس الوزراء لائحة مدرسة الصيارفة والمحصلين وأدخل عليها أكثر من تعديل، وذلك تشجيعاً للطلاب على الإقبال على هذه المدرسة حتى يمكن مواجهة العجز المستمر بوظائف المحصلين. ومع إدخال كثير من التحسينات في اللائحة، فقد ظل النقص في عدد الصيارف في تزايد مستمر، مما جعل مصلحة الأموال المقررة إزاء حالة خطيرة تهدد بحصول عجز في إيرادات الدولة، لذلك رؤي إدخال تعديلات أخرى على اللائحة المذكورة تشجيعاً للالتحاق بالمدرسة مع زيادة فئات المكافآت التي يتقاضاها المحصلون في فترة التمرين، وقد رؤي عند التعيين في الوظيفة وضع قواعد خاصة لخريجي المدرسة تختلف عن القواعد المنصوص عليها في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من حيث الإعفاء من الامتحان التحريري والشخصي والتعيين في الدرجة الثامنة بمرتب أقل من بداية المربوط مع جواز الإعفاء من مدة التمرين. فصدر في 17 من سبتمبر سنة 1953 القانون رقم 449 لسنة 1953 في شأن إنشاء مدرسة الصيارفة والمحصلين، ونص في المادة الثالثة منه على المؤهلات العلمية اللازمة للقبول بالمدرسة، وفي مقدمتها شهادة الدراسة الثانوية (القسم الخاص أو القسم العام)، ونص في المادة 16 منه على أن "يقضي الناجحون في الامتحان مدة تمرين لا تزيد على ثلاثة شهور بصيرفيات الأموال بالجهات التي تعينها المصلحة تحت إشراف الصيارفة الأصليين، ويعطون قسطاً من العمل يكونون مسئولين عنه، وتصرف لهم أثناء التمرين مكافأة قدرها خمسة جنيهات شهرياً"، كما أفصحت المادة 17 منه عن قصد الشارع في أن يجعل من شهادة هذه المدرسة مؤهلاً دراسياً له تقويم مستقل، ويكون لحامله وضع خاص ومركز قانوني معين فنصت على أنه "بعد انقضاء مدة التمرين يعين الناجحون بحسب ترتيب نجاحهم في وظائف التحصيل في الدرجة الثامنة الكتابية بمبدأ ربطها بمصلحة الأموال المقررة أو بغيرها من المصالح الأخرى التي تعينها المصلحة المذكورة. ويسري هذا الحكم على خريجي المدرسة الموجودة حالياً في السنتين الدراسيتين لسنة (1951/ 1952/ و1952/ 1953) الذين لم يتم تعيينهم بعد، وتعتبر مدة التمرين داخلة في حساب الأقدمية في الدرجة وفي الخدمة". وبذلك يكون هذا القانون قد قدر للتعيين بوظائف الصيارفة والمحصلين الدرجة الثامنة الكتابية بأول مربوطها. وتفادياً لكل شك قد يتطرق لهذا الوضع الجديد، فقد نصت المادة 19 منه على أن "يلغى كل نص مخالف لأحكام هذا القانون".
