مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1957 إلى آخر يناير سنة 1958) صـ 262

(33)
جلسة 7 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 793 لسنة 3 القضائية

( أ ) ميزانية - النص في الميزانية على وظائف معينة - ثبوت أن الوصف الوارد لهذه الوظائف لا يعدو أن يكون من الألقاب العامة التي ليس من شأنها تمييز تلك الوظائف تمييزاً خاصاً بها - وجوب أن تجرى الترقية إلى تلك الوظائف، سواء بالأقدمية أو بالاختيار، في النسب وبالشروط المبينة في المواد 38 و39 و40 من قانون نظام موظفي الدولة.
(ب) ترقية - الرخصة التي خولها المشرع للإدارة بالتطبيق للمادة 22/ 1 من قانون الموظفين في ترقية موظف يقوم بأعباء وظيفة درجتها أعلى من درجته بطريق الندب - وجوب أن يتطاول هذا الندب لمدة سنة على الأقل - عند تخلف هذا الشرط يتعين التزام قواعد الترقية الواردة بالمواد 38 و39 و40 من القانون سالف الذكر.
1 - ورد بميزانية وزارة الأشغال - عن السنة المالية 1954 - 1955، قسم 14، في الفرع 6، الخاص بمصلحة المساحة، الصفحة 608 - ست وثلاثون درجة رابعة لوظائف "وكلاء مفتشين لتفاتيش الدرجة الثانية ووكلاء مفتشي الأقسام أو مساعدي مفتشين"، يليها في التدرج الهرمي النازل سبع وأربعون درجة لوظائف "مساعدي مفتشين ورؤساء مراجعة". والوصف الوارد لهذه الوظائف في الميزانية لا يعدو أن يكون من الألقاب العامة التي ليس من شأنها أن تميز تلك الوظائف تمييزاً خاصاً بها؛ يقطع في ذلك التجانس الظاهر في طبيعة العمل بينها جميعاً، بل إن شاغلي الوظائف الأدنى مرتبة هم وكلاء شاغلي الوظائف الأعلى؛ وبهذه المثابة يقومون مقامهم في مباشرة اختصاصهم عند غيابهم. فلا وجه إذن للقول بأنها من الوظائف المتميزة بطبيعتها تميزاً خاصاً يتطلب تأهيلاً خاصاً أو صلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين من شاغلي الوظائف الأدنى مقام بعضهم البعض في الصلاحية للوظائف الأعلى؛ ومن ثم وجب أن تجرى الترقية، سواء بالأقدمية أو بالاختيار، في النسب وبالشروط المبينة في المواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
2 - إن المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - بصيغتها المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1953 - كانت تجرى فقرتها الأولى بما يأتي "لا تمنح الدرجة المخصصة للوظيفة إلا لمن يقوم بعملها فعلاً، وإذا قام الموظف بأعباء وظيفة درجتها أعلى من درجته لمدة سنة على الأقل، سواء بطريق الندب أو القيد على الدرجة أو رفعها جاز منحه الدرجة إذا توافرت فيه شروط الترقية إليها". ويستفاد منها أن ثمة شرطاً جوهرياً يتوقف على توافره جواز استعمال الرخصة التي خولتها الإدارة بموجب هذه الفقرة بالنسبة إلى ترقية موظف يقوم بأعباء وظيفة درجتها أعلى بطريق الندب، وهذا الشرط هو أن يتطاول هذا الندب لمدة سنة على الأقل قبل حصول الترقية. وغنى عن البيان أن رخصة الترقية التي أعطيتها الإدارة - أياً كانت طبيعة الوظيفة المرقى إليها ولو كانت غير متميزة - إنما تتمحض استثناءً من قواعد الترقية حسبما نظمتها المواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951، بحيث إذا اختل شرط المدة امتنع على الإدارة بداهة استعمال هذه الرخصة، ووجب عليها التزام قواعد الترقية المنصوص عليها في المواد 38 و39 و40 من القانون المشار إليه.