2 - إن شهادة مدرسة الصيارفة والمحصلين لم تكن من المؤهلات المسعرة أو المعترف بها كشهادة مستقلة قبل العمل بالقانون رقم 449 لسنة 1953؛ إذ لم يكن مقرراً لها راتب معين، بل كان يمنح الحاصل عليها فقط ممن يعمل في وظائف الصيارف علاوة إضافية قدرها 500 م، فلم يكن يمنح راتباً معيناً لهذا المؤهل، ثم زيدت هذه العلاوة الإضافية بقرار 5 من يناير سنة 1951 إلى 1500 م، وظل الحال على ذلك إلى أن صدر القانون سالف الذكر في 17 من سبتمبر سنة 1953، معدلاً لائحة المدرسة تعديلاً من شأنه أن يعين الحاصل على هذه الشهادة بالدرجة الثامنة بمبدأ ربطها بمصلحة الأموال المقررة أو بغيرها من المصالح الأخرى التي تعينها المصلحة المذكورة. ومفاد ذلك أن القانون الجديد أنشأ لهذا الدبلوم وضعاً خاصاً وكياناً مستقلاً قائماً بذاته لأول مرة كدبلوم معترف بما يضفيه على حامله من مركز قانوني واضح المعالم. ولا يستساغ القول بأن ما جاء به القانون الجديد لا يعدو أن يكون تعديلاً لتسعير سابق، فيصدق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1950 الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة على الماهيات والمرتبات والمعاشات والأجور المستحقة للموظفين والمستخدمين والعمال وأرباب المعاشات في آخر نوفمبر سنة 1950. ومن ثم إذا ثبت أن المدعي حاصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم العام سنة 1952، وتخرج من مدرسة المحصلين والصيارف سنة 1955، ثم التحق بوظيفة صراف وتسلم عمله فعلاً في 26/ 9/ 1955 في ظل أحكام القانون رقم 449 لسنة 1953، فإن التكييف السليم لوضعه عندما التحق بتلك الوظيفة هو أنه تعيين جديد بمؤهل جديد غير المؤهلات السابق تسعيرها، التي قد يحملها بعض الحاصلين على هذا المؤهل الجديد الذي هو شهادة مدرسة المحصلين والصيارف بمقتضى القانون رقم 449 لسنة 1953. ويتعين - والحالة هذه - حساب إعانة الغلاء على أساس ماهية هذا المؤهل الجديد الذي عين المدعي على أساسه، وذلك بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952، الذي قضى بأن تكون "معاملة الموظفين الذين ثبتت إعانة غلاء المعيشة لهم على أساس ماهياتهم في 30 من نوفمبر سنة 1950 ثم حصلوا على شهادات دراسية أعلى من هذا التاريخ أو بعده وعينوا في الدرجات والماهيات المقررة للمؤهلات الجديدة على أساس منحهم إعانة الغلاء على الماهية الجديدة من تاريخ الحصول عليها".


إجراءات الطعن

في 25 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المالية بجلسة 27 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 422 لسنة 3 ق المقامة من محمد فرحات السيد أبو ريشة ضد وزارة المالية، والذي يقضي "بأحقية المدعي في إعانة غلاء المعيشة على أساس الراتب المقرر لمؤهله الدراسي في 30 من نوفمبر سنة 1950 مضافاً إليه 500 م، مع خصم ما يوازي الزيادة بين هذا الراتب - الراتب المقرر طبقاً للكادر السابق - وبين الراتب الذي حصل عليه لأحكام بالتطبيق لأحكام القانون رقم 449 لسنة 1953 من إعانة غلاء المعيشة، وذلك على التفصيل المبين بأسباب الحكم، ورفض ما عدا ذلك، وألزمت الحكومة بربع المصاريف والمدعي بالباقي". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء للمدعي بطلباته، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 28 من مارس سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 31 من مارس سنة 1957 وعين لنظره جلسة 12 من أكتوبر سنة 1957، وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة 9 من نوفمبر سنة 1957، وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 422 لسنة 3 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية والاقتصاد بصحيفة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 27 من أغسطس سنة 1956 يطلب الحكم بتسوية حالته على أساس أحقيته في راتب شهري قدره تسعة جنيهات مضافاً إليها إعانة غلاء المعيشة على أساسها حسب النسبة المقررة وحسب حالته الاجتماعية مع صرف الفروق المستحقة له من تاريخ تعيينه، وإلزام الحكومة بالمصروفات. وقال شرحاً لذلك إنه يحمل شهادة الثقافة سنة 1951 وشهادة مدرسة المحصلين والصيارف سنة 1955، وعين صرافاً بمصلحة الأموال المقررة في أكتوبر سنة 1955 في ظل أحكام القانون رقم 449 لسنة 1953 الخاص بإنشاء مدرسة المحصلين والصيارف، الذي حددت المادة الثالثة منه المؤهلات العلمية التي يتعين أن يكون الطالب حاصلاً عليها ومنها شهادة المدعي، وجاء في المادة 17 من هذا القانون أن يعين الناجحون في هذه المدرسة بحسب ترتيب نجاحهم في وظائف التحصيل في الدرجة الثامنة الكتابية بمبدأ مربوطها، مع سريان هذا الحكم على خريجي المدرسة سنتي 1951 - 1952 و1952 - 1953 الذين لم يتم تعيينهم بعد. وجاء في المادة 19 منه أيضاً النص الآتي "يلغى كل نص مخالف لأحكام هذا القانون". ولما كان أول مربوط الدرجة الثامنة هو تسعة جنيهات، وأن المدعي وفقاً لذلك يستحق راتباً شهرياً قدره تسعة جنيهات ويستحق على أساسها إعانة غلاء المعيشة طبقاً للنسبة المقررة وحسب حالته الاجتماعية. وقال إن مصلحة الأموال المقررة منحته فعلاً مرتباً قدره تسعة جنيهات شهرياً، ولكنها فيما يتعلق بإعانة الغلاء فقد منحته إياها على أساس مرتب الشهادة الدراسية التي يحملها قبل دخوله مدرسة المحصلين والصيارف، وخصمت الفرق بين التسعة الجنيهات ومرتب الشهادة من إعانة الغلاء، وهذا يخالف نصوص القانون رقم 449 لسنة 1953. ودفعت وزارة المالية هذه الدعوى بأن المدعي عين بالدرجة الثامنة بماهية قدرها تسعة جنيهات مصرية، وكان الصيارفة والمحصلون يعاملون بمقتضى لائحة مدرسة المحصلين والصيارفة المصدق عليها من مجلس الوزراء في 27 من أغسطس سنة 1950، والتي تقضي بتعيين خريجي المدرسة بالدرجة الثامنة الدائمة، وبالماهيات المقررة لشهاداتهم الدراسية مضافاً إليها 500 م علاوة شهادة المدرسة بالنسبة للجميع. ثم رفعت علاوة المدرسة من 500 م إلى 1500 م بقرار مجلس الوزراء الصادر في 7 من يناير سنة 1951. وكانت تصرف لهؤلاء الصيارفة إعانة غلاء معيشة على أساس الماهيات المقررة لشهاداتهم الدراسية مضافاً إليها 500 م علاوة المدرسة، وهي الماهيات التي كانت تصرف قبل 30 من نوفمبر سنة 1950، تاريخ تثبيت إعانة غلاء المعيشة. والقصد من ذلك أن لا يمتاز جديد على قديم. ثم تعدلت لائحة المدرسة بالقانون رقم 449 لسنة 1953 الصادر في 17 من سبتمبر سنة 1953، وينص القانون الجديد على تعيين الناجحين من المدرسة بعد انقضاء مدة التمرين في وظائف التحصيل بالدرجة الثامنة الكتابية بمبدأ مربوطها وقدره تسعة جنيهات شهرياً، وتعتبر مدة التمرين داخلة في حساب الأقدمية في الدرجة والخدمة، وقد منح الصيارفة الذين عينوا في وظائف في ظل القانون المشار إليه بماهية تسعة جنيهات شهرياً للجميع دون اعتبار للمؤهل الدراسي الحاصل عليه كل منهم مع تنفيذ كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 28 لسنة 1952 بشأن استقطاع ما يوازي الزيادات المترتبة على تنفيذ الكادر الجديد من إعانة غلاء المعيشة كما أنهم عوملوا في إعانة غلاء المعيشة على أساس ما كان يتقاضاه أمثالهم في 30 من نوفمبر سنة 1950 تاريخ تثبيت إعانة غلاء المعيشة، ومن بينهم المدعي، والذي تتحصل حالته فيما يلي: (1) إنه حاصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم العام سنة 1952. (2) إنه من خريجي مدرسة المحصلين والصيارفة سنة 1955. (3) إنه التحق بالخدمة بوظيفة صراف بمحافظة السويس، واستلم العمل فعلاً اعتباراً من 26 من سبتمبر سنة 1955 في ظل قانون المدرسة رقم 449 لسنة 1953. وجاء في دفاع مصلحة الأموال المقررة أنه تشكى بعض هؤلاء الصيارفة من معاملتهم في إعانة الغلاء على هذا الأساس، وكذلك من تطبيق كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 28 لسنة 1952 عليهم، وطلبوا معاملتهم في إعانة غلاء المعيشة على أساس الماهية الفعلية التي يتقاضونها وهي تسعة جنيهات. ولما استطلعت المصلحة رأي ديوان الموظفين في هذه الشكوى أفاد بكتابه المؤرخ أول مارس سنة 1955 بأنه يرى تثبيت إعانة غلاء المعيشة للصيارفة الجدد الذين عينوا بعد أول يوليه سنة 1952 على الماهيات المقررة لمؤهلاتهم الدراسية في 30 من نوفمبر سنة 1950 مجردة من علاوة المدرسة ثم استقطاع الزيادة المترتبة على تنفيذ القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من إعانة غلاء المعيشة. وكذلك أبلغ الديوان المصلحة بكتابه رقم 22/ 1/ 33 المؤرخ 28/ 5/ 1955 أنه لا يزال عند رأيه المبلغ بذات الرقم في أول مارس سنة 1955 من ضرورة استبعاد علاوة خريجي مدرسة المحصلين والصيارفة من الماهية عند تقدير إعانة غلاء المعيشة وعند تطبيق الكتاب الدوري رقم 28 لسنة 1952، وخلصت المصلحة إلى طلب رفض دعوى المدعي لعدم قيامها على أساس من القانون سليم، مع إلزامه بالمصروفات. وقد قضت المحكمة الإدارية لوزارة المالية والاقتصاد بجلستها المنعقدة في 27 من ديسمبر سنة 1956 "بأحقية المدعي في إعانة غلاء المعيشة على أساس الراتب المقرر لمؤهله الدراسي في 30 من نوفمبر سنة 1950 مضافاً إليه 500 م، مع خصم ما يوازي الزيادة بين هذا الراتب والراتب الذي حصل عليه بالتطبيق لأحكام القانون رقم 449 لسنة 1953 من إعانة غلاء المعيشة، وذلك على التفصيل المبين بأسباب الحكم، ورفض ما عدا ذلك، وألزمت الحكومة بربع المصاريف والمدعي بالباقي". وفي الجلسة التالية في 23 من يناير سنة 1957 قررت المحكمة تصحيح الخطأ المادي الوارد في منطوق الحكم فقررت "أن يستبدل بعبارة هذا الراتب - عبارة - الراتب المقرر طبقاً للكادر السابق". وأسست المحكمة قضاءها على عدم الاعتداد بدبلوم مدرسة المحصلين والصيارف الحاصل عليه المدعي كمؤهل أعلى من المؤهل الحاصل عليه قبل التحاقه بالمدرسة، بل اعتبرت المحكمة أن الأمر في شأنه لا يعدو أن يكون تعييناً على أساس مؤهل كان مسعراً من قبل ثم رفع المرتب المقرر له، وبالتالي يجب حساب إعانة الغلاء على أساس التسعير السابق.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن شهادة مدرسة المحصلين والصيارف قد اعتبرت بصدور القانون رقم 449 لسنة 1953 مؤهلاً دراسياً صار له بموجب هذا القانون تقدير مستقل، باعتباره من المؤهلات الدراسية التي أغفل أمر تقديرها في التسعيرات السابقة، فيسري عليه أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952، ويستحق المعين على أساسه، سواء تم التعيين ابتداءً أم وقع أثناء الخدمة، أن تحسب إعانة الغلاء المقررة له على أساس المرتب المقدر له في القانون. والقول بغير ذلك فيه مخالفة لأحكام القانون، وهو ما وقعت فيه المحكمة الإدارية لوزارة المالية والاقتصاد حين قالت، في خصوصية هذه الدعوى، إن الأمر لا يعدو أن يكون تعديلاً لراتب الشهادة الحاصل عليها المدعي قبل الالتحاق بالمدرسة المذكورة، فتحسب إعانة الغلاء المقررة له في هذه الحالة على أساس المرتب القديم المقدر له قبل 30 من نوفمبر سنة 1950، تاريخ تثبيت إعانة الغلاء على أساس المرتب المعدل بالقانون.
ومن حيث إن مقطع النزاع في هذه الدعوى مرده إلى معرفة ما إذا كانت شهادة مدرسة المحصلين والصيارف قد اعتبرت بصدور القانون رقم 449 لسنة 1953 بشأن إنشاء هذه المدرسة مؤهلاً دراسياً صار له بموجب هذا القانون تقدير مستقل، باعتباره من المؤهلات الدراسية التي أغفل أمر تقديرها في التسعيرات السابقة، وفي هذه الحالة يسري عليه أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952، ويستحق المعين بمقتضاه أن تحسب إعانة الغلاء المقررة له على أساس المرتب المقدر له في القانون، سواء أتم التعيين ابتداءً أم وقع أثناء الخدمة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تعديلاً لراتب الشهادة الحاصل عليها المدعي قبل الالتحاق بالمدرسة المذكورة، فتحسب إعانة الغلاء المقررة له في هذه الحالة على أساس المرتب القديم المقدر له قبل 30 من نوفمبر سنة 1950 تاريخ تثبيت إعانة الغلاء.
ومن حيث إنه في 17 من مايو سنة 1938 أقر مجلس الوزراء لائحة مدرسة الصيارفة والمحصلين، وأدخل عليها أكثر من تعديل؛ وذلك تشجيعاً للطلاب على الإقبال على هذه المدرسة حتى يمكن مواجهة العجز المستمر بوظائف المحصلين. ومع إدخال كثير من التحسينات في اللائحة، فقد ظل النقص في عدد الصيارف في تزايد مستمر، مما جعل مصلحة الأموال المقررة إزاء حالة خطيرة تهدد بحصول عجز في إيرادات الدولة؛ لذلك رؤي إدخال تعديلات أخرى على اللائحة المذكورة تشجيعاً للالتحاق بالمدرسة، مع زيادة فئات المكافآت التي يتقاضاها المحصلون في فترة التمرين، وقد رؤي عند التعيين في الوظيفة وضع قواعد خاصة لخريجي المدرسة، تختلف عن القواعد المنصوص عليها في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، من حيث الإعفاء من الامتحان التحريري والشخصي، والتعيين في الدرجة الثامنة بمرتب أقل من بداية المربوط مع جواز الإعفاء من مدة التمرين. فصدر في 17 من سبتمبر سنة 1953 القانون رقم 449 لسنة 1953 في شأن إنشاء مدرسة للصيارفة والمحصلين، ونص في المادة الثالثة منه على المؤهلات العلمية اللازمة للقبول بالمدرسة، وفي مقدمتها شهادة الدراسة الثانوية (القسم الخاص أو القسم العام)، وهي الشهادة التي حصل عليها المدعي سنة 1952. وجاء في الباب الثاني منه عن التعيين في الوظائف [مادة 16]: "يقضي الناجحون في الامتحان مدة تمرين لا تزيد على ثلاثة شهور بصيرفيات الأموال بالجهات التي تعينها المصلحة تحت إشراف الصيارفة الأصليين، ويعطون قسطاً من العمل يكونون مسئولين عنه، وتصرف لهم أثناء التمرين مكافأة قدرها خمسة جنيهات شهرياً". وأفصحت المادة 17 من هذا القانون عن قصد الشارع في أن يجعل من شهادة هذه المدرسة مؤهلاً دراسياً له تقويم مستقل، ويكون لحامله وضع خاص ومركز قانوني معين، فنصت هذه المادة على أنه "بعد انقضاء مدة التمرين، يعين الناجحون بحسب ترتيب نجاحهم في وظائف التحصيل في الدرجة الثامنة الكتابية بمبدأ ربطها بمصلحة الأموال المقررة أو بغيرها من المصالح الأخرى التي تعينها المصلحة المذكورة، ويسري هذا الحكم على خريجي المدرسة الموجودة حالياً في السنتين الدراسيتين لسنة (1951/ 1952، 1952/ 1953) الذين لم يتم تعيينهم بعد، وتعتبر مدة التمرين داخلة في حساب الأقدمية في الدرجة وفي الخدمة". وبذلك يكون هذا القانون قد قدر للتعيين بوظائف الصيارفة والمحصلين الدرجة الثامنة الكتابية بأول مربوطها. وتفادياً لكل شك قد يتطرق لهذا الوضع الجديد، فقد نصت المادة 19 منه على أن "يلغى كل نص مخالف لأحكام هذا القانون".