إجراءات الطعن

في 2 من يونيه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 793 لسنة 2 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 4 من إبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 364 لسنة 10 القضائية المقامة من السيد أحمد إبراهيم خليل ضد وزارة الأشغال العمومية - مصلحة المساحة - القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 9 من سبتمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة، وما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض دعوى المدعي، مع إلزامه المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الأشغال في 18 من أغسطس سنة 1957، وإلى المطعون عليه في 15 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 30 من نوفمبر سنة 1957. وفي 12 من أغسطس سنة 1957 أودع المطعون عليه سكرتيرية هذه المحكمة مذكرة بملاحظاته صمم فيها على دفاعه الذي أبداه أمام محكمة القضاء الإداري. وفي 28 من سبتمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون عليه أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 14 من نوفمبر سنة 1955 يطلب فيها الحكم بإلغاء "حركة الترقيات الصادر بها القرار الوزاري من السيد الوكيل الدائم لوزارة الأشغال العمومية في 9 من سبتمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية بالأقدمية المطلقة اعتباراً من 31 من أغسطس سنة 1954 تاريخ سريان الحركة المطعون فيها، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال شرحاً لدعواه إنه حصل على الليسانس في الحقوق عام 1939، والتحق بخدمة مصلحة المساحة في 24 من يناير سنة 1940 في الدرجة السادسة الفنية، وأنه منح الدرجة الخامسة الفنية بتاريخ 27 من فبراير سنة 1949، وخلال ذلك حصل على دبلوم الدراسة العليا في الشريعة الإسلامية عام 1945، ورغماً عن ذلك فقد أجرت مصلحة المساحة بتاريخ 31 من أغسطس سنة 1954 حركة ترقيات لشغل ثماني درجات رابعة فنية بالكادر الفني العالي، وكان يتعين عليها - طبقاً للمادة 38 من قانون موظفي الدولة - أن تشغل ستاً من هذه الدرجات الرابعة الشاغرة بالأقدمية المطلقة، وكان ترتيبه في كشف الأقدمية عند إجراء الحركة الخامسة، وكان من حقه أن يرقى إلى إحدى الدرجات الرابعة الفنية على أساس الأقدمية طبقاً للمادة 38 سالفة الذكر، إلا أن المصلحة أغفلت ترقيته رغم استيفائه جميع الشرائط اللازمة لذلك، وصدر قرار وزاري في 9 من سبتمبر سنة 1954 بشغل هذه الدرجات نص فيه على سريان هذه الترقيات اعتباراً من 31 من أغسطس سنة 1954. وأضاف إلى ما تقدم أن الوزارة استندت في إغفال ترقيته إلى تفسير خاطئ للمادة 22 من قانون موظفي الدولة؛ إذ رأت أن درجات المصلحة مخصصة لوظائف واردة في ميزانية المصلحة عن السنة المالية 1954 - 1955، وأنه لم يشغل أية وظيفة من وظائف الميزانية المخصصة لها الدرجة الرابعة، وقال إنه تظلم من هذا التخطي في المدة القانونية طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، ولما لم تجد هذه الظلامة وانقضت المدة التي يستفاد منها رفض الجهة الإدارية لهذا التظلم قدم طلباً بإعفائه من الرسوم القضائية برقم 437 لسنة 9 ق أمام محكمة القضاء الإداري، ضمنه الطعن في حركة الترقيات التي سبقت الإشارة إليها، وعندما قضي بقبول المعافاة في 17 من سبتمبر سنة 1955، أقام هذه الدعوى طالباً فيها إلغاء القرار المشار إليه؛ مستنداً إلى أن الأسماء الواردة أمام الدرجات في ميزانية المصلحة عن السنة المالية 1954 - 1955 ما هي إلا ألقاب عامة كان موجوداً مثلها في ميزانيات المصلحة السابقة لتنظيم العمل وسهولة مراجعة الميزانية، وأن درجات المصلحة قد نسقت في تدرج هرمي، وأن الوظائف ليست مخصصة، وأيد ذلك بالاستناد إلى المادة 40 من قانون موظفي الدولة التي لا تسمح بقصر الترقيات على شاغلي وظائف معينة إلا بمقتضى مراسيم على نحو ما تم بالنسبة إلى بعض وظائف مصالح الري والميكانيكا والكهرباء والمباني، والقياس على وظائف هذه المصالح هو قياس مع الفارق، لأن كادر مصلحة المساحة ينتظم، إلى جانب