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي حاصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم العام سنة 1952، وأنه من خريجي مدرسة المحصلين والصيارف سنة 1955، ثم التحق بالخدمة بوظيفة صراف بالسويس، وتسلم عمله فعلاً في 26 من سبتمبر سنة 1955 في ظل أحكام القانون رقم 449 لسنة 1953. وثابت أن شهادة مدرسة الصيارفة والمحصلين لم تكن من المؤهلات المسعرة أو المعترف بها كشهادة مستقلة قبل؛ إذ لم يكن مقرراً لها راتب معين، بل كان يمنح الحاصل عليها فقط ممن يعمل في وظائف الصيارف علاوة إضافية قدرها 500 م، فلم يكن يمنح راتباً معيناً لهذا المؤهل، ثم زيدت هذه العلاوة الإضافية بقرار 5 من يناير سنة 1951 إلى 1500 م، وظل الحال على ذلك إلى أن صدر القانون رقم 449 لسنة 1953 في 17 من سبتمبر سنة 1953 معدلاً لائحة المدرسة تعديلاً من شأنه أن يعين الحاصل على هذه الشهادة بالدرجة الثامنة بمبدأ ربطها بمصلحة الأموال المقررة أو بغيرها من المصالح الأخرى التي تعينها المصلحة المذكورة على النحو السالف بيانه. ومفاد ذلك أن القانون الجديد أنشأ لهذا الدبلوم وضعاً خاصاً وكياناً مستقلاً قائماً بذاته لأول مرة كدبلوم معترف بما يضفيه على حامله من مركز قانوني واضح المعالم. ولا يستساغ القول بأن ما جاء به القانون الجديد لا يعدو أن يكون تعديلاً لتسعير سابق فيصدق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1950 الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة على الماهيات والمرتبات والمعاشات والأجور المستحقة للموظفين والمستخدمين والعمال وأرباب المعاشات في آخر نوفمبر سنة 1950، بل إن التكييف السليم لوضع المدعي عندما التحق بوظيفة صراف بالسويس هو أنه تعيين جديد بمؤهل جديد غير المؤهلات السابق تسعيرها، والتي قد يحملها بعض الحاصلين على هذا المؤهل الجديد الذي هو شهادة مدرسة المحصلين والصيارف بمقتضى القانون رقم 449 لسنة 1953. ويتعين - والحالة هذه - حساب إعانة الغلاء على أساس ماهية هذا المؤهل الجديد الذي عين المدعي على أساسه، وذلك بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1952، الذي قضى بأن تكون "معاملة الموظفين الذين ثبتت إعانة غلاء المعيشة لهم على أساس ماهياتهم في 30 من نوفمبر سنة 1950 ثم حصلوا على شهادات دراسية أعلى من هذا التاريخ أو بعده وعينوا في الدرجات والماهيات المقررة للمؤهلات الجديدة على أساس منحهم إعانة الغلاء على الماهية الجديدة من تاريخ الحصول عليها".
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي إعانة غلاء المعيشة على أساس الراتب الشهري وقدره تسعة جنيهات اعتباراً من تاريخ تسلمه العمل في 26 من سبتمبر سنة 1955، وما يترتب على ذلك من فروق مالية، وألزمت الحكومة بالمصروفات.