المهندسين، موظفين قضائيين وفنيين ورسامين، كما ورد ذلك صراحة أمام الدرجات السادسة بميزانية المصلحة عن السنة المالية 1954 - 1955. وانتهى إلى طلب إلغاء القرار الوزاري المشار إليه. وقد ردت الحكومة على هذه الدعوى مفسرة تخطي المطعون عليه في الترقية إلى الدرجة الرابعة في النسبة المحددة للأقدمية بأنه لم يسبق له شغل إحدى الوظائف المخصصة لها الدرجات الرابعة بميزانية المصلحة عن السنة المالية 1954 - 1955، وهي وظائف "وكلاء مفتشين لتفاتيش الدرجة الثانية ووكلاء مفتشي الأقسام أو مساعدي مفتشين"، وأن الذين شغلوا هذه الوظائف بالفعل هم الذين تخطى بهم من هم أقدم منهم تطبيقاً لأحكام المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وبجلسة 4 من إبريل سنة 1957 حكمت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 9 من سبتمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة، وما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأسست قضاءها على أن جميع الدرجات الرابعة الفنية الواردة بميزانية المصلحة هي "بالمشاع بين من يستحقون الترقية إليها من المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية أو بالاختيار بالكفاية في النسبة المخصصة للترقية بالاختيار، وذلك حسبما حددها قانون التوظف في المادة 38. والقول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة شاذة، فضلاً عن مجافاتها للعدالة، هي أن تصبح الترقية للدرجة الأعلى وقفاً على حملة مؤهلات معينة - في عرف المصلحة - دون أن يكون لحملة باقي المؤهلات نصيب من هذه الدرجات؛ إذ الثابت أنه تخطى في الحركة المطعون فيها لحملة ليسانس الحقوق وبكالوريوس الزراعة وذلك في الوقت الذي رقي فيه جميع حملة بكالوريوس الهندسة، ويضاف إلى ذلك أنه لو تمشينا مع وجهة نظر المصلحة لامتنع إطلاقاً وإلى الأبد ترقية المدعي وزملائه، طالما أنهم لا يشغلون وظائف وكلاء مفتشين، مع أنه ليس هناك ما يمنع من ترقيته للدرجة الرابعة في دوره بالأقدمية ثم يمنح اللقب المسمى في الميزانية بما يتناسب مع الدرجة المرقى إليها". واستطردت المحكمة إلى أنه "مع التسليم جدلاً بأن هذه الوظائف مخصصة، كما تزعم المصلحة، فإن الثابت أنه لا توجد أية قرارات تدل على تعيين المطعون في ترقيتهم في وظائف وكلاء مفتشين، بل كل ما في الأمر أنهم ندبوا إليها بقرار مدير عام المصلحة اعتباراً من أول إبريل سنة 1954، وكان الواجب أن تكون أداة الندب هي ذات الأداة التي تملك التعيين - أي من وزير الأشغال - ومع هذا فإنهم لم يقوموا بأعباء الوظيفة مدة السنة على الأقل التي نصت عليها المادة 22، وعلاوة على ذلك فقد كان بين هؤلاء من لا يشغل هذه الوظائف بالفعل، كالسيد فؤاد حسنين الخولي المنتدب بحكومة العراق والسيد عمر أحمد بازرعه المنتدب بحكومة المملكة العربية السعودية". وخلصت المحكمة إلى أن القرار المطعون فيه صدر على خلاف ما يقضي به قانون موظفي الدولة فيما يتعلق بنسبة الترقية بالأقدمية ونسبتها بالاختيار؛ ويتعين من ثم إلغاؤه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة.
ومن حيث إن الطعن يقوم في هذه الدعوى على سببين: الأول، أن الدرجات الرابعة بمصلحة المساحة مقررة في ميزانية الدولة عن السنة المالية 1954 - 1955 لوظائف متميزة بطبيعتها وأنها تتطلب في شاغليها تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة، كما تشترط فيمن يتقلدها أن يكون حاصلاً على مؤهل هندسي تبعاً لاحتياجات المرفق الذي يقوم شاغلو هذه الوظائف على تسييره وإدارته. والسبب الثاني، يتحصل في أن المطعون في ترقيتهم، إلى الدرجة الرابعة كلهم ممن شغلوا الوظائف المخصصة لها هذه الدرجة وقاموا بأعبائها قبل إجراء الترقية؛ ولهذا كان القرار المطعون فيه صادراً وفق أحكام المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه تبين لهذه المحكمة، من واقع الأوراق، أن المطعون عليه قد تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1939، وحصل على دبلوم الدراسة العليا في الشريعة الإسلامية في 3 من نوفمبر سنة 1945، وأنه رقي إلى الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي بمصلحة المساحة في 17 من فبراير سنة 1949، وأنه كان الخامس في كشف أقدمية موظفي الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي بمصلحة المساحة عند صدور القرار الوزاري رقم 235/ 1954 بتاريخ 9 من سبتمبر سنة 1954، وأن عدد الدرجات الرابعة المرقى إليها ثماني درجات، يخص نسبة الأقدمية منها ست درجات، وأنه تخطى بموجب القرار المطعون فيه بمن هم أحدث منه أقدمية في الدرجة الخامسة، وهما عمر أحمد بازرعه وترتيبه في كشف الأقدمية (الثامن) وعبد العزيز آصف البرلسي وترتيبه (التاسع)، وأن السبب الرئيسي للتخطي في الترقية بالأقدمية المطلقة، حسبما ورد في محضر لجنة شئون الموظفين المؤرخ 24 من أغسطس سنة 1954، مرجعه إلى أنه لم يشغل وظيفة وكيل مفتش لتفاتيش الدرجة الثانية أو وكيل مفتش لأحد الأقسام أو مساعد مفتش، وهي وظيفة قد خصص لها الدرجة الرابعة حسبما ورد بميزانية مصلحة المساحة عن السنة المالية 1954 - 1955.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن النقطة القانونية مثار المنازعة تنحصر فيما إذا كانت الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية - في خصوصية الدعوى - ينبغي أن تتم بالأقدمية على الإطلاق وفقاً لأحكام المادتين 39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، أم أن طبيعة الوظيفة المقرر لها الدرجة الرابعة بحسب تخصيص الميزانية تقتضي إعمال الأقدمية بين المرشحين على نحو لا يتعارض مع هذا التخصيص، وفيما إذا كانت تجوز ترقية المطعون عليهم بالتطبيق للمادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه، باعتبار أن ندبهم للقيام بأعباء الوظيفة ذات الدرجة الأعلى يخول جهة الإدارة ترقيتهم إليها، ولو خالفت في ذلك قواعد الترقية المنصوص عليها في المواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الأمر الأول، فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن تحديد ميزانية الدولة للوظائف المختلفة وتعيين درجاتها وتوزيعها في كل وزارة أو مصلحة إنما يقوم على أساس من المصلحة العامة؛ وفقاً لاحتياجات المرافق وكفالة لانتظام سيرها على الوجه الأمثل. غير أنه يبين للنظرة الفاحصة للميزانية أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي - بحسب تخصيص الميزانية له - تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة، بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن، ومنها ما ليس متميزاً بطبيعته بهذا التمييز الخاص، مما لا مندوحة معه من مراعاة هذا الفارق الطبعي عند إجراء الترقية حتى بالنسبة لما يجب أن تتم منها بالأقدمية بالتطبيق للمواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون بداهة إلا في النوع الثاني من الوظائف، أما بالنسبة إلى النوع الأول فلا يمكن إعمال الأقدمية على إطلاقها، وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجه المصلحة الذي قصدت إليه الميزانية من وراء هذا التخصيص، بل تجد الأقدمية حدها الطبعي في إعمال أثرها بين المرشحين الذين يتوافر فيهم التأهيل الخاص والصلاحية المعينة اللذان يتطلبهما تخصيص الميزانية للوظيفة؛ فلا يرقى مثل مهندس حيث تتطلب الوظيفة قانونياً، أو يرقى كيميائي حيث تتطلب مهندساً، أو مجرد مهندس حيث تتطلب تخصيصاً في فرع معين من الهندسة وهكذا، ولو انتظمتهم جميعاً أقدمية مشتركة في وحدة إدارية قائمة بذاتها في خصوص الترقية. كل ذلك مرده إلى طبائع الأشياء لتحقيق الغرض الذي استهدفته الميزانية من تمييز الوظائف هذا التمييز الخاص [(1)].
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ميزانية الدولة عن السنة المالية 1954 - 1955، أنه ورد بميزانية وزارة الأشغال (قسم 14)، في الفرع 6 الخاص "بمصلحة المساحة" الصفحة 608، ست وثلاثون درجة رابعة لوظائف "وكلاء مفتشين لتفاتيش الدرجة الثانية ووكلاء مفتشي الأقسام أو مساعدي مفتشين"، يليها في التدرج الهرمي النازل سبع وأربعون درجة لوظائف "مساعدي مفتشين ورؤساء مراجعة"، وهي الوظائف التي يشغل المطعون ضده إحداها حالاً.
ومن حيث إن ما وصفت به الوظائف محل النزاع في الميزانية لا يعدو أن يكون من الألقاب العامة التي ليس من شأنها أن تميز تلك الوظائف تمييزاً خاصاً بها؛ يقطع في ذلك التجانس الظاهر في طبيعة العمل بينها جميعاً، بل إن شاغلي الوظائف الأدنى مرتبة هم وكلاء شاغلي الوظائف الأعلى؛ وبهذه المثابة يقومون مقامهم في مباشرة اختصاصهم عند غيابهم، فلا وجه إذن للقول بأنها من الوظائف المتميزة بطبيعتها تمييزاً خاصاً يتطلب تأهيلاً خاصاً أو صلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين من شاغلي الوظائف الأدنى مقام بعضهم البعض في الصلاحية للوظائف الأعلى؛ ومن ثم وجب أن تجرى الترقية، سواء بالأقدمية أو بالاختيار، في النسب وبالشروط المبينة في المواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الثاني، فإن لا حجة في الاستناد إلى ما ورد في محضر لجنة شئون الموظفين المؤرخ 24 من أغسطس سنة 1954 من أن المطعون في ترقيتهما قد ندبا للقيام بأعباء وظائف "وكلاء مفتشين لتفاتيش الدرجة الثانية ووكلاء مفتشي الأقسام أو مساعدي مفتشين" في فترة سابقة على القرار المطعون فيه، وأن قيامهم بأعباء هذه الوظائف المخصصة لها الدرجة الرابعة يسوغ ترقيتهم إليها بالتطبيق للمادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - لا وجه لذلك؛ لأن المادة 22 من القانون المتقدم الذكر - بصيغتها المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1953 - كانت تجرى فقرتها الأولى بما يأتي "لا تمنح الدرجة المخصصة للوظيفة إلا لمن يقوم بعملها فعلاً، وإذا قام الموظف بأعباء وظيفة درجتها أعلى من درجته لمدة سنة على الأقل سواء بطريق الندب أو القيد على الدرجة أو رفعها جاز منحه الدرجة إذا توافرت فيه شروط الترقية إليها".
ومن حيث إنه يستفاد من حكم الفقرة السابقة أن ثمة شرطاً جوهرياً يتوقف على توافره جواز استعمال الرخصة المستحدثة التي خولتها الإدارة بموجب هذه الفقرة بالنسبة إلى ترقية موظف يقوم بأعباء وظيفة درجتها أعلى بطريق الندب، وهذا الشرط هو أن يتطاول هذا الندب لمدة سنة على الأقل قبل حصول الترقية.
وغني عن البيان، أن رخصة الترقية التي أعطيتها الإدارة - أياً كانت طبيعة الوظيفة المرقى إليها ولو كانت غير متميزة - إنما تتمحض استثناءً من قواعد الترقية حسبما نظمتها المواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951، بحيث إذا اختل شرط المدة امتنع على الإدارة بداهة استعمال هذه الرخصة ووجب عليها التزام قواعد الترقية المنصوص عليها في المواد 38 و39 و40 من القانون المشار إليه.
ومن حيث إنه إذ لم يتبين من الأوراق أن المطعون في ترقيتهما قد قاما بطريق الندب بأعباء الوظائف المخصصة لها الدرجة الرابعة لمدة سنة على الأقل قبل صدور القرار الوزاري المطعون فيه، فإن الترقية التي تمت لهما استناداً إلى المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تكون غير مستكملة للشروط التي تستلزمها المادة المذكورة.
ومن حيث إنه إذا تبين لهذه المحكمة من ناحية أخرى، على هدي الأوراق، أن الجهة الإدارية كان يتعين عليها - حسبما تقدم - إجراء الترقية بالأقدمية في حدود ست درجات رابعة من الدرجات الثماني الشاغرة عند إجراء الحركة المطعون فيها، وذلك طبقاً للمواد 38 و39 و40 من قانون موظفي الدولة، وأن ترتيب المطعون عليه كان الخامس في كشف أقدمية موظفي الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي بمصلحة المساحة، وأنه كان مثنياً عليه في كفايته خلال السنوات السابقة على صدور القرار المطعون فيه، وأن هذا القرار تناول بالترقية إلى الدرجة الرابعة في نسبة الأقدمية كلاً من عمر أحمد بازرعه وعبد العزيز آصف البرلسي، وهما يليان المطعون عليه في ترتيب الأقدمية - إذا تبين ما تقدم، فإن القرار الوزاري رقم 235 لسنة 1954 الصادر في 9 من سبتمبر سنة 1954، بتخطي المطعون عليه بمن هما أحدث منه أقدمية استناداً إلى تمييز طبيعة الوظائف المرقى إليها أو تعللاً بقيام المطعون في ترقيتهما بأعبائها، مخالفاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بإلغاء القرار الوزاري المشار إليه فيما تضمنه من تخطي المطعون عليه في الترقية إلى الدرجة الرابعة، قد أصاب الحق في قضائه؛ ويكون الطعن من ثم على غير أساس، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.


[(1)] راجع الحكم المنشور بالسنة الأولى من هذه المجموعة، بند 119، صفحة 989.